تناقض الخطاب الستيني
ويبدو أن ذلك التفسير أو أثراً منه لا يزال عالقاً في أذهان أحفادهم وإن كانوا علمانيين!!
وهكذا جاء الخطاب الستيني متناقضاً، فهو يجمع بين صوت العقل في حديثه عن التفريق بين الإسلام وما فعله بعض المسلمين -بل حتى بين الجهاد وبين الإرهاب- وبين صوت الموروث الثقافي المتراكم في اللاشعور الذي زاده التضليل الإعلامي الرسمي ضلالاً فوصم الحركات الإسلامية كلها بأفظع أنواع الإرهاب -لا- بل حصر الإرهاب العالمي فيها وحدها.
هل نعتقد -نحن- أن الحضارة الإسلامية مطلقة الكمال، أو أن الحركات الإسلامية معصومة؟
لا أحد من المسلمين يقول ذلك، فالكمال المطلق إنما هو للإسلام ذاته - في العقيدة والقيم والأحكام - والعصمة إنما هي للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذاته فيما يبلغه عن الله، ثم للمسلمين كافة كشخصية معنوية فيما يتبعون رسولهم فيه، فهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة -مع غض النظر عن قلة أهل الحق والاستقامة منهم عددياً -
الواقع الذي يعلمه المسلمون عامة- حكوماتٍ وحركاتٍ وشعوباً- أن الهوة بين واقع الأمة الإسلامية وحقيقة الإسلام هي الوقود الأكبر والمبرر الوحيد لوجود حركات الإصلاح الإسلامي، وعليه فالحركات الإسلامية تسعى - كل منها وفق تصوره ومنهجه وعلى تفاوت فيما بينها - لإعادة الأمة إلى القيم الإسلامية التي هي بحق القيم الكونية كما أسلفنا، وليس إلى نسف هذه القيم كما جاء في الخطاب الستيني.
وفي الإقرار بهذا تكمن الفرصة العظيمة للحوار بين الغرب وهذه الحركات - أي: على أساس اعتراف الغرب بالدور الإيجابي العظيم لها، وبتمثيلها الصادق للشعوب الإسلامية.
فهل يفعل الستون وغيرهم ذلك؟
لا أظن أن ذلك كثير على من يحب الحق ويريد الخير للإنسانية، بشرط أن يكون صادقاً.
إن الموقف العدائي للإسلام منهج ثابت في السياسة الأمريكية قبل أحداث (11 أيلول) وبعدها، وإن الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب لم تزد تلك الحقيقة عند المسلمين إلا رسوخاً - والبقية ستأتي.
ولو أن هذا الحيف بل العداء محصور في قضية فلسطين لقيل إن هذا بتأثير اللوبي الصهيوني في أمريكا، ولو أنه محصور في أفغانستان لقيل إن هذا نتيجة لوجود تنظيم القاعدة فيها!!لكن إذا كان ذلك عاماً لكل بلد إسلامي وأقلية إسلامية في العالم فبماذا يمكن تفسيره؟.
لإيضاح ذلك نأخذ مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، ونستدعي ستة أمثلة ونصنفها إلى نموذجين أحدهما توافقي والآخر تعاكسي، ثم نستنبط النتيجة:-
النموذج المتوافق: دولتان: الاتحاد السوفييتي، الصين: كلاهما عدو سابق لأمريكا، وفي كل منهما شعوب تطالب بهذا الحق ( في الأولى: مجموعة دول البلطيق من جهة، ومجموعة دول القوقاز الإسلامية من جهة أخرى؛ وفي الأخرى: البوذيون التبت من جهة والمسلمون من جهة أخرى.
والنموذج المتعاكس: الهند والفلبين من جهة وإندونيسيا والسودان من جهة أخرى ( فالأولييان فيهما شعبان مسلمان يطالبان بالإنفصال، والأخرييان فيهما أقليتان غير مسلمتين تطالبان بالشيء نفسه ).
والمواقف الثابتة للسياسة الأمريكية:
1- الوقوف بقوة مع استقلال بحر البلطيق، وتجاهل مطالب الجمهوريات الإسلامية؛ بل رفضها أحياناً والسكوت عن إبادة عنصرية يمارسها الروس هناك.
2- الوقوف بقوة مع البوذيين التبت، وتجاهل قضية المسلمين مع أن عددهم يزيد على عشرة أضعاف أولئك!
3- اعتبار الحركتين الانفصاليتين في كشمير وجنوب الفلبين إرهابيتين، وإعلان الحرب عليهما!
4- الوقوف بقوة مع الحركتين الإنفصاليتين في إندونيسيا والسودان!
إذا كان لدى المفكرين الستين تفسيراً لهذا غير الانحياز ضد الإسلام فليقدموه؟!
وإن كانوا يظنون أن تحوير المصطلحات من نوع إسلامي وإسلاموي كافٍ لتجنب الإشكال؛ فإن هذا هو الإشكال الأكبر.
إذا كانوا يعتقدون أن المنظمات الأصولية والعنصرية المتطرفة في أمريكا -على كثرتها وتنوعها- وأن المنظمات العنصرية المتطرفة في أوروبا، وأن المنظمات المتطرفة من الهندوس واليابانيين لا تستحق أن تُذكر فما للحوار معهم من فائدة، وإن كانوا يرونها جديرة بالذكر وأهملوها فليكن أول مبادئ الحوار مع الحركات الإسلامية إعلان الاعتذار عن تخصيصها بالاتهام؛ بل عن الاتهام نفسه.
لا يهمنا - نحن المسلمين - ما إذا كانت الحكومة الأمريكية مفوضة في ارتكاب ما ترتكب من انتهاكات ضدنا كما زعمتم، أو غير مفوضة كما صرح مسئولون رسميون ( منهم النائب الديموقراطي عن ولاية أوهايو دنيس كوشينتش ) الذي يهمنا أن تعلموه -معشر الستين- إذا أصرت حكومتكم على حربنا بكل أنواع الحرب وفي كل مكان من العالم - هو عن أي شيء ندافع؟!