سابعاً: إن من أصول عقيدة
أهل السنة والجماعة: أن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة، مع كل من حمل الرايةَ لنصرة الدين وصد عدوان الكافرين براً كان أو فاجراً، ومن الهزيمة النفسية أن ترتفع الأصوات من هنا وهناك في تحريف مفهوم الجهاد أو تضييقه، وحصره في مراحل تاريخية ماضية، أو بشروط قد لا تتحقق إلى يوم القيامة، بل إن بعضهم يتبرأ منه ويبرئ الإسلام منه عياذاً بالله.
إن الحق وسط بين الغالي فيه والجافي عنه، والفرق جلي لمن تدبّر بين عملٍ جهادي يُحدِثُ شيئاً من النكاية في العدو بغرض الانتقام والردع، وبين الجهاد ذي الراية العامة الذي يأتي في موضعه الصحيح من البناء الإصلاحي والتربوي المؤَسَّس لإعادة الأمة إلى سابق عزها وإقامة دين الله في واقع الحياة متكاملاً، بقدر الجهد البشري والوسائل المتاحة.
لقد التزم
حذيفة رضي الله عنه وصية النبي صلى الله عليه وسلم له والسهم في يده، وصدر زعيم الكفر مكشوف أمامه في أصعب المواقف على المسلمين، ومن قبله فعل الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة
العقبة؛ حين عرضوا عليه أن يميلوا على المشركين بالسيف فأبى، ولكنه صلى الله عليه وسلم لما بايع من معه تحت الشجرة لم يتخلف إلا المنافق المستخفي ولما استنفرهم لحرب الروم في غزوة
تبوك لم يتخلف عدا المنافقين إلا الثلاثة الذين تاب الله عليهم.
فعلى المصلحين والمربين أن يدركوا الأهمية العظمى لدراسة السيرة النبوية، واستنتاج المراحل الدعوية منها، بفقهٍ يفرّق بين الأحكام المنسوخة والأحوال المرحلية، ويعرف موضع الجهاد وأحكامه من كل مرحلة، وعليهم أن يتذكروا دائماً أن النفسية الإسلامية في العصور الأخيرة هي انفعالية غير متـزنة، فهي تفضل أن تخوض معركة الآن أو تدفع كل ما تملك في لحظة انفعال -وإن كان قليل الجدوى- على أن تسلُك في برنامج أو خطة لنفع الدين نفعاً عاماً بعد سنة، بجهد رتيب دائم أو نفقة مستمرة!!