البيان: الخطاب الإسلامي لم يأخذ موقفاً متجانساً من أحداث سبتمبر، ألا ترون في ذلك انعكاساً لحالة من التخبط المنهجي؟ وما السبيل لتلافي ذلك؟
الجواب: أزمة الخطاب الإسلامي هي صورة لأزمة الأمة في كل المجالات، وقد كشفت هذه الأحداث عن خلل في منهج التفكير؛ لكن الأمر ليس معضلاً، بل في الإمكان معالجته؛ فلو نظرتم إلى خطورة الموقف ومفاجآته لوجدتم أن نسبة النجاح في الخطاب الإسلامي عالية، وأن قدراً كبيراً من التوحد قد حصل. والشذوذ يمنة أو يسرة شيء عادي في كل زمان ومكان، وهو لا يختص بهذه الأحداث وما شابهها، بل هو خلل عامٌّ سببه الجهل بعقيدة أهل السنة في هذا الباب، أو ترك العمل بمقتضاها وإن كانت معروفة نظرياً.
وذلك أن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الإنسان أو الجماعة أو الأمة يجتمع فيهم الإيمان والنفاق، أو السنة والبدعة، أو البر والفجور أو الطاعة والمعصية؛ وتبعاً لذلك يجتمع له من الحب والبغض بقدر ذلك؛ هذا ما دلت عليه النصوص الكثيرة مثل آيات غزوة أحد في سورة آل عمران، وحديث الرجل الذي كان يشرب الخمر وهو يحب الله ورسوله، وقصة الثلاثة الذين خلفوا..، كذلك هناك أصل آخر غاب عن بعض المعاصرين؛ وهو أن الأصل في تعامل أهل السنة والجماعة بعضهم مع بعضهم عند اختلاف الرأي والموقف: الحكم بالخطأ أو الصواب مع حسن الظن، وليس الحكم بالبدعة والتكفير أو الاتهام وسوء الظن.
فهم -كما قرر ذلك شيخ الإسلام- يخطِّئون (بتشديد الطاء) ولا يبدِّعون أو يكفِّرون إلا من كان منهجه البدعة أو الكفر بحيث يغلب ذلك عليه أو يتمحَّض له، وإلا فإن كثيراً من أئمة السنة وقعوا في أخطاء وافقوا بها أهل البدع وهم ليسوا منهم، مثل الخطأ في تأويل بعض الصفات، أو الخطأ في مسائل من القدر أو الأسماء والأحكام، وكذلك في المواقف من العدو؛ فقد يدافع بعضهم عن بعض المنافقين أو يكون فيه لين في معاملة المشركين وهو مع ذلك من صالحي المؤمنين الصادقين؛ فليس من شرط أئمة الهدى والعلم والتقوى -فضلاً عمن دونهم- أن يكونوا معصومين في الاعتقاد أو الموقف، وإنما العبرة بالمنهج العام والصفة الغالبة. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: حين تكون الأمة في مواجهة العدو الكافر أو المرتد فإنه يجب عليها أن تكون يداً واحدة صالحها وطالحها، عادلها وظالمها، سنيها وبدعيها كما قال صلى الله عليه وسلم: {المسلمون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم} ويجب السعي لجمعها على ذلك دون إخلال في الالتزام بالحق والدعوة إليه والتمسك بالطاعة والسنة، بل هذا يسير مع ذاك ويحاذيه أعني الدعوة إلى الحق الخالص مع جمع الأمة على العدو الخالص؛ وهكذا فعل صلى الله عليه وسلم يوم أحد والخندق وتبوك وغيرها. ووقوف العاصي أو المبتدع أو المنافق في وجه الكفر تحت راية الإسلام مما يمحو الله به ذنبه أو يخففه وهو من أسباب ووسائل تربيته وتزكيته لكي يترك فجوره وبدعته.
فلو أن المسلمين لم ينصروا إلا من كان على السنة الخالصة أو الطاعة المحضة لكان ذلك تقصيراً وتفريطاً، ولو أنهم أقروا الضال أو الظالم على فعله بسبب قوة موقفه مع العدو لكان ذلك انحرافاً.
وكما أن الإيمان يزيد وينقص ويتبعض فإن الولاء والبراء يزيد وينقص ويتبعض مع ثبات أصل الأخوة الإيمانية وحقها الواجب لبعض المؤمنين على بعض، فهذا الحق ثابت بالنصوص الصريحة، وهو من قطعيات الدين فلا يسقط إلا بيقين ولا ينتهك بالتأويل والاحتمال.