ويرجع أصلها إلى "حلقة
موسكو اللغوية" وهي نوع من الإلحاد غير الماركسي في
روسيا وقد أدمجها
استالين قسراً ضمن
الواقعية الاشتراكية، لكن نفراً من روادها هاجروا إلى الغرب وهناك طوروا الفكرة، ومنهم معلمها الشهير "
جاكوبسون"، ومن أهم آرائها "تحرير الكلمة الشعرية من الاتجاهات الفلسفية والدينية
والانطلاق من "دراسة العمل الأدبي في ذاته"، فهي تؤكد "أن العمل الأدبي يتجاوز نفسية مبدعه، ويكتسب خلال عملية الموضعة الفنية وجوده الخاص المستقل"
.
وتؤكد أن "العمل الفني لا يتطابق بشكل كامل مع الهيكل العقلي للمؤلف ولا المتلقي"، أو كما يقول: "
موخارو فسكي: "فإن الأنا الشاعر لا ينطبق على أية شخصية فعلية ملموسة، ولا حتى شخصية المؤلف نفسه، إنه محور تركيب القصيدة الموضوع''
.
هذا هو الأساس الذي بالاعتماد عليه يحمل البنيويون النصوص فلسفات وأفكاراً ورؤى لم تخطر لقائلها ببال، بل لم تظهر في عصره -إن كان قديماً- وعليه نادى "
رولان بارت" أكبر ناقد في
أوروبا كما وصفه الدكتور
الغذامي بنظرية "موت المؤلف"!! ''وهكذا ابتدأت الشكلية الروسية من دعوتها إلى استقلال الكلمة الشعرية كشيء قائمٍ بذاته، وانتهت إلى استقلال العمل الأدبي عن نفسية مؤلفه من ناحية، وعن الموضوع الاجتماعي الذي يشير إليه بأدواته وإجراءاته الخاصة من ناحية أخرى''.
وأكدت هذه المدرسة ضمن استقلالية العمل الأدبي أن لهذا العمل زمنه الخاص، وعارضت "الأفكار الأكاديمية التقليدية" عن تطور الأدب ومساره التقدمي المطرد، وأنكرت فكرة التوالي الطبيعي للمذاهب الأدبية أو توالدها فيما بينها، وحرصت على إبراز حقيقة عدم الاستقرار في الأشكال الأدبية
.
وغايرت المدرسة الشكلية الاتجاهات النقدية الأخرى التي تهتم بالمضمون حيث صرفت الاهتمام الأكبر إلى الشكل، جاعلة إياه وسيلة للوعي وتجديد الرؤية، فوظيفة الفن عندها ليس إعطاء رؤية ولا تصوير الواقع أو التعبير عن العالم الطبيعي الموضوعي، وإنما هي " استخدام اللغة بطريقة جديدة بحيث يثير لدينا وعياً باللغة من حيث هي لغة، ومن خلال هذا الوعي يتجدد الوعي بدلالات اللغة، هذا الوعي الذي تطمسه العادة والرتابة على حد تعبير "
جورج لوكاش"
.
وهكذا نصل إلى الفكرة نفسها "موت المؤلف" كما نادى بها "
رولات بارت"
3- حلقات "
براغ،
كوبنهاجن،
نيويورك" اللغوية.
ويهمنا منها أمور نوجزها ما أمكن:
أ- إن أصلها جميعاً هو الشكلية الروسية نفسها، وخصوصاً "
جاكوبسون" المحرك الأساسي لحركة
براغ؛ حيث كان يعمل ملحقاً ثقافياً
روسيا بها
ثم أسست على منوالها مدرسة "
كوبنهاجن"
ثم حلقة "
نيويورك" التي أسست بعد هجرة "
جاكوبسون" إليها، حيث التقى بـ"
كلود ليفي شتراوس "
وهناك نبت من علاقتهما الفكرية الكثير من عناصر
البنيوية الحديثة وأركانها، ثم ما لبث
شتراوس أن أصبح زعيم
البنيوية الفرنسية، كما سيأتي .
ونبغ من هذه الحلقة "
نعوم شومسكي " أبرز ممثلي
البنيوية الأمريكية!!
وهنا لابد أن يستوقفنا دور "
جاكوبسون" الكبير في تأسيس وتطوير
البنيوية، حتى أن بعض الباحثين يلخص تاريخ نشأة
البنائية وتشكلاتها المختلفة في شخصيته ومغامراته العلمية ابتداءً من مطلع شبابه في
موسكو حتى تخرج على يديه أجيال من الباحثين في
أوروبا و
أمريكا، وأصبح الحجة الأولى والمرجع الأخير في علم اللغة الحديث
.
فهل الأمر مصادفة، أم عبقرية فردية، أم أن هذه الحركة والشهرة الواسعة وراءها ما وراءها؟!
لعل الإجابة تأتينا من معرفة أن كلاً من زعيمي المدرستين الأمريكية والفرنسية
جومسكي و
شتراوس يهوديان، بل إن
شومسكي تربى في
الأرض المحتلة .
ومع أنني لم أجد من خلال بحثي المحدود ما يدل على دين "
جاكوبسون"، لكن ما علمناه عن دوره وما نعلمه عن دور المؤسسات المريبة في احتضان الأفكار الشاذة وتوجيهها، وما هو واضح من صلته بـ
الماركسية التي هي فكرة يهودية يجعلنا على الأقل نستريب في انتمائه، ونتساءل أليس من السذاجة أن نغض الطرف عن كون رجال هذا المذهب يهوداً ورموزه توراتية، ونحمل المصادفة وحدها عبء ذلك؟!
ونزيد: أليست النفسية
اليهودية منذ حلول غضب الله عليها مسؤولة عن كثير من المفاسد والشرور في الفكر والواقع من غير اشتراط دافع للإفساد عمداً بالضرورة، فليس من شرط الأفاعي -هكذا كما سماهم المسيح- لكي تكون شريرة أن تضع بروتوكولات للإيقاع بالحمام!!
ب- إن المدرسة الأمريكية "
نيويورك": ''هي التي لقيت أكبر قدر من الذيوع في العالم العربي'' كما يقول الدكتور
صلاح فضل .
ولعل الأصح أن يقال في المشرق العربي وهي التي تربى في أحضانها الكاتب النصراني "
كمال أبو ديب"
"الذي سار على خطاه الدكتور
عبد الله الغذامي وتلميذه
السريحي عندنا.
ج - الاتجاهات التطويرية
للبنيوية
انبثق من
البنيوية اتجاهات قامت بتطوير الفلسفات المعروفة وفق منهج بنيوي -أي: بصياغة جديدة للفلسفات والنظريات المشهورة- ومن رواد تلك الاتجاهات إضافة إلى
شتراوس وتطويره للدراسات الانتربولوجية:-
1- "
لوى التوسير" أعاد صياغة
الماركسية بحيث تقرأ من منظور بنيوي لا منظور
هيجلي!! وقريب منه "
هنري لوفيفر" الزعيم الماركسي الحركي.
2- "
جاك لاكان" أعاد صياغة
الفرويدية، بل إن كتاباته تعد في مجملها صدى لتلك النظرية، خاصة رسالته "
وراء مبدأ الواقع" التي كان عنوانها محاكاة لعنوان كتاب
فرويد "
وراء مبدأ اللذة".
3- "
ميشل فوكو" الذي صاغ نظرية جديدة في اللغة وأصلها وتراكيبها ووظيفتها، من خلال مصدره الخاص لاستكناه الحقيقة الإنسانية وهو "الجنون" معلناً أن المجنون يمكن أن يؤدي دور النبي عند المؤمنين بالأديان!!
4- "
رولات بارت" صاغ نظرية بنيوية لتغير الأزياء (الموضة)، هي في جزء منها تطوير لآراء "
دوركايم" كما أحدث أثراً بالغاً في النقد الأدبي خاصة بعد أن أصبح عضواً في
مجلة telque صوت الاتجاه الذي يسمى ما بعد
البنيوية أو (التفكيكيين) الذين ينتمي إليهم
الغذامي في كتابه السالف ذكره.