البيان: ضلال النصارى وافتراقهم يجعلنا نسأل عن العلاقة بين الدين والعلمانية في بنية الإدارات الأمريكية المتعاقبة؟
الجواب: العلاقة بين الدين والسياسة في أمريكا سهلة ومعقدة معاً؛ أمريكا لها علمانيتها الخاصة التي يمكن أن تكون نوعاً ثالثاً غير النوعين المعروفين تبعاً للاصطلاح الغربي وهما: النوع المضاد للدين، والنوع غير الديني:
فـالعلمانية الأمريكية مستنصرة بالدين ومؤيدة للدين، وهي حالة شاذة بالطبع؛ لكن الشذوذ هو صفة أمريكا في كثير من أمورها.
أنا أوافق (إدوارد سعيد) على أن أمريكا أكثر أمم الدنيا انشغالاً بالدين، لكنها ليست كما زعم المثقفون الأمريكيون أكثر شعوب الغرب تديناً، في الدول الأخرى -لا سيما الكاثوليكية- لا غرابة أن يكون للرئيس خدينات أو أن تحمل ابنته سفاحاً، وأن يعيش عمره كله لم يدخل كنيسة ولم يقرأ صفحة من الإنجيل؛ لكن هذا لا يمكن المجاهرة به في أمريكا، بل من الواجب التظاهر بخلافه، وأيضاً الدين هناك يستخدم العلمانية؛ فالحكومة لا تبني مدارس دينية ولا تضع مناهج دينية، ولكن التبرع للكنائس والمدارس الدينية يعد كما لو كان دفعاً للضريبة الحكومية، والتطوع للعمل في هيئة تنصيرية يحتسب للموظف كما لو كان على رأس العمل أو أنه في إجازة مضمونة الحقوق.
وتأسيساً على هذا يمكن أن يصل رئيس جهاز المخابرات الأمريكية -الذي هو أكثر الأجهزة جرائم في حق الإنسانية إلى منصب رئاسة الدولة تماماً، كما في أكثر الأنظمة الإلحادية قمعاً وكبتاً لكن مع التلبس بدعوى الدين، والتزلف لليمين الديني، فهناك تبادل مدهش للأدوار بين الحزبين، وتنسيق بين المحافظين واللبراليين يصب كله لمصلحة الصهيونية باسم الدين، وربما كان سبب ذلك الازدواج أن المجتمع الأمريكي قام على تحالف بين مجموعتين متنافرتين: الهاربين بدينهم من الاضطهاد المذهبي، والهاربين بجرائمهم من وجه العدالة، وبالتـزاوج بين غلاة المتزمتين وعتاة المجرمين نشأت الحالة الشاذة التي تحتسبها أمريكا على العالم دليلاً على القيم الراقية!!