لكن الغريب -في نظرنا ونظر كل باحث عن الحق والعدل- هو تغييب القائمة الأخرى، أو ما يمكن أن يوصف بأنه محو الكفة الأخرى لميزان العدل من الوجود! وليس ذلك بفعل قادة البنتاجون، بل على يد مفكرين يحاولون احتكار الحديث عن القيم!! بل يضعون للعالم قيماً وموازين هي في نظرهم أسمى القيم وأعدل الموازين!
إن خالق هذا الوجود سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد بين أنه أحكم بناءه على العدل، وبالتالي فإن على البشر أن يقيموا الحياة الإنسانية على العدل أيضا، وعليه فالناس الذين لا يزنون بالقسطاس المستقيم يتصادمون مع ناموس الوجود، وليس فقط مع دعاة العدل من البشر.
((
الرَّحْمَنُ *
عَلَّمَ الْقُرْآنَ *
خَلَقَ الإنْسَانَ *
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ *
الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ *
وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ *
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ *
أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ *
وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) [الرحمن:1-9]
الحق أن القائمة الأخرى أثقل من أن تحتملها كفة ميزان مهما بلغت عظمته، لأن
هيروشيما وحدها سوف تحتلّه وتفيض عنه، فأين توضع النماذج الأخرى للحرب الأمريكية العادلة والنظيفة! من أمثال الحرب الكورية، والحرب الفيتنامية، وحرب الخليج و....
هنا عند ذكر
الخليج يضطرني ضميري للمقاطعة لكي يهمس في ضمائر الأمهات الشفوقات من مثل السيدة
إنولاإيرد كيف غابت عنكن حين وقَّعْـتُنّ مع القوم أسمى العواطف الأنثوية فنسيتُنّ مليوني طفل عراقي ألتهمتهم أمراض الحرب البيولوجية الشرسة على
العراق؟!
ألم يكن ذلك كافياً للتفكير جدياً قبل التوقيع على تبرير القصف الأمريكي لأطفال وأمهات
أفغانستان، الذي استخدم مالم يعلم عنه العالم من قبل من أسلحة الفتك والدمار للإجهاز على الآلاف منهم، وهم جوعى، مرضى، منعزلون في جبالهم الشاهقة، لم يسمعوا عن مركز التجارة العالمي ولا عن البنتاجون ولا عن تنظيم القاعدة!!
ربما تتداعى الأسئلة من نوع:
لماذا استهدفت القنبلة الذرية المستشفى العام في
هيروشيما ومن هناك صهرت عشرات الآلاف وأحرقت عشرات أخرى وشوهت أضعافهم؟!
ولماذا استهدف القصف على
بغداد ملجأ العامرية فصهر (1500) امرأة وطفل في جحيم أرضي لا نظير له من قبل؟!
ولماذا استهدف القصف على
كابل مخازن الصليب الأحمر الإغاثية فحول الغذاء والدواء إلى رماد يتطاير أمام أعين الملايين من البائسين؟!
إن كان ذلك كله وقع خطأ فعلى أي شيء يدل تكرار الخطأ في عالم القيم؟ وإن كان مقصوداً فهل له في عالم القيم من موقع؟
ثم تسألون - معشر الستين - على أي شيء نقاتل؟!
نحن نقبل أن يكون هذا السؤال مدخلاً لإيقاظ العقل والضمير ومحاسبة النفس، أما أن يكون تمهيداً مقصوداً للدفاع عن سلوك لا قيمي في مواجهة الضمير العالمي والمحلّي والإسلامي، فنعتقد أننا جميعاً لسنا بحاجة إلى الجدل النظري.