المادة كاملة    
لقد خالف كثير من أهل البدع والضلال في مسمى الإيمان، فاخترعوا له عدة تعاريف وحدود، وضلوا عن سواء السبيل، ونجا سلف هذه الأمة بتمسكهم بما جاء في النصوص الشرعية، فكانوا أقوم سبيلاً، وأصدق قيلاً.
  1. تغيير الأشعري وأتباعه لمذهب الشافعي في المعتقد

     المرفق    
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله أجمعين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
    لما ظهر أبو الحسن الأشعري منتسباً إلى مذهب الإمام الشافعي فغيّر هو وأتباعه على الأقل ابتداءً من الباقلاني ، ثم من بعده، فأصبح المذهب الأشعري الموجود الآن في العالم، والمنتسب أئمته في أصله إلى المذهب الشافعي؛ أصبح مغايراً ومخالفاً لما كان يعتقده الشافعي ، ويدين الله تعالى به في الصفات، وفي الإيمان، وفي القدر وفي غيره.
  2. تغيير الماتريدي وأتباعه لمذهب أبي حنيفة في المعتقد

     المرفق    
    وكذلك ظهر في المذهب الحنفي متكلم أقل شهرة من الأشعري ؛ لكنه فعل نفس الفعل، وهو: أبو منصور الماتريدي ، أي ظهر في بلاد ما رواء النهر في القرن الرابع، وهو الذي أظهر بين الحنفية علم الكلام، وأن المذهب الصحيح: أن الإيمان هو التصديق، فـأبو حنيفة يقول: الإيمان: هو التصديق والإقرار، وهذا يقول: لا؛ الإيمان: هو التصديق، أي: كما قال الأشعري ، وكما قال غيره، وأما الإقرار فهو ركن؛ لكنه ركن زائد وليس ركناً أصلياً، فلم يكتفوا بتأويل القرآن والحديث؛ لكنهم أخذوا أيضاً يؤولون كلام أئمتهم؛ ليوافق ما قرروه في القواعد الكلامية، وقد صرح بذلك الكمال بن الهمام وغيره، وأصبحت الكتب المتأخرة من كتب الماتريدية ككتب الأشاعرة تصرح بأن قول: لا إله إلا الله والإقرار بها نطقاً؛ ما هو إلا دلالة فقط، وعلامة على وجود الإيمان، فهو إما أن يكون ليس ركناً، أو أنه ركن زائد وليس بأصلي، أو أنه مجرد علامة، أو أنه شرط، فاختلفت عباراتهم ومؤدى الجميع أن الإيمان الحقيقي هو التصديق فقط، وأما ما عدا ذلك فليس داخلاً في الإيمان، فأصبحوا في الحقيقة جزءاً من المرجئة الغلاة ، والمرجئة الغلاة هم الذين يقولون: إن الإيمان هو ما في القلب، ثم قال بعضهم: هو التصديق، وقال بعضهم: المعرفة وهم الجهمية .
    إذاً: نقل متكلمة الحنفية المذهب إلى مذهب كلامي، فأصبحوا جهمية ، فابتعدوا كثيراً ليس فقط عن مذهب السلف، بل وعن المذهب الذي كان قدماؤهم يقررونه ومنهم الطحاوي ، فـالطحاوي جعل الإيمان ركنين: التصديق والإقرار، فهم أولوا الثاني ليتفق مع الأول.
  3. السبب الذي أوصل المتكلمين إلى فهم الإيمان بهذه الصورة

     المرفق    
    ولو سأل سائل: لماذا وصل المتكلمون إلى هذه النتيجة؟
    فالجواب: أن هذا حصل بتأثير علم الكلام، وبتأثير علم المنطق الذي قال فيه شيخ الإسلام : لا يحتاج إليه الذكي، ولا يستفيد منه البليد، فأهم مبحث عند المناطقة هو مبحث الحد، فالتعريف يسمونه: الحد، فهم من أجل أن يعرفوا الإيمان استخدموا الأساليب المنطقية في أننا نعرفه بالنوع والجنس، وأننا نعرفه بالذاتيات لا بالعرضيات، والذاتيات بالنسبة للإيمان هي: التصديق فقط، وأما الأعمال فجعلوها من العرضيات، وهذه هي الشبهة المنطقية التي أوقعتهم في هذا، فأصبح مذهب الماتريدية ومذهب الأشعرية في النهاية شيئاً واحداً، فمن قرأ لهؤلاء وقرأ لهؤلاء في هذا الموضوع فإنه لا يكاد يجد فرقاً، وما كتب من فروق بين المذهبين فأكثرها فروق كلامية، وليست من الأمور المنصوص عليها.
    فالمذهب الثاني هو الذي تحول في النهاية وأصبح جزءاً من المذهب الذي رد عليه الشيخ رحمه الله تعالى، فذكر المذهب الأول وأنه مذهب الأئمة الثلاثة، والمذهب الثاني -كما قال-: مذهب الطحاوي وكثير من أصحابهم، وهذا المذهب نفسه هو الذي غيره المتكلمون ومنهم أبو منصور الماتريدي ، ولهذا ذكر في النهاية أن أبا المعين النسفي في تبصرة الأدلة ذكر أقوالاً أخرى.
  4. المذهب الثالث: أن الإقرار باللسان ركن زائد

     المرفق    
    المذهب الثالث قال الشارح: [ومنهم من يقول: إن الإقرار باللسان ركن زائد وليس بأصل، وإلى هذا ذهب أبو منصور الماتريدي رحمه الله، ويروى عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه].
  5. المذهب الرابع: أن الإيمان هو الإقرار باللسان

     المرفق    
    قال: [وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملو الإيمان، ولكنهم يقولون بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به، وقولهم ظاهر الفساد]. فـالكرامية يقولون: إن الإيمان: هو قول باللسان، فالإقرار ليس بالقلب وإنما هو باللسان.
    1. حجة هذا القول والرد عليها

      وشبهتهم في ذلك: أن الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان من أظهر منهم الإسلام والإيمان بلسانه فهو من جملة المسلمين، وهذا واقع فعلاً، لذلك قالوا: نحن لا نجعل الإيمان ما في القلب؛ لأن ما في القلب خفي لا يطلع عليه، فبذلك ندخل في الإسلام أناساً ليسوا مسلمين، لكن نحكم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحكم، فكان كل من أظهر الإسلام فالنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة المؤمنون يعدونه منهم، فما دام أنه يقر بلسانه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصير مؤمناً، وهذا كلام كثير من الناس اليوم، وكل هذه المذاهب لها أصول في واقعنا اليوم، هذا كلام الكرامية .
      ومذهب الكرامية كان موجوداً ثم انقرض، وابن كرام صاحب هذا المذهب كان في القرن الثالث، وفساد هذا القول واضح، فهذه شبهة وليست دليلاً، وفسادها ظاهر وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله )، فنقول لهم: إن الذي كان يجاهد النبي صلى الله عليه وسلم عليه الناس هو: أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فعليهم أن يأتوا بالركن الأول، ويأتوا بالركن الثاني كذلك وهو إقامة الصلاة، وأن يأتوا بالركن الثالث وهو إيتاء الزكاة، لذلك قال الشافعي رحمه الله: أعظم حجة على المرجئة هي قول الله تعالى: (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5] فهذه الشهادة والتوحيد، (( وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ))[البينة:5]، ولما أنزل الله تبارك وتعالى سورة براءة وفيها الفصل الحاسم بين عهد الشرك وعهد الإيمان، وأصبح لا خيار لأحد: فإما أن يسلم أو يقتل خصوصاً من العرب؛ قال الله تبارك وتعالى فيها: (فَإِنْ تَابُوا) أي: من الشرك إلى التوحيد، (( وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ))[التوبة:5]، وفي الآية الأخرى: (( فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ))[التوبة:11].
      إذاً فكل هذه الأدلة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعطي الحكم الظاهر لمجرد قول: (لا إله إلا الله)، وإنما كان يلزم أيضاً بهذين الركنين وهما: إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأما الركنان الآخران فلم يلزم بهما، ولم يذكرا في الحديث؛ لأن الصوم عبادة خفية لا نطلع عليه، فلو نوى بقلبه أنه مفطر لم ينفعه الإمساك، ولو أكل لم يعلم أحد، وأما الحج فإنما يجب مرة واحدة في العمر، وبحسب الاستطاعة، وفي الصيام أيضاً يجوز للرجل أن يطعم عنه إذا كان ممن أعذره الله، وأما الزكاة فتؤخذ من كل صاحب مال ولو كان مريضاً، ولو كان مجنوناً، ولو كان صغيراً؛ فهي حق لله تعالى في المال، والصلاة لا بد أن يصلي: إما قائماً، أو قاعداً، أو على جنب.
    2. الرد على حديث أسامة: (أقتلته... ؟)

      فالمقصود: أن هذه الشبهة لا صحة لها، وكل من يظهر الإسلام له أن يتسمى: مسلماً وأن يعد من المسلمين، وأما حديث أسامة رضي الله تعالى عنه: ( أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله! أشققت عن بطنه؟! ) فيستدل به على أن من أقر بـ(لا إله إلا الله) فإنه لا يقتل، فإذا أقر بها فإنه يلزمه الصلاة والزكاة، فليس قول: لا إله إلا الله وحده هو المقصود، ولكنه في تلك اللحظة يكفي لعصمة الدم، فمن قالها فإنه يعصم دمه في تلك اللحظة، فإن قالها عصم دمه ولم يقتله، ثم إن أبى أن يصلي فإنه يقتل، وإن أبى أن يزكي وقاتل عليها فإنه أيضاً يقتل.
      إذاً: فالعصمة لم تحقق إلا لمن أتى بهذه الأمور، والرجل ينتقل من الكفر إلى الإسلام ليس فقط بالشهادة، فالشهادة معناها الالتزام بالأعمال، ولا يستطيع أن يلتزم بالأعمال في لحظة المقاتلة، والسيف فوق رأسه! فلا يمكن أن يصلي، وأن يزكي، لكنه يمكنه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وهذا هو المطلوب منه، فإذا أنظر وأمهل فيجب عليه أن يصلي، ويجب عليه أن يزكي.. وهكذا.
    3. قول الكرامية باستحقاق الوعيد لمن كان مقراً بلسانه ومخالفاً في باطنه

      إذاً: فقول الكرامية : إن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ولو خالف بقلبه؛ هذا قول باطل، لكنهم لم يلتزموا: أن من قال: لا إله إلا الله بلسانه دخل الجنة مهما فعل، ولهذا قال الشارح رحمه الله: وذهب الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط، فالمنافقون عندهم مؤمنون كاملو الإيمان، ولكنهم يقولون: بأنهم يستحقون الوعيد الذي أوعدهم الله به.
      فهم لا ينكرون الوعيد والعذاب للمنافقين أو لغيرهم، ولكنهم يقولون: إن من ذكر كلمة الشهادة بلسانه فهو مؤمن كامل الإيمان، وقد أدى ما عليه، فكأن المسألة عند الكرامية هي: إجراء أحكام ظاهرة، وليست في الكلام عن حقيقة الإيمان المطلوب شرعاً، والذي ينجي صاحبه من النار، وهذا هو المطلوب، وهو الأصل والغرض والقصد من الإيمان: أن يكون لدى الإنسان ما ينجيه من النار، ويدخله الجنة، فهم لا ينظرون إلى هذا الجانب، وإنما ينظرون إلى أنه قد ثبت له عقد الإسلام، فهو من ضمن المسلمين، وأما الوعيد فهو مستحق له، فإن كان منافقاً فهو مؤمن؛ لكنه هو في الحقيقة في الآخرة في الدرك الأسفل من النار، فيوافقون في اللوازم.
    4. وقوع كثير من الناس في مذهب الكرامية جهلاً

      فالذين يقولون: إن الإيمان في القلب ينطبق عليهم قول الجهمية ، وأما قول الكرامية فينطبق على من إذا خاطب أحداً ارتد، أو ألحد، أو كفر، أو ترك الصلاة؛ قال له: قل: لا إله إلا الله، فهذا هو مذهب الكرامية ، وإن كان كثير منهم الآن لا يعرفون ما هي الكرامية ، ولم يقرءوا عنها، ولم يسمعوها، لكن الشبهات تتوالد، والشيطان واحد، فالذي يلقن الشبهات للكرامية هو الذي يلقن أيضاً هذه الشبهات لمن بعدهم في أي زمان، وفي أي مكان، فيظن كثير من الناس أن الرجل إذا شهد: أن لا إله إلا الله؛ فمهما عمل بعد ذلك فإنه لا يكفر، ولهذا إذا خوطب من يعبدون الأصنام، ويتقربون إليها بالذبح والنذور والدعاء والخوف والرجاء، وهذه الأصنام قد تكون قبوراً، وقد تكون أشجاراً، وقد تكون أحجاراً؛ قالوا: إن هذا مسلم؛ لأنه يشهد أن لا إله إلا الله، فنقول: نعم؛ إنه يشهد: أن لا إله إلا الله بلسانه، لكنه يعمل هذه الأعمال الكفرية الشركية، فلا ينفعه ذلك.
    5. قد يرتد المسلم وإن كان مصلياً صائماً

      وكذلك الذين يتحاكمون إلى القوانين الوضعية، ويطبقونها، ويدرسونها ويُدرِّسُونَها، ويعملون بها، فلو كان أحدهم مصلياً مزكياً ما نفعه هذا الشيء؛ لأن المسألة ليست مجرد شهادة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون شاهداً: أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو متبع في حياته لـنابليون وغيره أصحاب القوانين الوضعية؟! فمعنى (أشهد) أي: ألتزم وأتعهد بأن أكون منقاداً مذعناً بمقتضى هذا القول وهو: أن الوحدانية لله عز وجل، والعبادة خالصة له، وأن الاتباع والتحكيم يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا انتفى هذا فالشهادة مجرد لفظ لا قيمة له، وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء؛ لكنهم بعضهم عند التطبيق قد لا يطبق ذلك، فكتب الفقه جميعاً في أي مذهب: حنفياً كان، أو شافعياً، أو حنبلياً، أو مالكياً، أو ظاهرياً تجد فيها: باباً أو كتاباً بعنوان: كتاب المرتد، فبعد أن تذكر العبادات، والمعاملات؛ يأتون بكتاب المرتد، ثم يبينوا أن المرتد: هو من فعل كذا، أو ترك كذا، أو قال كذا، إذاً لو كان كل من قال: لا إله إلا الله لا يكفر فلمن يعقد باب المرتد؟! إنه يعقد لمن كفر بعد إيمانه، وكفر بعد ثبوت الإسلام له؛ لأنه إن لم يثبت له الإسلام أصلاً فهو ما زال كافراً أصلياً، والفرق كبير بين الكافر الأصلي وبين المرتد.
      إذاً فلا قيمة لهذه الكتب على هذا الرأي، مع أن العلماء والفقهاء في جميع المذاهب يقرون بأن الرجل قد يدخل في الإسلام ويخرج منه، أو قد يكون من المنتسبين إلى الإسلام لكنه يخرج منه، ويرتد عنه، والردة تكون بالإشراك بالله تعالى، وهو أكبر وأعظم الذنوب، وبالجحود أيضاً، ويذكر أنواع الجحود، وبالتحاكم، وهو نوع من الشرك وغير ذلك مما هو ثابت في الكتاب والسنة.
      فمن هذا يتضح: أن مذهب الكرامية باطل، ومذهب الكرامية هو: أن المؤمن هو من قال: لا إله إلا الله؛ مع أنه قد يكون في الواقع في الباطن منافقاً في الدرك الأسفل من النار؛ لكنه مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه جاء بالنطق، فيعتبرونه مؤمناً في إجراء الأحكام الدنيوية؛ قالوا: لأننا رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هذا من الناس.
    6. المقارنة بين مذهب الكرامية ومذهب الجهمية من حيث شدة البطلان

      ولو قيل: أي المذهبين أقل فساداً مذهب الكرامية أو مذهب الجهمية ؟ فالجواب: أن مذهب الكرامية أقل فساداً من الآخر؛ لأن الذي لا يشترط الإقرار قوله أشد فساداً، وأما هذا الذي يشترط الإقرار فهو على الأقل قد ذكر شيئاً واضحاً يمكن التعامل على أساسه، وأما أولئك فيقولون: قد يكون مؤمناً ولم ينطبق بـ(أشهد أن لا إله إلا الله)، وهذا الكلام محال، وهذا هو الذي قال فيه السلف: لا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً لا ظاهراً ولا باطناً ما لم يشهد: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فكيف تقولون أنتم إنه يمكن أن يكون مؤمناً؟! قالوا: لأن النطق ليس ركناً أصلياً، فمجرد أن اعتقاده الحق بقلبه يكفي، ولو مات، ولم ينطق فإنه يكون عاصياً؛ لعدم نطقه.
      وهذا الكلام باطل؛ لأن من لم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وليس مجرد عاص، ولا ينفعه أنه اعتقد في قلبه أن هذا حق، أو عرف أن هذا حق.
      ولهذا رتب المصنف رحمه الله المذاهب بحسب قربها من الحق، فالمذهب الأول هو الحق، والثاني أقرب، والثالث: فرع منه، ثم مذهب الكرامية ، ثم قال عن الذي بعده: وهو أظهر فساداً من القول الذي قبله، وبيّن بعد ذلك فساد مذهب الجهمية.
      والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.