المادة    
ابتدأ المصنف رحمه الله بكلام الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى؛ لأن صاحب المتن الإمام أبا جعفر الطحاوي حنفي، والمصنف ابن أبي العز هو أيضاً حنفي، وأكثر مذهب ظهرت فيه البدع هو مذهب الحنفية، فـالمعتزلة أكثر ما ينتسبون إليه، وكذلك الماتريدية الذين هم أقرب إلى الاعتزال ينتسبون إليه، بل لا تكاد ترى حنفياً إلا وهو ماتريدي، ومن النادر أن يكون غير ذلك، فبدأ بذكر أبي حنيفة لأجل ذلك.
قال: "وكلام السلف في إثبات صفة العلو كثير جداً؛ فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاري في كتابه الفاروق ".
  1. عقيدة الإمام الهروي

    وأبو إسماعيل الأنصاري هو الهروي صاحب كتاب: منازل السائرين الذي شرحه ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين، وأبو إسماعيل الأنصاري عليه مآخذ خصوصاً في كتابه منازل السائرين والذي عليه المآخذ.
    لكنه في الأسماء والصفات على مذهب أهل السنة والجماعة، وقد جاهد عليه وأوذي فيه، وإذا نظرتم إلى ص(278) من كتاب مختصر العلو فسوف تجدون أن الحافظ الذهبي رحمه الله ذكر شيخ الإسلام الأنصاري الهروي ضمن العلماء الذين يحتج بكلامهم وأثبتوا العلو، وعلق عليه الشيخ الألباني رحمه الله، تحت رقم (158) من الأئمة الذين عددهم؛ قال الذهبي : (شيخ الإسلام الأنصاري .. قال الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي صاحب كتاب ذم الكلام وأهله " .
    وهذا الكتاب من أشهر كتبه، وهذا الكتاب نقل منه شيخ الإسلام رحمه الله قطعة كبيرة في رسالته التسعينية، التي هي عبارة عن كتاب يتضمن تسعين وجهاً في نقض مذهب الأشاعرة، وخاصة في مسألة الكلام والقرآن.
    وللهروي أيضاً كتاب مهم، وهو كتاب الفاروق في صفات الله سبحانه وتعالى، وهو الذي ذكره الشيخ المصنف هنا.
    قال الذهبي : "قال الإمام الكبير أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي -صاحب كتاب ذم الكلام وأهله وكتاب منازل السائرين في التصوف- في كتاب الصفات له: (باب استواء الله على عرشه فوق السماء السابعة بائناً من خلقه من الكتاب والسنة) فساق حججه من الآيات والحديث إلى أن قال: وفي أخبار شتى أن الله في السماء السابعة على العرش بنفسه وهو ينظر كيف تعملون، وعلمه وقدرته واستماعه ونظره ورحمته في كل مكان".
  2. مآخذ العلماء على كتاب منازل السائرين للهروي

    ثم قال الذهبي رحمه الله في التعريف بالإمام الهروي صاحب الفاروق الذي سينقل لنا النص عن أبي حنيفة قال: "كان أبو إسماعيل آية في التفسير، رأساً في التذكير، عالماً بالحديث وطرقه، بصيراً باللغة، صاحب أحوال ومقامات في التصوف، فياليته ما ألف كتاب المنازل " نعم، ليته ما ألف كتاب منازل السائرين ..!
    وليته إذ ألفه حذف ما فيه من مخالفات..!
    فلو أبقى فيه ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من الصبر والتوكل واليقين، وأبقى فيه أيضاً كلام السلف مجرداً من مسألة المقامات والأحوال وما فيه من الطوام أحياناً لكان أفضل؛ يقول الذهبي : " ففيه أشياء منافية للسلف وشمائلهم ".
    ثم يقول الذهبي رحمه الله بإنصاف علماء من أهل السنة كعادتهم: "قيل: إنه عقد على تفسير: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى))[الأنبياء:101] ثلاثمائة وستين مجلساً" أي: سنة كاملة في بيان هذه الآية وشرحها وشرح ما تتضمنه وما تدل عليه، يقول الذهبي: "وقد هدد بالقتل مرات ليقصر من مبالغته في إثبات الصفات" لأنه كان في ظل دويلات منحرفة، وكان أهل البدع متمكنين فيها، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أنه ما كان يعرض عليه أن يرجع ويسجن فحسب، بل كان يعرض عليه السيف ليسكت عن كلامه في إثبات الصفات، ومع ذلك فإنه يأبى إلا أن يثبت صفات الله سبحانه وتعالى، فالانحراف إنما دخل عليه من باب ما يسمى السلوك، لا من باب الصفات.
    قال الذهبي : "وقد هدد بالقتل مرات ليقصر من مبالغته في إثبات الصفات، وليكف عن مخالفيه من علماء الكلام، فلم يرعو لتهديدهم ولا خاف من وعيدهم"؛ لأن الإمام الهروي -رحمه الله وغفر الله لنا وله- كانت له منزلة كبيرة عند الخاصة والعامة، ويعلق الشيخ الألباني على قول الذهبي رحمه الله: "ففيه أشياء منافية للسلف.." يقول الألباني : "قلت: تجد أمثلة من ذلك في كتب ابن تيمية رحمه الله، ومنها رسالته في القضاء والقدر.
    قال المؤلف في التذكرة (3/ 355): ورأيت أهل الاتحاد... " والشيخ الألباني يقول: يعني الصوفية القائلين بوحدة الوجود، والعبارة الأدق: الصوفية القائلين بالاتحاد كما قال الذهبي ؛ لأن هناك صوفية تقول بالاتحاد، وصوفية تقول بوحدة الوجود، وقد أوضحنا الفرق فيما سبق.
    فالقائلون بوحدة الوجود يقولون: إن الله تعالى هو عين الموجودات، مثل ما قال ابن عربي في قوله تعالى: (( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى))[طه:5] قال: وما (العرش) وما (استوى) وما ثم إلا هو؟!!
    وهذه العقيدة قد يذكرها بعض من يعتنقها بعبارة خبيثة؛ يقولون: لا موجود إلا الله..
    أما الاتحاديون فإنهم يثبتون ذاتين، ذاتاً للخالق وذاتاً للمخلوق، لكن الذاتين تتحدان، وهذا دين الهندوس.
    يقول الذهبي : "ورأيت أهل الاتحاد يعظمون كلامه في منازل السائرين، ويدَّعون أنه موافقهم، ذائق لوجدهم، ورامز لتصوفهم الفلسفي، وأنى يكون ذلك وهو من دعاة السنة، وعصبته آثار السلف؟! ولا ريب أن في منازل السائرين أشياء من محض المحو والفناء.. إلخ ".
    والمقصود: أن الكتاب عليه مآخذ، ومن أعظم المآخذ على كتاب منازل السائرين الأبيات التي أوردها:
    ما وحد الواحد من واحد            إذ كل من وحده جاحد
    توحيد من ينطق عن نعته            عارية أبطلها الواحد
    توحيده إياه توحيده            ونعت من ينعته لاحد
    وهذه الأبيات من أشنع الأمور التي ذكرها، وقد علق عليها الإمام ابن القيم رحمه الله تعليقاً جيداً، وإن كان في بعض المواضع لم يكن تعليقه بالقوة التي تنبغي، فرضي الله عنهما و غفر لهما.