ثالثاً: أن هذه الأمة الإسلامية أمة "مصطفاة" "مرحومة" "منصورة" مهما نـزل بها من المصائب وحل بها من الضعف والهوان.
  1. اصطفاء الأمة الإسلامية من بين الأمم

    أما الاصطفاء فقد أورثها الله تعالى الكتاب والحكمة، وجعلها شهيدة على الناس، وحسبك أن يكون ظالمها من جملة المصطفين مع أنه مأخوذ بظلمه محاسب على تفريطه ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) [فاطر:32]، فكل خير لدى أية أمة من الأمم ففي المسلمين أكثر منه، وكل شر في هذه الأمة ففي غيرها أكثر منه، وحضارتها هي حضارة العدل والرحمة والتسامح، وصدق من قال من فلاسفة الغرب: ''ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من المسلمين''!! أما الحضارة الندّ " الغربية " فلم ترق إلى شيء من هذه القيم إلا بعد قرون من الصراع، ومئات الملايين من القتلى والمشردين، ولا يزالون يتقاتلون إلى اليوم في إيرلندا وأوروبا الشرقية!! وقد أهلكوا في توسعهم الاستعماري خلال ثلاثة قرون ما قدره بعض مفكريهم بمائة مليون إنسان، وبعضهم أو صله إلى 300 مليون إنسان!!
  2. رحمة الله تعالى بالأمة الإسلامية

    وأما أنها "مرحومة " فلأن الله جعل عقوبتها في الدنيا، وذلك بتسليط الأعداء عليها وإلباسِها شيعاً كُلاً منها يذيق الآخر بأسه، وابتلائها بالفقر والتقهقر الحضاري.كل ذلك ليطهرها، أو يخفف حسابها يوم القيامة، ويرفع درجات طائفة منها إلى منازل لم تكن لتبلغها بأعمالها، وقد جاء في الحديث {إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها} وفي حديث آخر {عقوبة هذه الأمة بالسيف} قال في تكملة الأول: {فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من المسلمين رجلاً من المشركين فقال هذا فداؤك من النار}.
  3. نصر الله للأمة الإسلامية على أعدائها

    وأما أنها " منصورة " فقد جاء تمثيلها في كتاب أهل الكتاب بالجبل الذي إن وقع على شيء سحقه ( كما وقع الفاتحون الأولون على مملكتي كسرى وقيصر )، ومن وقع على الجبل ترضرض ( كما حدث للصليبين والتتار والمستعمرين الأوربيين)، وقد أخبر الصادق المصدوق أنه لا تزال طائفة منها منصورة لا يضرها من خالفها، ولا من خذلها يجاهدون على الحق حتى يأتي أمر الله.
    والمقصود أن أمةً جمع الله لها هذه الخصال لا يجوز لها أن تيأس بحال من الأحوال، ولا يَظُنُّ أنها ماتت وقضي أمرها إلا من كان من الظانين بالله ظن السوء، أو الغافلين عن سنة الله فيها، فيحسبون أنها كسنته في غيرها،مع أن تاريخها سجال بين الكَرَّة والفَرَّة، والنهوض والسقوط، والاختلاف والائتلاف، لكنَّ المَعْلَم الثابت في كل الأحوال هو حسن العاقبة وخير المآل، فما كان لشرقي ولا لغربي إذ هاجمها الصليبيون أن يظن أنها ستقلب الميدان إلى عمق أوروبا، أو إذ اجتاحها التتار أن يتصور أنها ستفتح بهم روسيا وتغزو بهم شمال أوروبا!!