الحديث عن الإرجاء العام -أي: الإرجاء المتعلق بالإيمان- والذي تحول من بدعة نظرية يدين بها أفراد معدودون إلى ظاهرة عامة تسيطر على الفكر الإسلامي، بل والحياة الإسلامية - يقتضي منا أن نستعرض بداياته التاريخية بما يسمح به المقام. وهذا الإرجاء -كما هو مشهور معلوم- على نوعين:
  1. الأول: إرجاء الفقهاء والعباد

    وهو شبهة نظرية أخطأ فيها بعض العلماء نتيجة ردود فعل خاصة، أو رأي غير محرر، أو فهم قاصر للنصوص، أو متابعة بلا تبصر، مثله في ذلك مثل زلة العالم، أو خطأ المجتهد في أي مسألة نظرية.
    وهذا لا يقلل من خطورة آثاره، ولا يهون من ضرورة مقاومته، ولهذا أكثر علماء السلف من التحذير منه، وهجر أصحابه وتبديعهم.
  2. الآخر: إرجاء المتكلمين والمتمنطقين

    وهو شبهة فلسفية بحتة ليس لها في الأصل أي مستند نصي، ولهذا لم يتردد أئمة السلف في تكفير أصحابه والتشنيع به.
    لكن التطور الطبيعي، والتداخل والامتزاج الفكري، وتقهقر الحياة الإسلامية عامة جعل هذا الإرجاء يسيطر في النهاية؛ مستنداً إلى الشبهات النصية التي استند لها النوع الأول وزيادة.
    وهذا ما يستلزم أن ندرس الظاهرة الفكرية في عمومها، دون التقيد بالترتيب التاريخي على النحو الذي انتهجناه في الفصول السابقة، على أن الجانب التاريخي لن يهمل بمرة، بل لا بد من عرض البدايات الأولى لكلا النوعين -أي: للظاهرة- من خلاله، وسوف يكون ركن العمل هو: محور الاهتمام وموضوع الدراسة الأساس، تقيداً بما التزمنا به في الأصل .