أثناء ذلك كان أيضاً المعسكر الشرقي يعيش أقوى مرحلة في تاريخه، فقد سيطر على دول ومناطق وممرات استراتيجية (القرن الإفريقي، عدن، أثيوبيا، أنغولا، ليبيا).
  1. برامج المعسكر الشرقي

    وكادت منظماته الثورية تسيطر على أندونيسيا ثم السودان وعمان وأخيراً اليمن الشمالي، وحاولت أكثر من مرة الانقلاب على حكومة العراق، وقل مثل ذلك عن تركيا وإيران وغيرهما، هذا فضلاً عن التنين الشيوعي الآخر الصين! لقد كان زحفاً شيوعياً هائلاً اجتاح العالم ابتداءً من أوروبا الشرقية وانتهاءً بـأفغانستان المسلمة التي أراد الله أن تكون بداية النهاية وله الحمد والمنّة..، وكان هذا من أعظم الأسباب لزيادة المخاوف الأمريكية، إلا أن عقدة فيتنام الكبرى لم تنحل بعد، وفي هذه الحقبة اتسمت السياسة الأمريكية بشيء من التخبط والتناقض واختلاف الرأي بشدة بين الإدارة والكونجرس والمجالس المتخصصة واللجان الاستشارية... إلخ رغم ثبات الأهداف الاستراتيجية التي من أهمها: تحجيم الوجود السوفييتي، وضمان تدفق النفط.
    ووجدت أمريكا نفسها مرغمة أكثر من ذي قبل على انتهاج سياسة الحوار مع الاتحاد السوفييتي والاعتراف له بكثير من المطالب إلى درجة أقلقت الشعب الأمريكي وكادت تفقده الثقة في تفوق أمريكا وسيادتها.
    والواقع أنه مع الضعف الأمريكي الواضح أيام فورد وكارتر فإن أمريكا ومعها حلفاؤها الغربيون يخططون في الخفاء لإقحام المعسكر الشرقي في مآزق كثيرة تجعله ينساق لهم في النهاية، مستغلين في ذلك الاستبداد والظلم ومجافاة الفكر الماركسي للفطرة الإنسانية أصلاً.
  2. سياسة اللقاح والشراء الأمريكية

    ويهمنا هنا المنطقة الإسلامية حيث عمد الأمريكان إلى سياسة "اللقاح والشراء"، إذ تركوا كثيراً من الشعوب تقع في شباك الشيوعية، وسرعان ما وجدت هذه الدول نفسها في ضوائق اقتصادية كبيرة، ولم يكن في إمكان موسكو نجدتها إذ كانت تعاني هي الأخرى مثل ذلك وخاصة مع القيود الاقتصادية الأمريكية عليها، وهنا جاء دور الدول الموالية لـأمريكا التي اشترت ولاء أكثر تلك الدول وحولتها تلقائياً إلى المعسكر الغربي بعد أن نالت لقاحاً يعتبر حصانة أبدية من الشيوعية، ولم تخسر أمريكا شيئاً، ولم يقتصر ذلك على الدول بل تعداه إلى الحركات التحررية أيضاً.
  3. الدراسات الأمريكية لاحتلال الخليج

    وفي ظل تلك الأوضاع المتقلبة والإدارة الأمريكية الضعيفة ظهرت دعوات قوية في أمريكا، تنقد ضعف بلادها، وتنذر أمتها بالخطر المحدق إن لم تعد العدة كاملة لاحتلال الخليج، كما صرح بعضهم، أو لحماية أمن الخليج كما يعللها الأكثرون.
    ونشير هنا إلى بعض المُتَرْجَم المتداولِ في الأوساط العربية منها، ونوجز ما احتوت عليه مما لا تخفى دلالته على مثلكم:
    1- دراسة عسكرية استراتيجية نشرتها مجلة فورتشون الأمريكية في مايو 1979م بعنوان التدخل العسكري في منابع النفط، الاحتمالات والخطط ومما ورد فيها (ص :4): ''إن نزاعاً بين العراق والكويت أو السعودية نابعاً من الخلافات القائمة منذ زمن حول الأراضي هو خطر حقيقي.. ثم تقول الدراسة: لقد أوضح كل من براون، وبريجنسكي -مساعدا الرئيس كارتر لشئون الأمن القومي- مؤخراً أن الولايات المتحدة ستتخذ خطوات من بينها استخدام القوات العسكرية لحماية مصالحنا في العربية السعودية" .
    وتجمل الدراسة الاستراتيجية الأمريكية العسكرية في شقين قائلة:
    "الشق الأول: تعزيز الأمن الداخلي في دول الخليج ضد ما تشعر إدارة كارتر أنه مدٌّ متنامٍ من عدم الاستقرار السياسي، ويرى المسئولون في واشنطن أن عدم الاستقرار هذا يتفاقم من خلال الفساد المنتشر والتفاوت الكبير في الثروات، ووجود أعداد هائلة من العمال الفلسطينيين واليمنيين والأجانب الآخرين.. ويتمتع العمال المهاجرون بقليل فقط من الامتيازات التي يتمتع بها المواطنون.
    أما الشق الثاني من تلك الاستراتيجية: فيقضي بإيجاد طرق من أجل زيادة حجم الوجود الأمريكي في دول الخليج أو على الأقل التحرك بسرعة أكبر في أوقات الأزمات''(ص:6).
    وبعد أن تشير الدراسة إلى الصعوبات الإمدادية وعدم تملك أمريكا لقواعد في أراضي الخليج، تقول: ''أحد الاحتمالات هو محاولة التوصل إلى اتفاق مع السعودية من أجل توسيع القواعد القائمة حالياً في تلك البلاد حتى تستطيع استيعاب قوات أمريكية، وهناك خيار آخر هو: الحصول على إذن للسماح بإيداع مسبق للمعدات والإمدادات في السعودية للاستخدامات الطارئة''.
    وبالفعل أنشئت قواعد عسكرية لا نظير لها في أكثر دول العالم، وفوجئ الأمريكيون عند نزولهم فيها بتطورها واستيعابها ومضاهاتها لأكبر القواعد في بلادهم، والمؤلم أن أحد خبراء البنتاجون قال: يجب أن تكون هذه القواعد مناسبة لنزول قواتنا وإنه ينظر إليها كقواعد أمريكية لأننا سنزل فيها بطلب من السعودية أو بغير طلب!
    وتقول الدراسة:
    "أظهر استفتاء للرأي، أُجري مؤخراً بين سفراء الولايات المتحدة في المنطقة، أن هناك إجماعاً على القول بأن تمركز قوات برية، أو زيادة القوات البحرية (الأمريكية) في المنطقة قد يؤدي إلى إضعاف الدول التي ستتمركز فيها هذه القوات، بدلاً من أن تقويها، فمن شأن المجموعات المتطرفة أن تستغل العواطف "المعادية للاستعمار" المتبقية منذ الأيام التي كانت فيها الأراضي العربية مستعمرات أو محميات لـبريطانيا وللدول الأوروبية''
    وأُذكِّرُ سماحتكم وأصحابَ الفضيلة أن هذا الكلام نشر قبل إحدى عشر سنة، وأُحيلكم إلى الخرائط العسكرية التي اشتملت عليها الدراسة عن الاحتمالات والخطط وهي مرفقة هنا.
    2- دراسة استراتيجية بعنوان (تحديات الأمن القومي في العربية السعودية في العقد المقبل) -أي: الثمانينيات الميلادية- كتبت سنة 1978م قبل نجاح الثورة الإيرانية.
    وحين تحدثت الدراسة عن النزاعات المحتملة قالت: ''من المحتمل أن تصبح العراق وإيران أعداء للسعودية في منطقة الخليج، فـالرياض قلقة بشأن المطالبة القديمة بـالكويت وبشأن حوادث إطلاق النار المتفرقة على طول الحدود المبهمة بين هاتين الدولتين''.
    ويعود الصراع بين العراق والكويت إلى ما قبل حصول الكويت على استقلالها التام في عام 1961م، وتدَّعي العراق أن لها الحق في المناطق التي كانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية التي تدعي أنها وريثتها القانونية، ولو قبلنا هذا المنطق لأصبحت الكويت جزءاً لا يتجزأ من العراق.
    أما الكويتيون فيقولون: إنهم كانوا دوماً محافظين على وضعهم ككيان مستقل .
    وقد تُقرر العراق أن تحل مشاكل الحدود عسكرياً فتلجأ إلى الاستيلاء على البلاد بأسرها، وهو أمر يمكن إنجازه بسرعة إلا إذا تدخلت دول أخرى لتساند الكويت.
    والسعودية لا تستطيع أن تفعل الكثير من وجهة النظر العسكرية لإيقاف أي غزو عراقي للكويت، ويتم الآن إنشاء مركز عسكري سعودي قرب الحدود العراقية العسكرية -يقصد مدينة حفر الباطن العسكرية-. لكن السعوديين قد لا يستطيعون أن يتحدوا قوة بغداد العسكرية. (ص: 6، 7).
    وفي موضع آخر تتحدث عن الخطر العراقي أيضاً واحتمال إقدام العراق على اتخاذ بعض الإجراءات الجوية لمعاقبة المملكة لأسباب ذكرت منها: ''دعمها للأنظمة التقليدية أو لأنها تنتج النفط أكثر مما ينبغي، أو لأنها تعرقل الحصول على أسعار أعلى للنفط، أو من جراء دعم السعودية المحدود للكويتيين في نزاعهم الإقليمي مع العراق... " -يلاحظ أيضاً هذا الكلام كتب قبل 12 سنة- ومع ذلك فإن الأسباب الأولى الواردة هنا هي ما تضمنته مذكرة الاحتجاج العراقية ضد الكويت والإمارات المقدمة لـجامعة الدول العربية والتي أعقبها الغزو العراقي.
    ثم تقول: ''أما احتياط النفط السعودي فمن المحتمل ألا يلعب دوراً في أي هجوم تشنه العراق، إذ أن احتياط النفط العراقي قد لا يفوقه سوى احتياط النفط السعودي، والصراع العراقي الكويتي يرجع على الأرجح إلى رغبة العراق في تسهيل الوصول إلى البصرة وهي مرفأ العراق الرئيسي على الخليج لا إلى الحصول على موارد الكويت النفطية الكبيرة''.
    3- دراسة استراتيجية بعنوان (خيارات السياسة الأمريكية في إيران والخليج ):
    نشرت أيضاً في أوائل عام 1979م، وهي تشمل المساحة الزمنية التي أشرنا إليها -أي: فترة إدارة كارتر الضعيفة وتخبط الآراء الأمريكية حينئذ قبيل سقوط الشاه- وقد وضعت ثماني خيارات للسياسة الأمريكية، واهتمت جداً بموضوع الخليج كالعادة، ومما أوردته بشأنه [عقب الحديث عن مشكلة شط العرب ].
    ''يمكن لـإيران أن تتورط في عداوة ضد الكويت وقد وقعت حوادث على الحدود العراقية الكويتية، وإذا ألحت العراق في مطالبتها بتلك الدولة الغنية بالنفط بأساليب عسكرية سيكون من المدهش بعض الشيء أن تتخذ إيران موقف المتفرج. وحتى مع خروج الشاه عن السلطة قد لا يتغير تصور إيران لأمنها القومي بشكل ملحوظ على الأقل في الخليج الفارسي إلا إذا تغيرت الحكومة الإيرانية بدرجة متطرفة إما إلى اليمين وإما إلى اليسار.
    وعلى افتراض أن توجهات إيران العسكرية الحالية ستظل ثابتة في الخليج حتى مع رحيل الشاه فقد تتحرك إيران عسكريأ إذا هدّد الاضطراب المحلي في الكويت بتولي السلطة نظام متطرف، ومن الصعب التكهن بما يمكن أن تفعل بغداد أو موسكو، ولكن يجب عدم استبعاد احتمال القيام برد عسكري، وربما تم تدخل أمريكي لدعم إيران بشكل مباشر سواء رداً على تدخل خارجي أو بدونه'' (ص: 18، 19).
    ''من الدلالات المهمة لهذا الكلام استعداد أمريكا للنزول في إيران أيضاً لو حكم الكويت نظام متطرف وعجزت إيران عن القضاء عليه بسبب تدخل العراق أو غيرها لدعمه، وذلك لأن إيران هي شرطي الخليج آنذاك، والمهم أن التدخل العسكري المباشر وارد، وأن الكويت هي الطعم في أي سيناريو قد يتم تنفيذه''.
    وتقول الدراسة :
    ''إن بعض الأدلة على أن السياسة الأمريكية كانت تتحرك بدقة نحو وقف تدخل عسكري مباشر في الخليج الفارسي ظهرت في التقرير السنوي المقدم إلى الكونجرس من وزير الدفاع هارولد براون يوم 2/2/1978م، هو يعتبر "حالة طوارىء" ترتبط بالعمل العسكري الأمريكي في الخليج الفارسي حالة ملائمة للتخطيط الأمريكي لاستخدام القوة. ويستمر قائلاً:
    '' إن هذه الطوارىء ليست مجرد أوضاع ملائمة منهجية نستخدمها قاعدة لتطوير موقف دفاعي غير نووي، إنها حالات طوارىء جدية حقيقية يجب أن نستعد لها بشكل محدد''.
    وأهم ما في الدراسة هو الخيارات المشار إليها، وقبل عرض ما يهمنا منها نذكر ما جاء في ديباجتها بشأن المملكة:
    ''مالت الولايات المتحدة إلى الربط بين مصالحها في إيران وعلاقاتها مع السعودية، وهو ما وصف أحياناً بسياسة العمودين رغم أنه اسم لاينطبق على الحقيقة.
    إن أقدم حليف لـأمريكا في الخليج الفارسي هو السعودية، ففي السعودية وليس إيران قامت شركات النفط الأمريكية بزعامة أرامكو بعمل رائد في إرساء القوة الاقتصادية الأمريكية في الشرق الأوسط... ومن الواضح أنه مع اعتماد الولايات المتحدة والغرب عموماً بهذا القدر على النفط السعودي يصبح من الضروري بحث الدور المحتمل للمملكة السعودية فيما يتعلق بأمن أمريكا القومي في الخليج الفارسي، خاصة في إطار المصاعب الإيرانية- يعني: قلاقل الثورة الإيرانية حينئذ.
    إن جميع الخيارات الثمانية المقدمة هنا للسياسة الأمريكية في إيران لها علاقة بـالسعودية أيضاً، وهي تتراوح من علاقات عسكرية وثيقة بين واشنطن والرياض إلى انسحاب عسكري كامل من الخليج، واستخدام إسرائيل كقوتنا الوكيلة في هذه المنطقة. (ص: 52) ''.
    وهذا موجز للخيارات- مع الاقتضاب فيما أسقطه الواقع منها:
    الخيار الأول:
    موجزه: استمرار السياسة الأمريكية في الخليج كما هي أي: الاعتماد على إيران حتى بدون نظام الشاه، واستمرار العلاقة مع النظام البديل أيَّاً كان نوعه "ويعني هذا الخيار أيضاً عدم تغيير العلاقة الأمريكية السعودية القائمة، وسيستمر برنامج التحديث العسكري في المملكة بنفس السرعة المعتمدة الحالية، ولن تكون ثمة خطة لاستخدام التسهيلات العسكرية السعودية من جانب أمريكا (ص: 53،52).
    الخيار الثاني:
    موجزه: التحول من الاعتماد على إيران إلى الاعتماد على السعودية، وتقول الدراسة: ''وتحت هذا الخيار ستغيِّر الولايات المتحدة علاقتها العسكرية بـالسعودية من المساعدة غير المباشرة إلى نوع من الوجود المباشر'' وبكلمة أخرى "ستقوم واشنطن بأكثر من التركيز على الدفاع عن المنطقة الأساسية المنتجة للنفط (الشرقية) وعن العاصمة ومجمع جدة- مكة - المدينة" كما تفعل سياستنا الحالية....
    "وقد تقوم الولايات المتحدة ببناء تسهيلات لـالسعودية بدعم مالي من الأخير، ويمكن لـالولايات المتحدة أيضاً أن تستخدم هذه التسهيلات للحفاظ على إمكانات عسكرية غير متوفرة الآن في المنطقة بقصد استعمالها في وقت الأزمات، وسيتطلب هذا مطارات متسعة كثيراً وتسهيلات أكثر في الموانئ ومناطق تخزين عسكرية أكثر اتساعاً، كما سيؤدي إلى وجود المزيد من المستخدمين العسكريين الأمريكيين''.
    الخيار الثالث:
    ''إمكان الولايات المتحدة مضاعفة وجودها العسكري المباشر في السعودية بدون إقامة علاقات أوثق بالضرورة، وقد يكون هناك المزيد من الزيارات من قبل القوات البحرية الأمريكية والقوات الأخرى''
    وضمنه '' ويمكن أيضاً بذل جهود لزيارة دول أخرى في الخليج كـالعراق وستظل الفكرة الأساسية هي وجود عسكري أمريكي ثابت ولكن غير مخيف، وبحري بصورة أساسية وهذا الاستعراض المتزايد للعلم الأمريكي في الخليج الفارسي. ويمكن توسيعه ليشمل الشواطئ الجنوبية لـشبه الجزيرة العربية حتى البحر الأحمر ثم حتى قناة السويس شمالاً ''.
    ''ويتطلب هذا الخيار تسهيلات في الموانئ خارج تلك التي نستخدمها في إيران والبحرين، ومرة أخرى تظهر أهمية السعودية بوضوح من حيث الفوائد والتكاليف، فالتسهيلات الجديدة في جدة على البحر الأحمر كتلك التي في الجبيل على الخليج الفارسي سيكون بمقدورها في النهاية استقبال السفن البحرية حتى حجم الفرقاطة '' (ص: 55).
    وهنا تلتفت الدراسة إلى موضوع في غاية الأهمية فتقول:
    ''وسيؤدي الوجود المتزايد تحت هذا الخيار إلى جمع معلومات استخبارية أفضل؛ نتيجة لتحسن نشاطات جمع المعلومات من قِبَل الولايات المتحدة ونتيجة للاتصالات المكثفة مع القوى المحلية بشأن التهديدات الخارجية.
    بل إن الولايات المتحدة قد تقرر أن التسهيلات المشتركة في جمع المعلومات الاستخبارية ستكون مفيدة.
    وفي الحقيقة: إن العمليات الحالية لجمع المعلومات الاستخبارية في إيران قد يصبح من الضروري إيجاد مكان جديد لها وإعادة النظر فيها، وإذا حدث ذلك فسيكون للسعودية أهمية كبرى من جديد، أو من المحتمل أن يكون نظامها أكثر استقراراً في المستقبل من الأنظمة الأخرى في منطقة الخليج'' .
    ثم ترجع الدراسة لتواصل الحديث ''ويمكن دمج الخيار الثالث مع الثاني طالما أن أية زيادة للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة قد تعتمد على التعاون السعودي'' .
    الخيار الرابع:
    موجزه: العمل من أجل إرجاع الشاه ولكن مع سلطة أقل، ومن الواضح استبعاد هذا الخيار لأن الشاه قد رحل. [ص:56].
    الخيار الخامس:
    موجزه: الجمع بين قوة مقلصة للشاه العائد إلى إيران وبين تعويضات متزايدة في السعودية، وقد سقط هذا الخيار كسابقه. (ص:56).
    الخيار السادس:
    موجزه: إعادة الشاه قوياً بواسطة قوات عسكرية أمريكية بالتعاون مع الجيش الإيراني أو غيره من الجهات، وفائدة هذا الخيار: إظهار أمريكا بموقف الملتزم الوفي لحلفائها، لكن سلبياته كثيرة. (ص:56، 57).
    الخيار السابع:
    موجزه: التخلي عن المنطقة بسبب الوجود العسكري، ووقف مبيعات الأسلحة، وعدم التدخل بشئونها الداخلية، إلا أن الدراسة تستبعد هذا الخيار، وإيراده هو من باب الاحتمال العقلي المجرد. (ص:57).
    الخيار الثامن:
    موجزه: الاحتلال المباشر الصريح لحقول النفط والإطاحة بأنظمة الخليج الفارسي بمساعدة الحليفة إسرائيل!!
    وفي النهاية توصي الدراسة بأن مزيجاً من الخيارين الثاني والثالث هو أحكم سياسة تتبعها الولايات المتحدة مع إعادة التأكيد على أهمية الدور السعودي (ص:58).
    4- دراسة للدكتور بيتر تبزجر حول خطط التدخل العسكري الأمريكي في منابع النفط:
    نشرها الأستاذ أحمد المصري في شئون فلسطينية العدد 112- آذار- مارس- 1981م، ذكر فيها أنه في بداية السبعينيات وخاصة بعد حرب رمضان: '' بدأت المصادر العسكرية الأمريكية تتحدث بوضوح عن أنه إذا تعاظم اعتمادنا على النفط الخارجي أو تدهورت سيطرتنا في السياسة الخارجية والنفوذ الدولي؛ فإن البديل قد يكون إرسال حملة عسكرية إلى الشرق الأوسط تجعل فيتنام تبدو بالمقارنة كنزهة '' (الفكر الاستراتيجي 3/ 76 يناير 1982م).
    5- مذكرات نيكسون أو الحرب الحقيقية:
    وهو كتاب ألفه نيكسون الذي يتميز بمقدرته التنظيرية وتُرجم للعربية سنة (1403هـ- 1983م)، تحدث نيكسون عن أهمية النفط والخليج، وعن قضية الفراغ الأمني، وحظر النفط العربي عام 1973م، وخطر الزحف اليساري الموالي للسوفييت، ومما قال:
    ''وبدلاً من أن تبدِّل الوجود البريطاني بوجود أمريكي مباشر عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاعتماد على قوى محلية، وهي إيران والعربية السعودية بالدرجة الأولى لتوفر أمناً للخليج وذلك عندما قمنا بتقديم المساعدات والعون العسكري، وقد سارت سياسة العمودين بشكل معقول إلى أن انهار أحدهما وهو إيران عام 1979 م''(ص:113)
    ويتحدث عن الشاه قائلاً:
    ''إضافة لرفضه المشاركة في فرض حظر النفط عامي 1967 و1973؛ واصل الشاه اعترافه بـإسرائيل وتزويد أسطولنا في البحر الأبيض المتوسط بالوقود ومنع العراق من القيام بأي دور هام في حرب الغفران، وذلك بتحريك قواته إلى الحدود الإيرانية العراقية'' (ص:115)
    ويستمر في تعداد مآثر الشاه على أمريكا والغرب إلى أن يقول: '' فـالشاه كان يشكل الزند الذي حمى السعوديين الأغنياء المعرضين للخطر، وقام بتسوية النزاعات الإقليمية مع البحرين والعراق، وشجع على قيام الترتيبات من أجل الأمن الإقليمي مع دول الخليج الأخرى، وانتهت الآن تلك الجهود بكاملها بعد أن طار حكم الشاه" (ص:116).
    وينقل عن أحد مسئولي وكالة الاستخبارات المركزية في أوائل عام 1979م قوله:
    ''إن تفكك الجيش الإيراني أصبح حقيقة واقعة سببت تغييراً هائلاً في ميزان القوى في المنطقة بأسرها، فقد ظل جيش إيران لسنوات عديدة يقوم بدور وضع المطامح العراقية ضد إسرائيل والكويت تحت المراقبة، وقام بحماية سلطان عُمان ضد عصابات ظفار الذين تزودهم اليمن الجنوبية بالسلاح، وأكد ضمان السادات في مصر والأمراء السعوديين، وقد حدث الآن فراغ مُغْرٍ حيث كان جيش الشاه واقفاً بالمرصاد'' (ص:116)
    وتتلخص نظرة نيكسون إلى المستقبل [أي: في الثمانينات] لضمان مصالح أمريكا والغرب المتسترة بغلاف أمن الخليج في أمرين :
    الأول: استمرار سياسة العمودين مع إحلال العراق محل إيران وهذا ما سيأتي تفصيل الحديث عنه.
    الثاني: الوجود العسكري المباشر حيث يقول: ''وبما أن النفط ضرورة وليست حاجة كمالية للغرب؛ فإن على الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا واليابان أن يجعلوا تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية لحكومات المنطقة أفضلية ويولوا هذا الأمر أولوية في اهتماماتهم؛ وذلك لصد أي عدوان عليها داخلياً كان أو خارجياً، وينبغي علينا أن نكون على استعداد وراغبين في اتخاذ أي إجراءات -بما في ذلك الوجود العسكري القوي وحتى العمل العسكري- من شأنها أن تحمي مصالحنا، وينبغي علينا أن نكون على استعداد لتأييد أقوالنا بالأفعال.
    وإعلان مبدأ العظمة بأن الولايات المتحدة ستقاوم أي تهديد للمنطقة بالرد العسكري لن يعدو أكثر من كونه مدفعاً فارغاً ما لم يكن لدينا قوات في موقعها لكي تجعل تعهدنا محطاً للثقة به، وإنه لمن الضرورة بمكان أن يكون للولايات المتحدة وسائل أساسية بحيث تساعدنا على عرض قوتنا بشكل مقنع في المنطقة، وأن ترد بشكل سريع على أية تهديدات مفاجئة'' إلى أن يقول:
    ''وفوق كل شيء يجب أن نؤكد بشكل واضح لا غموض فيه لزعماء العربية السعودية، وعمان، والكويت، والدول الرئيسية الأخرى في المنطقة بأنه في حال تهديدها من قبل القوات الثورية سواء كانت تهديداً من الداخل أو الخارج، فإن الولايات المتحدة ستقف إلى جانبهم بكل حزم، وهكذا لن يعانوا المصير الذي لقيه الشاه...
    وعلينا أيضاً أن تكون لدينا القوات التي يمكننا أن نستخدمها، فقد نركب المخاطر في الدفاع عن مصالحنا في الخليج العربي لكننا سنعرض أنفسنا لركب مخاطر أكثر جسامة إذا ما أخفقنا في الدفاع عن تلك المصالح''. (ص:132)
    وهذه الخطة من نيكسون التي كانت عماد سياسته هي ما يسميه البعض "مبدأ نيكسون" القائم على الجمع بين المشاركة الإقليمية المدعومة، والاستعداد للتدخل المباشر انظر: الوجود العسكري الغربي في الشرق الأوسط (ص:30).
    ومن المؤلم المثال الذي ضربه نيكسون للمملكة نقلاً عن مسئول أمريكي كبير وهو قوله -والخطاب موجه لإحدى الصحفيات-:
    ''افترضي أنكِ امرأة ثريَّة تعيشين لوحدك في بلدة صغيرة محاطة بالمداخن كل واحد يدري أن تحت وسادتك مجوهرات بالملايين، وليس من شرطة تحميكِ، فلا بد أن يأتي الشريف من حين لآخر ويعطيك قبلة كبيرة ويولي أدباره أفلا يشعرك هذا بالأمان'' ويعني بالشريف: الولايات المتحدة.
    إن ما ذكرناه آنفاً بإجمال قد دفع مخططي السياسة الأمريكية إلى اتخاذ إجراءات متعددة لضمان الأهداف الاستراتيجية، ومن هنا شرعت أمريكا في إنشاء قوة عسكرية خاصة مهمتها: الانتقال السريع إلى الخليج والانتشار فيه سبقاً لأي حدث، وفي الوقت نفسه استمرت سياسة العمودين المتساندين كأمر واقع في المنطقة.
  4. أهم المعالم البارزة لاحتلال الغرب الخليج

    والكلام عن هذه القوة كثير جداً وأكثره مترجم متداول، ولذلك سأقتصر على ذكر المعالم البارزة عنها والإشارة إلى بعض المصادر فقط.
    - يرجع كثير من الباحثين في تكوين هذه القوة إلى التوجيه الرئيسي "رقم 18" الصادر في أغسطس 1977م -أي قبل 13 عاماً من الغزو بالضبط- بعد تولي كارتر بمدة وجيزة (انظر: مثلاً قوة الانتشار السريع عبد الهادي ناصف ص: 91 ).
    - ثم كان التقرير السنوي لعام 1977م المقدم في أوائل عام 1978م من وزير الدفاع المتضمن أن حالة طوارىء حقيقية مفتعلة من أمريكا هي المبرر للتدخل العسكري في الخليج وقد سبق نقله.
    - وفي نوفمبر 1979م تم اعتقال الرهائن الأمريكيين في طهران الخميني، وبعد ذلك بستة أسابيع اقتحم الروس أرض أفغانستان المسلمة، وهذا ما عجل بإظهار قوة الانتشار السريع ورصد الميزانيات الضخمة لها، (ص:91 قوة الانتشار..)