الحمد لله الذي كتب العز والنصر لمن أطاعه واتقاه، وضرب الذل والخزي على من خالف أمره وعصاه، وصلى الله على عبده ورسوله القائل: {بُعثتُ بالسيف بين يدي الساعة حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وكتب الذل والصغار على مَنْ خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم} وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
  1. سبب تأليف الرسالة

    فهذه رسالة من سفر بن عبد الرحمن الحوالي إلى أصحاب الفضيلة والسماحة هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم سماحة الوالد الجليل الشيخ عبد العزيز بن باز حفظهم الله جميعاً آمين.
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
    فغيُر خافٍ عليكم ما نزل بأمة الإِسلام من فاجعة وكارثة لن ينساها التاريخ إلى قيام الساعة، تلك التي ابتدأت ظاهراً بغزو الجيش البعثي العراقي للكويت، ثم تداعي أمم الغرب النصرانية وتوابعها على المنطقة جميعها، وإنزال عشرات ألوف من الجيش الأمريكي وغيره في الرياض وجدة والطائف وينبع وعسير -فضلاً عن المنطقة الشرقية والشمالية- وتطويق المنافذ البحرية لـجزيرة العرب جميعها بذريعة الحصار الاقتصادي للعراق.
    وقد هالني هذا الأمر؛ كما هالَ كل مؤمن لا سيما والحق أنني كنت أتوقع شيئاً من هذا منذ قيام ما سمي "الوفاق الدولي بين الشرق والغرب"، واتحاد أوروبا الصليبية تحت راية واحدة، وحذرت منه في أكثر من محاضرة متمثلاً بحديث زينب بنت جحش رضي الله عنها في الصحيحين: {لا إله إلا الله، ويلّ للعرب من شر قد اقترب}.
    ثم جاءت المصيبة أكبر مما توقعتُ وأعظم مما أنذرتُ، وأحسب أن جزيرة العرب منذ أن خلق الله صحراءها، وحَفَّها ببحارها لم يَدْهَمْهَا مثل هذا البلاء قط، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    وقد عرضت رأيي في الأحداث وأسبابها وعلاجها على بعض إخواني من طلبة العلم في أكثر من لقاء، فكان له آثار مختلفة، وكانت الأحداث تتوالى والبيانات تصدر، وردود الفعل تضطرب، وقد كانت هذه الأحــداث هي الشغل الشاغل، ومثار الجدل، واختلاف الرأي بين الناس عامتهم وخاصتهم، وخاصة طلبة العلم الذين انقسموا فريقين. لكل منهما رأيه:

  2. أصحاب الرأي الأول أمام الأحداث

    أن الأحداث كلها جدت بصورة عفوية، فالعالم كله فوجئ في يوم الغزو، وفوجئت المملكة بحشود عراقية، فطلبت النجدة من الدول العربية والغربية لحماية أمنها، فجاءت تلك الدول استجابة لذلك الطلب، وسيرحلون فور انتهاء الأزمة، ووجودهم لا يتعدى الضرورة المؤقتة، وسوف تعود الأمور على ما كانت عليه من قبل.
    و طبيعي أن أصحاب هذا الرأي لم يكن لهم اعتراض أو تحفظ على القرارات والمواقف الرسمية.
    و لما سمعوا الرأي الآخر بادروا إلى معارضته وتخطئته مستعينين ببعض أقوال الفقهاء والعلماء قديماً وحديثاً في مسألة الاستعانة بالكفار.
  3. الرأي الآخر

    أن الأحداث في جملتها نتيجة لمخططات قديمة، الغرب له مخططاته، والبعثيون لهم مخططاتهم، ودول مجلس التعاون لها مواقفها وحساباتها وكذلك الأطراف الأخرى، وأنه منذ الوفاق الدولي وانهيار المعسكر الشرقي، كان متوقعاً حدوث تطور خطير في الشرق الأوسط على تفاوت بين المحللين في ماهية هذا التطور وعواقبه؛ فكانت هذه الأحداث.
  4. خلاصة المقدمة

    والخلاصة أن هذا الرأي في الجملة مناقض للرأي الأول، وأن أصحابه يعترفون أو يتحفظون تجاه المواقف والقرارات المتخذة...!! ويرون القضية خارجة عن دائرة الخلاف الفقهي في مسألة الاستعانة، وأن الواجب على الأمة أن تعرف الواقع على حقيقته، وأن تواجه التحدي بالقوة المستطاعة، وأن تحسب لكل احتمالٍِ حسابه، وتقدر الضرورة بقدرها، وأن هذا خير من التكتم والتعتيم وتخدير المشاعر إلى أن تقع في هاوية لا يعلم قرارها إلا الله.
    لا سيما وقد جاء على لسان أكثر من مسئول في هذه البلاد وغيرها أن المنطقة دخلت في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله وحقاً نطق، فقد كنا نظن أن الأمة قد استقرت في القاع، وأنه ليس وراء واقعها من سقوط، فإذا بهذا القاع السحيق يفتح فَاهُ لتدخل في نفق عميق ولا حول ولا قوة إلا بالله.
    ولما كنت من أصحاب الرأي الأخير، وأعلنته أمام عدد من الدعاة والمشايخ، وحدث له ما حدث من اعتراضات وردود فعل وتفسيراتٍ خطأ "مع ما له من تأييد واسع النطاق لدى الخاصة والعامة".
    وبناءً على ما تم بيني وبين سمو نائب وزير الداخلية من جهة وبين سماحتكم وسمو الوزير من جهة أخرى من اتفاق على المباحثة مع سماحتكم وأعضاء الهيئة في هذا الأمر، والخروج بالنتيجة المناسبة التي تبرئ الذمة ويكون فيها النصّح للأمة، وأن في إمكاني تقديم أي نصح مباشر أو بواسطة سماحتكم؛ كتبت لكم وجهة نظري هذه، راجياً أن تنال اهتمام الجميع، وما كان فيها من صواب يُؤَيَّدُ ويُبَلَّغُ منكم وباسمكم للحكومة، وما كان من خطأ فأنتم خير مَنْ يردُّني عنه، وأكرر رجائي بالاهتمام بالأمر، فهي قضية لها ما بعدها، وسوف يسألنا الله تعالى عنها وتحاسبنا الأجيال من بعد عليها!! وهي عبارة عن عرض موجز لجذور الأزمة ثم عرض مسهب للمخططات الدولية التي أخرجتها، وبعض الاقتراحات.
    سفر بن عبد الرحمن الحوالي