المادة    
وأما الشاهد الخامس فهو حديث عمر رضي الله عنه: [[أنه مر بعجوز فاستوقفته، فوقف معها يحدثها، فقال رجل: يا أمير المؤمنين! حبست الناس بسبب هذه العجوز؟ فقال: ويلك! أتدري من هذه؟ هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة التي أنزل الله فيها: ((قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ))[المجادلة:1]]].
وهذه الرواية أيضاً حكم الشيخ الألباني أن فيها انقطاعاً.
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله هذه الرواية عند تفسيره للآية السابقة فقال: وقد روي من غير هذا الوجه؛ وكأنه رحمه الله يشير إلى أن الحديث له أوجه أخرى، فبمجملها قد ترتقي الرواية إلى أن تكون من الحسن لغيره، وعلى كل حال فالرواية ليس فيها أحكام، وليس فيها شيء جديد، والمعنى حق وصحيح، وهو إثبات الفوقية والعلو.
فائدة: وقف ابن القيم رحمه الله في كتابه الصواعق إلى حديث عمر في ذكره للأحاديث والآثار في العلو.
وقصة هذه المرأة -المجادلة- حديث صحيح رواه البخاري وأحمد وغيرهما عن عائشة، قالت: {سبحان من وسع سمعه الأصوات! لقد جاءت المجادلة تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجادله في زوجها، وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها وأنا في ناحية المنزل... وهي تقول: يا رسول الله! رجل مُسن... أطفالي يا رسول الله... وهو يقول لها: ما أراك إلا قد حرمْتِ عليه} فنزلت الآيات من سورة المجادلة تذكر أن هذا التحاور كان مشهوداً مسموعاً من الله، وبعضه قد خفي على أم المؤمنين، لكن الله تعالى من فوق سبع سماوات يسمعه ولم يخف عليه منه تعالى شيء.
وإثبات الصفات له أثر كبير على الإنسان؛ فعبادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وبكاؤها من خشية الله وتقواها إنما كان بسبب ما علمته عن الله، من ذلك علمها أنه سمع هذا الكلام الذي خفي عليها بعضه وهي أقرب الناس إليهما.
وفي هذا عظة وعبرة للمؤمن أنه إذا عرف الله تعالى وعرف أسماءه وصفاته فإنه يتقي الله؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إني أعلمكم بالله وأتقاكم له} فيجب أن ترتبط التقوى والخشية بالعلم، ولهذا فإن كل من عصى الله فهو جاهل بالله.
وفي هذه القصة دلالة على أن مسألة الأسرة في الإسلام مسألة أساسية وليست ثانوية، فقد كان جبريل ينزل بالأحكام من السماء عند كل واقعة تتعلق بأحكام الأسرة والبيت، لذلك نرى أن أحكام الأسرة قد جاءت تفصيلية كالعدة، والطلاق، وأحكام الحيض، وأحكام النفاس، وأحكام الميراث، وأحكام الظهار... كل ما يتعلق بعشرة الزوجين، وبتربية الأبناء، وبحقوق الوالدين كله مفصل، أما الجوانب الاقتصادية والتعليمية والسياسية، فإنما هي قواعد عامة؛ لأن المقصود هو أن تسير هذه الجوانب وفق ما أمر الله به في الجملة.
الشاهد من حديث عمر السابق قوله: [[كيف لا أسمع شكواها؛ وقد سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات وأنزل في ذلك آيات؟!]].