وهنا نسأل أصحاب الفضيلة:
أمن أجل استعادة الكويت أو إعانة السعودية يتم كل هذا؟
أمن أجل اختلاف العراق والكويت على الحدود توضع خارطة جديدة للمنطقة من إيران حتى موريتانيا، خارطة عسكرية واقتصادية وسياسية، وتسحب الجيوش من أوروبا وتوطن في هذه المنطقة؟
أم أن ذلك جرى وفقاً لمقتضيات النظام الدولي الجديد الذي رسمت صورته قبل غزو العراق بسنتين وتحت ستار استقرار المنطقة؟
ثم ألا ترون أن الحملات الإعلامية بين دول المنطقة، وافتعال المشكلات، وتضخيم المؤامرات المتبادلة، يصب نحو الهدف الأمريكي، أعني عدم استقرار المنطقة، يُعطي الغرب المبرر للبقاء طويلاً لضمان استقرارها بزعمه؟
وإذا كان كذلك فما دوركم مع علماء المسلمين الآخرين في هذا؟
وكيف ترون الحل؟ وهل يسع علماء الإسلام السكوت وأمتهم تنحدر إلى الهاوية؟
وهل يليق بعلماء الإسلام أن ينقسموا بحسب حكوماتهم، فيفتي علماء الدول المستعينة بالكفار بجواز الاستعانة، ويفتي علماء الدول المخالفة لذلك بتحريمها؟ وألف وخمسمائة مليون مسلم يتساءلون: الحق مع من إذاً؟
وقد تسألونني عن تصوري لهذا النظام وهذه الترتيبات الأمنية، فأقول:
إن الغرب يبني أموره عادة وفق خطط ذات احتمالات عدة، ويحسب الحساب للمفاجآت وما يجدّ في صعيد الواقع، وعليه يصعب التحديد الدقيق المجزوم به، لكن نستطيع استنتاج الملامح العامة والأهداف الكبرى، ومنها:
1- سحق أي قوة إقليمية في المنطقة سواءً كانت قوة عسكرية كـالعراق، أو اقتصادية كدول الخليج، أو سكانية كـمصر، وفق خطط مرسومة وبإجماع غربي مستتر بالإجماع الدولي.
2- ربط دول المنطقة ضمن منظومة تحالف أمني قد يشمل إيران وتركيا وباكستان.
فقد صرحت مصادر استراتيجية أمريكية أن "سياسة العمودين" لم تعد كافية حتى مع تغيير العمودين الحاليين إلى العمودين المقترحين "سوريا وإسرائيل" وأن المستقبل سيشهد سياسة "القوس الكبير" الممتد من باكستان حتى مصر إن لم يصل إلى موريتانيا كما عبَّر بعضهم، وهذا القوس يدمج مع الوضع النهائي الذي سيكون عليه حلفا وارسو والناتو بشكل ما، أي: سيكون مرتبطاً بالتحالف الغربي عامة وتحت الهيمنة الأمريكية خاصة.
- فأما إسرائيل فهي حليف استراتيجي قديم، وهي مع مقتسمي الغنيمة لا مع الضحايا، وسوف تظل محتفظة بكل قوتها حتى الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، بل سوف تكون مستودعاً آمناً للمعدات العسكرية الغربية مع إتاحة الفرصة لها لاستخدام الأسلحة نفسها.
وأما تركيا فقد أعلنت أنها بصدد إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية باعتبارها عضواً في الناتو، لكي تصبح الأولوية موجهة إلى الشرق الأوسط بدلاً من الاتحاد السوفييتي، ومع أن في تركيا ما يقارب 20 قاعدة لحلف الناتو ملأى بأحدث ما توصلت إليه التقنية الأمريكية من أجهزة الرصد والإنذار والاتصال والطائرات، بل وحتى المستودعات النووية (كما نشرت الحياة في 29 شعبان 1410هـ).. إلخ، فقد تضاعف الوجود الأمريكي فيها بعد الأزمة بالذريعة نفسها "تطويق العراق، وقام رئيسها بنشاط ملحوظ في الأزمة وما يزال، ويحرص الغرب على إثارة مشكلة مياه الفرات بينها وبين العراق وسوريا لتظل المنطقة غير مستقلة أيضاً.
وأما إيران التي لا يماثلها في مفاجآتها السياسية إلا صدام، فقد فاجأ رئيسها العالم في خطبة الجمعة المشار إليها سالفاً (في أول شهر شعبان 1410هـ) بالموافقة على جدول أعمال السلام مع العراق، والإقرار بحقوق العراق، ومنها حق استخدام الخليج ثم انتقد مواقف القوى الكبرى من محادثات السلام واصفاً إياها بأنها مواقف متضاربة، وقال:
''من ناحية تريد هذه القوى استمرار حالة السلام والحرب لتبرير وجودها العسكري وتواصل مبيعات الأسلحة للمنطقة، ولكن من ناحية ثانية إن منطقة الخليج الغنية بالنفط مهمة إلى درجة أن وجود نار مشتعلة تحت الرماد فيها يثير قلق القوى الصناعية الكبرى''
فهي إذاً على علم باللعبة الدولية، وصلحها مع العراق يأتي ضمن أطماعها من الغنيمة، ولذلك أعلن وزير دفاعها أن حكومته خصصت 10 مليارات دولار في السنوات الخمس القادمة لتحديث الجيش الإيراني لمواجهة ما أسماه "التغييرات الجارية ولا سيما في البلدان المجاورة"!!
إنها بداية تشكيل القوس خلفاً لحلف بغداد!!
لكن ليست المشكلة هنا فحسب، بل لها جانب آخر خفي أشارت إليه بعض المصادر الأمريكية أثناء أحداث أذربيجان، حيث تحدثت عن تفكيك الامبراطورية السوفيتية مقترحة ضم المناطق الشيعية إلى إيران، وضم المناطق السنية إلى تركيا، وضم أفغانستان إلى باكستان!!
فإذا ضممنا هذا إلى عمود التحالف الذي يراد إنشاؤه وبين دول الخليج وأمريكا من جهة وبين عمود التحالف الآخر (مصر وإسرائيل وسورية) من جهة أخرى، وضممنا إليه ما نادى به بعض مخططي السياسة الأمريكية من إعطاء إيران الثورة الأفضلية بدلاً من العراق ودول الخليج (كما ورد في الخيارات السابقة ص:26) مستندين في قولهم إلى أن مناطق النفط تسكنها غالبية شيعية.
إذا تصورنا ذلك أدركنا خطراً كبيراً يهدد المنطقة في حالة تدمير العراق وإحلال التحالف الشيعي محله إيران-سوريا- العراق الذي سيصبح دولة شيعية بعد فصل الأكراد، ثم بقية المناطق الخليجية كـالبحرين والإمارات وشرق السعودية- والوجود الشيعي واضح فيها، ولا ننسى أن نذكر أن كثيراً من الناطقين بالعربية في جنوب تركيا من النصيرية أيضاً، أما باكستان فكثير من قادة جيشها الكبار شيعة ومعهم إخوانهم القاديانية والبريلوية).
إنها مصيبة عظمى لو أصبح هذا القوس الكبير قوساً رافضياً يهودياً توجهه الصليبية الغربية المتحالفة.
وهنا يجب على علمائنا الكرام تنبيه وسائل إعلامنا إلى الخطر الرافضي القادم، وبيان فداحة الخطر الذي تقع فيه عندما تؤيد المعارضة العراقية الرافضية وتسميها المعارضة الإسلامية، وتصف آيات ضلالها بأنهم علماء الإسلام في حين تهاجم بلا هوادة جبهة السودان وجبهة الجزائر وأمثالها من الحركات الإسلامية التي مهما أخطأت فهي لا تقارن بخطر الرافضة!!
إن الرافضة هم أولياء اليهود والنصارى في قديم الدهر وحديثه، ولا أظن الغربيين إلا قد أدركوا الفرق بينهم وبين أهل السنة جيداً، وأخشى -لا قدَّر الله- أن نصحو على امبراطورية مجوسية تمتد من الهند إلى مصر!!
أما إن صحونا الآن فسنقطع عليهم الطريق بإذن الله.