ظهور الحركة الأدبية ضد الكنيسة
والمهم أن أوروبا النصرانية قدست اللاتينية تقديسها للنص الديني نفسه، وقدست معايير أرسطو الفنية تقديسها لعلم الكلام الكنسي المنقول عن الفكر الإغريقي.
ومن هنا كانت الحركة الأدبية المتحررة موسومة منذ البداية بالإلحاد والزندقة، وكان لابد لدعاتها من التسلح بقدر كبير من المغامرة والجرأة.
إنه ليس تحرراً من القيود الأدبية ولكنه تحرر من القبضة الكنسية الجائرة.
وكانت الزحزحة الأولى حيث ظهر حدثان أدبيان كبيران:-
أولهما: الكوميديا الإلهية للشاعر الإيطالي دانتي 1321م أبرز رواد عصر النهضة -معه مثل: بتراك، دافينشي، تشوسر، مايكل أنجلو-؛ وبذلك سجلت أوروبا كما يقول برتراند رسل: "وثيقة التحرر الأولى!!''.
أما وثيقة التحرر الأخرى: وهي أعظم من الأولى فكانت على يد المصلح الكنسي "مارتن لوثر"، ذلك المتدين الثائر الذي هاله ما رأى من فظائع البابوية، فكتب وثيقة الاحتجاج المشهورة سنة (1517م) وجعلها خمسة وتسعين بنداً وعلقها على مدخل كنيسة ويتنبرج، وليست هذه هي وثيقة التحرر التي نريد هنا ولكنها انبثقت منها. .
إلا أن أحداً من الناس حينئذ لم يطلق على هذا اسم الحداثة (موديرنـزم) بمصطلحها الأدبي، ذلك أن الخلاف بين لوثر والكنيسة أكبر من أن يكون في الأدب أو اللغة.
وظهر بعد اللوثرية مذاهب وألوان دينية جديدة لاسيما في القرن السابع عشر، وكان من أهم أسباب ظهورها انتشار الإنجيل بلغات حية كثيرة، فدخل الجميع من الباب الذي فتحه لوثر ومنها (الكالفينية = كالفن) (الجزويت = أجناثيوس) (الكويكرز = جورج فوكس) (الويزلية = جون ويزلي)، ومع أنها اتجهت كلها تقريباً لمحاربة الكنيسة الكاثوليكية أو مخالفتها، فقد برزت في المقابل محاولات لإعادة الوحدة الدينية لـأوروبا.