1. رسالة المسيح بالتوحيد

    سبق القول أن الرسل قد جاءوا جميعاً بالتوحيد، ومنهم المسيح عيسى بن مريم الذي بعثه الله إلى بني إسرائيل وأراد أن تكون رسالته حلقة وصل بين الرسالتين العظيمتين:
    1- رسالة موسى عليه السلام حيث بعث المسيح في بني إسرائيل خاصة، وجعله مصدقاً للتوراة ومجدداً لشريعته.
    2- رسالة محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين، حيث بشر به المسيح باسمه وصفته، قال الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ))[الصف:6].
    وقد أرسل الله تعالى نبيه عيسى إلى بني إسرائيل بآيات بينات وبراهين باهرات، وأنزل إليه الإنجيل ليحكم بينهم بما أنزل الله فيه، وهكذا كان أتباع المسيح جزءاً من الأمة اليهودية التي كانت أحدث الأمم الخاضعة للحكم الرومي.
  2. اضطهاد أتباع المسيح

    كفر اليهود برسالة عيسى أشد الكفر، واتهموه بأشنع التهم، وسعوا في القضاء عليه وعلى من اتبعه منهم، ودبروا مكيدة لدى الحاكم الروماني أقنعته بالقبض على المسيح بغرض قتله وصلبه، ولكن الله تعالى نجاه منهم ورفعه إليه، وألقى شبهه على الجاسوس المنافق فصلبه الحاكم، قال تعالى عن المسيح: ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ.. ا لآية))[النساء:157].
    واستمرت الحكومة الرومانية بتحريض اليهود ومعاونتهم في تعذيب أتباع المسيح وتقتيلهم ثلاثة قرون تقريباً، ونتج عن ذلك نتائج وأحداث كبرى في تاريخ النصرانية، أهمها:
    1- ضياع الإنجيل الذي أنزله الله وتفرق المؤمنين به، وهذا ما جعل كثيراً منهم يكتب ما بلغه وسمعه عن المسيح سراً ودون تحقيق أو تدقيق، وهذه الكتابات سميت أناجيل.
    2- ظهور دعوات وأفكار غريبة انتسبت إلى عيسى كذباً وزوراً، ولم يكن في أمكان أتباعه وهم في هذه الحالة القاسية أن يقاوموها ويبينوا زيفها.
    وأهم هذه الدعوات في تلك المرحلة دعوة: ( شاءول ) الملقب ( بولس ).
    - بولس :
    يكاد الباحثون والمؤرخون المعاصرون من النصارى وغيرهم يجمعون على أن بولس هو المؤسس الحقيقي للدين النصراني المعروف اليوم.
    ولا خلاف في أنه كان أول أمره من أشد اليهود عداوة للمؤمنين بالمسيح وتنكيلاً بهم، كما هو مسطر عنه في الرسائل المقدسة نفسها، وأنه تحول إلى المسيحية فجأة واعتنقها، وأصبح أعظم الرسل كما يسمونه.
    وكان تحوله في الحقيقة مكيدة يهودية بعيدة النظر، فقد أخذ يهدم المسيحية من داخلها وينسخ منها ما شاء، ويضيف إليها ما شاء، مع أنه لم يلق المسيح ولم يره، وإنما ادعى أن المسيح يوحي إليه، فصدقه أكثر النصارى وسموه ( بولس الرسول ) وأصبحت رسائله فيما بعد من كتبهم المقدسة، والواقع أن بولس كان يؤمن بالمذهب الذي أسسه الفيلسوف اليهودي ( أفلوطين ) هو المذهب المعروف ( بـالأفلاطونية الحديثة ) وقد اقتبسه أفلوطين من الفلسفتين: الهندوسية واليونانية.
  3. خلاصة عقائد النصارى

    1- الخطيئة والخلاص:
    تزعم النصرانية المحرفة أن آدم لما وقع في خطيئة الأكل من الشجرة احتاج الجنس البشري إلى التكفير وإلى مخلص ينقذهم منها، وأن الله رحم بني آدم فنزل ابنه الوحيد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- لكي يصلب ويقتل تكفيراً عن تلك الخطيئة، ومن هنا وجب على كل البشر الإيمان بالمسيح ابناً لله ومخلصاً للبشر، ومكفراً عن خطيئتهم، ولهذا يقدس النصارى الصليب، ويجعلونه شعارهم الدائم.
    2- التثليث:
    يتفق النصارى جميعا ً على أن الله ثلاثة، ويسمونها (ثلاثة أقانيم) وهي : الأب، والابن، وروح القدس، ثم يقولون: إن الثلاثة واحد.
    ولكنهم يختلفون في معنى الأقنوم، وفي طبيعة كل أقنوم وخصائصه اختلافاً كبيراً، وما يزالون على مدار ألفي سنة يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً بسبب ذلك.
    ويشهد التاريخ الأوروبي أن ضحايا هذه الاختلافات فيما بينهم تفوق من قتل منهم على أيدي المسلمين واليهود والمجوس أضعافاً كثيرة.
    والعجيب أن من أسباب هذا الاختلاف عدم تصور حقيقة التثليث، حتى اعتقد بعض علمائهم أنه لا يمكن معرفته إلا يوم القيامة عندما تتجلى الحقائق.
    3- التوسط والتحليل والتحريم:
    تؤمن المسيحية المحرفة بالتوسط بين الله والخلق في العبادة، وهذا التوسط هو مهمة رجال الدين، فعن طريقهم يتم دخول الإنسان في الدين واعترافه بالذنب، وتقديم صلاته وقرابينه، وقد أدى هذا إلى أن يتحول رجال الدين إلى طواغيت يستعبدون الناس ويحللون لهم ويحرمون من دون الله، كما قال الله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ...))[التوبة:31].
    وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم عبادتهم بأنها طاعتهم في التحليل والتحريم، كما في حديث عدي بن حاتم، وما يزال النصارى إلى اليوم إذا رأوا أن المصلحة تقتضي تحريم شيء أو تحليله، يطلبون ذلك من (البابا) ورجال الدين، فتصدر القرارات التي قد تخالف نصوص الإنجيل.
    وقد أدى هذا المبدأ إلى نتائج سيئة؛ منها: إصدار صكوك الغفران، واحتكار رجال الدين للعلم والقراءة والكتابة قروناً طويلة.
    4- الإيمان بالكتب المقدسة عندهم (العهد القديم والعهد الجديد) وهي الرسائل والأناجيل التي نتحدث عنها.
  4. كتب النصارى المقدسة

    يشمل الكتاب المقدس عند النصارى قسمين:
    1- العهد القديم: وهو التوراة والأسفار الزائدة عليها، وقد سبق الحديث عنها.
    2- العهد الجديد: ويشمل الأناجيل الأربعة والرسائل التي كتب أكثرها بولس وتلاميذه.
    - الأناجيل الأربعة:
    يوجد لدى النصارى أكثر من سبعين إنجيلاً، ولكن الأناجيل المعترف بها عند معظمهم أربعة:
    1- إنجيل لوقا : وهو تلميذ بولس ورفيقه، كتبه باليونانية.
    2- إنجيل متى : كتب باللغة العربية ولم يعرف إلا باليونانية والمترجم مجهول.
    3- إنجيل مرقص: كتبه باليونانية واختلفوا في الكاتب الحقيقي.
    4- إنجيل يوحنا : وقد اختلفوا في كاتبه، واتفقوا على أنه كتبه ليثبت ألوهية المسيح، وهو آخر الأناجيل.
    وقد كتبت هذه الأناجيل بعد عيسى بزمن طويل، وتنوقلت بالترجمة من لغة إلى لغة، ولم يسمع عنها شيء إلا في أوائل القرن الثاني الميلادي.
    وفي سنة (325م) تم اختيارها من بين أناجيل كثيرة وحكم على ما عداها بالحرق والإعدام.
    ويدعي النصارى أنها موحاة من عند الله، ولكن من يطلع عليها لا يشك في أنها ليست كذلك، فهي متناقضة ومتغايرة في أمور كثيرة، وكل منها يعبر عما يعتقده مؤلفه، أو ما بلغه من سيرته وأخباره، والتي لا يعلم أهي منقولة عن الثقات أم عن الوضاعين؟
    ويوجد كتاب سيرة للمسيح يسمى (إنجيل برنابا) يختلف عن الأناجيل جميعها، وهو أقرب شيء إلى ما جاء في القرآن والسنة عن المسيح، وفيه تصريح ببشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم.
    ولكن التعصب الأعمى يجعل رجال الدين النصراني يكفرون بهذا الإنجيل، وينكرون صحته بدون أي دليل علمي.