أما الشاهد الرابع فهو حديث أم المؤمنين
زينب رضي الله عنها؛ فإنها كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: {
زوجكن أهاليكن وزوجني الله من فوق سبع سماوات} لأن الله يقول: ((
فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا))[الأحزاب:37] أي: نحن الذين زوجناك
زينب، فالذي زوجها هو الله من فوق سبع سماوات وهذا هو الشاهد، ففيه إثبات الفوقية، وأنه تعالى فوق جميع المخلوقات، فالله تعالى هو الذي زوجها، وهذا من أعظم الفخر بلا ريب؛ لأن أمهات المؤمنين من أفقه الناس في دين الله تعالى، فاستطاعت
زينب رضي الله عنها أن تستنبط من الآية ذلك الفخر لها على أمهات المؤمنين.
كان من عادة العرب في الجاهلية: التبني، فالنبي صلى الله عليه وسلم تبنى
زيداً حتى أصبح يقال له:
زيد بن محمد، فأنزل الله سورة الأحزاب والتي جاءت فيها أحكام لقطع كل العادات والعلائق الجاهلية، ومنها: أنه لا نسب صحيح إلا النسب الحقيقي؛ قال تعالى: ((
وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ))[الأحزاب:4] والحق أن الولد ينسب إلى أبيه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: {
من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم فالجنة عليه حرام}.
ومن المعلوم والمقطوع به حتى عند العرب في الجاهلية: أنه لا يتزوج زوجة ابنه إلا من لا مروءة له، والنبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن يقول عنه المنافقون والمشركون: محمد الذي يأتي بالفضائل ويدعو إلى مكارم الأخلاق هاهو ذا يتزوج بزوجة ابنه بعدما طلقها، فينالون من عرض النبي صلى الله عليه وسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم لا يريد ذلك، وهذه طبيعة فطرية، وقد ضاق صدره صلى الله عليه وسلم بما يصفونه به من السحر والكذب، وأنه كاهن، والآن تأتي تهمة جديدة من هؤلاء المنافقين وإخوانهم المشركين فيقولون: طلق ابنه زوجته ثم تزوجها هو.
والله تعالى يريد أن يقول لهم الحق وأنه ليس ابنه، بل هو أجنبي عنه، فطلقها
زيد، وزوجها الله نبيه صلى الله عليه وسلم حتى يتم بذلك الزواج القضاء على هذه العادة عملياً؛ لأن العادات لا يقضى عليها قضاءً حقيقياً إلا بالتطبيق العملي.
قال تعالى: ((
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ))[الأحزاب:37] فالنبي صلى الله عليه وسلم يريد من
زيد ألا يفارقها؛ لأنه لو فارقها لكانت المشكلة الأخرى، فيقول: ((
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ))[الأحزاب:37] أي: من زواجك بـ
زينب.
وقد افترى المجرمون الكاذبون الضالون الذين يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفي في نفسه حب
زينب، فنقول لهم: إن الله يقول: ((
مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ))[الأحزاب:37] وما أبداه الله لم يكن منه حب الرسول صلى الله عليه وسلم لـ
زينب بل زواجه بها، لذا قال تعالى: ((
وَتَخْشَى النَّاسَ))[الأحزاب:37] وتخشى أن يقولوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم تزوج زوجة ابنه، ((
وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ))[الأحزاب:37] فلا يدخل في قلبك ما قاله أولئك المرجفون المبطلون المفترون.