ثم كان موقف الرئيس
أيزنهاور من العدوان الثلاثي على
مصر من أكبر العوامل المشجعة على استمرار حسن الظن، وإغلاق الأذن عن الدعاية
الشيوعية التي لم تكن كذباً كلها.
ولكن الثقة في
أمريكا وعدالتها سرعان ما اهتـزت، ثم انحدرت إلى الحضيض بسبب تصرفات
أمريكا نفسها التي كانت تأتي في صورة براهين متتابعة تدحض حسن الظن إلى الأبد.
ولعل أول تلك البراهين القاطعة هو ما قدمه الرئيس
نيكسون ووزيره
كسنجر في حرب رمضان ( أكتوبر 1973 م ) وما تلاها.
ثم جاء والدكم الرئيس
بوش فجعل ازدواجية المعايير مشاهدةً لكل عين، ملموسةً لكل يد، فقد انتهك
العراق من القرارات الدولية ما انتهكت إسرائيل أضعافه ولا تـزال، وقد كانت ذريعة
العراق في ذلك تشبه ذريعة
أمريكا في ضم
تكساس، أما ذريعة إسرائيل في احتلال
فلسطين فهي أسوأ من ذريعة البريطانيين في إبقاء
أمريكا مستعمرة بريطانية، وأشنع مما تذرع به أجدادكم لإبادة الهنود الحمر!!
إن هذا الموقف المتناقض هو الذي جعل الشعوب الإسلامية مرغمة على التظاهر بالملايين لتأييد الدكتاتور الذي لم يكن يحبه أحد منهم من قبل.
ثم جاء الرئيس
كلنتون وإدارته
اليهودية، وكان أكثر اهتماماً منك ومن أبيك بحل المشكلة، ولكنه سار على الخط الخاطئ نفسه، فهو لم يزد على وصف الهجوم الإرهابي الفظيع على المسجد الإبراهيمي في
الخليل بأنه جريمة!! - ولعلمك ولعلمه لم يحدث حتى الآن أن هاجم الفلسطينيون معبداً يهودياً قط - وحين وقع الهجوم الإرهابي على
قانا لم يستح من وصفه بأنه: ''حادث خطأ فعله الإسرائيليون دفاعاً عن النفس!!'' وعندما تعرضت إسرائيل لبعض الانفجارات، جَمَع زعماء العالم والعرب في مؤتمر
شرم الشيخ لكي يدينوا جميعاً ما سمي "الإرهاب" متجاهلين المجازر الوحشية المتتابعة وسلسلة المآسي الطويلة التي أنـزلتها إسرائيل بالفلسطينيين والعرب، والتي لم توصف بشيء الأمر الذي جعل الشعوب الإسلامية تنفض يديها من
أمريكا باعتبارها أَمْلت على المؤتمرين ما تريد إسرائيل، ومن حكوماتها باعتبارها رضخت للإدارة الأمريكية.
واتجهت بكل آلامها وآمالها إلى الجماعات الموصوفة بالإرهاب غير مبالية بهذا الوصف، فقد أعطاها المؤتمر درساً جيداً في فهم المصطلحات التي تستخدمها المعايير الأمريكية المزدوجة، أي: أن
أمريكا عندما تَصِمُ أحداً بأنه إرهابي أو متطرف، فإنها تضعه في موقع البطل المنشود في عيون المظلومين والبائسين المحتاجين لشيء من التنفيس عن القهر والمعاناة الطويلين.
كما أبلغها سيء الذكر
كلاوس (السكرتير السابق لحلف الناتو) رسمياً أن الحلف قد أقام الإسلام هدفاً لعداوته مقام
الاتحاد السوفييتي سابقاً، ولم تكن الدلائل العملية تحتاج لأكثر من هذا العنوان الفريد. وهي دلائل تتوافد يومياً من كل مكان من
الفلبين و
تيمور و
كشمير و
القوقاز و
البلقان و
السودان وغيرها كثير.
إلا أن ما حدث في
فلسطين بعد تدنيس المسجد الأقصى على يد أكبر مجرم إرهابي في هذا العصر
شارون طغى على ذلك كله.
وكان من سوء حظكم بعد نجاحكم الشاق في الانتخابات أن تعاصروا هذا المجرم وتستمروا في الحلف الاستراتيجي الأبدي مع دولته؛ ذلك الحليف الغريب الذي يحصل على كل شيء منكم وقت الرخاء، فإذا جاء وقت الحاجة طلبتم منه الحياد وكافأتموه عليه!!
لقد حرصنا -نحن المسلمين- على انتخابكم ونحن نملك الأدلة على أن غالبية الأصوات المرجحة لفوزكم هي أصواتنا، وأنا شخصياً نصحت المسلمين بذلك، وكان بعضهم يأمل بأن تكونوا أقرب إلى العدل من الديمقراطيين؛ مع أن بعضهم الآخر كان صريحاً في أن الأمر لا يعدو اختيار أهون الشرين، ولم نفعل ذلك نسياناً منا لجرائم حزبكم ووالدكم في كل أرض إسلامية، ولكن لأننا أمة عدلٍ وعقلٍ ألجمنا مشاعرنا واخترنا ما رأيناه الأفضل لنا ولـ
أمريكا أيضاً، وتوقعنا منكم أن تقابلونا بشيء من الرد للجميل، ولكن ما فعلتموه كان العكس تماماً، فقد زايدتم على سلفكم في مناصرة الإرهاب الصهيوني مادياً وسياسياً بالشكل الذي حدث ولا يـزال يحدث، وترددت أسئلة حائرة على كل شفة في العالم الإسلامي: هل للإدارة الأمريكية ضمير؟ هل لهذا الموقف المتحيز الذي أثار دهشة العالم كله من مبرر أو من نهاية؟!
وهل
أمريكا هي إسرائيل الكبرى أم أن إسرائيل هي
أمريكا الصغرى؟!