1002600وقد ظل الحديث عن قوة التدخل السريع هو الشغل الشاغل للصحافة الخليجية خاصة في أواخر عام 1979م- 1399هـ، وشاركت في ذلك الصحف
السعودية وبعض الصحف الإسلامية أيضاً، وعلى المستوى الرسمي عبرت بعض الدول عن رفضها للفكرة بصراحة في حين اكتفى بعضها بالتلميح.
- ولعل أكثر حكومة رفضت ذلك صراحة هي
الكويت ثم
العراق، وقد كان لشجب
الكويت صداه في الصحافة
السعودية، فقد علقت
جريدة الندوة على ذلك قائلة: ''إن الرفض الكويتي للتهديدات الأمريكية باستخدام القوة في
منطقة الخليج ليس تعبيراً عن موقف
الكويت فحسب؛ بل عن موقف العرب كلهم، وقالت: إن الأمة العربية على استعداد لمواجهة هذه التهديدات واحتمالاتها المختلفة بكل ما أُوتيت من قوة، وقالت: إن الحديث المكرر عن المصالح الحيوية في منطقة
منطقة الخليج -وهو تعبير
أمريكا- تذكير بقانون الغاب الذي كنا نظن أن العالم قد نسيه وطواه إلى الأبد.
أما
العراق فقد حذر
صدام حسين -الذي كان نائباً للرئيس حينئذٍ- من أن أي شروع في محاولة للاعتداء على أي بلد عربي أو بترول من شأنها أن تشعل النار في بترول المنطقة وتحرق في المقام الأول المعتدين أنفسهم''!
وقد أعقب ذلك فتور في العلاقة بين
المملكة العربية و
أمريكا خاصة وأنه جاء عقب تحفظ
المملكة على اتفاقية (كامب ديفيد) وقطع علاقاتها مع
مصر.
- وقد اهتمت
أمريكا كثيراً بردود الفعل العربية الواقعة والمحتملة، وأهم المخاوف كانت كما عبّر
جون كولينن الذي أعد دراسة كاملة عن قوات التدخل هي أن ''قوة عراقية مشكلة من عشر فرق ومدعومة بأسراب من المقاتلات يمكن أن تمثل تحدياً لهذه القوات الأمريكية في حال تدخلها''.
-ولعل من دواعي السخرية المرة: أن الصحافة الكويتية -
القومية خاصة- عبّرت كثيراً عن اعتزازها بالقوة العراقية التي يخافها الأمريكان!! "تماماً كما فعلت هي والصحافة
السعودية عندما أعلن
صدام أنه سيحرق نصف إسرائيل بالكيماوي المزدوج".
- أما الصحافة الأمريكية والغربية فقد أخذت القضية من جوانب عدة، لعل أبرزها ما يتعلق بخطط التنفيذ وكيفيته، فقد شرعت في نشر كثير مما يسمى "سيناريوهات" التدخل منذ بداية الفكرة وقبل إعلان
كارتر لمبدئه، أي: عقب حظر النفط مباشرة، من ذلك ما نشرته
صحيفة صاندي تايمز في عددها الصادر في 9/2/1975م وفيه :
''أنجز مجلس الأمن القومي في
الولايات المتحدة دراسة تفصيلية لخطة سرية للغاية وضعتها وزارة الدفاع لغزو حقول النفط
السعودية في حال نشوب حرب أخرى في الشرق الأوسط ينجم عنها حظر نفطي عربي جديد، وقالت: إن هذه الخطة واسمها بالشيفرة -
الظهران الخيار الرابع- قد وضعها البنتاغون لهجوم أمريكي على
حقل الغوار النفطي الذي يحوي (40%) من احتياطي العالم المعروف من النفط وتقود هذا الهجوم تسع كتائب مشاة محمولة جواً من قاعدتها في ولاية
نورث كارولينا وبحماية جوية إلى
الظهران في
الخليج عن طريق القاعدة الجوية الإسرائيلية في "
حتسريم" وتستولي كتائب المشاة على حقل النفط في
الظهران حيث تعمد إلى إجلاء الرعايا الأمريكيين، ومن ثَم تتابع سيرها إلى الداخل حتى
حقل الغوار بعد أن تستولي على أرصفة الموانئ ومستودعات التخزين في
رأس تنورة، وبعد ذلك بثلاثة أيام تتبعها فرقة مشاة بحرية قوامها 14.000 رجل يتم إرسالهم إلى
الخليج بطريق البحر''
النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل 1973- 1979م
مروان بحيري ط:1980.
-وقد تحدثت هذه الخطط عن خلو المنطقة من السكان وخلوها من الأشجار "أي: بعكس
فيتنام" ونحو ذلك من العوامل المشجعة على التنفيذ الضامنة للبقاء، وفي الوقت نفسه تحدثت عن العوامل المضادة التي يمكن تلخيصها بأنها فنية وتقنية بالدرجة الأولى، وقد تكون تخريباً للمنشآت تقوم به القوات
السعودية.
-وفي شهر مارس 1976م -أي قبل 15سنة إلا قليلاً- نشرت
جريدة الأنباء الكويتية ترجمة لمقال نشر في إحدى المجلات الأمريكية، عنوان الترجمة (خطة أمريكية لاحتلال السعودية وتسليم إيران للسوفييت).
ابتدأ المقال بتأكيد أنه: ليس أمام الحكومة الأمريكية إلا خياران:
إما الانهيار الاقتصادي، وإما الاستيلاء على
المملكة العربية السعودية ثم قال:
''لا تضحكوا فلدى البنتاغون خطة جاهزة لتنفيذ هذه الفكرة التي كانت موضع بحث وتمحيص بين عدد من الخبراء الاقتصاديين والمتخصصين في شئون الشرق الأوسط داخل الحكومة وخارجها بصورة جدية ومفتوحة لكن لم لا؟ ليست هذه مجرد فكرة جيدة، بل إنها ضرورة مطلقة بالنسبة
للولايات المتحدة ولباقي بلدان العالم غير العربية إذا أرادت استعادة التحكم بحياتها الخاصة.
ففي الشرق الأوسط يقطن (10%) من مجموع سكان العالم، بينما تحتوي أراضيه على (75%) من الاحتياطي العالمي للنفط ولا بد من تصحيح هذا الخطأ.
لن يتأتى هذا التصحيح إلا عن طريق استخدام القوة، فلم نسمع حتى الآن أن أي عربي تخلَّى عن بئر نفطية عن طيب خاطر، و
الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك قوة تمكنها من تحقيق هذه الخطوة، وعليه فإن الاستيلاء على
المملكة العربية السعودية لن يكون مشكلة، ويمضي المقال في الحديث عن إرضاء السوفييت بإعطائهم
إيران، ويعدِّد المكاسب الكبرى للاحتلال الذي سيغيّر اسم البلاد إلى "
الولايات المتحدة السعودية" كما قال، وأفاض في الحديث عن بذخ شيوخ النفط وإسرافهم مع الفقر المدقع لشعوبهم وشعوب العالم الثالث، ويمضي المقال متهكماً:
''لو استولينا على
السعودية وأعطينا كل واحد من سكانها -8 ملايين نسمة- مساحة قدرها 40 فداناً من الرمال وجملاً، وألفي دولار في العام أي ما مجموعه 16 مليار دولار في السنة لأحبَّنا بما فيه الكفاية''.
ثم يقول:
''بعد الاستيلاء على
السعودية ستبدأ محاكمات مجرمي الحرب، وسنطبق قوانين العقوبات التقليدية في البلاد، أن السارق تقطع يده، والقاتل يُقتل، ولا شك أنه ما من شيخ سيفلت من هذه العقوبة أو تلك، وسيحاكم معهم مساعدوهم من مديري شركة النفط
العربية السعودية...''.
''إن إقتصادنا وسياستنا الخارجية ومستقبلنا أصبحت جميعها مرهونة بـ
جدة وليس بـ
واشنطن، لكن الاستيلاء على
السعودية سيغيّر هذا الوضع كلياً.
وأخيراً ستتاح لنا فرصة الذهاب إلى الحرب بأهداف ثابتة.
وإذا كنّا قد أزهقنا أرواح 50 ألف نسمة لضمان أمن "
فان خيو" و"
كاوكي" في
فيتنام، فبوسعنا خوض حرب آمنة من أجل أنفسنا!! ''
وصدق الله العظيم القائل: ((
قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ))[آل عمران:118].
ولعل مما يجدر ذكره أن بعض هذه الخطط اقترح احتلال
ليبيا بدلاً من
السعودية، ومما يدل على أن هذه القضية وُضعت موضع الجد أن
الولايات المتحدة عرضت الفكرة على دول أوروبية كثيرة، وكذلك
اليابان وبعض الدول التي يهمها شأن النفط، وذلك بغرض تكوين رأي عالمي موحد ومشاركة عالمية ولو رمزية لتكون غطاءً للاحتلال الأمريكي.
وقد صدرت بهذا الشأن وثيقة في غاية الأهمية هي عبارة عن تقرير شارك في إعداده أربعة من أكبر معاهد الدراسات التي تتمتع بسمعة عالمية كبيرة وهي: المعهد الملكي للشئون العالمية في
لندن، والمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، والمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ومعهد الأبحاث الألماني للسياسة الخارجية، وهذه المعاهد الأربعة معاهد جادة، والدراسات التي تقوم بها تتحول عادة وتصبح الخط العام لسياسة دولها، وفي بعض الأحيان تقوم بدراسات بتكليف من حكوماتها مباشرة.
تتحدث المعاهد الأربعة في تقريرها عن قوة الانتشار السريع وأمن
الخليج وضرورة حماية منابع النفط، والتدخل في القلاقل الداخلية في دول العالم الثالث من خلال منظور العلاقات الأمريكية السوفيتية والأمريكية الأوروبية، وتوصي بوجود قوة أمريكية في
الخليج بدعم من
أوروبا و
اليابان... [
القبس العدد (3175) في 16/3/1981م].
والتقرير نشرته
صحيفة القبس الكويتية في أعداد متوالية من تاريخ 16-26/3/1981م، ونشره في السنة نفسها مركز دراسات
الخليج العربي بجامعة البصرة وإذا ما تابعنا الخطوط الأمريكية فإننا سنجد أنه إضافةً إلى استمرار قوة التدخل السريع في تطوير قدراتها وإجرائها تدريبات عالية في مناطق مماثلة تقريباً لأجواء
الخليج، والاستعداد المستمر بما في ذلك تعليم اللغة العربية بلهجاتها المحلية، لم تغفل السياسة الأمريكية الجوانب الأخرى الموازية أو المكملة للخطة ومنها:
إيجاد قوة إقليمية موالية تقوم بدور الوجود الأمريكي المباشر مع تلافي سلبيات هذا الوجود، وهو ما يعني الاستمرار في سياسة العمودين المتساندين مع وضع بديل لـ
إيران، وهذا ما اقترحه الرئيس
نيكسون بعد سقوط
الشاه مباشرة؛ حيث يقول: ''السؤال الذي يدور في خلد كل إنسان الآن هو: ترى من سيحل محل
إيران؟''.
ويجيب: ''يُعتبر
العراق -الراديكالي حالياً- أقوى قوة عسكرية في
منطقة الخليج، فقوته العسكرية تعتبر كاسحة على الصعيد الإقليمي، فهو يمتلك أربع فرق مدرعة، وفرقتين ميكانيكيتين بثلاثة آلاف دبابة سوفيتية وفرنسية وعربات مصفحة، بالإضافة إلى أربع فرق مشاة، وهكذا وبدون دعم سوفيتي يمكن للعراقيين أن يتحركوا بقوة إلى أي مكان يقررون التحرك إليه سواء كان في
الكويت أو في
العربية السعودية أو
إيران''
وبعد أن يشير إلى الخلافات الحدودية والمطالبة بـ
الكويت يرجع فيقول: ''إن الأغلبية العظمى من خزانات النفط الخام في
الخليج العربي تقع على بعد بضع مئات الأميال عن الحدود العراقية في المناطق القريبة من
إيران و
الكويت و
العربية السعودية و
الإمارات العربية المتحدة، والفائدة التي يحققها
العراق لقاء أي تحرك ناجح إلى أيٍّ أو إلى جميع تلك المناطق سيكون تحويلاً هائلاً للموجودات.
ويقوم
العراق اليوم بصفقة عراقية مقررة تهدف إلى السيطرة السياسية في
منطقة الخليج، وعلى الرغم من أن نظام الحكم اليساري فيه كان مناوئاً لـ
أمريكا فهو لا يريد رؤية الهيمنة السوفيتية على
الخليج قائمة، ولذا فقد يرغب في تعديل موقفه السابق نحو اتخاذ موقف أكثر اعتدالاً، ومن هنا يمكننا القول بأننا على صواب حين نسعى نحو تحسين العلاقات مع
العراق''
المذكرات ص: 117- 118 ].
وهذا ما حدث فعلاً؛ فقد اقتضت الخطة الأمريكية بعد سقوط "
الشاه" تدمير قوة
إيران العسكرية، وبذلت
أمريكا جهوداً ضخمة على جميع المستويات لكي لا تقع ترسانة الأسلحة الضخمة التي كدسها
الشاه في أيدي أعداء حقيقيين لـ
أمريكا، ومن ذلك العمل على تحديد الجيش الإيراني، واستدعاء الخبراء العسكريين والفنيين الأمريكيين الذين تقول بعض التقديرات إنهم كانوا يزيدون على ثمانين ألفاً، ومنع قطع الغيار؛ بل ومحاصرة
إيران اقتصادياً وحمل دول الأطلسي على ذلك، وتجميد الأرصدة الإيرانية في البنوك الأمريكية، وأخيراً -وكما تدل وثائق كثيرة ومؤشرات واقعية لا مجال لعرضها الآن- دفعت
العراق إلى الحرب معها أو على الأقل ساعدت في تهيئة ذلك.
وكان طبيعياً أن تقوم دول
الخليج بمساندة
العراق لأسباب كثيرة منها: تحديات قادة الثورة
الرافضية بتصدير الثورة. ومنها: الدوافع
القومية والوطنية. ومنها: تشجيع الغرب و
الولايات المتحدة خاصة -لذلك- التخوف من قيام تحالف إيراني سوري يشمل
رافضة لبنان و
منظمة التحرير!! مما قد يشكل خطراً -ولو جزئياً- على إسرائيل أيضاً.