مساعي التحالف العالمي
أشركت أمريكا معها حليفتيها الطائعتين بريطانيا وألمانيا الغربية، وسعت إلى إقناع دول الخليج أيضاً لتكوين حلف عالمي (يضم الدول الثلاث ودول الخليج ومصر وإسرائيل!!) لحماية أمن المضيق من السوفييت والإرهابيين..!! وتبنَّى السلطان قابوس المشروع الذي سُمي "المشروع العماني" وعرضه على دول المنطقة فرفضته كلها، وحسب ما نشرته مجلة اقرأ السعودية رفضه العراق بعد وصول مبعوث قابوس بساعات، ثم رفضته الكويت والسعودية والإمارات، وكان العنوان الذي وضعته المجلة هو: "تحاول أمريكا دخول الخليج العربي، لماذا رفضت الدول الخليجية المشروع العُماني؟" على أن فشل المشروع أدى -فيما أدى- إلى التفكير في إقامة تعاون إقليمي بين دول المنطقة وخاصة بين العراق والسعودية من جهة وبين السعودية ودولالخليج الأخرى من جهة أخرى.
هذا الحلف الذي سُمي "مشروع براون" نسبة إلى هارولد براون وزير دفاع أمريكا حينئذ كان له صدى واسع في الصحافة العربية والغربية، يهمنا منها موقف المملكة الذي أشرنا إليه ونكتفي بإيراد مثالين عليه:
1- المقابلة الصحفية لوزير الدفاع السعودي الأمير سلطان في النمسا، وننقل عنها ما جاء في مجلة اقرأ بقلم عامر الجابري بعنوان: "الخليج ولعبة الفراغ الأمني" وهو:
أ- إذا تركنا جانباً الحديث عن قوة التدخل السريع التي أعدتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الماضية وأجمعت كل الأوساط والمصادر السياسية في العالم على أن منطقة الخليج هي محور الغاية من وراء تشكيل هذه القوة الأمريكية، أو قل: إذا تركنا هذا الحديث جانباً مع التسليم بخطواته وضرورة التصدي له، خاصة بعد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكي هارولد براون عن تأييده القوي لتشكيل قوة التدخل الأمريكي السريع، فإنه ثمة أحاديث أخرى تجاوز رواجها وانتشارها حدود الظن ودوائر الحدس والتخمين وأصبح تداولها من واقع الفعل والتخطيط والتدبير... -يعني: الأحلاف-.
''وقبل أسابيع كان صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع والطيران والمفتش العام في زيارة للنمسا، وعقد أثناء الزيارة لقاء سريعاً مع رجال الصحافة، وفي ذلك اللقاء أجاب سموه بمنتهى القوة والإيجاز على أخطر سؤال يتعلق بـمنطقة الخليج، إذ أثار السؤال مسألة الفراغ الأمني في المنطقة بعد الأحداث الإيرانية وزوال ما يوصف بمظلة الشاه الأمنية، لقد قال سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز حول هذه النقطة القديمة -الجديدة: إن الأحداث الإيرانية لم تترك أي فراغ، وإنه لا يوجد فراغ إلا في أذهان وضمائر الذين يتحدثون عنه، فهم لا يعرفون أوضاع المنطقة وقال: إن مسألة الأمن في منطقة الخليج من شأن دولها لا غير'' .
وفي عدد آخر من المجلة نفسها كتب بشير العوف بعنوان رئيسي "خطوط واضحة وصريحة للعلاقات العربية الإيرانية "وكان العنوان الجانبي ''صيانة أمن الخليج وحمايته وحماية منابع النفط تتحقق بتعاون عربي إيراني سليم، وإلا فإن الأخطار ستكون كبيرة والخسائر شاملة خصوصاً وإن المتنطعين كثير والمتلهفين كبار''.
والمقصود بهذه العبارة واضح.
ب- وفي مقابلة مهمة أجراها سليم اللوزي مع الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية دار الحديث فيها عن الموضوع نفسه، وكانت المقابلة بعنوان "سعود الفيصل لـسليم اللوزي" "لم يكن هناك شرطي للخليج والسعودية لا تدخل في أحلاف".
يقول اللوزي في مقدمتها :
''روى لي سفير دولة غربية أن هارولد براون وزير الدفاع فوجئ بهدوء أعصاب المسئولين السعوديين عندما زار المملكة قبل عشرة أيام... كانت التقديرات الأمريكية أن أحداث إيران لا بد أن تكون قد أثارت مخاوف السعوديين، وجعلتهم أكثر استعداداً لقبول ترتيبات أمنية تعوض ما خسره الأمريكيون من قواعد وتسهيلات -يعني في إيران- فإذا بوزير الدفاع يجد نفسه مركوناً لمدة ساعتين وهو ينتظر موعد اجتماعه مع الأمير فهد ولي عهد المملكة''
وأول المقابلة :
''قلت: عشية زيارة هارولد براون -وزير الدفاع الأمريكي لكم- قال: إنه يحمل أفكاراً لاستراتيجية أمريكية عريضة لمواجهة الأخطار التي تهدد منطقة الخليج فهل صحيح أنه درس معكم إمكانية إنشاء اتفاق دفاعي إقليمي تشترك فيه السعودية ومصر وأمريكا كما نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية وجريدة لوماند الفرنسية؟
ج- قال: نحن لا ندخل في أحلاف خارج الإطارين العربي والإسلامي، فهما الوحيدان اللذان يحكمان السياسة الخارجية للمملكة'' .
"يلاحظ أصحاب الفضيلة أن أمريكا أرادت تخويف المملكة بالثورة الإيرانية واحتمالات غزو سوفييتي لتدفعها إلى النظام الأمني المقترح وأنه لم ينف الأمير في جوابه العرض الأمريكي".
ومنها:
''س: إذاً لم يجر الحديث في أية ترتيبات دفاعية مشتركة كالمعلومات التي تقول: "إن هناك خطة أمريكية لإرسال ثلاثة الآف خبير عسكري أمريكي برئاسة الجنرال سيمون لحماية المنطقة الشرقية من احتمال قيام عمليات تخريب في حقول النفط'' قصد من الشيعة الموالين للخميني".
ج- ''الخطط الأمريكية والسوفيتية موجودة في واشنطن وموسكو أما نحن فليست لدينا خطة من هذا النوع، أمن المملكة واستقرارها يعتمدان على سواعد أبنائها''
"يلاحظ أيضاً أن الأمير لم ينف ذلك".
''س: هناك فراغ عسكري أوجده سقوط نظام الشاه فما هي الترتيبات الأمنية التي ستتخذ في المنطقة؟
ج: عندنا قناعة كاملة في أن أمن المنطقة يعتمد على عنصرين :
الأول: عدم التدخل الأجنبي في شئوننا.
الثاني: الحرص على علاقات التفاهم بين دول المنطقة وتعاونها فيما بينها، ونحن لا نرى تهديداً على أمن الخليج من أي دولة، وليس هناك أي خطر من التغيرات الداخلية طالما ليس هناك تدخل خارجي فيها''.
(يلاحظ التلميح بأن الخطر هو من أمريكا نفسها وليس من دول الخليج كما يزعم الأمريكان).
ولعل من المفيد هنا أن نسجل موقف الاتحاد السوفييتي من الموضوع وارتياحه للموقف السعودي، فقد كتب أحد الكتاب الشيوعيين قائلاً: ''أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية في آذار- 1981م- تصريحاً أدانت فيه بشدة خطط الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى في حلف الناتو لتدخلها في شئون أقطار الخليج العربي.
وفي نفس الوقت ضمنت الملاحة الحرة في مضيق هرمز باسم "جمهورية إيران الإسلامية"، وقد صرحت أيضاً القيادة السياسية العراقية أنها ضد جر أقطار الخليج العربي المباشر في نظام القواعد العسكرية الأمريكية، ومنذ سنة بوشر ضغط أمريكا على الدوائر الحاكمة في السعودية؛ لأجل أن توافق على الدخول في حلف خليجي بالاشتراك المباشر لـأمريكا ودول إمبريالية أخرى، وأعلن مراراً ممثلون رئيسيون في حكومة السعودية أن بلدهم سيشارك فقط في إطار عربي أو إسلامي، ونظراً للرفض الحاسم لأحلاف عسكرية إمبريالية من قبل بلدان عربية وإسلامية وحيادية، فقد خافت السعودية أن تفقد تأثيرها الخاص إذا دخلت مباشرة تحت أغراض الهيمنة الأمريكية''.
وقد زادت هذه الأحداث والتصريحات من ضرورة التعاون الإقليمي خاصة بين السعودية والعراق، وتحمس العراق لذلك كثيراً ونددت بالقوتين العظميين، وطالبت دول المنطقة بالتعاون معها ومع السعودية في هذا الشأن.
ومن الأمثلة على ذلك مقال طويل نشرته مجلة الوطن العربي اشتمل على سخرية لاذعة من الرئيس بريجنيف والمشروعات السوفيتية لتطويق الخليج عن طريق عدن وأثيوبيا... إلخ، وكذلك من المشروع الأمريكي، وقالت:
''يبدو أن مسرح الأحداث في الخليج يتهيأ لمواجهة ثلاث تنظيمات تتعلق بإجراءات الحفاظ على سلامة وتأمين سلامة مواصلاته ومرافقه البترولية وهي:
1- التنظيم الأمريكي عبر سلطنة عمان.
2- التنظيم السوفيتي عبر عدن.
3- التنظيم الخليجي -السعودي- العربي''.
وكان مما قالت:
''كانت الحملات الإعلامية المستوردة والمكشوفة من جانب إيران والولايات المتحدة وعديد من المصادر تعمل على إذكاء نيران المخاوف في آن واحد من السعودية والعراق'' يعني لدى دول الخليج الصغيرة: الكويت، البحرين، والإمارات.
قالت: ''وبصبرٍ عالج كل من الطرفين العراقي والسعودي هذه المخاوف مقيماً الدليل على أنها وهمية ولا تستند إلى أساس موضوعي، وبينما لجأ العراق إلى مبادرات الانفتاح نحو دول الخليج عبر وفود رسمية أرسلها تحمل عروض ومشاريع التعاون في جميع المجالات والانطلاق من المفهوم القائل:
إن المهمة القومية الاستراتيجية للعراق تستوجب منه أن يتجه جنوباً لصد محاولات السيطرة الإيرانية والأجنبية على الخليج، وفي وقت واحد مع اتجاهه غرباً لتأكيد استمرار دوره الأساسي في أي مواجهة مع إسرائيل" .
وبينما بدأت تتجلى ثمرات هذه السياسة في تسوية المشكلات العالقة مع الكويت وتسوية قضية اقتسام المنطقة المحايدة مع السعودية؛ مما ساعد على إيجاد بداية انفراج حقيقي كانت السعودية تعالج نتائج مؤتمر مسقط... إلخ''.
وذكرت المجلة ''أن الفراغ الاستراتيجي الذي حصل بدأ يغري على إحياء المحاولات الأمريكية والسوفيتية للتحكم في الخليج في سباق للسيطرة على منابع النفط ومصبَّاته''.
وبعد أن فخرت المجلة وأشادت بالعرض العسكري السعودي الذي أُقيم في خميس مشيط حينئذ، قالت: ''وكتطور طبيعي منطقي تجددت الاتصالات من أجل تفاهم دفاعي إقليمي، وشددت هذه الاتصالات بشكل خاص على العراق بالنظر؛ لأن القوى المتوافرة لديه تجعله الديدبان الفعلي للخليج، وهكذا فإن الأبحاث المتعلقة بإيجاد تنظيم عربي مشترك تؤلف مؤشراً على زوال عهد الشكوك والمنافسات العقيمة لمصلحة عهد التعاون والتضامن على جميع الأصعدة '' ولا يخفى عليكم أن هذا التنظيم قد تم فعلاً ونعني به (مجلس التعاون الخليجي) وأن العراق وإن لم ينضم إليه فإن الموقف العراقي والخليجي كان موحداً خلال السنوات العشر في أكثر القضايا وخاصة أثناء الحرب العراقية الإيرانية. ونذكِّر هنا ببعض الأمثلة:
1- كانت إذاعات دول مجلس التعاون تذيع أخبار الانتصارات العراقية بحماس زائد وتقول كل ليلة تقريباً: (وقد تكبدت القوات الإيرانية كذا قتيلاً بينما فقدت القوات العراقية كذا شهيداً) هذا غير التأييد الدائم في الأمم المتحدة والمحافل الدولية وإصرار دول الخليج على أن إيران هي البادئة بالحرب!! وإشاداتها المتكررة بمبادرة صدام لإنهاء الحرب وتعنت إيران في ذلك.
2- كانت الصحافة العراقية والسعودية كأنهما نسخة واحدة خلال العشر سنوات جميعاً، والفرق بينها أن مجلة " المجلة السعودية" تبدأ بالحديث أو الأخبار عن المملكة مقرونة بصور الملك فهد ثم تعقبه بحديث مماثل أو أخبار عن العراق مقرونة بصور صدام.. في حين أن المجلات العراقية -مثل الوطن العربي والتضامن- تبدأ بـالعراق وصدام، حتى إننا كنا نستغرب أن المجلات العراقية تبدو وكأنها ملتزمة بنفس التعليمات الصحفية السعودية مثل: -عدم نشر الصور الفاضحة، ومثل: عدم نشر أي مقالة إلحادية واضحة. -كما هو الشأن في صحافة الخليج!! وفي الوقت نفسه نجد أن الصحف السعودية تكاد تكون ملتزمة بالخط القومي في تحليلاتها وآرائها، أما المهرجانات الثقافية والأندية الأدبية وأشباهها فإنها كانت متماثلة النهج والفكر إلا قليلاً (التعاون الحداثي خير مثال على ذلك).
في هذا الوقت كان الدعاة الذين يعرفون حقيقة البعث وصدام- ولأعبر عن نفسي شخصياً- أقول: كنت أشعر بالغرابة وأحياناً بالإحراج عندما أسأل عن عقيدة البعث، أو عن رأيي في دعاوى صدام حسين الإسلامية؛ لأنني أعلم علم اليقين كفره وكفر عقيدته وحزبه مهما ادَّعى وستر أو صرح بذلك، وكثيراً ما يجهدني اللوم من جهتين: من جهة أنني مخالف لما عليه ظاهر الحال من سياسة الحكومة بشأنه، ومن جهة أن احتمال أن يكون الرجل تاب أو استتاب أمر وارد!! كما يقول بعض المشايخ!! وأذكِّر المشايخ الأفاضل وخاصة الشيخين: -محمد بن عثيمين وصالح الفوزان- بما قلته عقب كلمتيهما القيمتين في اجتماع دعاة القطاعات العسكرية وغيرها في موسم الحج الماضي ليلة الخامس عشر من ذي الحجة بالعزيزية الجنوبية عن خطر البعثيين والأخطار الأخرى المحدقة بهذا البلد عامة.
وهكذا استمر ذلك التحالف الوثيق إلى وقوع الحادث الأخير باجتياح الكويت، ولا يعني هذا أنه لم توجد خلافات مطلقاً، لكن ما وجد بين بعض دول مجلس التعاون كان أكبر مما وجد بين السعودية والعراق، وأبرز فتور حدث في العلاقات هو عند إعلان المجلس الرباعي (العراق، مصر، اليمن، الأردن) ومع ذلك قيل: إنه خطوة أخرى نحو الوحدة العربية الشاملة، ثم كان مؤتمر بغداد الأخير في ذي القعدة 1410هـ الذي أشعر الناس لأول مرة بأن العالم العربي يمكن أن يتفق ويتوحد ( ماعدا سوريا).
والمقصود أنه خلال هذه السنوات العشر لم يكن يدور في إعلامنا أي كلمة عن كفر البعثيين وانحرافهم وغدرهم، بل سكت إعلامنا عن مجازر "حلبجة" المأساوية، وعن الإعدامات التي تعرض لها الاتجاه السلفي في العراق، والحق أنه لم يكتف بالسكوت، بل شن مع الإعلام العراقي حملة مضادة على الصحافة الغربية التي كانت تهاجم صدام، ولا أريد أن أذكر أمثلة على ذلك؛ لأنها أكبر وأظهر من أن أمثل لها بآحاد أو عشرات من المقالات والتحليلات.
وبصراحة أقول: إن إعلامنا -بل إن حبنا وبغضنا عامة- لم يكن ملتزماً بما أمر الله، وإن المليارات التي أُعطيت لـصدام لم تكن مشروطة بأي شرط من شأنه التخفيف من الحرب الشعواء التي يشنها الحزب وزبانيته على الدعاة وخاصة السلفيين منهم، حيث أن حيازة كتب شَيْخ الإِسْلامِ محمد بن عبد الوهاب، وكذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية تعد تهمة في العراق، والذي يحصل عليها من السفارة السعودية يأخذها كالسارق اللائذ بالفرار، وكذلك يعاني الدعاة الآخرون كالإخوان العراقيين وللعلم نقول: إن العقيدة السلفية منتشرة بين الإخوان العراقيين أكثر من غيرهم كالسوريين مثلاً.
ومع ذلك سكتنا -والله يغفر لنا- متأولين أن قيام صدام في وجه الطاغوت الرافضي "الخميني" يجعل هذه المساعدات الهائلة داخلة ضمن مصلحة الإسلام العامة.