المادة    
قال المصنف ابن أبي العز رحمه الله: [فمن ذلك ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق بسنده إلى أبي مطيع البلخي] اسمه: الحكم، وكنيته: أبو مطيع، وكان من أشهر أصحاب أبي حنيفة .
أقول: ومع أن منزلة أبي مطيع من الرواية غير مرضية، وروايته للكتاب ليس لها قيمة علمية، ولا تكفي في نسبة الكتاب للإمام أبي حنيفة ؛ لأن أبا مطيع متهم في الرواية؛ لكننا -كما سبق أن قلنا- نستفيد من كتاب الفقه الأكبر مما هو موافق لعقيدة السلف في الرد على الحنفية الذين انحرفوا؛ لأنهم يزعمون أن أبا مطيع شيخ فاضل من أئمتهم، لذلك فإننا نلزمهم بما ينسبه إلى أبي حنيفة مما يوافق الحق.
  1. تكفير أبي حنيفة للشاك في علو الله على عرشه

    قال المصنف: [فمن ذلك ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتاب الفاروق بسند إلى أبي مطيع أنه سأل أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال: قد كفر] وليس المقصود البدوي الجاهل الذي لا يعرف شيئاً من الدين، وإنما المقصود به من يقول: قرأت القرآن ووجدت آيات الاستواء، وسمعت كلام المتكلمين، فوجدت ما ينقض ذلك فاحترت، فأصبحت لا أدري آلله فوق العرش أو غير ذلك، فهذا هو المقصود بكلام أبي حنيفة؛ فهو يقصد الشخص المتحير المتشكك بين ما جاء عن الله، وبين ما جاء عن أهل الكلام وما قاله أرسطو وأفلاطون وأمثالهم.
    مثلما يقول بعض الناس اليوم: دعوا الخلافات، استوى أو لم يستوِ، دعونا نعمل للدعوة ونشتغل بالعمل الإسلامي، ولا تلفتوا لمثل هذه الخلافات..!
    فقال أبو حنيفة رحمه الله: "قد كفر؛ لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5]".
    فلا كلام لأحد مع كلام الله، فكل من جاء بشيء يعارض كلام الله عز وجل فهو مردود.
    ومن هنا نفهم أن المتحير المتشكك الذي يعارض كلام الله بكلام غيره -كائناً من كان- مخطئ ضال مجانب للصواب وقد يكون كافراً.
    قال: "لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سبع سماوات. قلت: فإن قال: إنه على العرش لكن يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض، قال: هو كافر أيضاً؛ لأنه أنكر أنه في السماء، ومن أنكر أنه في السماء فقد كفر، وزاد غيره: لأن الله في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل".
    استدل أبو حنيفة بدليل الفطرة وهو: أن القلوب تتجه إلى الله حال الدعاء عند الناس جميعاً -العالم والجاهل والصغير والكبير- كل من يتوجه إلى الله تعالى بقلبه ليدعوه يتجه إلى الأعلى، فهذا دليل الفطرة المغروسة في النفس.
    قال الإمام الذهبي رحمه الله: "وبلغنا عن أبي مطيع الحكم بن عبد الله البلخي صاحب الفقه الأكبر قال: سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض، فقال: قد كفر؛ لأن الله تعالى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] وعرشه فوق سمواته. فقلت: إنه يقول: أقول على العرش استوى، ولكن قال: لا يدري العرش في السماء أو في الأرض، قال: إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر. رواها صاحب الفاروق".
  2. أقوال العلماء في أبي مطيع البلخي

    قال الشيخ الألباني رحمه الله: "قلت أبو مطيع هذا من كبار أصحاب أبي حنيفة وفقهائهم قال الذهبي في الميزان : كان بصيراً بالرأي علامة كبير الشأن، ولكنه واهٍ في ضبط الأثر -وهذه أدنى درجات الضعف- وكان ابن المبارك يعظمه ويجله لدينه وعلمه. قال ابن معين : ليس بشيء".
  3. كتاب الفقة الأكبر ونسبته إلى أبي حنيفة

    يقول الشيخ ناصر : "قلت: وفي قول المؤلف -يعني: الذهبي - صاحب الفقه الأكبر . إشارة قوية إلى أن كتاب الفقه الأكبر ليس للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، خلافاً لما هو المشهور عند الحنفية، وقد طبع عدة طبعات منسوباً إليه ومشروحاً من غير واحد من الحنفية، منهم أبو منصور الماتريدي الذي ينتمي إليه أكثر الحنفية في العقيدة، وجمهورهم فيها من المؤولة؛ فترى أبا منصور هذا قد تأول قول أبي حنيفة المذكور في الفقه الأكبر تأويلاً يعود إلى إفساد كلام أبي حنيفة وإخراجه عن جماعة السلف في عدم التأويل، فقال في تأويل قوله رحمه الله: (فقد كفر) قال: (لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان فكان مشركاً).
    فأهل البدع كما أنهم يؤولون كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، فكذلك هم مع كلام أئمتهم الذين يعظمونهم في الفقه وفي الرأي، ويعظمون كلامهم في ذلك، وإن كان خلاف النص الصريح، لكنهم حين عرفوا كلامهم في العقيدة لم يأخذوه ولم يعظموه بل أولوه، وقد أول الماتريدي كلام أبي حنيفة ؛ فقد سأل أبو مطيع البلخي أبا حنيفة عمن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض، فقال أبو حنيفة : قد كفر. فقال أبو منصور الماتريدي: لأنه بهذا القول يوهم أن يكون له مكان، ومن اعتقد أن لله مكاناً كان مشركاً! مع أن أبا حنيفة قال: قد كفر؛ لأن الله يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5].
    يقول الشيخ الألباني رحمه الله: "ولم يلتفت إلى تتمة كلامه المبطل لتأويله وهو قوله رحمه الله: لأن الله تعالى يقول: ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قلت: فهذا صريح في أن علة كفره إنما هو إنكاره لما دلت عليه هذه الآية صراحة من استعلائه سبحانه على عرشه، لا أنه يوهم أن له مكاناً، سبحانه وتعالى عن ذلك".
  4. عقيدة أصحاب أبي حنيفة الأوائل

    يقول الشيخ الألباني : "قال شارح الطحاوية بعد أن ذكر رواية أبي مطيع البلخي : "ولا يلتفت إلى من أنكر ذلك ممن ينتسب إلى مذهب أبي حنيفة، فقد انتسب إليه طوائف: معتزلة وغيرهم، مخالفون له في كثير من اعتقاداته، وقد ينتسب إلى مالك والشافعي وأحمد من يخالفهم في بعض اعتقاداتهم، وقصة أبي يوسف في استتابة بشر المريسي لما أنكر أن يكون الله عز وجل فوق العرش مشهورة، رواها عبد الرحمن بن أبي حاتم وغيره".
    ثم يقول الشيخ الألباني : " وفيها دلالة على أن أصحاب أبي حنيفة الأول كانوا مع السلف في الإيمان بعلوه تعالى على خلقه، وذلك مما يعطي بعض القوة لهذه الروايات المروية عن الإمام أبي حنيفة، ومن ذلك تصريح الإمام أبي جعفر الطحاوي الحنفي في عقيدته بأن الله تعالى مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شيء وفوقه" وهذه الجملة هي الفقرة التي نحن بصدد شرحها والحمد لله.