وقبل الحديث عن إمكان نجاح هذه الخطة من عدمه نشير إلى الجانب المهم جداً للصراع وهو الجانب الحضاري والثقافي الذي تلخصه الإدارة الأمريكية في عبارات من مثل : "تجفيف المنابع" أو "فرض القيم الأمريكية" والواقع أن العالم الإسلامي يتميز في هذا الجانب تميزاً هائلاً، فالاختراق الحضاري الغربي لمنظومة الأديان الشرقية ممثلة في البوذية والكنفوشيوسية والهندوسية لا يحتاج إلى برهان، فقد اجتاحت الإباحية الأمريكية واللغة الأمريكية والثقافة الأمريكية القلاع التقليدية لهذه الأديان، وإن كانت الصين لا تـزال تحاول المقاومة، أما العالم الإسلامي فشأنه منذ القدم أن يستوعب الثقافة الوافدة فلا هو يعاندها ولا هو يذوب فيها، وكلما كان التحدي أقوى كانت استجابته أشد.
نعم، إن هذه الهيمنة أعنف هجمة حضارية تعرض لها في تاريخه ولكن بوادر التميز قد ظهر لها إشارات وبشارات في كل مكان، ومنها الوجود الإسلامي المتميز في داخل الحضارة الغربية نفسها ولا أوضح من معرفة السر في هذا، فهو نقاء هذا الدين وربانيته وفطريته؛ لكن أمريكا لا تقبل الاعتراف بهذا ومن هنا يأتي المفتاح للجواب على السؤال الكبير وهو :
هل ستكسب أمريكا هذه الحرب الطويلة الشاملة الذي فرضتها على نفسها وعلى العالم؟
والجواب بدون تردد: لا. لن تكسبها ولو جعلت العشر السنين عشرين؛ بل قرنين. إن أمريكا يمكن أن تكسب حرباً عسكرية خاطفة أو طويلة، أما أن تكسب حرباً شاملة فلا، ومن هنا من ثغرة الشمول ينتقض بناؤها على أم رأسها، والسبب توضحه جلياً التجارب الكثيرة من الأمة الإسلامية في كل صراع تلوح فيه شعارات الدين، فلا شيء يستفز المسلمين أكثر من مس العدو جانب الدين أو المقدسات، وقد نمى الوعي الإسلامي بحيث أصبح استخدام الأجواء مساساً بالمقدسات فكيف والإدارة الأمريكية تستفز المسلمين بشعار كشعار "الحرب الصليبية" أو "تجفيف المنابع" وتظن أنها تمتص المشاعر الجياشة بأعمال من قبيل زيارة مركز أو إلقاء غذاء مع الصواريخ المتساقطة!!
إن شعوب العالم الإسلامي خاصة -وشعوب العالم عامة- تستريب من كل خطوة أمريكية، وإن جاءت في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي تسبح عكس التيار؟ فحين لوّحت بالاعتراف بدولة فلسطينية لم يأبه لها أحد، وحين ألمحت إلى تغييرات في الأنظمة العربية لصالح الديمقراطية وحرية الشعوب لم يصغِ لها أحد، أما حين تتحدث عن الحركات الجهادية في العالم باعتبارها إرهابية فإن المسلمين يتوقعون منها كل شر.
إن المواجهة بين أمريكا والعالم الإسلامي ستكون عنيفة للغاية ومدمرة، وسوف تحدث شروخاً هائلة في الوضع القائم ما لم تتراجع أمريكا عن خطتها الغاشمة وعدوانها المستمر، وهو ما لا يظن بها -على الأقل في المرحلة الراهنة- ومن هنا نرجو أن يكون هذا استدراجاً لها من الله مع كونه ابتلاءً وامتحاناً للمسلمين.