القومية في اللغة مصدر صناعي من القوم، والوطنية مصدر صناعي من الوطن، وهما في الاصطلاح مذهب فكري يؤمن بأن رابطة الولاء والتجمع هي القوم أو الوطن.
  1. تاريخ الوطنية ونشأتها

    التفاخر بالأنساب والأعراف من شأن الجاهليات قديمها وحديثها، وقد أبطل الإسلام ذلك في جملة ما أبطل من دعاوى الجاهلية وشعاراتها، ولكن الحاقدين من المجوس أثاروا في العصر العباسي دعوة قومية فارسية تحتقر الجنس العربي وتغالي في تعظيم الجنس الفارسي، وقد أطلق على هذه الحركة اسم ( الشعوبية ).
    والواقع أنه لم يكن لهذه الحركة نظرية فكرية مستقلة، وإنما كانت جزءاً من المؤامرة الحاقدة على الإسلام.
    أما المفهوم الحديث القومية فقد ولد في أوروبا في القرن الماضي، وذلك بعد أن ضعفت رابطة الدين النصراني، وتفككت الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى التي كانت تضم أقواماً وأوطاناً كثيرة، وقد ساعد على تنمية الفكرة القومية أمور سيأتي ذكرها:
    -أسباب ظهور الفكرة القومية:
    1- الثورة الفرنسية وما أسفرت عنه من ولادة أول دولة لا دينية في التاريخ الحديث وتأسيس قاعدة الولاء للوطن لا الدين.
    2- بعث الآداب القديمة، ودراسة تاريخ الحضارات المنقرضة وإحياء آثارها، مما جعل كل أمة أو وطن تفتخر بماضيها وتفتعل الأمجاد له.
    3- صراع الدول الأوروبية داخل القارة وصراعها على احتلال القارات الأخرى.
    هذا وقد بلغت القومية ذروة قوتها في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث ظهر الزعماء القوميين الكبار أمثال: ( هتلر ) و ( موسوليني ) في أوروبا و ( غاندي ) و( كمال أتاتورك ) في الشرق.
    ولكنها خمدت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية حيث رأت الدول الأوروبية ضرورة الترابط المشترك، وأسست الأحلاف العسكرية والاقتصادية الكبرى، مثل: حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) و(السوق الأوروبية المشتركة ). أما في البلاد العربية فلها تاريخ آخر.
  2. القومية والوطنية في العالم الإسلامي

    الوطنية: أول ما ظهرت الوطنية بمفهومها المعاصر في مصر بعد الحملة الفرنسية، وكان هدفها فصل مصر عن العالم الإسلامي والخلافة العثمانية، نظراً لما لـمصر من مكانة وزعامة حضارية وعلمية في العالم الإسلامي.
    وقد بذل المستشرقون وأشباههم جهوداً كبرى لإحياء (الفرعونية) في مصر من خلال التنقيب عن الآثار وبعث الأمجاد الفرعونية، وقد فعلوا مثل ذلك في جميع بلدان العالم الإسلامي.
    وقد نجحت الفكرة الوطنية في مصر نجاحاً ظاهراً، وآمن بها الزعماء السياسيون، مثل ( سعد زغلول ) صاحب شعار (الدين لله والوطن للجميع) و ( مصطفى كامل ) صاحب شعار (لو لم أكن مصرياً لتمنيت أن أكون مصرياً).
    وظهر ذلك لدى المفكرين والصحفيين والشعراء، حتى أن أحمد شوقي وهو المعروف بتأييده للخلافة والرابطة الإسلامية كان وطنياً أيضاً، ومن شعره:
    أنا مصري بناني من بنى            هرم الدهر الذي أعيا الفنا
    وانكشفت الأهداف المتسترة وراء هذه الفكرة، حين أعلن دعاتها أمثال الدكتور ( طه حسين ) أن مصر قطعة من الغرب لا صلة لها بالشرق من قريب ولا بعيد، وأن الفتح الإسلامي لـمصر ما هو إلا غزو عربي عسكري.
    وطالب بعضهم بإلغاء الحروف العربية وإحلال الحروف اللاتينية محلها، واستخدام اللهجة العامية المصرية لغة بديلة عن الفصحى.
    وقد ضعفت فكرة الوطنية المصرية لأسباب أهمها: تحول مصر بعد الانقلاب العسكري إلى فكرة القومية العربية -التي هي أعم من الوطنية والدعوى الاشتراكية العالمية - التي تتعارض بطبيعتها مع الوطنية.
    إلا أن الوطنية لا تزال فكرة رائجة في بلدان العالم الإسلامي، وهي أحد العوائق دون وحدة الأمة الإسلامية.
  3. نشأة القومية وفشلها

    أنشئت القومية في العالم الإسلامي لغرض تواطأت عليه الصهيونية العالمية والدول الصليبية جميعاً، وهو تمزيق دولة الخلافة العثمانية، وتفكيك رابطة العقيدة الإسلامية تمهيداً لإقامة دولة يهودية وحكومات نصرانية، أو موالين للغرب في الدول العربية.
    والثابت تاريخياً أن أول من دعا إلى القومية هم اليهود في تركيا، والنصارى في العالم العربي، ثم انضم إليها أبناء الطوائف الحاقدة، كـالنصيرية، والدروز، والرافضة وبعض المتفرنجين أو المخدوعين من أهل السنة.
    وقد ابتدأت الدعوة إلى القومية بتأسيس جمعيات سرية لم تكن في حقيقتها إلا فروعاً للجمعيات الماسونية، وقد قامت هذه الجمعيات تنادي بـالقومية التركية في تركيا، وبـالقومية العربية في الدول العربية في وقت واحد، مع أن كثيراً من دعاتها ليسوا من أصل تركي ولا عربي.
    واستطاع القوميون الأتراك بقيادة ( كمال أتاتورك ) الذي لم يكن هو في الأصل تركياً أن يلغوا الخلافة العثمانية، ويبطلوا ما تبقى من أحكام الشريعة الإسلامية، كما ألغوا الحروف العربية حتى أنهم أبطلوا الأذان باللغة العربية وجعلوه بالتركية، واستعاضوا عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأبطاله العظام بزعماء الوثنية أمثال ( جنكيز خان ) وحفيده ( هولاكو ) الذي دمر بغداد .
    وهذا ما حفز دعاة العربية إلى مزيد من التعصب وإثارة الرأي العام للقومية العربية، وقد أثبتت الوثائق التاريخية المنشورة أن كل دعاة القومية من زعماء ومفكرين كانوا على صلة بالدول الاستعمارية لا سيما انجلترا التي خططت لإنشاء جامعة الدول العربية.
    ولما لم يكن للقومية عقيدة أو فكرة محددة فقد اندمجت مع تيار الاشتراكية الذي طغى على العالم الإسلامي، منذ قيام الدولة اليهودية بواسطة الانقلابات العسكرية والأحزاب اليسارية.
    وأكبر الأحزاب القومية في العالم العربي هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه ( ميشيل عفلق ) النصراني.
    وبهزيمة صفر (1387هـ) (حزيران 1967م) انكشف زيف القومية العربية وأخذت في الانحطاط حتى يصح أن يقال: إنها الآن في حالة احتضار.
    فقد تخلت مصر عن فكرة القومية العربية بعد تزعمها لها وعادت إلى الوطنية، كما أخفقت مشروعات الوحدة التي قامت بين بعض الدول العربية، وضعف دور الجامعة العربية حتى كاد يتلاشى، وانتقلت الدول العربية من فكرة الوحدة والاندماج إلى فكرة التعاون أو التكامل الإقليمي.
  4. خطر القومية العربية على الإسلام

    يقول العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
    (اعلم أن هذه الدعوة -أعني الدعوة إلى القومية العربية- أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول، وأنواع من الخيال، وأساليب من الخداع، فاعتنقها كثير من أعداء الإسلام، واغتر بها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال، وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل مكان.
    ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
    الأول: أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل بين المسلم العجمي وأخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم لأنهم ليسوا كلهم يرتضونها.
    الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية؛ لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق.
    الوجه الثالث: أن الدعوة إلى القومية العربية سُلِّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والانتصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم، ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجود بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة.
    والنصوص في هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ))[المائدة:51-52].
    سبحان الله! ما أصدق قوله وما أوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها (( يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ))[المائدة:52]، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون القومية العربية، ويقولون: إن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي، وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله؟ ومخالفة لشرع الله؟ وتعدِّ لحدود الله؟ وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟
    الوجه الرابع: أن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن؛ حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين، والردة السافرة، كما قال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[النساء:65].. وقال تعالى: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة:50].. وقال تعالى: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44] ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ))[المائدة:45] ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ))[المائدة:47]
    وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات. يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم بشريعته، كما قال عز وجل: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ))[الممتحنة:4].