فوائد مستنبطة
إن الله تعالى قد عَلِمَ حاجة هذه الأمة إلى اليقين والإيمان فجاء بهذا الحادث ليكون آية من عنده على ((أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً))[البقرة:165] وأنه تعالى قادر على أن يفعل بكل عدو للإسلام ما فعل ببني النضير الذين ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ((فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ))[الحشر:2]
إن هذا الحادث أكبر من كونه هجوماً مباغتاً على قوة عظمى زلزلَ أركانها، وأفقدها صوابها، إنه قلبٌ لكل المعادلات ونسفٌ لكل الحسابات التي بنى عليها الغرب الصليبي حضارته وسيطرته وأسباب قوته منذ خمسمائة سنة وأكثر -أي: منذ أن أخرج المسلمين من الأندلس، وشرع في كشوفاته الاستعمارية الأولى.
فكل تلك المعادلات والحسابات والأسباب تقوم على التفوق العسكري والحضاري على الخصم في كل ميدان، وهو التفوق الذي بلغ ذروته في المرحلة الأخيرة، حيث لم يعد في إمكان العالم الإسلامي التفكير في مقاومة هذا العدو، الذي تأهل بالتقنية المتطورة ليصنع أشد الأسلحة فتكاً ودماراً، وتوحّد ليصبح معسكراً واحداً من حدود روسيا مع اليابان شرقاً إلى أقصى الجزر التابعة لـأمريكا غرباً، وقد استنفد آلاف البلايين ليملك قوى جهنمية ومواقع استراتيجية وثروات طبيعية لا يقبل أن ينافسه أحد في شيء منها.
هذا والعالم الإسلامي يعيش عقدة النقص والتخلف فأنىَّ لـه بجيوش كهذه الجيوش، وقوى وموارد كتلك القوى والموارد، وهو فقير متخلف في أهم أسباب القوة المادية وهو " التقنية "!! وأنى له أن ينافس في شيءٍ ما من الميادين والعدو متربص به يحصي أنفاسه ويمتص دمه!!
إنها حال مؤلمة لا تبعث إلا على الإحباط واليأس، وربما أنتجت شكاً في وعد الله وسوء ظن به؛ بل تكذيباً لما جاء في كتابه - عياذاً بالله - ولكن هذا الحادث جاء ليقول للمسلمين والعالم بوضوح:
إن القلعة الحصينة التي بناها الغرب في قرون يمكن اختراقها بالحمام الزاجل! وإن الجيوش الغفيرة يمكن هزيمتها بمئات من طالبي الجنة! وأن التقنية مهما تطورت لا يمكن أن تقاوم الروح المعنوية للمؤمنين.
جاء وأمريكا تعمل على قدم وساق لبناء منظومة صواريخ للردع الاستراتيجي، وأقمارها الصناعية ترصد ما فوق الأرض؛ بل ما تحتها من الكنوز، ولكن روحها خاوية من الإيمان بالله مشبعة بالكبر والغطرسة فاستطاعت ثلة قليلة العدد من أبناء العالم المتخلّف أن تدوس أنفها في التراب على مرأى ومسمع من العالم المذهول المصعوق.
سبحان الله! أيّ آية في هذا، وأيّ عبرة للمؤمنين؟
لو عقلت أمريكا هذه الآية لسارعت بطلب المغفرة من المسلمين، وبادرت بالتكفير عن جرائمها الكبرى ومواقفها المشينة معهم، ولكنَّها - لحكمة عظيمة قدرها الله - ركبت رأسها وشرعت في عدوان من شأنه أن يجعل الملايين في العالم الإسلامي تتحول من حياة المتعة الرخيصة إلى طلب الشهادة على نحو ما فعلت تلك الثلة أو أكثر، وربما بوسائل أخطر.
لقد انقلبت كل الخطط والمعايير والمعادلات والحسابات!!
وأصبحت الترسانة الهائلة من الأسلحة -التقليدي منها والنووي و... و... مما لا نعلم- أشبه بأكوام السيارات القديمة أو "الخردة".
لقد تم تحييدها في هذا النوع الجديد من الحرب الذي لا يعدو أن يكون مبارزة بين قوى خارقة غير مرئية يملك المسلمون منها ما لانهاية له وبين القوى المادية التي يكتظ بها الغرب ولكنها هامدة خاوية لا روح فيها، فهي كالعملاق الضخم الذي يمكن لفيروسات قاتلة أن تنخركبده، وهو يستعرض قوته في مصارعة إنسان أنهكه المرض وأجهده الجوع!