وفي دوامة الحيرة ومتاهة الإحباط وقع حادث الحادي عشر من سبتمبر، ولا أكتمكم أن موجة عارمة من البهجة صاحبت الذهول الذي شعر به الكل في الشارع الإسلامي وكل من قال لكم غير ذلك فقد جانب الحقيقة!!
وفي اعتقادي أنه يجب على أمريكا التي تؤمن بالحرية والديمقراطية كما تكرر في خطاباتكم - أن يتسع صدرها لهذه الفرحة الوحيدة العارضة وألا تصادر المشاعر الإسلامية العفوية، فهذه الأمة التي هي أكثر أمم الأرض عبادة لله وإيماناًَ بالعدل لم تفعل ذلك عن عداوة عنصرية أو نـزعة شريرة، بل شاركها في ذلك العالم كله، العالم الذي طردكم من منظمة حقوق الإنسان وحشد في وجهكم (3000) منظمة شعبية في مؤتمر "دربان" وعانى أكثر من أربعين شعباً منه من حصاركم الظالم وعقوباتكم الاقتصادية فضلاً عن غزوكم العسكري، حتى البيئة أثبتُّم للعالم أنكم أعدى أعدائها، ولكم في كل مؤتمر من مؤتمراتها موقف مخالف للعالم كله.
وقد كانت صدمة الناس بخطابكم الأول أكثر من صدمة الحدث نفسه، فقد تضمن التطابق - بل التماهي- بين أمريكا وبين الحرية والعدل والقيم النبيلة، كما تضمن الوعيد الشديد بالانتقام وليس الوعد بالتعامل بعدل، وقد حاولنا التماس العذر لكم بهول الصدمة ومحاولة امتصاص الغضب الشعبي، ولكن كلامكم، بل أفعالكم كلها تتابعت على نفس المنوال وقطعت كل احتمال.
لقد كانت المجازفة في الاتهام والتسرع في الانتقام مأساة حقيقية لـأمريكا وامتحاناً حقيقياً لقيمها وتحضرها، فقد هرعت أجهزتكم الأمنية التي كانت تـزعم أنه لو مر ذباب فوق البنتاجون لضبطته، ولو قام انقلاب في إحدى قبائل الإسكيمو لعلمت به قبل وقوعه، إلى أقرب معهد للتدريب على الطيران وأقرب فندق، واستخرجت من قوائمها كل اسم دارس أو نـزيل عربي أو مسلم وأعلَنت أنهم هم الإرهابيون المعتدون!!
تصور أيها الرئيس... لو كنت جالساً بين أهلك وقبيلتك على بعد آلاف الأميال، وسمعت أو رأيت الخبر عن قيامك بعملية انتحارية في طائرة؟ أو سمعت أن أخاك المتوفى من سنة هو الفاعل؟ ألا تشكر الله على أنك لا تنتمي إلى هؤلاء المتحضرين، ولا تؤمن بما يدعون من قيم وعدل؟ لاسيما وقد استجاب شعبكم المتحضر جداً لهذه الرسائل منكم ومن وزرائكم وأجهزتكم، فأخذ يهاجم البرابرة الغزاة في كل ركن من أركان الحرية والحضارة في بلادكم.
لقد اكتشفت أنا وأبناء بلادي كم كنا برابرة حين قامت عصابة من الغربيين - ولا أقول من الإرهابيين لأن بشرتهم بيضاء وعيونهم زرقاء!! - بسلسلة من التفجيرات في مدننا، ورأيناهم وهم يدلون باعترافاتهم الخطيرة، ومع ذلك لم يتحرك منا شعرة لمهاجمة أي إنسان غربي في أي مكان من بلادنا، لم نقتلهم ولم نجردهم من ملابسهم في مطاراتنا، ولم ندخلهم الزنازين الانفرادية؛ فضلاً عن أن نحرض العالم كله لإنشاء تحالف عليهم، لا... لاشيء من ذلك الذي فعله المتحضرون بأبنائنا وأبناء المسلمين عامة فعلناه.
لكن الذي دفعنا -أيها الرئيس- إلى هذا السلوك ( غير المتحضر ) هو ديننا وأخلاقنا ونشكر الله الذي أعطانا ذلك.