1. أمثلة لإرهاصات الأزمة

    .قبل أقل من إسبوعين نشرت مجلة (eir feetvre) مقالات في غاية الخطورة ننقل ترجمة بعض ما جاء فيها:
    أولاً: مقال بعنوان "القوى العظمى تعد لحرب شرق أوسطية، حل نهائي للمشكلة العربية".
    قالت فيه:
    ''تخطط حكومات أمريكا وروسيا وبريطانيا لحرب عربية إسرائيلية جديدة في الشرق الأوسط، ويريد السوفييت والأمريكان والإنجليز قيام تحالف عسكري سياسي بين إسرائيل وسوريا ليكون أمراً واقعاً وقوة لا تنافس في المنطقة، ويدور في أذهان السياسيين الانجلو أمريكيين والسوفييت ما مفاده: أن الوسيلة المناسبة لقيام ذلك التحالف وتدعيمه كقوة إقليمية تهيمن على المنطقة هو نشوب حرب في المنطقة، ورغماً عن صدور بعض الإشارات والدلالات البعيدة عن هذا الهدف إلا أن السياسات الانجلو أمريكية والسوفيتية كانت تستهدف منذ مدة طويلة قيام دولتي إسرائيل الكبرى وسوريا الكبرى وتهيئتهما لتصيرا قوى إقليمية كبرى في منطقة الشرق الأوسط'' .
    وتعرضت المقالة لبعض أهداف الحرب فقالت:
    ''إن هذه الدول تأمل في حدوث أزمة بترولية جديدة كتلك التي حدثت في عام 1976م، وذلك لأن ارتفاعاً سريعاً في أسعار النفط سيفيد السوفييت فائدة عظيمة؛ خاصة وهم يعتمدون على النفط مع بعض المنتجات القليلة الأخرى في تأمين احتياجاتهم من العملات الصعبة، وسيجعل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار مسألة تطوير وتنمية حقول النفط البريطانية في بحر الشمال ذا جدوى اقتصادية، وفي المقابل سيضع ضغوطاً هائلة على ألمانيا واليابان البلدين المعتمدين اعتماداً كلياً على استيراد النفط'' .
    وربما كان أحد أهم أهداف الحرب هو خلق سابقة استخدام الأسلحة الكيماوية والنووية، وفي هذا الخصوص يجب عدم تجاهل المؤسسات العنصرية السوفيتية والبريطانية والأمريكية التي تنظر بقلق شديد نحو التكاثر السكاني العربي، وتعتبر هذه الحرب الناشبة حرباً سكانية ذات تأثيرات مأساوية مفزعة، خاصة ما يصيب منها السكان المدنيين عقب الحرب.
    وتمضي المقالة تقول:
    ''الأهداف المحدودة لهذه الحرب كما وردت في اتفاقية تدعيم المحور الإسرائيلي السوري تتضمن إلغاء دور منظمة التحرير الفلسطيني والإطاحة بـالملك حسين ملك الأردن، وإذلال رئيس العراق صدام حسين وربما الإطاحة به، عندما تتحقق هذه الأهداف، فإن سوريا وإسرائيل ستعملان على جعل الأردن وطناً للفلسطينين الذين سيطردون من الضفة الغربية والقطاع، وستعمل سوريا إلى ضم لبنان إليها، وستصبح الأردن مجرد دُمية يتم إدارتها من قبل المحور السوري الإسرائيلي، وستكون الأردن نقطة الانطلاق لمغامراتهم العسكرية المستقبلية'' (يعني: ضد العراق والسعودية).
    ونحن نلاحظ في هذا المقال التناقض بين كونها حرباً عربية إسرائيلية وبين المكاسب السورية، إذا علمنا ذلك وعلمنا أن سوريا لم تحضر قمة بغداد، وكانت تعاني من عزلة شديدة عربياً ودولياً مع تقارب بينها وبين إسرائيل الذي أشرنا إليه من قبل.
    نستطيع أن نقول:
    (إن الحرب لن تكون كذلك وقد ورد في ثنايا المقال ما يؤيد رأينا) وذلك بعنوان: "العراق" تقول المجلة:
    ''العراق وحده من الدول الموجودة لا تتناسب سياستها مع السياسة الإقليمية في المنطقة بالإضافة لعدائها مع كل من سوريا وإسرائيل، ويقول الكثيرون: إن من المحتمل أن يكون العراق أنسب نقطة لحرب شاملة، وبالرغم من تضخيم وسائل الإعلام الغربية للقدرة العسكرية العراقية؛ فإن الجبهة الشرقية المكونة من قوات عراقية أردنية مشتركة ليست كذلك.
    إذ تتمكن القوات الإسرائيلية من اختراق الخطوط العربية من فترة 2/3 ساعات بالمقارنة مع فترة 6 ساعات التي استغرقتها القوات الإسرائيلية لاختراق الخطوط المصرية عام 1967م، وستعمد القوات الإسرائيلية في باقي الفترة إلى تطهير الإقليم الأردني، ولن تحاول القوات الإسرائيلية التجاوز إلى عمق العراق أو دخوله مطلقاً، حيث من المتوقع قطع خطوط القوات الإسرائيلية في الأردن، إضافةً إلى أن إسرائيل ليست لديها القدرة على التعامل مع المناطق العراقية المأهولة بالسكان، وربما ترى إسرائيل مناسباً توجيه ضربة عسكرية لحقول النفط العراقية شمال العراق.. إلخ'' .
    ثم انتقلت إلى الحديث عن الأردن فقالت:
    ''الأردن: أوضح بوش للملك حسين أنه لم يعد من المناسب وجوده حيث وصلت العلاقة بين الأردن وأمريكا إلى أدنى مستوى لها، ويحتج بوش في موقفه العنيف هذا ضد الملك حسين بعلاقته الأخيرة القوية مع صدام حسين؛ إلا أن السبب الحقيقي هو حل المسألة الفلسطينية نهائياً وإلى الأبد".
    وبالنظر بشكل عابر للصحافة الأمريكية والبريطانية يلاحظ أنه قد تم بناء الأساس الدعائي للحرب من خلال تصوير صدام حسين كبعبع في المنطقة، وتولت وسائل الإعلام الغربية العزف على وتر التهديدات التي أطلقها صدام ضد إسرائيل، وقامت هذه الوسائل في الوقت نفسه بالتغاضي عن التهديدات الإسرائيلية لمختلف الدول العربية.
    وفي مقال آخر تقول المجلة نفسها:
    ''إسرائيل تجهز لقيام حرب أخرى في منطقة الشرق الأوسط لإيجاد حل نهائي للمشكلة العربية...، وهذا يعني فيما يبدو الحرب ضد العراق ودول أخرى وتدمير الأردن'' .
    وتسخر من مزاعم بوش أنه يسعى للسلام في المنطقة قائلة:
    ''هذا هراء فـالولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بقيام حرب في الشرق الأوسط، وربما كان الشيء الوحيد الذي لم يتحدد هو تاريخ اندلاعها، أما الإسرائيليون فهم مستعدون للحرب ولِما يُسمى بالحل النهائي'' .
    وقالت: ''ربما كانت هناك أو ستكون على الأرجح اتفاقات جديدة بين القوى في إسرائيل وحافظ الأسد أو شيء من هذا، وإذا ما تم وضع القضايا الهامشية جانباً فإن إسرائيل مبرمجة حالياً باتجاه الحرب، والذين يقولون غير ذلك إما أغبياء أو كاذبون، إن ذلك هو طبيعة المسألة وأصلها'' .
    وفي الفايننشال تايمز نُشر ما يشبه ذلك، وترجمته مجلة التضامن في عددها بتاريخ 3/12/ 1410هـ مع خارطة تفصيلية عن أحجام القوات في دول المنطقة، وأوله:
    ''من المعهود أن الرئيس حسني مبارك هو رجل حذر وحريص وليس من أسلوبه المبالغة أو المزايدة، ولذلك فهو حينما حذر في هذا الأسبوع من احتمالات وقوع حرب جديدة في الشرق الأوسط فإنه لفت أنظار العالم بأسره'' ولم تنس الجريدة أن تذكر أن (التطرف الديني المصبوغ بمعاداة أمريكا) هو أحد المشكلات الكبرى في المنطقة، كما ذكرت أن من أهم موجبات الحرب:
    تعهد الجناح اليميني الإسرائيلي بتحويل الأردن إلى فلسطين، وبطرد الشعب العربي من الضفة الغربية إلى الشرق عبر نهر الأردن.
    وقبل الغزو أيضاً بحوالي عشرين يوماً عقدت ندوة بعنوان: "المصالح الخارجية في الخليج العربي" في مدينة إكستر البريطانية نشرتها الحياة بتاريخ 24/12/1410هـ، نظمها مركز دراسات الخليج العربي التابع لجامعة إكستر، وكان أبرز المشاركين فيها "ريتشارد مورفي" النائب السابق لوزير الخارجية الأمريكي ومستشار العلاقات الدولية حالياً، والبروفسور فيتالي ناوومكين- وهو خبير سوفيتي بارز لشئون الشرق الأوسط.
    أما الخبير السوفيتي فإنه كما ذكرت الجريدة لم يستبعد أن اجتماعاً محتملاً مقبلاً بين الرئيس العراقي صدام حسين والإيراني علي أكبر هاشمي رافسنجاني قد يعقد في موسكو، لكنه دعا إلى عدم الإفراط في التفاؤل بأن منطقة الخليج ستكون في (مأمن من الصدامات في المستقبل المنظور) وأضاف:
    ''إن تصادم المصالح بين القوى الإقليمية والقوى السياسية قد يؤدي إلى تجدد صراعات قديمة في المنطقة، وينتج من ذلك نشوء صراعات أخرى جديدة'' ونفى الخبير السوفيتي إمكان وقوع حرب عربية إسرائيلية في هذه الظروف وبرر -ناوومكين- استبعاده للحرب بين إسرائيل والعرب بسببين:
    ''السبب الأول: هو: أن "من الغباء" بالنسبة إلى إسرائيل أن تشن حرباً في ظل الأوضاع الجديدة في المنطقة، حيث تتراكم لدى طرفي النزاع كميات هائلة من الأسلحة المدمرة، التي يمكن أن يؤدي استخدامها إلى كارثة بشرية تحل بإسرائيل وهي لا تتحمل ذلك.
    والسبب الثاني: هو: أن العراق الذي "يُعتبر الطرف العربي القوي الوحيد القادر على الدخول في حرب الند للند مع إسرائيل، ليس مستعداً لشن حرب ضد إسرائيل، لأنه على رغم انتهاء حربه مع إيران لم يحل السلام بينهما بعد؛ كما أن العراق في حاجة ماسة إلى طاقته الاقتصادية والبشرية لإعادة إعمار البلاد...''
    أما مورفي فقال: ''إن شبح عام 1967م يطاردني'' لأنه لم يكن هناك وقتها كثير من الخبراء توقع وقوع الحرب، واعتبر أن تراكم الأسلحة تحديداً هو الذي يجعل احتمال الحرب أكثر؛ لأن الخطر ليس في الأسلحة في حد ذاتها! بل في الذين في أيديهم هذه الأسلحة!
    وقدم مورفي مجموعة من الطروحات عن السياسة الأمريكية في منطقة الخليج الآخذة في الاعتبار التغييرات في العلاقات الدولية.
    وأكد أن من بين أهم المبادىء التي يجب أن تتبعها هذه السياسة التأكيد على الفهم المتزايد للعلاقة المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومنطقة الخليج، وإذا كان ممكناً إقامة علاقات جيدة مع العراق وإيران في آن.
    كما نشرت مجلة الدستور مقالات مماثلة، منها مقال بعنوان "من الحرب الباردة إلى الحرب الدافئة" تعليقاً منها على اجتماع حلف الناتو الأخير في لندن، ونُشر قبل الغزو بثلاثة أسابيع في 16/7/1990م، وفي عدد سابق بتاريخ 19/3/ 1990م نشرت مقالاً عن الهجرة اليهودية، وأهداف إسرائيل لا يخرج عمَّا نقلنا من قبل إلا أنه يتضمن كلاماً لـمحمد حسنين هيكل جدير بالتأمل وهو قوله:
    ''إن طرد العرب من المناطق المحتلة سيشكل أحد المطالب التي سيتقدم بها الكيان الصهيوني لقاء استعداده للتوصل إلى سلام مع الدول العربية، فضلاً عن المطالبة بثروات عربية مثل مياه النيل ونفط السعودية وغاز الجزائر، وأن أقصى ما سيتنازل عنه مسئولو هذا الكيان سيتمثل بموافقتهم على فكرة الحكم الذاتي عقب إجراء تعديلات هائلة على الحدود'' .
    وقبل 18 يوماً تقريباً من الغزو كان رئيس الأركان الأمريكية في إسرائيل وبحث مع نظيره اليهودي تزويد إسرائيل بصواريخ متطورة جداً من طراز "حيتس" و"أرو" وهي التي يقال إن إسرائيل تشارك فيها تقنياً وأمريكا مالياً (انظر جريدة السياسة الكويتية عدد 22/ 12/ 1410 هـ). وحينها صرح رئيس الأركان الإسرائيلي باروخ عن حتمية نشوب حرب أخرى في المنطقة. (انظر الحياة بتاريخ 22/12/ 1410 هـ).
    وقد صحب هذه التصريحات بل سبقها تحركات عسكرية خطيرة من أبرزها: الحشود العسكرية الأمريكية نحو المنطقة في كثافة لا مثيل لها من قبل، ومنها على سبيل المثال: إرسال أكبر قاعدة متحركة في العالم وهي حاملة الطائرات (ايزنهاور) التي تسير بالطاقة النووية إلى شرق البحر الأبيض ومعها 27 سفينة، والغريب أن يصرح البنـتاغون بأن إرسالها تبديل عادي (ولا تستنتجوا منه أي شيء). (انظر الحياة 13/8/1410 هـ).
    ولكن ما أن اندلعت أزمة الخليج حتى عبرت قناة السويس (رغم أن ذلك مخالف لنظام القناة نظراً لخطورة الطاقة النووية) واستقرت على ساحل جدة!!
    كما اشتكت العراق رسمياً من استمرار قيام طائرات الإنذار المبكر (أواكس) بطلعات استفزازية على حدودها الجنوبية والشمالية!!
    والأمثلة لإرهاصات الأزمة كثيرة جداً غير أن السؤال هنا هو: ما موقف دول المنطقة وخاصة العراق والسعودية؟
  2. موقف دول المنطقة من هذه الإرهاصات

    إن السعودية والعراق هما أكثر البلدان اهتماماً بهذه التحركات وتخوفاً منها بعد الأردن الذي أصبح مصيره في كف عفريت -كما يُقال- ذلك أن اجتياح الأردن يعني فتح جبهة مباشرة معهما، وقد نددت إسرائيل بالدولتين على حد سواء زاعمة أن الصواريخ الصينية لدى السعودية والصواريخ العراقية المطورة تشكل أكبر تهديد لها، وفي أواخر رجب ألقى صدام حسين خطاباً بالغ الخطورة أعلن فيه احتمال تفجير الوضع في المنطقة وقيام حروب بين الدول العربية ونزاعات إقليمية (لكنه لم يسم الدول والأقاليم)، وأكد على ضرورة تفاهم العرب واجتماعهم لدرء الخطر الإسرائيلي!!
    وعقب ذلك وأثناء هيجان الصحافة العالمية والإعلام العالمي عن نشوب حرب قام الملك فهد بزيارة حفر الباطن، وأقام فيها ثلاثة أسابيع، وهناك التقى بكل من صدام حسين والملك حسين وغيرهما، وفي تلك الأيام أعلنت الوحدة بين اليمنيين، وبدأ وكأن الأمة العربية -كما تسمى- في حالة تفاؤل، ووصل عدد من المسئولين العسكريين الغربيين إلى المنطقة منهم وزير دفاع بريطانيا التي تنفذ مشروعاً ضخماً في المملكة، وقام الأمير خالد بن سلطان (الذي أصبح بعد الأزمة قائداً للقوات) بزيارة لـباكستان استغرقت أسبوعاً.
    وأنذر عدد آخر من زعماء العرب باحتمال قيام حرب جديدة منهم: حافظ الأسد، والقذافي، وياسر عرفات، وولي عهد الكويت، ووزير الخارجية السعودي، بل إن الصحافة العربية والمحللين والمراقبين السياسيين كانوا على معرفة بخطر قادم، فقد نشرت جريدة القبس الكويتية في: 3/5/ 1990م مقالاً بعنوان "كيسنجر يسأل بوش: ماذا إذا وقفت الصواريخ العربية كلها في خندق واحد؟" جاء فيه:
    ''إن التقارير التي ترد من واشنطن إلى وزارة الخارجية في إحدى الدول العربية تؤكد أن الخطة اليهودية تقضي بأن تكون إسرائيل، وقبل عام (2010م) أكبر دول المنطقة بعد مصر من حيث الإمكانات الديمغرافية (السكانية)، فليس اليهود السوفييت وحدهم هم الذين يتدفقون على الدولة العبرية بل إن الفائض الأمريكي سيتجه نحوها أيضاً، والمهم هنا أن البنية الجغرافية والديمغرافية لأكثر من دولة عربية لن تظل على حالها. كيف؟!
    إن ما يحدث في لبنان هو النموذج، واليهود يعتقدون أنه كما تمت برمجة الانفجار في لبنان يمكن برمجته في بلدان عربية أخرى، فلا مشكلة هنا سوى رفع مستوى الفعالية اليهودية داخل الإدارة الأمريكية... إلخ''.
    وأكدت الصحيفة أن ما تريده إسرائيل تفكيك الصواريخ العربية بل تفكيك الدول العربية، إلى دويلات.
    ومن أغرب ما قرأته قبل نشوب الأزمة تصريح زعيم الرافضة "رافسنجاني" في خطبة الجمعة المنشورة بجريدة الحياة 14/8/1410هـ الذي قال فيه:
    ''يجب أن يستخدم العراق أيضاً الخليج عندما يسود السلام!'' فقد تساءلت يومئذ: كيف يجب وعلى من يقع هذا الوجوب؟
  3. الإرهاصات حقيقية لا وهمية

    أما الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فقد كانت تصرفاتها العسكرية تنذر بأمر خطير لم يخف على الصحافة العربية فضلاً عن الزعماء، ولنأتِ على ذلك بمثالين:
    1- جلسة للكونجرس حضرها قادة فروع الجيش الأمريكي:
    نشرت جريدة الحياة الصادرة يوم 23شعبان 1410هـ تقريراً عنها بعنوان "القوات الأمريكية تعيد تنظيم تشكيلاتها للتدخل الطارئ".
    جاء فيه: ''بدأت المؤسسات العسكرية في الولايات المتحدة الأمريكية عملية إعادة تنظيم رئيسية لقواتها في أنحاء العالم لمواجهة تهديدات غير متوقعة، وبخاصة الخطر المحتمل من قوى متوسطة المستوى في الشرق الأوسط والعالم النامي، وفي جلسة أمام الكونجرس أخيراً وصف الجنرال كولين باول رئيس الأركان المشتركة -وكذلك جنرالات كبار- خططاً لصياغة المزج المناسب لقوات ثقيلة وخفيفة تحمي مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في أرجاء العالم في عصر يتسم بخفض موازنة الدفاع وعدد أفراد القوات المسلحة'' ..
    وأبلغ الجنرال باول لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون مستعدة لمواجهة طائفة من التهديدات تتراوح بين عمل إرهابي فردي إلى حرب إقليمية، وأنها تحتفظ بقوات كبيرة في أرضها وفي أوروبا وأنحاء مختلفة من العالم على مستويات عالية من الاستعداد لمواجهة مثل هذه الطوارئ.
    وعرَّف رئيس اللجنة -لي إسبين- الطوارىء بأنها: ''تلك النزاعات التي لا تحركها تهديدات سوفيتية ومن حلف وارسو'' وأضاف "باول" ''أن الولايات المتحدة الأمريكية لجأت في الغالب في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى استخدام القوات العسكرية بأعداد صغيرة نسبياً، وفي أوضاع واضحة المعالم وأساساً في حروب صغيرة مثل: كوريا، وحرب أكبر مثل فيتنام، أو تدخلات عسكرية سريعة مثل: -جرينادا، وبنما- '' إلا أنه حذَّر من أن التهديدات العالمية التي تواجه أمريكا اليوم تختلف تماماً وربما تتطلب منها أن تنشر قوات ضخمة في الجو والبحر في مواجهة بلدان حسنة التسليح في العالم الثالث في ظروف غير مستقرة. ووصف عمليات هذه القوات بأنها ''عمليات متواصلة طويلة الأجل'' وقال: ''إن الكثير من هذه البلدان في الشرق الأوسط'' وقال: ''وبعض هذه الدول وإحداها على وجه التحديد تمتلك مخزوناً يضم أكثر من 5000 دبابة'' وعرَّف التقرير هذه الدولة بأنها العراق.
    وأوضح قائد البحرية البلدان المستهدفة بأنها ''المناطق الأقل تطوراً في العالم، فهنا تكفن المعادن والموارد النفيسة''
    لاحظوا كيف يظهرون طمعهم في ثروات العالم الفقير، ومع ذلك يتضرعون بما يسمونه تهديدات تواجه أمريكا!!
    على أن أهم ما في الجلسة هو وصف سيناريو التدخل الذي جاء على لسان أحد القادة: إنه سيتحمل القدرة على الدخول القسري باستخدام القوات المحمولة جواً وقوات خاصة وجوالة، ويمكن أن يستخدم أيضاً الإنزال البرمائي للمارينز التي تضم نحو 197 ألفاً من الرجال والنساء، وتجهيزات نقل وإسناد من البحرية الأمريكية... إلخ، مضيفاً ما قيل عن الفرقة 82 المحمولة جواً!!
    يلاحظ قوله: "الدخول القسري" الذي يعني أن أية دولة ترفض هذا الدخول ستجده أمراً واقعاً، لعلم الأمريكان أن دول الخليج لا تريد هذا الوجود، وقد حرصت أمريكا على أن تطلب الكويت منها التدخل، وأبلغتها عن الحشود العراقية على الحدود ولكنها لم تفعل فكان ما كان...!!
    والمهم أن الأمريكيين قادمون وعازمون على الدخول لهذا السبب أو ذاك.
    2- التقرير الأمني السنوي لمجلس الأمن القومي الأمريكي:
    وهو مكون من 32 صفحة، وقد نشرت عنه جريدة الحياة بتاريخ 26/شعبان/1410هـ: ''أفاد تقرير أمني سنوي أصدره مجلس الأمن القومي الأمريكي أن المصالح الحيوية الأمريكية في الشرق الأوسط المتمثلة أساساً في مصادر الطاقة والعلاقات الأمريكية القوية مع بعض دول المنطقة تستحق وجوداً عسكرياً أمريكياً مستقراً وربما معززاً في المنطقة، وأضاف أن التهديدات التي تواجه هذه المصالح ازدادت على أثر التبدد السريع للتوتر بين الشرق والغرب''
    لاحظوا وصف الوجود بالاستمرار، والمغالطة في دعوى أن التهديدات زادت بعد الوفاق!! وأضاف: ''أن منطقة الشرق الأوسط فيها صراعات ذات دوافع محلية مستقلة عن أعمال أو سياسات الاتحاد السوفييتي'' وزاد: ''إن التهديدات لمصالحنا بما في ذلك أمن إسرائيل والدول العربية المعتدلة وكذلك تدفق النفط بحرية تنبع من مصادر متنوعة'' وبعد أن ضخّم كالعادة القوى الإقليمية وأسلحتها الكيماوية والبيولوجية والنووية "أكد التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية ستحافظ على وجود بحري لها في شرق البحر الأبيض وفي منطقة الخليج والمحيط الهندي، وأنها ستنظم مناورات بحرية مشتركة بين فترة وأخرى، وستسعى إلى دعم أفضل من الدول المضيفة للأسطول، وإلى خزن معدات سلفاً في مختلف أنحاء المنطقة" ويقول المُعلِّق بالجريدة:
    ''وقد أكدت الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام الماضي أنها مضت قدماً في تطبيق خطط لخزن معدات عسكرية قيمتها ملايين الدولارات في إسرائيل من أجل أن تستخدمها القوات الأمريكية في حال نشوب أزمة فضلاً عن منح إسرائيل حرية استخدام تلك المعدات في حال الطوارئ.
    وهذا ما تريد أمريكا فعله أيضاً في الدول الخليجية إذا رأت تخفيف وجودها البشري في المنطقة، هذا وقد توقف- التقرير- أمام العنف الناتج من صراعات دينية في الشرق الأوسط، والذي يحظى باهتمام مسئولي السياسة الأمريكية الذين يعتقدون بأن التطرف الديني سيستمر في تهديد حياة السكان الأمريكيين والدول الصديقة من الشرق الأوسط والتي يعتمد العالم على مصادر الطاقة فيها) اهـ.
    والحاصل أن كل وسائل الإعلام العالمية خلال الشهور السابقة لانفجار الأزمة، قد نشرت أنباء نُذُر حرب جديدة وعن كون العراق هدفاً لها، وعن تصريحات عراقية بالاستعداد لرد العدوان الأمريكي البريطاني الإسرائيلي كما تسميه!!
    ومن أهم ما نُشِر بعد وقوع الكارثة ما جاء في "صحيفة اطلنطا كونستيوشن" بتاريخ 25/ أكتوبر1990م، الموافق 7/ربيع الثاني/1411هـ، من مقال للفريق "جون بوسوك" الرجل الثاني بعد القائد العام نورمان شوار سكوف (كما وصفه المقال) والذي شغل منصب كبير المستشارين بالحرس الوطني السعودي سابقاً كما ذكر أيضاً والمقال بعنوان: العقل المدبر للجيش يقود تنفيذ الخطة.
    وأوله "قيادة الجيش الثالث، المملكة العربية السعودية".
    وفي شهر مارس من عام 1989م ميلادي جلس الفريق جون بوسوك مع خمسمائة من ضباط تخطيط المعارك العسكرية والمتخصصين في معدلات استهلاك الوقود والمخططين الآخرين، جلسوا جميعاً بقاعدة جورجيا العسكرية يفكرون في وضع خطة لنقل: 200.000 من القوات العسكرية إلى المملكة العربية السعودية.
    وقد وضعوا خطة سميت "اليوم س" وهو تاريخ افتراضي من المحتمل أن يقرر فيه أحد رءوساء الولايات المتحدة الأمريكية نقل قواته لمساعدة المملكة العربية السعودية ضد أحد أعدائها القادمين من الشمال -من المحتمل أن يكون العراق أو إيران...
    إن هذا التخطيط الذي أُعطي أعلى درجة من السرية والذي تمَّ بالمبنى 363 بقاعدة ماكفرسون بمدينة أطلنطا يشكل الدور المطلوب من أن يقوم به الجيش في هذا المشروع، وفي يوليو 1990م أصبح الجنرال بوسوك ونظرائه من كبار القواد بالبحرية والطيران جاهزون لاختبار خطتهم، وقد تحركوا في مجموعات صغيرة هم وكبار مرءوسيهم إلى القيادة المركزية بمدينة تامبا، حيث استخدموا الحاسبات الآلية على مدى أسبوع في حرب وهمية بالصحراء السعودية أعطيت رمزاً هو (اويزيشن انترنال لوك90)..
    بانتهاء التدريب كانت هنالك خطة تحدد الفرق التي يجب أن تتوجه إلى المملكة العربية السعودية، وذبذبات الراديو التي يتوجب استخدامها، والأماكن التي يمكن أن يتحصلوا منها على الماء الذي يحتاجونه، وكيف يعالجون إصاباتهم، وكيفية معالجة المسألة الإعلامية، وبعد شهر من ذلك كانت قوات الرئيس العراقي المحمولة جواً قد نزلت بمدينة الكويت مما دفع الرئيس بوش بإعطاء أوامره في السابع من أغسطس لتنفيذ الخطة.
    الآن وقد مضت تسعة وسبعون يوماً من بداية العملية فإن الخطة التي وضعها -بوسوك- قد حققت أكبر وأسرع وأدق عملية نقل للجنود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية.
    وإذا علمنا هذه الإرهاصات والنذر، واستيقنا أن الأمر مخطط له ومرتب بالنسبة لـأمريكا، فإن الأسئلة الملحة هي عن العراق لماذا فعل ما فعل؟
    وهل كانت الدول العربية الأخرى على علم به؟
    وما هي الدوافع الخفية لوقوف بعضها معه؟
    وما هي صلة أمريكا بالغزو؟
    وهي أسئلة مهمة نحاول الإجابة عليها في الفقرة التالية.