المادة    
قال المصنف رحمه الله:
[وفي حديث أبي رزين المشهور الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم في رؤية الرب تعالى: فقال له أبو رزين: {كيف يسعنا يا رسول الله! وهو واحد ونحن جميع؟ فقال: سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله: هذا القمر، آية من آيات الله، كلكم يراه مخلياً به، والله أكبر من ذلك} وإذ قد تبين أنه أعظم وأكبر من كل شيء، فهذا يزيل كل إشكال، ويبطل كل خيال ].
الشرح:
حديث أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر رضي الله تعالى عنه، يقول فيه الشيخ ناصر: "ضعيف الإسناد"، ويقول الأرناؤوط:" أخرجه أبو داود (4731) في السنن في باب الرؤية، وابن ماجة (180) في المقدمة، وأحمد (4/11، 12)، والطيالسي (1094) وإسناده ضعيف؛ لجهالة وكيع بن عرس أو حدس أحد رواته".
وقد عقب على هذا الحديث ابن القيم في زاد المعاد -وعجبت من تعقبه- بقوله: "هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة، لا يعرف إلا من حديث عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الرحمن المدني، رواه عنه إبراهيم بن حمزة الزبيري، وهما من كبار علماء المدينة، ثقتان محتج بهما في الصحيح، احتج بهما إمام أهل الحديث محمد بن إسماعيل البخاري، ورواه أئمة أهل السنة في كتبهم، وتلقوه بالقبول، وقابلوه بالتسليم والانقياد، ولم يطعن أحد منهم فيه، ولا في أحدٍ من رواته" اهـ.
مع أن في رواة هذا الحديث من هو متكلم فيه -كما سوف نوضح طرقه إن شاء الله- ليس بالجرح، وإنما بالجهالة، فهم مجهولون، أو هم في رتبة المقبول، وإذا قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التقريب: مقبول؛ فمعناه: أنه يحتاج إلى أن يتابع، فهل يتفق هذا الكلام مع ما قاله ابن القيم رحمه الله؟!
لقد صحح ابن القيم رحمه الله هذا الحديث من جهة معناه، فهل يقتضي ذلك تصحيح كل خبر يكون صحيح المعنى؟! هنا يقع الإشكال.
وقد ذكر الإمام أحمد أحاديث أبي رزين العقيلي، وأكثرها من طريق وكيع بن حدس -بالحاء- ونقول: بالحاء؛ لأنه جاء في المسند قول عبد الله: "قال أبي: الصواب حدس -بالحاء وليس بالعين-"، وقد ورد أيضاً بالعين في المسند نفسه، ومعظم تلك الأحاديث لها متابعات، وكثير منها ألفاظ من هذا الحديث، وهذا الحديث لم يروه الإمام أحمد من طريق وكيع، أما القدر الذي ذكره المصنف فكما قال الشيخ الأرناؤوط: أخرجه أبو داود، وابن ماجة . أما الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح سنن ابن ماجة (ص36) فقد قال عنه: حسن، مع أنه من طريق وكيع ؛ لأنه توبع، فـوكيع وأمثاله ممن قال فيهم ابن حجر رحمه الله: مقبول، وإذا توبع من طريق آخر فإن الحديث يصير حسناً. وهو كذلك.
ومعلوم أن أحاديث الرؤية متواترة، مثل حديث أبي سعيد وأبي هريرة وغيرهما.
إذاً: الحديث معناه صحيح، وقد توبع عليه وكيع، فالحديث حسن كما ذكر الألباني رحمه الله، وقد رواه عبد الله في المسند وقال فيه: حدثني أبي.. وذكر الحديث، لكن الأصح -كما يبدو- أنه من زوائد المسند كما ساقه ابن القيم في الزاد، وكما ذكره عبد الله بن أحمد نفسه في كتاب السنة، إذ قال: "كتب إلي إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير الزبيري ..." وذكر الحديث على ما سيأتي.
انظر: زاد المعاد (3/673) بتحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، في آخر الوفود، في وفد بني المنتفق، ومنهم: لقيط بن عامر أبو رزين العقيلي راوي الحديث، وكذا ابن ماجة رقم (180)، ص (36) من صحيح ابن ماجة للشيخ الألباني، وهو نفس رقم الحديث من سنن ابن ماجة؛ لأن الأرقام لم تختلف، وفي ذلك تسهيل للباحث.
والخلاصة: أن الحديث حسن، وأما من حيث المعنى فهو أرفع من الحسن؛ لأنه ثابت بأحاديث الرؤية المتواترة.
وهذا الحديث الطويل حديث عظيم جليل جداً، كما قال ابن القيم، وإذا ضممنا روايات وكيع بن حدس المتناثرة في المسند وغيره عن عمه لقيط، مع ما رواه عبد الله بن أحمد في السنة من طريق عبد الرحمن بن عياش الأنصاري، عن دلهم بن أسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي، عن أبيه، عن عمه لقيط -وكثير من العلماء الأجلاء رووه من هذا الطريق- إذا ضممنا الروايات إلى بعضها تحصلت لنا بذلك صحة ألفاظه المتناثرة، مع أن أكثرها موجود في أحاديث صحيحة ثابتة، وقد جاء في المسند من طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي وهو مقبول، ومن طريق وكيع وهو مقبول، وأيضاً ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى طريقاً آخر في المسند ((4/14) -وأحاديث أبي رزين العقيلي في المسند في الجزء الرابع ابتداءً من (ص 10)- وذكر أيضاً سنداً ثالثاً فيه بعض مما في هذا الحديث.