وهناك أسباب أخرى لهذه الحرب لا ينبغي إغفالها منها: حرص شركات السلاح الغربية على استنزاف الثروة الهائلة لهذه المنطقة، وحرص الغرب عموماً شرقه وغربه على تعويق التنمية فيها وبقائها منطقة اشتعال وميداناً للتنافس الضاري.
وفي كتابه المهم الذي أصدره نيكسون قُبيل توقف الحرب العراقية الإيرانية وهو: 1999 نصر بلا حرب
يقول:
"إذا كانت هناك حرب يستحق كل من طرفيها أن يخسرها فهي الحرب العراقية الإيرانية، وإذا كانت هناك حرب لا يمكن فيها أن تجازف الولايات المتحدة بأن يخسرها أي من الطرفين فهي الحرب العراقية الإيرانية'' (ص:32).
والواقع أن الغرب لم يضع العراق بديلاً لـإيران في مهمته "شرطي الخليج" وملء الفراغ الأمني، وإنما أراد استمرار توازن القوى في طريق الانحدار إلى أن تنهار الجبهتان كليهما -إيران من جهة، والعراق ودولالخليج من جهة أخرى-.
وبذلك يحدث "الفراغ الأمني الكبير" الذي هو ستار الغرب للسيطرة المباشرة على المنطقة بأي شكل كان (ومن ثمرات ذلك بالنسبة لإسرائيل إحلال تحالف سوري إسرائيلي بمباركة أمريكا محل التحالف الإيراني السوري، وإمكانية قيام إسرائيل الكبرى وسورية الكبرى على أنقاض العراق والأردن ولبنان!!).
ومن هنا نرى بوضوح استمرار الحرب العراقية الإيرانية مدة الخلافات والمفاوضات بين روسيا وأمريكا ثم توقفها المفاجئ عند وصولهما إلى الخطة المبدئية للوفاق الدولي والنظام العالمي الجديد الذي يريدان تعميمه على العالم كله وخاصة على منطقة الخليج.
إن أحداث المنطقة هي كما يعبرون "الانعكاس الواضح" للعلاقات بين العمالقة الدوليين، وقد كان العالم منذ الحرب العالمية الثانية يتنازعه القطبان المتنافسان "أمريكا وروسيا" ولكن العقد الماضي شهد سباقاً عاجلاً بين فكرتين نقيضتين: الأولى:
تعددية الأقطاب، وهو ما تسعى إليه فرنسا واليابان وألمانيا والصين وكوريا والهند، وأهم جبهاته بالطبع هي فرنسا التي تمردت على الحلف "الناتو" منذ أيام ديجول، والتي ترفض الدخول تحت المظلة الأمريكية، وتريد أن تتزعم أوروبا من جهة، وتسيطر على أكبر قدر ممكن من العالم الثالث من جهة أخرى.
والأخرى: هي فكرة القطب الواحد، وهو ما تريده أمريكا الساعية دوماً إلى التفرد بزعامة العالم.
وهذا ما سنرجع إلى الحديث عنه قريباً -إن شاء الله- والمقصود هنا هو أن فرنسا خاصة كان لها دور واضح في المنطقة مع الخميني أولاً، ثم في تبني العراق ومساندته ثانياً، وكانت روسيا تطمع في أن تجعل إيران "أفغانستان الثانية".
وخاصة أن حزب توده احتفظ بوضع ثابت خلال الثورة وبعدها وهو ما استعصى فهمه على كثيرين!!.. والمهم الآن: أن هذه العوامل وغيرها "ومنها فشل محاولة استنقاذ الرهائن عسكرياً" جعلت أمريكا تضع خطة بعيدة المدى تقوم أولاً على التفاهم بين المتنافسين على الفريسة ثم الهجوم عليها فيما بعد، وتوارت عن الأنظار -إلى حد ما- فكرة التدخل المباشر، وظهر ذلك جلياً في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 1984م؛ حيث تنافس الطرفان في التعهد بعدم إرسال قوة أمريكية للقتال في الخليج!! (انظر: كتاب 1999 نصر بلا حرب (ص: 133).
ومع ذلك فإن أمريكا كانت تستغل كل حدث في المنطقة من شأنه أن يزيد وجودها العسكري، أو يتيح لها نوعاً من التدخل المباشر مثل قضية الرهائن، وقضية الألغام، وطلب الكويت الحماية الأمريكية برفع العلم الأمريكي على ناقلاتها... والزيارات "كما يسميها الأمريكان" التي تقوم بها بوارجهم وطائراتهم للمنطقة بين حين وآخر!!..
والخطة البعيدة المدى يمكن إيجازها في "وضع نظام أمني للمنطقة يجعلها تابعة أو جزءاً من حلف الأطلسي" حيث يمكن الجمع بين وجود قوة إقليمية تشارك في الدفاع والنفقات وتخفف من وطأة ما يمكن أن يسمى الاحتلال من جهة وبين الدور القيادي المباشر والمتحكم للولايات المتحدة وهذا هو موضوع الفقرتين التاليتين: