إن ولادة أوروبا في ظل الحروب الصليبية وشعورها بذاتها من خلالها هو الذي يفسر تلك التناقضات الصارخة التي يعيشها الفكر الغربي متمثلة في هذه المعادلات الصعبة:-
تعصب صليبي على الإسلام من بطرس الناسك إلى كلاوس، يوازيه داخلياً تمرد كامل على دين الصليب.
ازدراء مطلق للعصور الوسطى باعتبارها عصور إيمان، يوازيه تحيز فاضح لها إذا قورنت بنظيرها التاريخي في الإسلام!!
الحكم بالسذاجة والبدائية على الفكر الإغريقي باعتباره نقطة البداية في مسيرة الحضارة الغربية، يوازيه الحكم عليه بالعظمة والإبداع بالنسبة للحضارة الإسلامية.
ولقد صدق أحد المفكرين الغربيين حين قال في وصف هذه الحالة من التناقض: ''كانت أوروبا تعبد أرسطو وتلعنه في آنٍ واحدٍ'' وهو التناقض الذي يدفع المسلمون ثمنه للحضارة الغربية إلى الآن.
ولئن كانت كتب أرسطو بمنـزلة الكوة الصغيرة التي نفذت منها أوروبا في انفلاتها من سجن الكنيسة المظلم فإنها لم توصلها إلى بر الأمان، بل إلى نفق الجاهلية الإغريقية التي لم تخرج منه إلا إلى صحراء القلق والضياع التي يصطلي الإنسان الغربي المعاصر بلهيبها.