سبقت الإشارة إلى أن أول من أسس الاعتزال، هو واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، اللذان طردهما الحسن البصري من حلقته بمسجد البصرة، وأن أول بدعة المعتزلة كانت في الإيمان، وذلك أنهم قالوا: إن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ولكنه في منزلة بين المنزلتين.
وأنهم أيضاً وافقوا معبد الجهني وغيلان في نفي القدر، ثم أضافوا إلى ذلك إنكار صفات الله تعالى، والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم.
  1. تطور مذهب المعتزلة

    أصبح مذهب المعتزلة في -نهاية القرن الثاني الهجري- يمثل منهجاً فكرياً مستقلاً، وذلك لسببين:
    1- ترجمة كتب الفلسفة اليونانية، فقد أقبل عليها المعتزلة، واهتموا بدراستها، وأسسوا علم الكلام مستوحى من قواعدها، كما سيأتي.
    2- نبوغ طائفة من المعتزلة تتلمذوا على تلاميذ واصل، وعمرو بن عبيد، وأشهرهم: أبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام.
    وقد ابتدع كل منهما آراء كفرية خارجة عن إجماع المسلمين، وفي الوقت نفسه كان كل منهما يرد على الآخر ويكفره، وهذا هو حال أهل البدع دائماً، والحق أن من يتتبع حياة الرجلين، يجد فيهما من قبح السيرة، وسوء الاعتقاد، والجرأة على الله، ما يجعله يصدق ما نسبه إليهما المؤرخون، من الإلحاد والزندقة.
    - المعتزلة وفتنة القول بخلق القرآن:
    المعتزلة هم السبب الرئيسي في حدوث الفتنة، وامتحان الأمة بالمحنة الكبرى، لكي تعتقد بقوة الحديد والسجن، أن القرآن -الذي هو كلام الله- مخلوق.
    فقد زينوا ذلك للمأمون، ثم للمعتصم الذي عذب الإمام أحمد وغيره، لكي يوافقهم على هذه الضلالة.
  2. فرق المعتزلة

    تفرقت المعتزلة فرقاً كثيرة، يكفر بعضها بعضاً أو يضلله، ومنذ القرن الثالث اتحد المعتزلة والشيعة، ولا تزال الرافضة والزيدية على عقائد المعتزلة إلى يومنا هذا.
    كما أن لعقائد الاعتزال أثراً كبيراً في مذهب الأشعرية، الذي هو أكثر المذاهب رواجاً في العصور المتأخرة.
    وقد تبين من الدراسات الحديثة المقارنة، أن آراء المعتزلة ما هي إلا صدى للفلسفة اليونانية الوثنية القديمة، كما قال علماء السنة من قبل.
    ولهذا وغيره، قوي الاتجاه إلى مذهب أهل السنة والجماعة، في كثير من البلاد، ولله الحمد.
  3. أهم عقائد المعتزلة: الأصول الخمسة

    للمعتزلة عقائد كثيرة: وأهمها هي الأصول الخمسة، التي تتفق عليها فرقهم، وإن اختلفت في تفصيلاتها أحياناً، وهي:
    1- التوحيد: والمراد به عندهم، نفي الصفات عن الله تعالى، فيقولون: عليم بذاته، سميع بذاته، بصير بذاته، أو عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. وهكذا. وكذلك يريدون به القول: بأن القرآن مخلوق.
    وشبهتهم أننا إذا أثبتنا لله صفات، فقد قلنا بوجود آلهة كثيرة؛ لأن الصفات غير الذات.
    وهذه الشبهة باطلة، فإن صفة الإنسان ليست إنساناً، فكيف تكون صفة الله إلهاً وله المثل الأعلى؟! وإنكار الصفات تكذيب لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
    2- العدل: المراد به عندهم أن الله لا يخلق الشر ولا يريده، ولم يقدر المعاصي على العباد، ولكنهم هم يخلقون أفعالهم، ويفعلون ما لا يريد الله فعله ولم يقدره، وهذه هي فلسفتهم في القدر. وأصل شبهتهم عدم تفريقهم بين نوعي الإرادة:
    أ- الإرادة الكونية: التي هي بمعنى المشيئة، فلا يكون في الكون إلا ما يشاؤه الله ويريد وقوعه، سواء أكان يحبه أم يكرهه.
    ب- والإرادة الشرعية: وهي بمعنى المحبة، فكل ما أمر الله به وشرعه، فإنه يجب فعله، سواءً أطاعه العباد فيه أم عصوه. وطاعتهم أو معصيتهم لا تخرج عن إرادته الكونية الشاملة.
    فإذا قال المعتزلي: هل الله (يريد الكفر)؟ فنحن نجيبه بأن نفصل قائلين:
    أ- إن كنت تقصد بقولك يريد الكفر أنه يشاؤه ويقدره، فالجواب: نعم، فالكفار كما نرى ونعلم كثيرون، ولا يكون في ملك الله إلا ما يشاء، ولا يكون شيء إلا بقدر منه.
    ب- وإن كنت تقصد أنه يحب الكفر ويشرعه ويأمر به، فالجواب: لا. لأنه قال: ((وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ))[الزمر:7] ولأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب تحذيراً منه.
    3- الوعد والوعيد: المراد به عند المعتزلة أنه يجب على الله أن يعذب العصاة، ولا يعفو عنهم، ولا يقبل فيهم الشفاعة، ولا يخرجهم من النار أبداً.
    4- المنزلة بين المنزلتين: وهي الاعتقاد بأن مرتكب الكبيرة كالزاني وشارب الخمر والسارق، لا يسمى مؤمناً ولا كافراً، بل هو في منزلة بين الإيمان والكفر.
    5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمقصود به وجوب الدعوة إلى ما يعتقدونه من التوحيد والعدل وغيرهما، ووجوب الخروج على أئمة المسلمين، الذين ليسوا على مذهبهم بالسيف، أو من كان على مذهبهم لكنه جار أو فسق.
    ومن أخطر أصول المعتزلة : تحكيم آرائهم وعقولهم، والإعراض عن الكتاب والسنة، وقد بنوا على ذلك عقائد باطلة، مثل: إنكار عذاب القبر، وإنكار الصراط والميزان، وكثير من هذه الأمور الغيبية الثابتة.
    وهم يردون الأحاديث الصحيحة لمجرد مخالفتها لهواهم، ويكذبون الصحابة والتابعين وسائر الرواة، إذا رووا ما لا يتفق ومذهبهم.
    أما ما يخالف آراءهم من الآيات فإنهم يفسرونه بما لا يتفق مع الشرع واللغة، ويؤولونه كما يشاءون.