أصحاب الفضيلة:
لا نريد التطويل وإلا فالشواهد كثيرة جداً، غير أنه لا بد من التنويه بظاهرة جديدة في السياسة الغربية تدل على أن الغرب يعد العدة لأمر عظيم، وهي استنفار كل ذوي الخبرات السابقة في الميدان السياسي أو العسكري أو الفكري لإحكام خطة الوفاق، ودراسة الاحتمالات بكل دقة، وبذل الجهود في أكثر من سبيل للوصول إلى فرض السيطرة الغربية الكاملة على العالم الإسلامي واستئصال الصحوة الإسلامية.
أقول هذا عندما رأيت الحشد الكبير من الساسة القدامى والجنرالات المتقاعدين والسفراء السابقين ورجال الاستخبارات وقادة الفكر وعلماء النفس والاجتماع... إلخ كلهم يتحدثون عن مستقبل الغرب وصراعه مع الإسلام، بل يقومون بجهود عملية مكشوفة لم يشهد تاريخهم المعاصر من قبل مثلها.
ورغبة في الاختصار أضرب مثلاً فقط بالرئيسين الأمريكيين السابقين
ريتشارد نيسكون و
جيمي كارتر وبنـزر يسير من جهودهما:
1-
نيكسون: له نشاط تنظيري استراتيجي بارز، وخاصة فيما يتعلق بالوفاق ومستقبل
أمريكا والغرب، يدل على ذلك كتابه الضخم "
1999 نصر بلا حرب" وبحوثه الأخرى ومشاركاته المباشرة كما حدث أثناء زيارة
جورباتشوف الأخيرة
واشنطن.
وهو مع تحذيره وتهويله من
الاتحاد السوفييتي عامة وشخصية
جورباتشوف خاصة،
.أطلق سنة 1985م- أي سنة تولي
جورباتشوف- صيحة صليبية نشرتها مجلة استراتيجية متخصصة هي
مجلة الشئون الخارجية قال فيها: '' يجب على
روسيا و
أمريكا أن تعقدا تعاوناً حاسماً لضرب
الأصولية الإسلامية ''.
وفي كتابه المذكور يؤكد
نيكسون بكل صراحة وجراءة أن واجب
الولايات المتحدة الأمريكية ورسالتها في الحياة هي زعامة العالم الحر الذي يجب بدوره أن يتزعم العالم، وأن الوسيلة الوحيدة لهذه الزعامة هي القوة، وأن العدو الأكبر في العالم الثالث هو
الأصولية الإسلامية، ويؤكد ذلك قائلاً:
'' إن مأساة
فيتنام قد جرحت كبرياء
أمريكا ولم يكن ذلك راجعاً إلى أننا ذهبنا إلى هناك بل أننا خسرنا.
ويؤكد: لكن الكبرياء القومي الذي لا يتطلب من خلال المعارك كبرياء عقيم... إن الكبرياء الحقيقي لا يأتي من تفادي النزاع، بل يأتي من أن نكون في معمعته نحارب من أجل مبادئنا ومصالحنا وأصدقائنا.
ومن أجل بناء ثقة جديدة ودائمة في
الولايات المتحدة الأمريكية بين الأمريكيين أنفسهم وبين أصدقائنا وحلفائنا في الخارج؛ فإن الأمر يقتضي ما هو أكثر من القيام بعدد غير قليل من المهام العسكرية الناجحة وإن كانت صغيرة نسبياً مثل غزو
جرينادا، وشن الغارات على
ليبيا '' .
ويسخر
نيكسون من دعاة السلام قائلاً:
''يؤمن كثير من هؤلاء الذين يندفعون في الشوارع رافعين اللافتات الداعية إلى السلام ونزع السلاح الشامل بأن الحل الوحيد لتجنب خطر الحرب هو إقامة نظام عالمي ترعاه منظمة دولية.
لقد دحض القرن العشرون كثيراً من الأساطير، لكن ليس هناك أشد تدميراً من الفكرة القائمة على التمني القائلة بأن المنظمات الدولية يمكن أن تحقق السلام الكامل'' (ص:30)
.
'' ففي عالم الواقع يتوافر لأُمَّة بالغة الصغر لديها ستة دبابات أو ستة إرهابيين وضعاء لديهم قنبلة صغيرة قدر من القوة الحقيقية يزيد عما
للجمعية العامة للأمم المتحدة مجتمعة بكل أبهتها الرفيعة في
أيست ريفر.
إن القوة هي التي تدفع العالم صوب الخير أو الشر، ولن تتخلى أية أمة ذات سيادة عن أي من سلطاتها وقوتها للأمم المتحدة أو أي هيئة أخرى لا الآن ولا في أي وقت.
وكلما سارعنا لمواجهة هذه الحقيقة وسارعت شعوب الأمم العظمى خاصة في الغرب بالكف عن الإحساس بالذنب لأنهم أقوياء؛ سارعنا بإقامة نظام دولي حقيقي...'' (ص: 31).
ويقول عن
منطقة الخليج:
''إن
الولايات المتحدة الأمريكية هي الآن الدولة الوحيدة التي يمكنها حماية المصالح الغربية في
الخليج الفارسي، وليس هناك أي دولة من دول
الخليج الموالية للغرب قوية بالقدر الكافي للقيام بذلك، كما لا تتوافر لأي من حلفائنا الأوربيين القوة أو الرغبة في أن يقوم بذلك...
'' وينبغي لنا أن نعمل على الجبهة العسكرية لتحسين قدرتنا على إبراز القوة الأمريكية في
الخليج، وقد حققنا تقدماً هاماً في هذا المجال، فقد أنشأ الرئيس
كارتر قوة الانتشار السريع، وعزز الرئيس
ريجان وضعها بتحويلها إلى قيادة مركزية، واعتمد الكونجرس مليارات الدولارات لقوتها".
وبعد أن بين أن الهدف هو أن تكون قادرة على دفع أربعة فرق من قواتنا في
الخليج خلال ثلاثين يوماً، قال: ''إننا لا نستطيع أن ندافع عن مصالحنا في
الخليج، أو نرد أي تحرك سوفيتي ضدها؛ إذا لم نستطع إرسال قواتنا إلى هناك، وينبغي لنا أيضاً أن نعمل على الجبهة الدبلوماسية لتشكيل روابط أوثق مع بلدان المنطقة ''
'' ويستحيل على
الولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل في
الخليج الفارسي بدون أن تتوفر لها إمكانية الحصول على قواعد جوية في
المملكة العربية السعودية و
الخليج الأخرى الأصغر، إننا في حاجة إلى وضع قوات جوية في قواعد هناك حتى يمكن أن نحمي قواتنا البرية عند قيامها بإنشاء رأس جسر، وبدون تفوق جوي ستصبح أي عملية إنزال أمريكية في
الخليج الفارسي تكراراً لعملية الإنزال البريطانية في
غاليبولي أثناء الحرب العالمية الأولى ''.
''فبالنسبة لأصدقائنا في المنطقة تعتبر
إيران تحت حكم
الخميني تهديداً يفوق في خطورته حتى
الاتحاد السوفييتي، لذلك يجب أن نؤكد لهم أن عملية
إيران الفاشلة كانت انحرافاً لن يتكرر (يعني عملية استنقاذ الرهائن) وينتقد بشدة (المفهوم الذي شجعه المرشحون الليبراليون للرئاسة عام 1984م، وهم يعدون بعدم إرسال قوات أمريكية للقتال في
الخليج الفارسي.
إن أي شخص يصدر عنه هذا النوع من التعهد بعدم اللجوء للقوة في عام 1988م سوف يفقد صلاحيته لأن يكون محل تفكير كزعيم مسئول
للولايات المتحدة وللعالم الحر'' ص:132- 133).
هذا الكلام يوجهه
نيكسون إلى المتنافسين على الرئاسة الأمريكية قبل ثلاث سنوات، ومعلوم أن الذي فاز فيها هو
جورج بوش المعروف بانتمائه لخط
نيكسون، كما في التعريف بالكتاب على الغلاف الأخير له.
وعن إسرائيل والصحوة الإسلامية يقول
نيكسون:
''وفي الشرق الأوسط نرى صراع العرب ضد اليهود يتطور إلى نزاع بين الأصوليين الإسلاميين من جانب، وإسرائيل والدول العربية المعتدلة من جانب آخر، وما لم تتغلب هذه الأمم على خلافاتها وتعترف بأنها تواجه تهديداً أشد خطراً بكثير من
طهران فربما سيظل الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر احتمالاً للانفجار في العالم كله...'' : 284) أي كما قال ولي عهد
الأردن.
ويقول: ''لقد أمرت في حرب 1973 ببدء جسر جوي ضخم للمعدات والمواد التي مكنت إسرائيل من وقف تقدم
سوريا و
مصر على جبهتين، وكتبت
جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل في مذكراتها خلال حرب يوم كيبور (الغفران) تقول: لقد كان الجسر له قيمة لا تقدَّر، فهو لم يرفع معنوياتنا فحسب، بل أفاد أيضاً في جعل موقف
أمريكا واضحاً بالنسبة
للاتحاد السوفييتي وساعد بلا شك في جعل انتصارنا أمراً ممكناً.
إن التزامنا ببقاء إسرائيل التزام عميق، فنحن لسنا حلفاء رسميين وإنما يربطنا معاً شيء أقوى من أي قصاصة ورق، إنه التزام معنوي، إنه التزام لم يخل به أي رئيس في الماضي أبداً وسيفي به كل رئيس في المستقبل بإخلاص''
وصدق الله تعالى: ((
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [المائدة:51].
إن
أمريكا لن تسمح أبداً لأعداء إسرائيل الذين أقسموا على النيل منها بتحقيق أغراضهم.
ويتابع
نيكسون مفاخراً بإسرائيل كأشد يهودي في العالم تعصباً:
''لقد بهرت إسرائيل العالم كله بكل ما أنجزته خلال 40 عاماً من الحرب، وستدهش العالم بما تستطيع أن تنجزه في 40 سنة من السلام'' : 292).
وينبغي أن نوجه لأنفسنا بعض الأسئلة عن بعض القضايا الأساسية:
كم تستطيع الحكومتان المعتدلتان في
الأردن و
مصر أن تبقيا صامدتين في مواجهة التهديد المزدوج للنزعة الجذرية وللنزعة
الأصولية في غياب حدوث تقدم في مسيرة السلام؟!
كم ستظل هاتان الحكومتان راغبتين في انتهاج سياساتهما الحالية الموالية للغرب؟!
ينبغي لإسرائيل أن تعترف بأن مصلحتها هي نفسها تقتضي أن تقيم
الولايات المتحدة الأمريكية علاقات وثيقة مع الدول العربية المعتدلة وأن هذه الدول ستظل شريكاً مستقراً في السلام...
لذا ينبغي
للولايات المتحدة الأمريكية أن تتبنى سياسة أكثر واقعية في الشرق الأوسط، ينبغي لها أن تسعى لإقامة علاقات طيبة مع الدول العربية المعتدلة، خاصة
الأردن و
مصر و
المملكة العربية السعودية، كما ينبغي لها أن تضغط بنشاط لدفع مسيرة السلام للأمام.
إن سياستنا ينبغي أن تهتدي بملاحظة أبداها
دافيد بنجوريون فقد قال:
''إن المتطرفين الذين نادوا بالاستحواذ على الأرض العربية سيحرمون إسرائيل من رسالتها...
ولو نجحوا فلن تكون إسرائيل
يهودية ولا
ديمقراطية فالعرب سيفوقوننا عدداً، وسيقتضي الأمر إتخاذ إجراءات قمعية غير
ديمقراطية للبقاء عليهم تحت السيطرة...
وإن مصلحة إسرائيل تتطلب تسوية سلمية لقضية الأرض المحتلة في 1967م.
فلو ضمت إسرائيل هذه الأرض فستصبح دولة لحامية عسكرية مكونة من قوميتين يشكل فيها العرب المحرومون من حقوقهم نحو نصف سكانها، وبالإضافة إلى ذلك ففي ضوء معدلات المواليد المرتفعة للشعب الفلسطيني سرعان ما يصبح الشعب اليهودي أقلية في الدولة
اليهودية، ولو استمرت إسرائيل في احتلالها العسكري واستيطانها التدريجي لهذه الأراضي؛ فإنها ستوحد العالم العربي في النهاية في العداء لها، وتزيد فرص
موسكو في دخول المنطقة أكثر من أي وقت مضى...
إن من يبتعدون عن الخط المتشدد من بين أكثر مؤيدي إسرائيل تطرفاً لا ينبغي أن نصفهم بأنهم معادون لإسرائيل بصورة تلقائية، لقد حدث هذا بالنسبة لي ولأصدقاء آخرين لإسرائيل عندما أيدنا قيام إدارة
ريجان ببيع طائرات الأواكس
للمملكة العربية السعودية في 1981م وخططها لتوريد طائرات مقاتلة لـ
الأردن في 1986م، ينبغي للجميع أن يدركوا أن كون المرء صديقاً لجيران إسرائيل لا يجعل منه عدواً لها، ذلك أن مصلحة
أمريكا وإسرائيل تقتضي أن ترتبط
الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات الصداقة مع الدول العربية المعتدلة... (ص:294).
وفي العالم الإسلامي من
المغرب إلى
إندونيسيا تخلف
الأصولية الإسلامية محل
الشيوعية باعتبارها الأداة الأساسية للتغيير العنيف... (ص:307).
ويؤكد أن الرؤيا الثورية التي يقدمها الرديكاليون على أطراف العالم الإسلامي جذابة مثل
الشيوعية تماماً ومدمرة مثلها أيضاً، إن الثورة
الشيوعية تضرب على أوتار احتياجات الإنسان المادية، والثورة الإسلامية تضرب على أوتار الاحتياجات الروحية، فالإيديولوجية
الشيوعية تَعِدُ بالتحديث السريع، والإيديولوجية الثورية الإسلامية هي رد فعل ضد التحديث، و
الشيوعية تَعِدُ بتدوير ساعة التاريخ للأمام و
الأصولية الإسلامية تعيدها للوراء.
إن الثوريين الإسلاميين يدينون إلحاد الشرق الشيوعي و
العلمانية المادية للغرب الرأسمالي...
إن الثوريين الشيوعيين والإسلاميين أعداء إيديولوجيين يتبنون هدفاً مشتركاً: الرغبة في الحصول على السلطة بأي وسيلة ضرورية بغية فرض سيطرة
دكتاتورية تقوم على مُثُلهم التي لا تحتمل، ولن تحقق أي من الثورتين حياة أفضل للشعوب في العالم الثالث.
بل سيجعلون الأمور أسوأ، لكن إحداهما أو الأخرى ستسود ما لم يضع الغرب سياسة موحدة لمواجهة الأبعاد الاقتصادية والروحية على حد سواء للصراع الدائر الآن في العالم الثالث.
إن رياح التغيير في العالم الثالث تكتسب قوة العاصفة، ونحن لا نستطيع إيقافها لكننا نستطيع أن نساعد في تغيير إتجاهها... (ص:307).
ويتحول
نيكسون في نهاية الكتاب وفي نهاية عمره من ذلك السياسي الانتهازي إلى قسيس متعصب، فيقول: ''لقد نهض بتأسيس
أمريكا أفراد كانوا ينشدون الحرية الدينية، وأرادوا أن يكون لهم حق عبادة الله بطريقتهم الخاصة وأن يبحثوا عن معنى للحياة حسب شروطهم الخاصة، وعلينا ألا نغفل عن هذا المبدأ الموحي من مبادىء بلادنا، وعلينا ألا نسمح بمنافستنا مع
موسكو بأن تنحدر فتصبح سباقاً بين الطرفين على أيهما يستطيع إنتاج أكبر عدد من القنابل، وأطول العمارات، وأعلى معدل للدخل الفردي من الناتج القومي الإجمالي، فإن كانت الثروة المادية هي هدفنا الوحيد لم نختلف في شيء عن الشيوعيين...
والشيوعيون ينكرون وجود الله، ولكن ليس هناك من ينكر أن
الشيوعية عقيدة، وفي اعتقادنا أنها عقيدة زائفة، ولكن الرد على العقيدة الزائفة لا يمكن أبداً أن يكمن في إنكار العقيدة، وعندما كانت
أمريكا ضعيفة وفقيرة منذ مائتي سنة مضت كانت عقيدتنا هي المبقية علينا، وعلينا ونحن ندخل قرننا الثالث ونستقبل الألف سنة المقبلة أن نعيد اكتشاف عقيدتنا ونبث فيها الحيوية...'' :332).
''الحياة التي تقتصر على طائفة المقتنيات المادية هي حياة تعاني من الخواء. فلنتذكر حكمة الإنجيل القائلة: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان'' .
2-
جيمي كارتر: من المعلوم عن
كارتر تدينه بل تعصبه لمذهبه الكنسي، وهذا ما ظهر عليه أثناء رئاسته ثم تحول بعدها إلى داعية دءوب يتنقل بين
أفغانستان و
أثيوبيا وإسرائيل و
سوريا مروراً بـ
السعودية وغيرها من دول
الخليج حاملاً معه مشروعات كثيرة لوأد الجهاد الإسلامي والصحوة الإسلامية، وقد أفاد الرئيس
بوش من خبرته ووظفها لصالح الوفاق الدولي، كما أفادت منه القوى
اليهودية في
أوروبا الشرقية و
الاتحاد السوفييتي فضلاً عن إسرائيل، والمهمة التي يقوم بها
كارتر من نوع خاص تتناسب مع اهتماماته الشخصية والتزامه الديني، ومضمونها استقطاب المعتدلين من الإسلاميين والإسرائيلين، وإيجاد تحالف سوري إسرائيلي تنضم له الدول العربية المعتدلة (كما تسمى)، وضرب المتطرفين من الإسلاميين،
بالمعتدلين مع إقناع أو تحجيم المتطرفين من اليهود.
نشرت
جريدة الأنباء الكويتية قبل أقل من شهر من غزو
الكويت مقالاً بعنوان:
'' بعد التغييرات في
أوروبا الشرقية و
موسكو هل يستمر دور إسرائيل كحليف استراتيجي لـ
واشنطن؟ ''
وهو مترجم عن مقال لأحد الكتاب الإسرائيليين المتخصصين في الشئون العربية أبرز فيه جانباً من مهمة
كارتر، وهذه مقتطفات منه:
'' إن إسرائيل القوية التي يقدم إليها الأمريكيون المساعدات هي نفس إسرائيل التي تضع العراقيل أمام استراتيجيتهم-الشرق أوسطية، وبالتالي فإن من المتوقع أن تسهم في إفشال الإجراءات الأمريكية المعقدة داخل العالم الإسلامي والرامية إلى تهدئة الحماس الديني اللاهب.
والتهديد الوحيد الآن في أعقاب التراجع السوفيتي في الشرق الأوسط على المصالح الأمريكية هو الإسلام المتطرف، ولا يقتصر التهديد الإسلامي على المصالح الأمريكية فقط؛ بل يتجاوزها إلى تهديد الأنظمة العربية أيضاً، و
الولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بنشر ثورة إسلامية جديدة في أي دولة عربية من الدول ذات الأهمية الكبيرة.
والأمريكيون يعتبرون الانتفاضة بمثابة خطر يهدد المنطقة العربية بأسرها، وخصوصاً من حيث الطابع الإسلامي المشارك فيها بشكل واسع وعلى أرضية تراجع المد الشيوعي ''.
وبعد أن ذكر أن التصلب الإسرائيلي يفسد الخطة الأمريكية لاحتواء المعتدلين وضرب المتطرفين قال:
''لقد بدأت مفاوضات في
عمان بين
منظمة التحرير و
الإخوان المسلمين بتشجيع المعتدلين حول انضمام
حركة حماس إلى المجلس الوطني الفلسطيني مع الموافقة على برنامج المنظمة السياسي الذي يربط جميع الحلول السياسية بالاعتراف بإسرائيل''
ورغم الستار الكثيف المسدل حول تلك الاتصالات إلا أنه اتضح أن الشروط التي تطالب بها
حماس ليست سهلة، فهي ترفض برنامج المنظمة السياسي، وفي نفس الوقت تطالب بالتمثيل في مؤسسات المنظمة بنسبة (40%).
يضرب الكاتب أمثلة لبعض الشخصيات المعتدلة، كما أن صورة مقابلة بعضهم لـ
كارتر منشورة في نفس الصحيفة ثم يقول:
''وقد شاءت "سخرية الأقدار" -هكذا!- أن يكون الرئيس الأمريكي السابق
جيمي كارتر هو أول من يؤيد مطالب
حماس خلال الجولة الأخيرة التي قام بها في الشرق الأوسط، فقد نشرت
صحيفة المحرر الباريسية مقطعاً من الحوار الذي أجراه
كارتر مع الرئيس السوري
حافظ الأسد حين سأله
الأسد عن موقف
الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالحركات الإسلامية، فرد
كارتر...
واشنطن تأمل أن تحظى الحركات الإسلامية -
الإخوان المسلمون- على نصف الأصوات خلال الانتخابات التي ستجرى في المناطق المحتلة''
ويعلل
كارتر ذلك بأنه سيدفع مسيرة السلام مع إسرائيل، ويُعلِّق الصحفي ذاكراً الفروق بين منظمتي
حماس و
الجهاد بالنسبة للغرب وإسرائيل.
ثم يقول:
''و
منظمة التحرير لن تقبل بأي حال من الأحوال مطالب
حماس بمنحها (40%) من المقاعد في مؤسساتها، كما أن إعلان
كارتر بأن
الولايات المتحدة الأمريكية تؤيد مطلب
حماس سيثير الكثير من الخواطر وردود الفعل الشديدة في أوساط المنظمة، غير أن الحقيقة التي لا جدال فيها، هي أن هناك تقارباً فعلياً بين
الإخوان المسلمين و
الولايات المتحدة، و
حماس لا تحرص على إخفائه، كما أن تجديد العلاقة بين دول عربية و
الاتحاد السوفييتي ، حينما سيحدث يمكنه أن يُحدث تحولاً دراماتيكياً في العلاقات بين الفلسطينين والوطنيين العلمانيين و
الإخوان المسلمين، ويمكننا القول: إن الأمريكيين يرمون في خطواتهم إلى تغيير الوضع الراهن في المناطق المحتلة ودفعه باتجاه تهدئة الانتفاضة، ويعتبرون هذا التغيير بمثابة أساس مركزي في استراتيجيتهم الهادفة لتقليص الحماس الثوري الإسلامي''
وقد نشرت
جريدة الحياة بتاريخ السبت 20/8/ 1410هـ على لسان
كارتر عقب زيارته لـ
سوريا:
''لقد اتفقت مع
حافظ الأسد "يعني: أيام رئاسته" على إعطائه
الجولان، وأنه لا حق لـإسرائيل فيها، ولكن بشرط أن تكون منزوعة السلاح، وأن يعيش البلدان في سلام دائم وآن الأوان لأفي بوعدي''
وتتضمن خطة
كارتر الاعتراف لـإسرائيل بجنوب
لبنان، وإنهاء مشكلة
الضفة الغربية بإيجاد حكومة تحالف فلسطينية مع المنظمة و
حماس تعترف بإسرائيل ويعترف بها الغرب، واستبعاد
منظمة الجهاد لتطرفها، وقيام تحالف استراتيجي بين
سوريا وإسرائيل تمهيداً لقيام دولتي إسرائيل الكبرى و
سوريا الكبرى على أنقاض
العراق و
الأردن و
لبنان، وترى بعض الأوساط بعد أزمة
الخليج أنه يمكن بقاء
العراق على أساس شروط قاسية وتكون التركيبة هكذا :
1-
لبنان دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع
سورية.
2-
فلسطين دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع إسرائيل.
3-
الكويت دولة مستقلة ترتبط بعلاقات مميزة مع
العراق.
أي وضع كيانات صغرى تحت كيانات كبرى تكون هي الأخرى ضمن منظومة الحلف الدولي الذي تتزعمه
أمريكا.
وبالنسبة
للاتحاد السوفييتي نجد أنه اتجه مع المسار نفسه ولكن من زاوية أخرى، ففي عهد إعادة البناء وعلى يد
جورباتشوف حصلت إسرائيل على "أكبر صفقة بشرية في التاريخ" إنهم مليون يهودي جرى ترحيلهم من
الاتحاد السوفييتي لا إلى حيث يريدون؛ بل إلى إسرائيل بالذات، منهم على أقل تقدير: مائة ألف إما مجندون أو جاهزون للتجنيد، وقد عادت العلاقات بين إسرائيل و
أوروبا الشرقية.
ونشرت
جريدة ليموند على لسان بعض الإسرائيلين البارزين:
''إن عودة العلاقات بين إسرائيل ودول
أوروبا الشرقية هو بمثابة العودة إلى قطاع من العالم تربطه بإسرائيل منذ وقت طويل روابط عاطفية وثقافية وروحية قوية ومتعددة''
وذكر أن "
أوروبا التي تضرب في أعماقها جذور الشعب اليهودي هي
أوروبا الشرقية لا الغربية"!!
وليس سراً أن نقول: إنه بعد التغييرات في
أوروبا الشرقية حصل اليهود على مناصب عليا في دولها أكثر مما كانوا عليه أيام الحزب الواحد، وبعد أزمة
الخليج اجتمع قطبا الوفاق فيما سمي "قمة
هلسنكي" وتناقلت كافة الوسائل الإعلامية أنباء عن قيام حلف دولي جديد تشترك فيه دول المنطقة، وقد علَّق
جورباتشوف قائلاً:
''إن أزمة
الخليج هي اختبار لقدرة النظام العالمي الجديد على حل مشاكل العالم، وأكد أن هذا العالم يدخل مرحلة جديدة لِما بعد الحرب الباردة، وأضاف أنه لولا
مالطا ولولا
واشنطن -يقصد زيارته الأخيرة لـ
أمريكا و
كامب ديفيد- لكُنَّا الآن في وضع صعب ونحن نواجه أزمة
الخليج، وحقيقة كوننا اتخذنا موقفاً مشتركاً يعني أننا نسير في الطريق الصحيح".
ومن جهته أكد
بوش تماسك الوفاق الدولي، وأن موقف
صدام لن يجعلنا ننقسم على أنفسنا،
-على حد تعبيره- وهنا نورد ما جاء في مقابلة مع الأمير
سعود الفيصل عمَّا تأمله
المملكة من قمة
هلسنكي حيث قال:
"إن تنفيذ قرارات مجلس الأمن هي السبيل الأضمن لنزع فتيل الانفجار عن المنطقة وتجنيبها مضاعفات حرب مدمرة، وإن
المملكة العربية السعودية التي ربطتها وشائج عميقة بـ
العراق على مستوى القيادة والدولة والشعب وشاركته السراء والضراء طيلة ثماني سنوات حريصة كل الحرص على أن لا يمس
العراق الشقيق أي ضرر".
وعند سؤاله عن فكرة الحلف العربي والدولي قال:
''إن المسئولين في
أمريكا نفذوا ذلك، لكن ما حصل من أحداث يجعل التفكير في نظام الأمن الدولي حاضراً ومستقبلاً مسألة حيوية، ويجب أن يتركز هذا المنظور على فكر دول المنطقة نفسها، خاصة وأن مسألة الأمن القومي نوقشت في قمة
بغداد، والمفترض الآن أن يوفر العرب لأنفسهم في إطار
جامعة الدول العربية الأسس والقواعد الكفيلة لقيام هذا النظام''
.
وعن الوفاق وقمة
هلسنكي نشرت
جريدة الحياة بتاريخ السبت 3 ربيع الأول 1411هـ كتب
صلاح الدين حافظ نائب رئيس تحرير
الأهرام الدولية مقالاً مهماً بعنوان:
هل تمت الصفقة الكبرى في
هلسنكي؟ وكان مما قال:
''وأخيراً انفجرت أو فجَّرت أزمة
الخليج المرسومة أو طبقاً للسيناريو البارع الذي جرى إعداده وتجهيزه من قبل.... ما الجديد إذاً في الصفقة؟ وما هي تأثيراتها على العرب عموماً و
الخليج خصوصاً؟
بداية نقول -من باب التسجيل والتذكير- أن يد
أمريكا في معظم أرجاء الوطن العربي كانت مطلقة منذ سنوات، تعود بدايتها إلى عام 1947م، الجديد أن
أمريكا لم تعد تخشى رد الفعل السوفييتي العنيف- سياسيا أو عسكرياً كما كانت تخشاه قبل 10 سنوات إذا ما تحركت عسكرياً، الجديد أن
الاتحاد السوفييتي لم يعد يلعب دوراً منافساً أو مناهضاً للنفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة العربية ولم ي1002622عد يخشى وجوداً عسكرياً أمريكياً أو غربياً كثيفاً في المنطقة كالحشد الهائل للأرمادا،
الموجود الآن...
الآن تتحدث
واشنطن علناً وبأشد درجات الصراحة والوضوح عن خطتها لإقامة ترتيبات أمنية في المنطقة ترقى إلى درجة "الحلف" على نموذج حلف الأطلسي -كما قال كل من
بيكر و
تشيني وزيري الخارجية والدفاع الأمريكيين في الأسبوع الماضي- بحجة ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وحتى لا يتكرر غزو جديد كغزو
العراق للكويت، ومع ذلك وعلى الرغم من صراحة كلماته المعبِّرة عن وضوح الخطط الأمريكية وأهدافها لم ينفعل
الاتحاد السوفييتي أو يرتعد، ولم يرفض العرب أو حتى يتململوا... إن تغيرت كل الأشياء، وكان مفتاح التغيير في يد الرئيس العراقي
صدام حسين الذي أقدم على فتح الباب واسعاً أمام رياح التغيرات الطارئة !
فهل كان
صدام حسين بقراره الطائش باغتيال
الكويت واحتلالها ودمجها تحت الدعاوى التاريخية مدركاً لكل ذلك، ضالعاً في سيناريو المتغيرات، مشاركاً في اللعبة، أم كان ضحية السذاجة السياسية والتفكير البدائي الذي يتحكم في معظم سياسيي المنطقة، ويوجه قراراتهم ويتحكم في أمزجتهم المتقلبة؟!!
قد يبدو التساؤل ساذجاً، لكن المؤكد أن تفجير الصراع في
الخليج منذ الثاني من آب -أغسطس- الماضي لم يكن اعتباطاً ولا رمية طائشة في بحر ساكن، الأرجح عندي أن اللعبة متكاملة القواعد والأهداف، ومحدودة الأساليب والوسائل، سواء كان
صدام حسين ضالعاً متواطئاً أو كان ساذجاً مخدوعاً فهو في الحالتين قام بالدور وأدى المهمة، وفتح الباب أمام الأرمادا التي لم تأت بهذه الكثافة إلى المنطقة إلا لتبقى طويلاً طويلاً طويلاً -هكذا كررها الكاتب كثيراً-.
ستبقى طويلاً سواء اشتعلت الحرب أو لم تشتعل، سويت الأزمة سلمياً اليوم أو طال بها الزمن -كغيرها- ودخلت في مراحل البيات الشتوي، ستبقى الآن إعادة تركيب المنطقة في المقياس الأمريكي تحتاج إلى إعداد طويل، وجهد مكثف، وإقناع صعب، ومن لم يقتنع طوعاً، يقتنع بالضغط والتأديب، ساعة تحتاج المسألة إلى قمع وتأديب!!
''سواءً ارتكب الجميع جيافة الحرب أو استسلموا لإغراء تجميد الموقف على حاله، فإن الأزمة التي فجرها غزو
العراق للكويت ستطول؛ لأنها أزمة تحول استراتيجي عالمي وليست مجرد أزمة عسكرية عاجلة أو مؤقتة بين طرفين محدودين؛ ولأنها وقعت في منطقة لها أهميتها الجيوبوليتيكية التي لا تخفى على أحد، إلا على أصحابها النائمين في بحور العسل، عفواً في بحور الوهم...''.