وبعد سنوات حدثت أحداث كبرى منها: النزاع العربي الإسرائيلي، واشتداد المنافسة السوفيتية، وهو ما استدعى وجوداً أمريكياً أقوى وأكثر تمركزاً؛ إلا أن الأوضاع السائدة في المنطقة كانت لا تسمح بوجود عسكري أمريكي مباشر، فكان التركيز الأمريكي على أن تتم السيطرة على البحر الأبيض من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى، ومن هنا كانت القواعد الأمريكية تحيط المنطقة من بعيد ولكن باهتمام شديد في أسبانيا، تركيا، اليونان، كينيا، الصومال، تايلند، فيتنام على أن أهمها اتخذ مقراً له الجزيرتين الاستراتيجيتين وهما:
دييغو غارسي في المحيط الهندي، وهي من أرخبيل موريشس، وتبعد 3700 كم عن منطقة الخليج ومع ذلك يعلق الأمريكيون عليها أهمية كبرى، ويعدونها أهم قاعدة لهم لحماية الخليج! فكيف نتصور ابتهاجهم إذا أصبح لهم وجود فعلي في الخليج نفسه.
والأخرى جزيرة كريت في البحر الأبيض، وكلاهما رغم البعد النسبي تجعلان منطقة الخليج ضمن دائرة هيمنة الطائرات الأمريكية الحديثة (مثل بي 52، إف 14، 15، 16 التي تنطلق من حاملات طائرات متطورة) .
وفي سنة 1387 هـ- 1967م، كانت الحرب المعروفة بين العرب واليهود وصحبها إغلاق قناة السويس، وما هو أعظم منه وهو الاستياء الشديد الذي عم العالم الإسلامي كله والعرب خاصة من الموقف الأمريكي المنحاز جداً إلى اليهود، مما فسح المجال للمنافسة السوفيتية، وأعطى الأنظمة والأحزاب الثورية الاشتراكية الموالية للسوفييت الوقود لإشعال العداوة ضد الأمريكان ليل نهار، حتى شهدت المنطقة ثورات ومظاهرات تتغذى بشعار "بترول العرب للعرب"، وقد شملت هذه المظاهرات عمال أرامكو العرب، وأعقب هذا إعلان بريطانيا عام 1389هـ (1969م) تخليها عن منطقة الخليج بعد عامين -أي: سنة 1971م- مما أحدث قضية كبرى بالنسبة للعرب أسموها "الفراغ الأمني في الخليج"، وكان طبيعياً أن تكون الولايات المتحدة هي المهتم الأول بالأمر، وكان المفترض أن يكون لها وجود مباشر في الخليج وخاصة في مضيق هرمز ولكن "لسوء الطالع" كما عبَّر نيكسون، حدث ذلك عندما كانت صرخات الشعب الأمريكي تتعالى ضد الحرب في فيتنام، وهنا برزت أعقد مشكلة داخلية حيال الوجود الأمريكي المباشر في الخليج وهي عقدة فيتنام التي ظلت أمريكا تحسب كل حساب لتلافيها "وهذا ما هيأ له ريجان ونجح فيه بوش إلى حدٍ كبير".