المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه، كقوله تعالى: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))[الزمر:1].. ((تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ))[غافر:2].. ((تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))[فصلت:2].. ((تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ))[فصلت:42].. ((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ))[النحل:102] .. ((حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ))[الدخان:1-5]
الثامن: التصريح باختصاص بعض المخلوقات بأنها عنده، وأن بعضها أقرب إليه من بعض، كقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ))[الأعراف:206]. ((وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ))[الأنبياء:19] فَفَرَّقَ بين (من له) عموماً وبين (من عنده) من مماليكه وعبيده خصوصاً، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه الرب تعالى على نفسه: (أنه عنده فوق العرش).
التاسع: التصريح بأنه تعالى في السماء، وهذا عند المفسرين من أهل السنة على أحد وجهين: إما أن تكون (في) بمعنى (على)، وإما أن يراد بالسماء العلو، لا يختلفون في ذلك، ولا يجوز الحمل على غيره.
العاشر: التصريح بالاستواء مقروناً بأداة (على) مختصاً بالعرش، الذي هو أعلى المخلوقات، مصاحباً في الأكثر لأداة (ثم) الدالة على الترتيب والمهلة.
الحادي عشر: التصريح برفع الأيدي إلى الله تعالى، كقوله صلى الله عليه وسلم: { إن الله يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً } والقول بأن العلو قبلة الدعاء فقط باطل بالضرورة والفطرة، وهذا يجده من نفسه كل داع، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
]
الشرح:
قال رحمه الله: [السابع: التصريح بتنزيل الكتاب منه] وهذا في أكثر المواضع التي أشار فيها إلى القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى أنزل الكتاب، وهذا مما لا يخفى على مسلم يقرأ كتاب الله تبارك وتعالى، فكل من يقرأ القرآن يعلم أنه منزل من عند الله، وأن الله تعالى ذكر ذلك في آيات كثيرة من كتابه، والتنزيل إنما يكون من العلو إلى السفل، وذلك يدل على أنه سبحانه وتعالى فوق المخلوقات، ومن الآيات الدالة على ذلك ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى؛ مثل قوله تعالى: ((تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ))[غافر:2] في أول سور غافر، وكذلك: ((تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ))[الزمر:1] في أول سورة الزمر، وكذلك: ((تَنزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ))[فصلت:2] في أول سورة فصلت، وقوله: ((تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ))[فصلت:42] في نفس السورة أيضاً، وقوله تعالى: ((قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ))[النحل:102] إلى آخر الآيات، وكل المسلمين يحفظون قوله تعالى: ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ))[القدر:1-2] وكل المسلمين يعتقدون أن ليلة القدر حق، وأن فيها أنزل القرآن، كما قال تعالى: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ))[البقرة:185] والإنزال أو التنزيل إنما يكون من أعلى إلى أسفل، فكل ما ورد في هذه الآيات فهو دليل على علو الله تبارك وتعالى.
ويفسر ذلك ويجليه ما صح من كيفية نزول الوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأول ما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم (اقرأ)؛ نزل بها جبريل عليه السلام من جهة العلو، والنبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وكذلك لما رآه في أجياد على الهيئة التي خلقه الله عليها وقد سد الأفق، والآيات تشرحها وتوضحها الأحاديث، ويضم إلى ذلك عروج الملائكة إلى السماء، ونزول الملائكة من السماء، والعروج لا يتصور ولا يصح في لغة العرب إلا من السفل إلى العلو، كما أن مقابله -النزول- يكون من العلو إلى السفل، والله تبارك وتعالى يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، فهما صورتان متقابلتان، فالأرض ينزل إليها، والسماء يعرج إليها (جهتان متقابلتان) ولهذا سيأتي في قوله تعالى: ((أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))[الملك:17] ونحوها، أن العالم عالمان: عالم سفلي وعالم علوي، فالعالم السفلي هو الذي يطلق على هذه الأرض وما فيها وما حولها، والعالم العلوي أو الملأ الأعلى هو الذي عند الله تبارك وتعالى، فما كان من العالم العلوي إلى العالم السفلي فهو نزول، وما كان من العالم السفلي إلى العالم العلوي فهو عروج أو صعود، كما في قوله تعالى: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ))[فاطر:10].
وأقول: صفة العلو من القضايا الواضحة، بل تكاد تكون من البديهيات الجلية لمن يقرأ أو يفقه في دين الله شيئاً، فقد جاءت الآيات الكثيرة والأحاديث الكثيرة تشهد على ذلك، وسوف يأتي معنا كلام المصنف رحمه الله في الدليل الثامن عشر حيث يقول: [وهذه الأنواع من الأدلة لو بسطت أفرادها لبلغت نحو ألف دليل، فعلى المتأول أن يجيب عن ذلك كله، وهيهات له بجواب صحيح عن بعض ذلك] ولا يمكنهم ذلك أبداً، ومهما أوَّلوا فإنه لا بد أن يتعسفوا في التأويلات، ولا بد أن يجدوا أنفسهم أمام أدلة لا يصح تأويلها بأي حال من الأحوال.