بقي أن نعرف أهم شبهاتهم في حكم تارك العمل، ونرد عليها بالتفصيل، مع بيان حكمه عند أهل السنة والجماعة وأدلتهم بالتفصيل أيضاً.
وقد رأيت أن أجمل هذه الشبهات بالذكر، ثم أرد عليها مبثوثة ضمن بيان الحق من معتقد أهل السنة والجماعة في ذلك، فيكون همنا ومرادنا الأساس في هذا الباب هو إيراد الحق وتفصيله، ثم مناقشة الشبهات وإبطالها؛ وذلك لأن الشبهات والأجوبة متداخلة والتيسير والإيضاح مطلوب حسب الإمكان، والله المستعان.
فنقول: إن أهم هذه الشبهات هي:
1- اعتقادهم أن الكفر هو التكذيب المجرد، إذ هو ضد الإيمان الذي هو عندهم التصديق المجرد -كما رأيت من كلامهم- مع أن الكفر في الشرع منه كفر تكذيب، وكفر استهزاء، وكفر إباء وامتناع وإعراض، وكفر شك، ويتفرع عن هذا كلامهم في " الاستحلال " كما سنبين إن شاء الله.
2- عدم فهمهم لعلاقة الظاهر بالباطن وارتباطه به، ومن هنا كانت ضرورة بيان حقيقة الإيمان المركبة، كما سنبين تفصيلاً بإذن الله.
3- أنهم جعلوا كفر القلب شرطاً في كفر الجوارح -على مفهومهم للكفر- والحال أن الكفر يكون باللسان وبالجوارح وبالقلب، أي: يدخل في الأعمال كما يدخل في الاعتقادات، وذلك كالسجود للصنم وإهانة المصحف عمداً ونحوها.
4- خطؤهم في فهم معنى الجحود الوارد في الشرع، أو إطلاقه على غير ما وضع له شرعاً واستعمله فيه السلف، أو حصره في معنى واحد من معانيه.
فالجحود في اللغة وعُرف السلف يطلق على الامتناع عن أداء الحق الواجب، وأوضح مثال: تسمية المرتدين جاحدين للزكاة، ومعلوم أنهم لم ينكروا أن الله فرض الزكاة، ويقولون إنها ليست من الدين، ولو قالوا ذلك لسموا جاحدين للدين والقرآن، ولما اختلف الصحابة في شأنهم قط، ولما احتيج في الاستدلال على كفرهم إلى قياس ولا غيره، إنما جحدوا الالتزام بها، أي: أصروا على ألا يدفعوها- مع الإقرار بأنها من الدين- ولهذا عرضت الشبهة لـعمر وغيره في قتالهم، حتى استدل الصديق بما هو مجمع عليه بينهم من تكفير تارك الصلاة (لا جاحد وجوب الصلاة).
فمناط الاختلاف في أمرهم أولاً، ثم مناط الاتفاق على قتالهم وتسميتهم مرتدين أخيراً كان المنع والإباء، وقد بلغ الأمر بالصحابة من زوال الشبهة إلى أن قالوا: [[لو أطاعنا أبو بكر كفرنا]] .
كما أن أصل الخلاف بين السلف والمرجئة القدماء إنما كان في ترك الطاعات لا في إنكار وجوبها، لكن مع تطور الظاهرة وتداخل الشبهة، ودخول شبهة الإرجاء على بعض الأئمة من الفقهاء أو أتباعهم حصل ما حصل مما سيأتي بيانه وتفصيل الأجوبة عليه بإذن الله.
ومثل " الترك " غيره من الألفاظ، كما سيأتي بيانه.
5- شبهات نقلية أفردنا لها مبحثاً خاصاً كما سترى.