قد أوضحنا فيما سبق أن أهل السنة والجماعة والأشاعرة فرقتان مختلفتان، وهذا يستلزم تحديد أيهما الفرقة الناجية؟
وما أوضح هذا التحديد وأسهله، لكن مكابرة بعض الأشاعرة بادعاء أن الأشاعرة وأهل السنة والجماعة كلاهما ناج يجعلنا نبدأ بإلقاء سؤال عن الفرقة الناجية:
  1. أهي فرقة واحدة أم فرقتان؟

    والجواب: -مع بداهته لكل ذي عقل- مفروغ منه نصاً، فقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في روايات كثيرة لحديث افتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة: { كلها في النار إلا واحدة }.
    وما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أحد من أصحابه ولا تابعيهم أنها اثنتان.
    وعليه جاء تفسير قوله تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ))[الأنعام:153] أن الطريق المستقيم هو السنة والسبل هي الأهواء وما هو إلا طريق واحد كما خط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده.
    وعلى هذا سارت كتب الفرق -السني منها والبدعي- فهي تقرر أن الفرقة الناجية واحدة ثم تدعي كل فرقة أنها هي هذه الواحدة.
    بقي إذاً أن يقال:
  2. ما هي صفة هذه الفرقة وعلامتها؟

    والجواب: أنه جاء في بعض روايات الحديث نفسه -من طرق يقوي بعضها بعضاً- أنها: { ما أنا عليه وأصحابي } ومعناها قطعاً صحيح، ولا تخالف فيه الأشاعرة؛ بل في الجوهرة:
    وكل خير في اتباع من سلف            وكل شر في ابتداع من خلف
    فنقول لهم إذاً:
    أكان مما عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه وسلف الأمة "تقديم العقل على النقل أو نفي الصفات ما عدا المعنوية والمعاني، أو الاستدلال بدليل الحدوث والقدم، أو الكلام عن الجوهر والعرض والجسم والحال، أو نظرية الكسب، أو أن الإيمان هو مجرد التصديق القلبي، أو القول بأن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته، أو الكلام النفسي الذي لا صيغة له، أو نفي قدرة العبد وتأثير المخلوقات، أو إنكار الحكمة والتعليل... إلى آخر ما في عقيدتكم؟ إننا نربأ بكل مسلم أن يظن ذلك أو يقوله".
    بل نحن نزيدكم إيضاحاً فنقول:
    إن هذه العقائد التي أدخلتموها في الإسلام وجعلتموها عقيدة الفرقة الناجية بزعمكم، هي ما كان عليه فلاسفة اليونان ومشركو الصابئة وزنادقة أهل الكتاب.
    لكن ورثها عنهم الجهم بن صفوان وبشر المريسي وابن كلاب وأنتم ورثتموها عن هؤلاء، فهي من تركة الفلاسفة والابتداع وليست من ميراث النبوة والكتاب.
    ومن أوضح الأدلة على ذلك أننا ما نزال حتى اليوم نرد عليكم بما ألفه أئمة السنة الأولون من كُتُب في الردود على "الجهمية" كتبوها قبل ظهور مذهبكم بزمان، ومنهم الإمام أحمد والبخاري وأبو داود والدارمي وابن أبي حاتم.
    فدل هذا على أن سلفكم أولئك الثلاثة وأشباههم مع ما زدتم عليهم وركبتم من كلامهم من بدع جديدة.
    على أن المراء حول الفرقة الناجية ليس جديداً من الأشاعرة، فقد عقدوا لـشَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية محاكمة كبرى بسبب تأليفه "العقيدة الواسطية" وكان من أهم التهم الموجهة إليه أنه قال في أولها: " فهذا اعتقاد الفرقة الناجية...".
    إذ وجدوا هذا مخالفاً لما تقرر لديهم من أن الفرقة الناجية هي الأشاعرة والماتريدية.
    وكان من جواب شَيْخ الإِسْلامِ لهم أنه أحضر أكثر من خمسين كتاباً من كتب المذاهب الأربعة وأهل الحديث والصوفية والمتكلمين كلها توافق ما في الواسطية وبعضها ينقل إجماع السلف على مضمون تلك العقيدة.
    وتحداهم رحمه الله قائلاً:
    ''قد أمهلت كل من خالفني في شيء منها ثلاث سنين فإذا جاء بحرف واحد عن أحد من القرون الثلاثة.. يخالف ما ذكرت فأنا أرجع عن ذلك''.
    قال: '' ولم يستطع المنازعون مع طول تفتيشهم كتب البلد وخزائنه أن يخرجوا ما يناقض ذلك عن أحد من أئمة الإسلام وسلفه '' .
    فهل يريد الأشاعرة المعاصرون أن نجدد التحدي ونمدد المهلة أم يكفي أن نقول لهم ناصحين:
    إنه لا نجاة لفرقة ولا لأحد في الابتداع، وإنما النجاة كل النجاة في التمسك والاتباع...
    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها            إن السفينة لا تجري على اليبس
    تبين مما تقدم أن الأشاعرة فرقة من الثنتين وسبعين فرقة، وأن حكم هذه الفرق الثنتين وسبعين هو:
    1- الضلال والبدعة.
    2- الوعيد بالنار وعدم النجاة.
    وهذا مثار جدل كبير ولغط كثير ممن يجهلون مذهب أهل السنة والجماعة في الوعد والوعيد، إذ ما يكادون يسمعون هذا حتى يرفعوا عقيرتهم بأننا ندخل الأشاعرة النار ونحكم عليهم بالخروج من الملة -عياذاً بالله-.
    ونحن نقول: إنه لا يصح تفسير ألفاظ أو إطلاقات مذهب السلف في الوعد والوعيد إلا من خلال أقوالهم هم، وعلى الذين يجهلونه أن يستفصلوا قبل أن يتسرعوا بادعاء التكفير.