الملك فيصل وحنكته أمام أهداف الغرب
هذا وفي أثناء ذلك كانت المملكة العربية بيد الملك فيصل الذي أجمع ساسة العالم على حنكته ودهائه، والذي كان يدرك مخاطر المنطقة كلها فكانت سياسته تسعى إلى إبعاد الوجود الأجنبي كله سوفيتياً أو أمريكياً عن المنطقة، ومن أعماله في ذلك:
1- نزع الفتيل الذي أراد الغرب تفجير المنطقة به وهو النزاع على واحة البريمي وذلك بالصلح مع الإمارات، بل السعي إلى قيام الاتحاد بينها، وحث قطر والبحرين على الدخول في الاتحاد، ولما لم تدخلا سعى إلى ربطهما بـالمملكة بأقوى الروابط الممكنة.
2- إقامة علاقة متينة مع شاه إيران -الذي سيأتي الحديث عنه- وقد أعلنا ومعهما الرئيس الصومالي ثم بورقيبة فكرة "التضامن الإسلامي" لتجابه الفكر الثوري (الناصري والبعثي).
وما أن هلك عبد الناصر سنة 1390 هـ- 1970م وجاء السادات حتى انضمت مصر إلى الفكرة، وقام ما يشبه التحالف القوي في المنطقة بين إيران، السعودية، مصر، وكان الكل يعلن رفض الوجود العسكري الأجنبي، وإن كانت هناك بعض التسهيلات للقوات الأمريكية وخاصة في مصر وعُمان وإيران.
وفي سنة (1393 هـ-1973م) وقعت حرب رمضان، واستطاع الملك فيصل فيها تحقيق هدفين كبيرين:
- الأول: سلب القوى الثورية شعارها القديم، حيث أعلن هو حظر النفط عن الغرب الذي وقف مع الدولة اليهودية في حرب صليبية سافرة.
- الثاني: إثبات أن أمر المنطقة بيد أهلها، وأن التحدي للغرب ممكن ولو جزئياً؛ ومع أن الحرب نفسها كانت حرب تحريك للقضية لا تحرير لـفلسطين "كما اعترف السادات" فإن الغرب استجاب للتحدي بأقوى ما يمكن، ولم ينس وزير الخارجية الأمريكي اليهودي- هنري كيسنجر- إهانة الملك فيصل له وتحديه لأمته حين قال: ''نحن نستطيع أن نعيش على اللبن والتمر كما كان أجدادنا من قرون!!''.
وأعقب تلك الحرب بروز منظمة الأوبك كقوة عالمية وارتفاع أسعار النفط بشكل لم يسبق له نظير "مع أنه سعره عادي للغاية" وهو ما كانت له آثاره الواضحة في الاستراتيجية الغربية كما سنرى، كما أعقبها اغتيال الملك فيصل واختفت تماماً فكرة حظر النفط، ودخلت المنطقة في دوامة فك الاشتباك ثم الحلول والمبادرات السلمية التي منها معاهدة كامب ديفيد، وبرز شرطي الخليج الشاه ليكون أقوى قوة في المنطقة، وقام بإذلال العراق ( اتفاقية شط العرب التي وقعها صدام ) وتهديد دول الخليج الأخرى!!
وحاول إحكام قبضته على الخليج، بل سعى إلى تزعم المنطقة بكاملها؛ إلا أن الغرب أدرك في النهاية أنه وضع ثقته في غير موضعها وأخذ يعيد النظر في تقديراته بشأنه، وهنا نعود قليلاً إلى الوراء ثم نتابع سقوط الشاه ونتائجه.