الشاهد السادس في إثبات العلو: هو أثر
ابن عباس رضي الله عنهما الذي رواه
عكرمة في قوله تعالى حكاية عن إبليس: ((
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ))[الأعراف:17].
وهذا العهد يتعهد به هذا اللعين ويقطعه على نفسه من أول لحظة يقع فيها الخلاف بينه وبين آدم عليه السلام، وتحل عليه اللعنة من الله والغضب، فهو يتعهد بأنه لن يترك مجالاً إلا ويأتي منه لابن آدم إلا جهة واحدة استثناها -وهي الشاهد هنا- فإنه لم يقل: (ولآتينهم من فوقهم)، قال
ابن عباس: [[
لم يستطع أن يقول: من فوقهم؛ لأنه قد علم أن الله تعالى من فوقهم]].
ابن عباس فقهه الله وعلمه التأويل، وأظهر الحكمة على لسانه رضي الله عنه، فكان يستنبط مثل هذه الدقائق التي لا يستنبطها إلا من وهبه الله تعالى من مثل ما أعطاه.
فالخير والقرآن والوحي إنما ينزل من السماء لإحياء القلوب؛ فإذا أرادت الشياطين أن تأتي من فوق أو أن تستمع الوحي، فإن الله تعالى تعهد بأن يجعل لهم هذه الشهب تقذفهم وتتبعهم لا يفوتها أحد منهم، إلا إذا أراد الله أن يفتن أحداً من عباده، فيلقي الشيطان الكلمة قبل أن يدركه الشهاب: ((
لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ))[الصافات:8-9] فالسماء جهة محروسة ممنوعة.