وهنا كلام طويل للعلماء، والذي يهمنا أن نعرفه أن الشخص إذا كان لا يعتقد أنها غير واجبة، بل يقول: الصلاة واجبة، ولكنه مصر على ألا يصلي، وإن سألناه أو ناقشناه في وجوبها أقر بذلك، ولكن يقول: لن أصلي. فجيء به إلى القضاء وقيل له تُب وأد ما افترض الله عليك، وإلا فاعلم أن جزاءك هو القتل، فنأتي بك إلى الساحة ليراك الناس ونفصل هذا الرأس عن هذا الجسد إن لم تصل، فقال: لن أصلي أبداً، فجيء به وضربت عنقه وهو على هذه الحالة، فما حكمه؟ يقول
شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: من قال: إن هذا الأمر فيه خلاف؛ فهذا خطأ لا ينبغي أن يقال، بل هذه فروع فاسدة؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقل عنهم شيء من هذه الفروع وهم أكمل الناس فقهاً وعلماً. يقول: فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن، أي يقول في باطنه: إن الله تعالى هو إلهي ومعبودي وربي وخالقي، وإنه قد أمرني بهذه الفرائض، وإنه يجب علي أن أؤديها، ويعتقد ذلك؛ فإنه يستحيل ويمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل، وهل يفعل ذلك مؤمن؟! قال رحمه الله تعالى: (هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم)، أي: لا يعرف من عادات بني آدم أن المرء يكون مقراً بشيء محباً له ثم يرغم عليه ولا يفعله، فإذا كان رافضاً له حتى يقتل دون أن يفعله فهذا دليل على كفره به وأنه لا يقبله أبداً، وإلا فكيف يفضل السيف عليه وهو في باطنه يحبه؟! هذا أولاً. ثانياً: قال رحمه الله تعالى: (لم يقع هذا قط في الإسلام)، فما وقع في الإسلام أبداً أنه جيء بأحد ليقتل وأصر على أن يترك الصلاة أبداً إلا من كان زنديقاً في الباطن، ولو كان جاهلاً فإنا نعلمه، والجاهل لا يعرض على السيف حتى يعلم. قال رحمه الله تعالى: (ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها ويقال له: إن لم تصل قتلناك، وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين)، كما قال رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان: لو جئنا برجل قال: أنا من
أهل السنة ، فقلنا له: إذاً ترض عن
أبي بكر و
عمر فقال: لا أترضى عنهما أبداً، فقلنا: نقتلك أو نضربك أو نعذبك، وظللنا نضربه ونعذبه فأبى أن يترضى عنهما، فهل يصدق أحد أنه في باطنه من
أهل السنة ويحب
أبا بكر و
عمر ، أم نكتشف بهذا العمل أنه رافضي؟! لأن
الرافضة من شدة حقدهم وعداوتهم للشيخين الكريمين خصوصاً ولعامة الصحابة الآخرين لا يمكن أن يفعل أحدهم ذلك لشدة حقده، لكن المؤمن من
أهل السنة لا يمنعه من ذلك شيء، بل إذا قيل: إن أبيت أن تقول: رضي الله عنهما ضربناك؛ فإنه يقول: أأتحمل الضرب وأترك شيئاً أنا راض به ومقتنع به؟! إذاً:
القاعدة التي يعرفها الناس جميعاً أن من تحمل الأذى أو الضرب أو القتل في سبيل شيء معين فهو معتقد له، ولولا أن هذا الأمر صار عقيدة عنده لما فضل الضرب أو القتل عليه، فهذا عقيدته تركُ الصلاة، وهذا وقع في الإسلام، أما الذي لم يقع هو أن يؤتى برجل يقر بوجوبها ويقال له: صل وإلا قتلناك ويأبى، فهذا منافق زنديق ملحد، كما حدث لبعض من درسوا في بلاد الغرب أو اعتقدوا العقائد الباطلة الكفرية كالشيوعية، فهؤلاء يصرون على أن لا يصلوا حتى يموتوا، فنعرف أنه قد تغلغلت في نفسه هذه العقيدة الخبيثة حتى أصبح يرى أنه من الواجب عليه أن يموت دون أن يرجع إلى الدين الذي هو دين الفطرة، فهذا لا بد من أن يموت كافراً ويقتل كافراً، ولا يجوز أن نختلف في حكمه فنقول: لعله يكون في الباطن مقراً بالوجوب فيكون مؤمناً. وهذا من كمال فقهه رضي الله عنه، وقد أخذ هذا من حال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع من تركوا شيئاً من الدين، ولذا قال رحمه الله تعالى فيمن هذا شأنه: (استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: (
ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ) رواه
مسلم ، وقوله: (
العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ) )، وقد تقدم الكلام مفصلاً في حكم تارك الصلاة وفي معنى الكفر هنا، فلن نعيده، إنما المقصود هنا بيان حكم التائب وكيف يتوب. قال رحمه الله تعالى: (وقول
عبد الله بن شقيق : [
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة ]، فمن كان مصراً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط؛ فهذا لا يكون قط مسلماً مقراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل هذا داع تام إلى فعلها). فهو -رحمه الله- يناقش القضية مناقشة نفسية، فيقول: إن أي إنسان يقوم في نفسه الدافع التام القوى لعمل معين، وجاء أيضاً ما يحضه عليه، ولم يكن هناك مانع، فلا بد من أن يفعل ذلك، فاعتقاد أن تاركها يستحق القتل وأن هذا من الدين، مع اعتقاد وجوبها هذا داع تام لفعلها، (والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور) أي: يستدعي وجوباً أن يوجد المقدور مع القدرة، فلم لم يفعل؟! قال رحمه الله تعالى: (فإذا كان قادراً ولم يفعل قط علم أن الداعي في حقه -يعني الدافع- لم يوجد)، ولو وجد لصلى، (والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل، لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحياناً).