منذ قرابة قرنين ادعى هيجل أن نهاية الجدلية التاريخية تحققت في ظل الامبراطور العظيم لدولة بـروسيا، وسرق ماركس الفكرة ليعلن أن تلك النهاية إنما تتحقق بقيام دولة البروليتاريا، وعندما أقام لينين هذه الدولة جعل تلك العقيدة حجر الزاوية في الفكر الثوري الذي اجتاح نصف هذا الكوكب.
وقبل نهاية القرن انتهز البروفسور فوكوياما -الذي تظهر بصماته واضحة على الخطاب الستيني - سقوط إمبراطورية البروليتاريا ليجعل دولة النهاية -لا بـروسيا ولا روسيا- بل أمريكا، وهنا -يا للعجب- يلتقي مع الأصوليين من نوع المولودين من جديد الذين ينتمي إليهم الرئيس ريجان صاحب شعار (امبراطورية الشر) الذي أصبح اليوم محور الشر!
وهؤلاء يؤمنون بالألفية السعيدة التي اعتقدوا أنها ستبدأ عام ألفين أو نحوه، وجاء هذا الاتفاق بمنـزلة الدليل المدهش لصحة ما ذكره نقاد هيجل من الفلاسفة الألمان وغيرهم، أنه إنما أخذ فكرة نهاية التاريخ من المسيحية!
هذه الدورة الفكرية في افتعال الأسس الفلسفية للتعالي على الآخر، تكشف عن نزعة مركزية حادة، لا تضع للآخر وقيمه حساباً، لكنها تستر ذلك بدعوة الآخر إلى الإيمان بالقيم التي تتوهم أنها واضعتها والسابقة إليها.
بيد أن ثمة سؤالاً آخر عن موقع البروفسور صمويل هانتنجتون صاحب نظرية صراع الحضارات -الذي له بصماته الواضحة أيضاً في الخطاب- ويمثل الوجه الآخر لأزمة المثقفين الأمريكيين، الذين يبتهجون بتحقق نبوءاتهم ولو كان ذلك لحساب تدمير شعوب عدة في العالم.
والجواب ببساطة هو أن الألفية السعيدة التي يؤمن بها اليمين الأصولي في أمريكا إنما تتحقق من خلال الدم الذي يرتفع إلى مستوى ألجمة الخيل على مسافة (200) ميل في ملحمة هرمجدون، تلك التي يعتقد الأصوليون أنها ستكون حاسمة في انتصار الخير الغربي المسيحي على الشر الشرقي الإسلامي، والتي سيجتمع فيها (400) مليون مقاتل كما يجزم جيري فالويل الأصولي المشهور
ومن هنا نفهم كيف التقى - على أرض الحرب الحالية الشاملة على الإسلام - كل من فوكوياما وهانتنجتون وصمويل فريدمان ومعهم مجموعة كبيرة من المعروفين بالتوجه اليميني في أمريكا.