والخلاف في مسألة الإيمان -مع كونه أول خلاف في الملة- ظل من أعظم قضايا الخلاف بين هذه الأمة في عصورها كلها، وفي مطلع العصر الحديث أصبحت أعظم القضايا التي تشغل بال هذه الأمة، وذلك منذ أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله التي أعادت الحنيفية جذعة نقية.
فقد أطبق أعداء السنة على أنها دعوة خارجية وفكرة حرورية لأنها -بزعمهم- تكفر المسلمين، وما كفرت مسلماً قط، وإنما كفرت المشركين وحاربت المارقين.
ومهما يكن من أمر فقد أحدثت هذه الدعوة المباركة صدىً عالمياً كبيراً اضطر مخالفها إلى إعادة النظر في حقيقة الإيمان والكفر والشرك والتوحيد.
ثم كانت موجة الحملات الصليبية الأخيرة -الاستعمار- وفتنة الحضارة الغربية الجاهلية، فذهلت الأمة عن دينها ونسيت انتماءها حتى شاء الله -تعالى- أن تخرج من بقايا دعوة الشيخ أو من أصدائها دعوات وحركات تنادي بالإسلام من جديد.
وفي العقود الأخيرة خاصة ظهرت بواكير عودة صادقة إلى الإسلام الكامل، والتخلص من آثار الغزو الحضاري الكافر وتمثل ذلك في شباب فتحوا أعينهم على أمة منهارة متطاحنة تعاني أمراضاً مزمنة في كل منحى ومجال.
أمة ترضى من دينها بالانتساب الاسمي بلا عمل ولا جهاد ولا دعوة، وتلقي مسئولية كل عجز ومرض وتخلف وذل على تخطيط الأعداء ومؤامرات الاستعمار.
ثم وقعت في السنوات الأخيرة أحداث كبرى على الساحة الإسلامية أثبتت الفراغ العقدي الهائل الذي يسيطر على الأمة، والفوضى الرهيبة التي يعاني منها الشباب في التصورات والسلوك.
لقد استطعنا -نحن شباب الإسلام- أن نكسر طوق الولاء المطلق للغرب، وأن نرفض حضارته الزائفة إلى حد لا بأس به، وعرفنا الكثير من عدونا وخططه ومؤامراته، لكننا حتى الآن لم نعرف حقيقة من نحن، وفي أي طريق نسير.
نردد: إنا مسلمون، وفي طريق الإسلام نسير.. ولكن أقدامنا تصطدم بصخور وركام أنتجتها قرون طويلة من الضلالات والانحرافات.
وعلينا لكي نرتقي بأنفسنا وأمتنا أن نجتاز عقبة شائكة يعترضها ثلاث وسبعون طريقاً , الطريق المنجي منها طريق واحد فقط وما عداه مهلكة، وهذا الطريق الوحيد هو منهج أهل السنة والجماعة الذي نجزم عن دين ويقين أنه منهج الفرقة الناجية الذي لا يقبل الله سواه.
وإن تعجب فاعجب لكون النظرة الغالبة على كثير من شباب الدعوة الإسلامية اليوم هي أن عقيدة أهل السنة والجماعة لا تعدو أن تكون تصورات نظرية صحيحة لعالم الغيب وقضايا الاعتقاد، وليست -مع ذلك- منهجاً للدعوة والإصلاح والتغيير!!
ويجب أن نعترف بأن السبب في هذا الفهم القاصر هو حملة هذه العقيدة -قبل كل شيء- الذين لم يوضحوا معالمها ويكشفوا عن كمالها الذي هو حقيقة كمال الإسلام نفسه.
ولهذا رأيت من واجبي -وقد وفقني الله لأن أتربى على هذه العقيدة وأعرف حقيقتها العلمية وأتمثل منهجها العملي مستوحى من سيرة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووقائع الدعوات التجديدية السنية- أن أسخر حياتي العلمية لهذا الأمر العظيم.
وقد بدأت ذلك برسالة التخصص الأولى.. التي كان موضوعها: العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية ثم ثنيت بهذه الرسالة لنيل درجة التخصص العليا، فكانت الأولى تعالج فصل الدين عن الحياة، والأخرى تعالج فصل الإيمان عن العمل، كلتاهما على ضوء هذه العقيدة , ومن هنا كانتا تعبران عن قضية واحدة وإن تباعد موضوعاهما ظاهراً.
وقد كانت الأولى بلا ريب طريقاً للأخرى؛ فمن خلال الدراسة لأسباب العلمانية الطاغية على الحياة الإسلامية المعاصرة رأيت رأي العين أن سبب كل انحراف وذل وهزيمة وفرقة في حياتنا، لا يزيد عن شيء واحد هو البعد عن منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة والسلوك وسبيل الإصلاح.