الأدب -ومثله الفن -مجال رحب وميدان فسيح تنوء به الدراسات المتخصصة المستفيضة، فضلاً عن البحوث المنهجية الدراسية، والأدب الأوروبي -خاصة- له قصته الطويلة وتاريخه السحيق، فوق أن معظم قضاياه كانت وستظل مثار نزاع، ومدار جدل شديد بين الباحثين والنقاد، وتلعب الاتجاهات السياسية والخلافات القومية والمذهبية دورها في ذلك.
وإذا وافقنا الرأي القائل بأن الأدب هو (صورة الحياة وانعكاسها الواضح)، فما بالك بصورة حياة كحياة أوروبا حائرة مضطربة متهافتة متناقضة؟!!
وهذه الأمور وغيرها - مما لا يخفى على المطلعين - تجعل البحث في هذا المجال محفوفاً بالمتاعب، وتستنفد جهد الباحث دون أن يستطيع أن يخرج بخلاصة متناسقة، تعبر على الأقل عن مدى جهده، إن لم تعط الصورة المطلوبة للموضوع.
ومن الجلي أننا لا نبحث في الأدب من حيث هو أدب، وإنما ننظر إليه من خلال المنظار العام للموضوع، أي: من جهة علاقته بالدين، كما أننا مقيدون بالحجم الذي لا ينبغي أن يتجاوزه هذا الجانب من جوانب الحياة البشرية.
ومراعاة ذلك تستدعي عرض الموضوع، وصياغته ضمن منهج خاص يتميز بأمور:
1- التركيز على ماله صلة قوية بموضوع بحثنا، وعرضه بما يتناسب مع مقتضى الحال حجماً وأسلوباً.
2- البعد -ما أمكن - على الخلافات حول المذاهب الأدبية، وتصنيف المدارس والانتماءات وتقويم المواد والشخصيات.
3- البعد عن الغموض الذي يكتنف الدراسات العصرية، والذي سيظهر طرف منه - رغم إرادتنا - عند الحديث عن مدارس الضياع.
وهذا وسنراعي كالعادة - التسلسل التاريخي في عرض المعالم الكبرى لعملية التحول إلى العلمانية التي بلغت ذروتها في الأدب والفن المعاصرين.