بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والناس في ضلالة عمياء، وجاهلية جهلاء، يعبدون الأحجار والأشجار، والجن والملائكة، والكواكب والكهان، والملوك والشياطين، والأحبار والرهبان، وقد كان فيهم الحكماء والشعراء، والفلاسفة والعباد والخطباء، فما أغنوا عنهم شيئاً، ولا أخرجوهم من الظلمات إلى النور.
فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالنور من عند الله، أشرقت شمس الهدى والحق على العالمين، واستضاءت الدنيا كلها، مسلمها وكافرها، فما بقي ممن بلغهم هذا الدين صاحب عقل راجح، وفطرة سليمة، إلا آمن به وأيقن أنه الحق.
وقد أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بالحق الكامل، والهدى الكامل، وقد بلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحي إليه من ربه كاملاً غير منقوص، لم يكتم منه حرفاً واحداً، وتلقاه منه أصحابه رضوان الله عليهم وهم أعظم الناس حرصاً على الحق، واتباعاً للهدى، هذا مع ما فضلهم الله به في قرة الفهم وصفاء الذهن.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة، وأدى الرسالة، وأكمل الله دينه، توفاه الله إليه، وظل أصحابه من بعده على المحجة البيضاء، والصراط المستقيم، لم يختلفوا أبداً في أصل من أصول الدين، ولم يكن فيهم مبتدع في الدين، لا قدري، ولا خارجي، ولا مؤول، ولا معطل .. ولا غير ذلك، هذا مع أنه وقع بينهم بعض الاختلاف في الفروع والأحكام.
وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معهم، جماعة واحدة، مجتمعة على الكتاب والسنة، ولهذا سموا (الجماعة).
وظلت الأمة على هذه الحال حتى حدثت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه وما بعده، ووقع القتال بين المسلمين، وكان الذين أحدثوا الفتنة وأوجدوا الفرقة صنفين:
الصنف الأول: حاقد هدّام، يبطن الكفر، ويظهر الإسلام.
الصنف الثاني: صاحب هوى، اتبع هواه، وخالف ما عليه الجماعة.
وتبع هذين الصنفين بعض الجهال، وحديثو العهد بالدين، والمخدوعون من العامة، ومن ذلك الحين ظهرت الفرق على اختلاف أنواعها.
  1. أصول الفرق ومنهج أهل السنة والجماعة في معاملتهم

  2. نتيجة الفُرقة

  3. حديث الافتراق