كان من المدهش لقراء الخطاب أن يقرءوا عبارة لم يتقدم القتلة في (11 أيلول) بأي طلب خاص، وبهذا المعنى كان الهدف من الجريمة هو الجريمة نفسها
إن هذا بلا ريب اتهام صريح لعقول الملايين من البشر في كل أنحاء العالم، الذين سمعوا ورأوا قادة هؤلاء المتهمين يتحدثون عن مأساة الشعب الفلسطيني، وجرائم أمريكا في العراق وغيره ويربطون بين أمن أمريكا وأمن الفلسطينيين، وظهر أثر هذا الربط في شواهد هائلة تفوق الحصر:
في تصريحات زعماء العالم، ومسئولي الأمم المتحدة، في تقريرات الإعلاميين العالميين، في استفتاءات الرأي العام الأمريكي التي وصلت نسبة المطالبين بحل قضية فلسطين في أحدها إلى (68%) من الأمريكيين، بل في تصريحات المسئوولين الأمريكيين أنفسهم بوش، باول، رامسفيلد المتحدثة عن حل المشكلة وإقامة دولة فلسطينية، وعن الاهتمام بتحسين أوضاع العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية التي ينسب سوءها إلى السياسة الأمريكية، حتى إن رفض بوش المتكرر للربط بين القضيتين إنما هو رد على ذلك المطلب الواضح الذي سمعه العالم وتفهمه أكثر زعمائه وليس الاتحاد الأوروبي إلا مثالاً واحداً لذلك.
فلماذا إذن اللجوء إلى المغالطة ومحاولة التقاط الدوافع - كما عبروا - وإنكار المطلب؟
إن العبارات التالية لتلك العبارة قدمت لنا الجواب.
إن إثارة الغبار حول المطلب ما هي إلا ذريعة للقول بأن المهاجمين استهدفوا أمريكا؛ لأنها حرة وديمقراطية -أي كما عبر الرئيس الأمريكي من أول وهلة وأعاده مراراً- ومن هنا يأسى القارئ لموقف هؤلاء المثقفين! ويتذكر موقف علماء الأحياء السوفيت الذين أرغموا على تحويل بحوثهم كلها لخدمة العقيدة الماركسية عن الخَلْق والوجود، لكن هؤلاء كانوا مكرهين على ذلك، أما الستون فهم يتطوعون بالمغالطة لتصحيح كلام رئيسهم!
ولكي لا يكون هذا تحاملاً نسألهم سؤالاً واحداً :
لماذا خلا الخطاب من ذكر القضية الفلسطينية، وهي أساس المشكلة الحالية وشاغلة العالم كله وأمريكا خاصة؟!
لنستمع إلى الوجه الآخر لـ أمريكا؛ الوجه الذي يعترف بالحقيقة ويواجهها، ويقترح الحلول التي تحقق مصلحة أمريكا -لا مصلحة المسلمين أو الفلسطينيين- فما لم يعرف الأمريكيون سبب الكارثة فلن يصلوا إلى حل صحيح أبداً، ذلك الوجه عبر عنه المحلل السياسي ديفيد هيوم، وهو مرشح سابق للرئاسة وعضو سابق في مجلس النواب عن ولاية لويزيانا في مقال طويل نقتطف منه ما يدل على المطلوب -مع العلم بأن الرجل لا يمكن اتهامه بمحبة العرب ولا نوافقه نحن على اتجاهه المعروف:
  1. لماذا هوجمت أمريكا

    من المهم جداً أن ندرك لماذا يكرهنا بن لادن والملايين غيره حول العالم، لماذا يرغب العديد من البشر بالتضحية بأرواحهم للانتقام منا؟
    أنا شخصيًا أتمنى ألاَّ يكون هناك من يقرأ هذه السطور على درجة من السذاجة ليصدق بأن العالم يكره أمريكا، لأنها أرض الحرية، هذه المغالطة هي أسخف من أن يصدقها الشعب الأمريكي، كي ننهي خطر الإرهاب الذي يحدق بالشعب الأمريكي يجب علينا أن نعي حقيقة الأسباب التي تدفع العديد لكراهيتنا... "يجب علينا أن نتحلى بالشجاعة الكافية كي نضع في الاعتبار الأسباب الحقيقية وراء كره العالم لنا - إذا اكتملت كل الحقائق لدينا - بدلاً من العبارات الممجوجة والمستهلكة مثل: (الهجوم على الحرية ) عندها فقط نستطيع فقط أن نقرر ما هي أفضل السبل لحماية شعبنا في المستقبل...".
    "السبب وراء معاناتنا من هجمات مركز التجارة العالمي واضح وبسيط.
    وهو أن العديد من السياسيين الأمريكيين خانوا شعبهم بدعمهم غير المحدود لأكبر دولة راعية للإرهاب على وجه الأرض: إسرائيل...".
    سوف أعرض عليكم الدليل الموثوق بأن إسرائيل خلال الخمسين سنة الفائتة ارتكبت من الجرائم والإرهاب ما يفوق أي دولة أخرى في العالم، وبدعمها لهذه السياسات الإجرامية؛ فإن أمريكا تجني بغض وحقد الملايين حول العالم.
    "الدعم الأمريكي لإسرائيل نتج عنه الإرهاب المضاد لأمريكا، ومعظم الأمريكيين لا يعون حقيقة الإرهاب الإسرائيلي، لأن الإعلام اليهودي يخفي عنهم الحقائق، وأكبر دليل على سيطرتهم الإعلامية هو محاولتهم إقناع الجميع بالكذبة الكبرى وهي أن الذين هاجموا مركز التجارة العالمي لم يدفعهم لذلك سياسات إسرائيل، بل دفعهم حقدهم على الحرية الأمريكية..." "الإعلام اليهودي والساسة الذين تسيرهم إسرائيل لا يرغبون بأن يعي الأمريكيون الثمن الباهظ الذي تدفعه بلدهم لدعم إسرائيل، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حتى الرئيس بوش أصبح يردد الكذبة الحمقاء زاعماًًً أن من قام بالهجمات يكره حقيقة كوننا نعيش أحراراً".
    إذا كانت الحقيقة كما يدعي الإعلام بأن بن لادن هو المدبر للهجمات فإنهم يعلمون بأن الهجوم حدث ليس بسبب كره بن لادن لحريتنا، فقبل ثلاثة أعوام أجرت قناة (إيه بي سي) لقاء مع بن لادن خلال فترة رئاسة كلنتون. في هذا اللقاء أكد بن لادن بوضوح وصرح عن السبب وراء معارضته لأمريكا فقال: "وضع الأمريكيون أنفسهم تحت رحمة حكومة خائنة، إنها إسرائيل بداخل أمريكا. انظر إلى المناصب الحكومية الحساسة، على سبيل المثال وزارة الدفاع والاستخبارات، ستجد بأن اليهود لهم اليد العليا عليهم إنهم يستغلون أمريكا لتنفيذ مخططاتهم...'' ''لأكثر من نصف قرن والمسلمين في فلسطين ترتكب في حقهم المذابح والإهانات، ويطردون من بيوتهم وأملاكهم؛ محاصيلهم الزراعية تدمر ومنازلهم تهدم وتقصف....هذه رسالتي إلى الشعب الأمريكي ليبحثوا عن حكومة تسعى لما فيه خيرهم ولا تهاجم وتعتدي على حقوق الشعوب.....".
  2. تعليقات (ديوك) على الأحداث

    ويعلق ديوك:
    ''بغض النظر عن جرائمه المزعومة فإن بن لادن لم يسبق وأن تفوه ببنت شفة بأي كلمة ضد الديمقراطية، وسائل الإعلام اختلقت كذبة الهجوم على الديمقراطية لإخفاء حقيقة أن أمريكا هوجمت انتقامًا لدعم حكومتها التام لسياسات إسرائيل القمعية في الشرق الأوسط؛ الإجماع الإعلامي في إشاعة هذه الكذبة الكبيرة لابد أن يدفع كل عاقل أن يشك في مصداقية وسائل الإعلام... أ.هـ''
    وبعد أن سرد ديوك سجلاً طويلاً حافلاً بالإرهاب الإسرائيلي انتقل إلى تستطير سجل آخر من الشواهد على تورط إسرائيل بشكل ما في هجمات (11سبتمبر) فقال:
    ''نشرت صحيفة واشنطن تايمز يوم (10 سبتمبر 200م) تقريراً عن دراسة من 68 صفحة، أعدها ضباط مركز الأبحاث والدراسات العسكرية بالجيش الأمريكي، تشير إلى المخاطر المحتملة لوجود قوات عسكرية في الشرق الأوسط، وإليكم جزءاً من هذه الدراسة يتعلق بوكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد يقول خبراء مركز الأبحاث والدراسات العسكرية بالجيش الأمريكي: إن الموساد لديها القدرة على استهداف قوات ومصالح أمريكية، وجعل الأمر يبدو وكأنه من تدبير فلسطينيين وعرب''.
    يعلق ديوك:
    ''ويا للسخرية فبعد أربع وعشرين ساعة من نشر التقرير، هوجم مركز التجارة ومبنى وزارة الدفاع'' ويتساءل ''هل للموساد يد خفية في هذا الهجوم؟'' .
    ثم أطال ديوك في تقديم ما يصفه بأنه أدلة ثابتة على تورط الموساد لا نطيل بإيرادها، فليس غرضنا هنا إثبات ذلك أو نفيه بقدر ما هو إثبات مغالطة الخطاب الستيني المتعمدة في نظرنا.
    ولا نكتفي بشهادته بل نشير بإجمال إلى شواهد أخرى مما تناقله الإعلام الأمريكي، وكذلك الإسرائيلي فضلاً عن الإعلام العالمي:
    1- حادثة الخمسة الإسرائيليين الذين صوروا الهجوم حال وقوعه، وقد نشرت عنه مصادر أمريكية وإسرائيلية وغيرها.
    2- حادثة القبض على ستة إسرائيليين في سيارتين وبحوزتهم صور وخرائط لمنشئات نووية في فلوريدا، ولخط النفط في الأسكا وأجهزة خاصة مريبة.
    3- ما حدث في سوق البورصة في نيويورك لأسهم شركات الطيران والتأمين قبيل الحادث بمدة وجيزة، والقضية معروفة جرى التحقيق فيها، وهي ضمن شواهد أخرى على أن الإسرائيليين على الأقل على علم بالحادث!!
    نكرر القول: بأننا لا نقصد تبرئة متهم وإدانة آخر، وإنما نستلفت النظر إلى القيم التي تعاملت بها الإدارة الأمريكية والإعلام الأمريكي الموجَّه.
    لقد قوبلت هذه القرائن وغيرها بتجاهل كامل؛ بينما اندفعت الامبراطوريات الإعلامية في اختلاق التهم للمسلمين، وإشاعة كل ما من شأنه حصر الاتهام فيهم وحدهم، كما حدث عقب إنفجار أوكلاهوما لكن بحدّة وانتشار مضاعفين، برغم وجود ثغرات مثيرة وتناقضات صارخة، قد لا نلوم الإعلام في تجاهلها فانتماؤه معروف، ولكن لا يمكننا التصديق بأن أسماع الستين لم تمر عليها من مثل:
    1- القائمة التي نشرتها شركات الطيران لأسماء الركاب تناقض ما نشرته الحكومة، فالأولى ليس فيها اسم عربي واحد؟
    2- بعض الأسماء المعلنة ثبت قطعاً أن أصحابها ماتوا منذ زمن بعيد أو أحياء في بلادهم، الأمريكيون يحبون الأفلام الأكثر إثارة فهل هناك إثارة أكثر من هذا؟ ومع ذلك صمت كثير!!
    3- الاعتماد على أدلة من نوع:- وجود مصاحف في سيارات المتهمين أو في مساكنهم؟ أو وجود دليل تعليم الطيران باللغة العربية وهو ما لا يوجد حتى في البلاد العربية، العثور على رسالة تنضح بألفاظ نصرانية لا يعرفها أكثر المسلمين ولا يستخدمها مسلم؟؟
    4- أذاب حريق مبنى التجارة العالمية الأعمدة الفولاذية، ومع ذلك عجز عن التهام جواز سفر أحد المتهمين؟
    لماذا لم يستفد الأمريكيون من هذا الاكتشاف فيصنعوا قميصاً للرئيس، أو غلافاً للبنتاجون من نفس ورق الجواز؟ ولماذا يحمل الانتحاري جوازه وهو مقدم على الموت بعد دقائق؟ وأصل خطته قائمة على إخفاء شخصيته؟!
    5- المتهمون فتية دخلوا أمريكا قبل بضعة أشهر قادمين من أفقر دولة في العالم، وتلقوا قدراً محدوداً من التدريب على الطيران، أما الخطة التي نفذت فهي على درجة عالية جداً من الإحكام والدقة واستخدام التقنية المتطورة ومراعاة الاعتبارات المناخية، والبراعة في أداء حركات احترافية مدهشة بالطائرات، وأشد من ذلك كله معلومات استخبارية دقيقة، جعلت الجهاز السري لحماية الرئيس يقتنع بأن طائرة الرئيس مستهدفة وهي في الجو، فصدرت الأوامر إلى محرري التقارير على متنها بإيقاف استخدام الهواتف المنقولة بل بعدم تركها مفتوحة خوفاً من الاستدلال بالإشارات على موقع الطائرة.
    محللون أمريكيون كثيرون اعتقدوا -ولا يزالون- أن جهازاً استخباراتياً محترفاً على مستوى الموساد استغل أولئك الفتية، ووظف استعدادهم للموت لتحقيق مآربه ومخططاته، لا يهمنا هذا في ذاته وإنما نعرضه لنسأل هؤلاء الستين:
    أليس في هذا ما يثير الشك -ونقول: الشك فقط- ويدفع للتريث عن الأحكام القاطعة الجاهزة، مع أن العدل يقضي بأن كل ضعف في أدلة اتهام أحد الطرفين يرجح اتهام الطرف الآخر.
    لقد كان من المتوقع أن يربأ المثقفون الأمريكيون بأنفسهم عن التورط فيما تورطت فيه الحكومة الأمريكية من تخبط وتناقض أثارَا سخرية كثير من المحللين والمعلقين في أنحاء العالم؛ حيث كان الملايين يتساءلون: هل ظهر اليوم أن بعض الانتحاريين حي كما حدث بالأمس؟
    هل ألقى الرئيس خطاباً اليوم فننتظر حتى ينقضه باول أو رامسفيلد غداً؟
    لقد اتهم أحدهما الآخر بالكذب فأيهما الصادق؟ لماذا أخفت الحكومة ما حدث حول البيت الأبيض؟
    إذا كان غرض المهاجمين الهجوم على الحرية، فلماذا لم يهاجموا الدول الأكثر حرية؟
    ولماذا اختاروا البنتاجون ومركز التجارة العالمي وليس المؤسسات الديمقراطية أو الإنسانية في أمريكا؟
    وكانوا ينتظرون من المثقفين تصحيح معلومات الرئيس ابتداءً من تعريفه بأن طالبان ليست فرقة موسيقية! وانتهاءً بنصحه بالتريث في الإقدام على سحق شعب منهك ضعيف قبل استكمال الأدلة.
    نحن نعلم أن الحكومة الأمريكية كانت مهيأة أصلاً للهجوم على أفغانستان، ونحسب أن المثقفين الستين لا ينازعون في ذلك، وعلى أي حال لا نزاع في أن مقتضى العدل أن تثبت التهمة، وأن تكون العقوبة على قدرها، وأن تقتصر على الجاني وحده، وإن اقتضى ذلك زمناً ما، فكم استغرقت قضية مقتل الرئيس كندي من زمن؟
    وإذا فرض أن دافع الانتقام أعجل الأمريكيين بقرار الحرب، فما المانع أن يفكروا الآن من جديد؟ وأن يكون المفكرون هم الصوت المرتفع بذلك؟
    إن العدل يقتضي الاعتذار ويوجب التكفير عن الخطأ، ولو أن أمريكا فعلتها لاستطاعت أن تقدمها شهادة لها عند العالم على أنها شجاعة وحرة وعادلة، وحينئذٍ في إمكان المثقفين أن يتكلموا!
    لكن هيهات أن يكون لها من الصفات ما كان لرسول الرحمة والعدل محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي تبرأ علناً مما فعله قائده العظيم خالد حيث قاتل قبيلة مشركة محاربة للإسلام، لكن هذه القبيلة ادعت أن التباساً لفظياً قد وقع أثناء المعركة، فغلّب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جانب براءتها بهذه الشبهة وتبرأ مما فعل خالد ودفع ديات المقتولين لأهليهم.
    أما الصفح وتغليب العفو فلا نعلم له موضعاً في السياسة أو في القيم الأمريكية؛ لأنه من أخلاق الأنبياء وأتباع الأنبياء وحدهم، فقد { قتل المشركون سبعين رجلاً من المسلمين فتوعدهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل منهم مثل ذلك العدد، فلما نصره الله عليهم ودخل مكة قال بعض المسلمين: الآن ينتقم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقتلى المسلمين، لكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرأ عليهم قول الله تعالى: ((وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)) [النحل:126]، وقال: بل نصبر ونصفح} رواه عبد الله بن الإمام أحمد بسند صحيح وعفا عنهم جميعاً إلا عدداً قليلاً جداً كانت لهم جرائم خاصة.
    إن ما ذكرتموه من شروط الحرب العادلة جيد، وإن كان لا يرقى إلى مستوى ما حددته الشريعة الإسلامية من إحكام وتفصيل، ولكن السؤال:
    هل التزمت حكومتكم به؟
    من يستطيع منكم أن يقول نعم؟! والناس كلهم يعلمون أن: كلا!!
    لقد ألمحتم إلى أن أفضل من الحرب ألا تقع الحرب، وأن الحرب لا تكتسب الشرعية إذا أمكن تجنبها بالمفاوضات أو التوسط للصلح.
    كلام جميل!! ولكن ألم تسمعوا بالمبدأ الذي أقفلت به حكومتكم كل باب لحياد الآخرين؛ فضلاً عن التفاوض مع الخصم نفسه؟
    ألم تعلن أن على العالم أن يختار: إما مع أمريكا في كل ما ترى وتفعل، وإما مع الإرهاب؟!
    ومع ذلك أعلنتم ( باسم المبادئ الأخلاقية الإنسانية العامة.... نؤيد قرار حكومتنا.... )
    لندع العدل والقيم جانباً ولنسأل سؤالاً براجماتيا: ماذا ربحت أمريكا من هذا المبدأ التعسفي؟
    تصريحات منافقة من رؤساء الدول، لكن زيادة امتعاض وكراهية من كل الخيرين في العالم على اختلاف شعوبه.
    ألا يجدر بكم أن تصارحوا حكومتكم بذلك بدلاً من الاستمرار في تأييدها؟!
    تتهمون مجموعة مجهرية ثم تصنفون العالم على أساس: مع... أو ضد...! ولا مجال للحياد ولا قبول للنقاش، ثم تسبغون على هذا صفة الأخلاق الإنسانية الكونية والحرب العادلة؟!
    ليست هذه هي المرة الأولى في تاريخ الحروب الأمريكية، وإن كانت الأكثر تعسفاً، ففي أزمة الخليج رفضت أمريكا الحل العربي مع أن القضية كلها عربية.
    ثم هل وقفتم عند تصريحات مسئوليكم؟
    لا، فقد زدتم عليها ما لم يتفوه به أحد منهم، وهو قولكم: إن الحركات الإسلامية تجهر علناً برغبتها في القتل العمد، واستخدام الأسلحة الكيميائية والبيولوجية... إلخ ما سبق نقله.
    من أعلن هذا؟
    ومتى؟
    وأين؟
    هل تريدون أن يترحم العالم على ظلم حكومتكم وافترائها مقارناً بظلمكم وافترائكم؟!
  3. مشكلتكم مع من؟

    أمر مؤسف للغاية: أن تكون نظرة ستين مثقفاً في العصر الذي أصبح التواصل فيه بين البشر متاحاً، بحيث يستطيع الباحث الحصول على أحدث المؤلفات في ثوانٍ معدودة، هي نفسها تقريباً النظرة التي كان رجال الدين في العصور الأوروبية المظلمة ينظرونها إلى الإسلام!
    مهما كانت درجة التعصب عند القدماء؛ فإن أعظم منه أن يستمر المعاصرون على المنوال نفسه، فالإصرار على الذنب أكبر من ارتكابه لا سيما وقد توفرت الوسائل لتجنبه.
    حين فجر ماكفي المبنى الاتحادي في أوكلاهوما كان لدى الشرطة المختصة معلومات دقيقة قاطعة عن ملامحه وانتمائه، ولكن المئات - بل ربما الألوف - من الإعلاميين - على بعد آلاف الأميال عن الحادثة - تحدثوا عن ملامحه الشرق أوسطية وانتمائه الإسلامي دون أي مصدر رسمي، أو غير رسمي، وبادر البنتاجون بإعلان عن الحاجة إلى مترجمين عرب لأعمال التحقيق، وحين انجلى الأمر بتبرئة مغمغمة من كلنتون للعرب والمسلمين، صمتت أكثر الأفواه عما لحق بالإسلام من تشويه هائل، وما نال المسلمين من أذى، لكن حين أقدم جولد شتاين على فعلته النكراء بقتل المصلين في المسجد الإبراهيمي هل قال الأمريكيون: إن هذا إرهاب صهيوني؟ أم اكتفوا بالحديث عن جريمة فعلها فرد يهودي؟
    وقس على ذلك ما شئت...
    من جهة أخرى لنفترض أن كل أحداث الإرهاب في أمريكا على مدى قرن كانت من صنع منظمة إسلامية، فهل يجيز ذلك اتهام المسلمين جملة أو اتهام الإسلام صراحة؟
    إن أمريكا هي أكثر بلاد العالم منظمات (عنصرية دينية متطرفة وإرهابية) فهل يصح نسبة ما يفعله -أي منها- إلى كل الشعب الأمريكي؛ فضلاً عن الدين الأمريكي ذاته.
    ومن جهة ثالثة: لماذا لم يفترض الإعلام الياباني أن الذين ارتكبوا جريمة قطار الأنفاق في طوكيو صينيون أو شيوعيون؟ وأنهم فعلوا ذلك لأن اليابان حرة ومتقدمة؟ أهو غباء منهم أم هو تباين في مستوى العدل الذي فطر الله الناس عليه؟ أم أن الإعلام الأمريكي -ومعه الإدارة الأمريكية- له مفهومه الخاص عن العدل؟
    ولماذا لا يهاجم الإعلام البريطاني الكاثوليكية عند كل حادث في إيرلندا أليست الكاثوليكية عدواً تقليدياً للبروتستانت ؟؟ أليست الحرب هناك دينية صريحة؟
    أليست الحرب التنصيرية بينهما في إفريقيا تصل أحياناً إلى حد حرق المراكز وإراقة الدماء؟
    إن تنظيم القاعدة - إن كان هناك تنظيم بالفعل- لم يقل يوماً من الأيام إنه ينتمي إلى حركة إسلامية، كما أن أياً من الحركات الإسلامية لم يقل قبل الأحداث أو بعدها أن ذلك التنظيم ينتمي إليها، بل إن منها من غلا في الإنكار - لاسيما في أمريكا وحليفاتها - حتى نفى صلة هذا التنظيم بالإسلام!!
    ومع ذلك فقد جاء في البيان الستيني أن ذلك التنظيم هو رأس حربة للحركات الإسلامية! تماماً كما لو أن كاتباً مسلماً زعم أن منظمة مثل حليقي الرءوس أو جيش التحرير الأيرلندي، ما هي إلا رأس حربة للأحزاب المنتسبة للمسيحية في العالم بما في ذلك البروتستانت والأرثوذكس والكويكرز والمورمن والمعمدانيين.... الخ؛ فضلاً عن الكاثوليك كلهم.
    وهذا ما يكشف عن سر المشكلة وهو أن المشكلة في الحقيقة هي مع الإسلام وليس مع الحركات الإسلامية، فلو أننا قدرنا أن كل المسلمين في العالم صاروا أمريكيين في كل شيء، فإن أي حادث يقع لن يُنسب إلا إليهم ومن أول وهلة!!
    فما مصدر هذا ياترى؟! أهو العقل والبحث العلمي؟ أم رواسب في اللاشعور تنطلق دون المرور على قناة التفكير مطلقا؟
    إن بعض المحللين يرجعون ذلك إلى تأصل العنف وإختلاق العدو في النفسية الأوروبية ويذكرون نصيحة لايبنتس
    ويحار آخرون في تعليلها.
    ونحن لدينا وجهة نظرنا:
    لتقريب المسألة نضرب مثالاً بالشيطان، فالناس من غير تبرئة للمجرم أو إنقاص لمسئوليته عما أجرم ينسبون فعله إلى الشيطان على أساس أن الدافع الأصلي لكل جريمة هو نزغاته وتزيينه ومن ثم أصبح تجسيداً للشر المطلق.
    إن كماً تراكمياً هائلاً من المعلومات والتصورات المفتراة على الإسلام جعلت الإنسان الغربي إلا ما قل يُجسِّد الشرّ كله في الإسلام في أعماق شعوره، وإن كان بعقله ووعيه ليعلم أن الأخيار والأشرار يوجدون في كل ملة، ومن هنا أصبح العقل الغربي ذاته لا يعاني مشكلة في نسبة أي شر للإسلام مع يقينه ببراءته منه واقعاً.
    فمثلاً: حين أقدمت جماعة جيم جونز على ما فعلت لم يكن للإسلام أي علاقة ولا أثر، لكن لو أن أحداً كتب -اليوم أو غداً- أن ما حدث هو عمل إسلامي، باعتبار أن الإسلام هو التجسيد الماثل للشر، وأنه يبيح هذه الأعمال فسوف يجد من يصدقه بلا نقاش.
    حينما زار محمد علي كلاي حطام مبنى مركز التجارة العالمي واجهه أحد المتطفلين قائلا بسوء أدب: ألا تستحي أن تنتمي إلى دين ينتمي إليه بن لادن؟.
    فأجابه كلاي: ألا تستحي أنت من الانتماء إلى دين ينتمي إليه هتلر؟
    لقد كان جوابه مستقيماً عقلياً، لكن لو أن هذا السائل يعتقد خروج هتلر عن السلوك النصراني إلى السلوك الشيطاني - المرادف للإسلامي في لا شعوره - فالجواب في نظره غير مقنع.
    وبذلك يظهر عمق المشكلة وحجم المأساة.
    لقد كان المتعصبون من رجال الكنيسة يفسرون الرمز الذي وضعه يوحنا في رؤياه عن الوحش الرهيب (666) بأنه الإسلام!
  4. تناقض الخطاب الستيني

    ويبدو أن ذلك التفسير أو أثراً منه لا يزال عالقاً في أذهان أحفادهم وإن كانوا علمانيين!!
    وهكذا جاء الخطاب الستيني متناقضاً، فهو يجمع بين صوت العقل في حديثه عن التفريق بين الإسلام وما فعله بعض المسلمين -بل حتى بين الجهاد وبين الإرهاب- وبين صوت الموروث الثقافي المتراكم في اللاشعور الذي زاده التضليل الإعلامي الرسمي ضلالاً فوصم الحركات الإسلامية كلها بأفظع أنواع الإرهاب -لا- بل حصر الإرهاب العالمي فيها وحدها.
    هل نعتقد -نحن- أن الحضارة الإسلامية مطلقة الكمال، أو أن الحركات الإسلامية معصومة؟
    لا أحد من المسلمين يقول ذلك، فالكمال المطلق إنما هو للإسلام ذاته - في العقيدة والقيم والأحكام - والعصمة إنما هي للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذاته فيما يبلغه عن الله، ثم للمسلمين كافة كشخصية معنوية فيما يتبعون رسولهم فيه، فهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة -مع غض النظر عن قلة أهل الحق والاستقامة منهم عددياً -
    الواقع الذي يعلمه المسلمون عامة- حكوماتٍ وحركاتٍ وشعوباً- أن الهوة بين واقع الأمة الإسلامية وحقيقة الإسلام هي الوقود الأكبر والمبرر الوحيد لوجود حركات الإصلاح الإسلامي، وعليه فالحركات الإسلامية تسعى - كل منها وفق تصوره ومنهجه وعلى تفاوت فيما بينها - لإعادة الأمة إلى القيم الإسلامية التي هي بحق القيم الكونية كما أسلفنا، وليس إلى نسف هذه القيم كما جاء في الخطاب الستيني.
    وفي الإقرار بهذا تكمن الفرصة العظيمة للحوار بين الغرب وهذه الحركات - أي: على أساس اعتراف الغرب بالدور الإيجابي العظيم لها، وبتمثيلها الصادق للشعوب الإسلامية.
    فهل يفعل الستون وغيرهم ذلك؟
    لا أظن أن ذلك كثير على من يحب الحق ويريد الخير للإنسانية، بشرط أن يكون صادقاً.
    إن الموقف العدائي للإسلام منهج ثابت في السياسة الأمريكية قبل أحداث (11 أيلول) وبعدها، وإن الحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب لم تزد تلك الحقيقة عند المسلمين إلا رسوخاً - والبقية ستأتي.
    ولو أن هذا الحيف بل العداء محصور في قضية فلسطين لقيل إن هذا بتأثير اللوبي الصهيوني في أمريكا، ولو أنه محصور في أفغانستان لقيل إن هذا نتيجة لوجود تنظيم القاعدة فيها!!لكن إذا كان ذلك عاماً لكل بلد إسلامي وأقلية إسلامية في العالم فبماذا يمكن تفسيره؟.
    لإيضاح ذلك نأخذ مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، ونستدعي ستة أمثلة ونصنفها إلى نموذجين أحدهما توافقي والآخر تعاكسي، ثم نستنبط النتيجة:-
    النموذج المتوافق: دولتان: الاتحاد السوفييتي، الصين: كلاهما عدو سابق لأمريكا، وفي كل منهما شعوب تطالب بهذا الحق ( في الأولى: مجموعة دول البلطيق من جهة، ومجموعة دول القوقاز الإسلامية من جهة أخرى؛ وفي الأخرى: البوذيون التبت من جهة والمسلمون من جهة أخرى.
    والنموذج المتعاكس: الهند والفلبين من جهة وإندونيسيا والسودان من جهة أخرى ( فالأولييان فيهما شعبان مسلمان يطالبان بالإنفصال، والأخرييان فيهما أقليتان غير مسلمتين تطالبان بالشيء نفسه ).
    والمواقف الثابتة للسياسة الأمريكية:
    1- الوقوف بقوة مع استقلال بحر البلطيق، وتجاهل مطالب الجمهوريات الإسلامية؛ بل رفضها أحياناً والسكوت عن إبادة عنصرية يمارسها الروس هناك.
    2- الوقوف بقوة مع البوذيين التبت، وتجاهل قضية المسلمين مع أن عددهم يزيد على عشرة أضعاف أولئك!
    3- اعتبار الحركتين الانفصاليتين في كشمير وجنوب الفلبين إرهابيتين، وإعلان الحرب عليهما!
    4- الوقوف بقوة مع الحركتين الإنفصاليتين في إندونيسيا والسودان!
    إذا كان لدى المفكرين الستين تفسيراً لهذا غير الانحياز ضد الإسلام فليقدموه؟!
    وإن كانوا يظنون أن تحوير المصطلحات من نوع إسلامي وإسلاموي كافٍ لتجنب الإشكال؛ فإن هذا هو الإشكال الأكبر.
    إذا كانوا يعتقدون أن المنظمات الأصولية والعنصرية المتطرفة في أمريكا -على كثرتها وتنوعها- وأن المنظمات العنصرية المتطرفة في أوروبا، وأن المنظمات المتطرفة من الهندوس واليابانيين لا تستحق أن تُذكر فما للحوار معهم من فائدة، وإن كانوا يرونها جديرة بالذكر وأهملوها فليكن أول مبادئ الحوار مع الحركات الإسلامية إعلان الاعتذار عن تخصيصها بالاتهام؛ بل عن الاتهام نفسه.
    لا يهمنا - نحن المسلمين - ما إذا كانت الحكومة الأمريكية مفوضة في ارتكاب ما ترتكب من انتهاكات ضدنا كما زعمتم، أو غير مفوضة كما صرح مسئولون رسميون ( منهم النائب الديموقراطي عن ولاية أوهايو دنيس كوشينتش ) الذي يهمنا أن تعلموه -معشر الستين- إذا أصرت حكومتكم على حربنا بكل أنواع الحرب وفي كل مكان من العالم - هو عن أي شيء ندافع؟!
  5. الخـاتمـة

    يقيناً منا بأن العدل قيمة مطلقة، وبأن النفس التي حرم الله لا يجوز قتلها سواءً باسم الله أو باسم القيم الأمريكية، وبأن في إمكاننا أن نتفق على الكلمة السواء التي أنزل الله، وأن نتهادن على أساس المصلحة المشتركة، واستناداً إلى سير الأنبياء الكرام نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وعملاً بنص القرآن الكريم: نعرب لكم عن استعدادنا للمجادلة بالتي هي أحسن، واللقاء بكم فرادى أو مجتمعين، في بلادنا أو في أمريكا.
    سوف نرسل رأينا إلى كل واحد منكم، وإلى غيركم من المثقفين أيضاً، وسوف نستقبل آراءكم وملاحظاتكم بكل عناية.
    إسلامنا يأمرنا بأن تكون أعمالنا كلها عبادة خالصة لله تعالى، وأن نتحرى فيها الصواب قدر المستطاع، ومن هنا نشكر كل من ساعدنا على تحقيق هذا الهدف، ونبدي استعدادنا لتصحيح أي خطأ قلناه أو نقوله وإزالة أي لبس أو سوء فهم، ولمناقشة ما لم يناقش من القضايا الأخرى.
    أوصيكم -ونفسي- بأن نصدق مع الله، وأن نوقن أنه سوف يسألنا عما نقول ونفعل، وأن نقبل الحق من أي مصدر جاء، وأن نحمل عبارة الآخرين على أحسن محمل.
    سوف نموت جميعاً ولكن الحق سيبقى أبداً.

    كتبه /
    سفر بن عبد الرحمن الحوالي
    بتاريخ 15/2/1423هـ
    [ [email protected]