الآن وبعد أن استعرضنا القضية من بدايتها وجذورها وخططها وإرهاصاتها وإخراجها، أتظل المسألة مسألة استعانة كما فهم المشايخ والإخوان الأفاضل أصحاب الرأي الأول؟
وإذا قال قائل -على ضوء ما سبق- إن استدعاء الحشود الغربية -أو إقرارها- كان تهيئة لعدو مترصد يتحين الفرصة لدخول المنطقة ويتلهف لذلك ولم يُخفِ عداوته وشراسته وأطماعه أفيكون مخطئاً؟
هذا بغض النظر عن كون السبب المباشر عدواً آخر لا جدال فيه!!
ودفعاً للَّبس أقول:(إن بيان هذه الحقيقة الجلية لا يعني اتهام المستدعي أو الموافق بالتواطؤ مع الأعداء، فأنا أقول جازماً: إنه لا يوجد حكومة في العالم تريد أن يكون للقوى الدولية الكبرى تدخل في شئونها أو وجود في أرضها؛ لأن ذلك يعني المزاحمة على السيادة، حتى الحكومات التي أقيمت بمعاونة القوى الكبرى وتخطيطها تسعى متى ما استطاعت إلى الاستقلال عنها والتخلص من وصايتها، أو تتشوف إلى الإنفراد بالزعامة فكيف بغيرها من الحكومات؟
وهذا الملك حسين صنع الإنجليز عرشه بأيديهم وحملوه وأعانوه أكثر من مرة على مناوئيه، ومع ذلك لا يحب من أحد قوله:"إن الإنجليز مشكورون على هذا الإحسان والإعانة'' !
ولهذا أسفت جداً لما قاله بعض المشايخ من كلام كهذا ظانين أنهم يدافعون عن الحكومة "ووصل الحال أن بعضهم قال لا تدعوا على الأمريكان، بل البعض دعا لهم".
وهؤلاء المشايخ نسوا وأنسوا الأمة المخاطر المحدقة، وأظهروا الحكومة بمظهر الراضي المطمئن لما فعل، ولا أحسب هذا إلا ظناً منهم لما بينوه على سماع ويقين، وعلى كل حال فأنتم أولى الناس وأجدرهم بمعرفة الحقيقة نصاً ومباشرة، وإن كان الجواب ما اعتقده، فالواجب تنبيه هؤلاء إلى خطر وخطأ ما يقولون!!
وأعود لأقول: ليس في بيان الحقيقة اتهام لهذا أو ذاك، وإنما هو تجربة كبرى وأزمة عظيمة لا بد من دراستها بتجرد، وكل منَّا راعٍ وكل راعٍ مسئول عن رعيته، وكلنا على ثغرة، والله الله أن يُؤتى الإسلام من قِبَلِه.
إن الأمر أكبر من أن يكون اتهاماً يُلقى على عاتق جهة ما وتنتهي القضية، كما هو أكبر من أن يكون خلافاً فقهياً يُقال فيه: أخطأ فلان وأصاب فلان، وإن الاكتفاء بالفتوى أو إبداء الرأي -تأييداً أو مخالفةً- تقصير بالغ وتخلٍ عن الواجب، فالأمة الآن بين فكي هلاك ومضيعة، أحدهما: صدام صديق الأمس الذي أعاننا على إيران، والآخر دول الصليب وحواشيها صديقة اليوم التي نطمع أن تعيننا على صدام، ولا نأمنها إلا كما أمِنَّا صدام!!
وإنه مما يؤلمني ويؤرقني ليل نهار أن تتحول القضية إلى جدل فقهي بعيد عن الواقع، ويصورها بعض الناس على أنها خلاف بين هيئة كبار العلماء وفلان وفلان..!!
ونتناسى المصيبة ونتغافل عن الكارثة التي لا يجوز أن نختلف في مسئوليتنا تجاهها!
ولهذا فإنني أطالب أطراف القضية الخلافية بالكَفِّ عن ذلك الجدل العقيم والانصراف للعمل الدءوب للمرحلة الراهنة، وقد بدأت بنفسي وأعلنت عن موقفي لما ورد في فتواكم -بشرط تقييدها بالضوابط التي ذكرها بعضكم كما جاء في محاضرة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- وسكوت عن رأيي الخاص الذي فيه تفصيل لا يتسع له المقام (أعني من الناحية العملية المجردة) أما من جهة الواقع فالمناط مختلف جداً، وعلينا معرفته ومدارسته والخروج بما يبرئ الذمة ويسقط المؤاخذة ويدفع عذاب الله عنَّا.
إن الأمر الآن والله جِدُّ خطير، ويجب على كل فرد من هذه الأمة أن يتجرد لله، وأن ينسى مركزه ومنصبه، ويستعد لقبول الحق أياً كان قائله.
فنحن كركاب سفينة يهددها الغرق، ولن يقتصر الهلاك على بعض دون بعض (والتعتيم والتخدير أو السكوت والتناسي جناية على الجميع).
  1. ماذا نريد من أصحاب الفضيلة

  2. تنبهوا أصحاب الفضيلة

  3. ضوابط الاستعانة بالمشركية