ثامناً: إن على الدعاة المخلصين وأتباع منهج الأنبياء الصادقين أن يجتهدوا في حوط دين الله من جميع جوانبه، كما جاء في السيرة النبوية في قصة وفد بني شيبان الذين ضمنوا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحفظوا الإسلام من جهة العرب، واعتذروا عن حفظه من جهة الفرس فقال: {إنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه} ولم يبايعهم، وقيّض الله له الأنصار -رضي الله عنهم- الذين بايعوه على مبدأ (الدم الدم والهدم الهدم).
فالمسلمون أمة واحدة يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ومن قام منهم بجانب من الدين علماً أو دعوة أو جهاداً وجبت محبته ونصرته، على أن يحرصوا جميعاً أن تتكامل الجهود وتتوازى الأعمال، أما إذا طعن أهل العلم في أهل الجهاد، أو تنكر أهل الجهاد لأهل العلم، وما أشبه ذلك، فقد ذهبت ريح المؤمنين وتناثر صفهم ووقعوا في سبيل المغضوب عليهم أو الضالين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ''السبيلان الفاسدتان: سبيل من انتسب إلى الدين ولم يُكمِّله بما يحتاج إليه من السلطان والجهاد والمال، وسبيل من أقبل على السلطان والمال والحرب ولم يقصد بذلك إقامة الدين - هما سبيل المغضوب عليهم والضالين، الأولى للضالين النصارى، والثانية للمغضوب عليهم اليهود- وإنما الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين..إلى أن يقول: '' إن قوام الدين بالكتاب الهادي والحديد الناصر كما ذكر الله تعالى: يعني قوله تعالى: ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ))[الحديد:25] فعلى كل أحد الاجتهاد في اتفاق القرآن والحديد لله تعالى " (28/ 395) مجموع الفتاوى.
وصدق رحمه الله، فحين وقعت طائفة في سبيل المغضوب عليهم، وأصبحت جيوش المسلمين للاستعراض وحماية الأنظمة أو مهاجمة الجيران الإخوان، وحين وقعت طائفة أخرى من الأمة في سبيل الضالين، فأهملت الجهاد وغفلت عن الإعداد، جاءتنا العقوبات من كل مكان، ومنها أن يدنس العدو مقدساتنا، وينتهك حرماتنا، وتتكالب قواه علينا في كل ميدان،ثم لا يتصدى للجهاد ويرتدي اسمه ووصفه إلا مجموعات متناثرة لا راية لهم ولا منهج ولا تربية، فإن أحسنوا فمن عند الله، وإن أساءوا فبتفريطنا وتقصيرنا مع تفريطهم وتقصيرهم.