النزعة إلى العنصرية
إن النـزعة العنصرية لدى هؤلاء الستين - وهي أمر مؤسف للغاية - تجاوزت جحد منـزلة القيم الإسلامية لتـتنكر للقيم الغربية نفسها:
( ما من أمة صنعت هويتها، أو كتبت دستورها، وسائر وثائقها المؤسِّسة، كما فهْمَهَا الأساسي لنفسها، بهذه الدرجة من المباشرة والإفصاح بالاستناد إلى القيم الإنسانية الكونية )
حين أسس جون سميث مستعمرة فرجينيا سنة (1607) قال: ''لم تتفق الأرض والسماء على إعداد بقعة يسكنها الإنسان أفضل من هذه البقعة''.
وهكذا مرت أربعة قرون على هذه النظرة الاستعلائية دون تعديل.
وكأن الناس - في الغرب على الأقل - لا يعلمون أن هذه الأمة تشكلت من خلال ثورة على أكثر الديمقراطيات الغربية رسوخاً، وانتحلت شعارات مؤسسي فكر الثورة الفرنسية، لكي تؤسس أكثر المجتمعات دموية وعنصرية في التاريخ الإنساني.
ليس من اللازم أن تكون الامبراطورية الأمريكية المعاصرة هي ما أراد المؤسسون الأوائل تأسيسه، كما ليس من العدل أن يقال إن الشعب الأمريكي يؤيد المؤسسة الامبراطورية العسكرية في واشنطن عن قناعة وإيمان؛ بل إنه ضحية تضليل هائل، لكنه على أي حال مسئول -كأي شعب حر- عما يعتقد ويفعل.
ومن هنا يجب عليه أن يحاكم تصرفات تلك المؤسسة إلى الأخلاق والقيم، لا أن يصدق الذين يُلبِسونها ثوباً زائفاً من الأخلاق والقيم معتمدين في إسكات ضميره على إثارة نزعة التميّز والاستعلاء، وإلا فسوف يبتعد عن القيم الكونية مخدوعاً بأنه أول من أسسها وأصدق من يمثلها، في حين يتجه الشعور العام لدى الشعوب التي تعلّم منها الأمريكان القيم إلى عكس ذلك تماماً، فالخطر الذي يقلق الغيورين على الحرية في بريطانيا -أو غيرها حالياً- هو أن تتخلى عن بعض قيمها الديمقراطية مقتفية النهج الأمريكي في التضييق على الحريات.
هذا الانتكاس يُظهر أن الغطرسة الأمريكية - التي اعترف بها الستون سياسياً - قد ألقت بظلها على عالم المنطق -أيضاً- وحين يكون منطق القوي هو الذي يفرض نفسه وليس أمام الآخرين إلا الإذعان فتلك هي المأساة!