المادة    
يقول رحمه الله: "ونفاة العلو أهل التعطيل، لو فصلوا هذا التفصيل، لهدوا إلى سواء السبيل، وعلموا مطابقة العقل للتنزيل، ولسلكوا خلف الدليل، ولكن فارقوا الدليل، فضلوا عن سواء السبيل.
والأمر في ذلك، كما قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن قوله تعالى: ((ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ))[الأعراف:54] كيف استوى؟ فقال: [[الاستواء معلوم، والكيف مجهول]] ويروى هذا الجواب عن أم سلمة رضي الله عنها موقوفاً ومرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم".
لا يصح ذلك من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو من كلام مالك، وقد ورد عن أم سلمة، وعن ربيعة شيخ مالك الذي يقال له: ربيعة الرأي، وهذه قاعدة جليلة مذكورة بالتفصيل في أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي، فقد ذكر الروايات عن مالك وعن ربيعة، كما أن الرواية عن أم سلمة مذكورة ومعروفه، فهذا الكلام سواء استقاه مالك رحمه الله من أم سلمة رضي الله عنها أو من شيخه أو قاله من عنده، فالأمر واحد، فهو بهذه الكلمة قد وضع قاعدة جليلة في جميع الصفات، وفي كل ما اختلف فيه من صفات الله تعالى.
وذلك أن رجلاً جاء إلى الإمام مالك فقال: كيف استوى؟! فعلته الرحضاء -أي تصبب الإمام مالك عرقاً لمقالته؛ لأنه لا يتحمل أن أحداً من المؤمنين يسأل في حق الله تعالى هذا السؤال -ثم قال: [[الاستواء معلوم، والكيف غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة]] ثم أمر به فأخرج من الحلقة.
وإذا سئلت: كيف صفاته؟ فقل: كيف ذاته؟! لأن الصفات فرع عن الذات كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.
وقول مالك رحمه الله: (الاستواء معلوم) ليس تفويضاً كما يقولون، بل هو مذهب السلف . فالاستواء معلوم في كلام العرب، ومعلوم لمن يقرأ القرآن، وكما ورد عن أبي العالية أن (استوى) بمعنى: علا وارتفع، فالاستواء في كلام العرب يطلق على العلو والارتفاع، وهذا وارد في القرآن وفي السنة، ولعلنا إن شاء الله نفصله فيما بعد، وليس المقصود شرح هذا الكلام، وإنما بيان هذه القاعدة العظيمة: (الاستواء معلوم والكيف غير معقول) ومعنى (غير معقول) أي: لا تصل العقول إليه، فإن كان سؤالك عن الاستواء وعن معناه فهو معلوم، أما إن كان سؤالك عن كيفيته، فهذا غير معقول، والعقول لا تصل إلى ذلك.
(والإيمان به واجب) أي: يجب علينا أن نؤمن باستواء الله تعالى استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا كما نتوهم ونتخيل؛ لأن الله تعالى ذكره في كتابه، وهو من أمور الغيب التي نؤمن بها ونسلم.
(والسؤال عنه بدعة) لأن السؤال عن أي صفة من صفات الله بـ(كيف) بدعة، بل هو سؤال يذم ويعاب قائله، ولا يسأل عن كيفية صفات الله عز وجل إلا من كان مريض القلب، أو جاهلاً لا يفقه من دين الله شيئاً.
ثم أمر به فأخرج من الحلقة.
ولو طبقت هذه القاعدة العظيمة على الهدي القويم، لأخرج كل ما يخالف هذه العقيدة، سواء كان المخالف من أهل الأهواء، أو كانت كتباً، أو كانت آراء في كتب عظيمة، فإنها تنقح ويخرج منها ما يخالف العقيدة.
فيجب أن يعلم الناس الحق كما أنزله الله تعالى، وأن يطرد ويبعد كل قول من هذه الأقوال، إما بالرد عليه ودحضه ودمغه، أو إن أمكن أن يبعد بذاته فليبعد، ولا نقول كما يقول بعض الناس: نفتح الرأي والفكر للجميع، وعلى الناس أن تختار ما تشاء، كيف يفتح للناس مجال الضلال والإلحاد والكفر؛ فيتجهم من يتجهم ويترفض من يترفض؛ ثم نقول: هذه حرية الفكر وكل يعتقد ما يشاء؟!
فليس هذا الذي أنزله الله تعالى، ولو أن الأمر كذلك ما شرع الجهاد، ولم توضع أبواب في كتب السنة في استتابة المرتدين وقتالهم وقتال الخوارج، وقتال أهل البدع والضلال.
نعوذ بالله من مثل هذه الآراء الخبيثة..! وما جاءتنا هذه الأفكار إلا من جراء الاحتكاك بالغرب، ولذلك لا يرددها إلا من تأثر وتشبع بأفكارهم وآرائهم، ولذلك ينبغي أن نسد باب الشبهات والضلالات.