يعتقد الصهيونيون بوجهيهم - اليهودي والنصراني - أن اجتماع بقية بني إسرائيل على أرض فلسطين هو تحقيق لوعد الله بالمصالحة بينه وبين شعبه المختار، ولذلك نصرهم على العرب، وبارك من يباركهم -أمريكا- ولعن من يلعنهم..!!
والواقع أن أسفار التوراة لا تخلو من دعوة لليهود إلى المصالحة مع الرب، ولكن بماذا؟
إنها دعوة إلى التوبة، وترك الكفر بالله ورسله، ونبذ عبادة غير الله، وحفظ فرائضه، والشفقة على الضعفاء والأيتام، والإحسان إلى الخلق.
هذا ما نجده بوضوح في معظم الأسفار، ومعه في الوقت نفسه الوعيد الشديد عليهم إن هم خالفوا ذلك ونكثوا العهد، ونقضوا الميثاق، وهو ما لا علاقة له ضرورة بالنبوءات وأحداث آخر الزمان؛ بل هو دعوة عامة للتوبة والإيمان للفرد والجماعة في كل مكان، أما اجتماع البقية الشريرة المطرودة، وعودتها إلى الأرض المقدسة ليحل عليها غضب الله، فالنبوءات فيه صريحة وخاصة، وهي من الكثرة والوضوح بحيث يصعب حصرها وإيرادها إلا من خلال أمثلة وإشارات فقط.
فلنبدأ بما يعتمد عليه الصهيونيون من نبوءات:
يقول سِفر حزقيال: ''هأنذا آخذ بني إسرائيل من بين الأمم التي ذهبوا إليها، وأجمعهم من كل ناحية، وآتي بهم إلى أرضهم، وأصيِّرهم أمةً واحدة في الأرض، على جبال إسرائيل، وملك واحد يكون ملكاً عليهم ولا يكونون أمتين ولا ينقسمون بعد إلى مملكتين''.
ربما كان هذا أقوى دليل وأصرحه للصهاينة، ولا بأس فلنكمل ما ورد في السفر نفسه، ولنقرأ بقية الكلام: ''لا تنجسون بعد بأصنامهم ولا برجاساتهم ولا بشيء من معاصيهم بل أخلِّصهم من كل مساكنهم التي فيها أخطأوا، وأطهرهم فيكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً، وداود عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميعهم راعٍ واحد، فيسلكون في أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها''.
لا ريب أن ذكر "داود" هنا ينفي أن يكون المقصود هو دولة صهيون المعاصرة؛ بل إن حزقيال نفسه كان بعد داود! ومن هنا، يحق لنا أن نشك في أن العبارة محرفة، لكن الصهاينة يؤولون ذلك بأنه: "رمز" لدولة إسرائيل.
فلنسلِّم جدلاً، ولنسأل:
أهذا وعد مطلق أم مشروط؟ وهل يتحقق في دولة إسرائيل شيءٌ من الشروط؟ أليسوا إلى اليوم كافرين برسالتي المسيح ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودينهما الواحد ( الإسلام )؟ وهب أن المقصود أحكام التوراة المنسوخة فأين هم منها؟
إن دولة إسرائيل هي من أكبر مباءات الفواحش والإلحاد والإجرام في العالم، إنها تنافس أمريكا في القمار والشذوذ والربا وارتكاب كل الموبقات، والمؤسسون لها كانوا ملاحدة اشتراكيين زعماء عصابات إجرامية وإرهابية، وكل الوصايا العشر الموسوية مهجورة منكورة، والشيء الوحيد الذي يحفظه اليهود من التوراة هو أنهم شعب الله المختار، ونسل إبراهيم عليه السلام.
فلنبحث إذن عن حال هذه الدولة التي أقامتها بقية بني إسرائيل على حقيقتها، لنجده في الأسفار واضحاً كالنهار.
ولنبدأ بالملخص الذي شرح به ناشرو الكتاب المقدس كلمة "بقية" لدى ورودها في سفر أشعياء وهو: ''سيُعاقَب إسرائيل (أي الشعب) على خيانته، ولكن بما أن الله يحب شعبه فهناك بقية صغيرة تنجو من سيف المجتاحين''
ثم أحال إلى مواضع كثيرة واستمر قائلاً: ''ستبقى هذه البقية في أورشليم، وتُطَهَّر وتصبح أمينة فتصير أمة قديرة!! وبعد كارثة السنة (587) -يعني: السبي- ظهرت فكرة جديدة، وهي أن البقية ستكون بين المجلوين، وتتوب في الجلاء -وذكر مصادر - فيجمعها الله عندئذٍ؛ لإحياء المملكة المشيحية -وذكر مصادر- وبعد العودة من الجلاء ستكون البقية غير أمينة مرة أخرى وتطهر بالقضاء على قسم منها..''
هذا هو مجمل الفكرة؛ حيث يزعم الأصوليون أن المملكة المشيحية قد تمثلت بقيام دولة إسرائيل التي سينـزل فيها المسيح!
أما كونها ستكون غير أمينة، وسوف تطهر بالقضاء على قسم منها؛ فيغضون الطرف عنه كأن لم يكن!!
وأما الأمة القديرة فإنهم أنفسهم ذكروا بعد ثلاث صفحات فقط أن الله يتخذ أمة قديرة للانتقام من بني إسرائيل، فهي إذن ستقضي على القسم المقضي عليه بغضب الله وهلاكه منهم.
فأداة الانتقام هي: الأمة القديرة المطهرة الأمينة.
ونحن سندلهم على القراءة الحقيقية لما جاء عن هذه البقية ونوردها على محاور:
الأول: أن هذه البقية لا عهد لها مع الله، فليس لله عهدٌ دائمٌ مع أحدٍ إلا بالالتزام بتقواه وطاعته: ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[البقرة:124].
وتاريخ بني إسرائيل هو دورات متعاقبة من الإيمان والكفر، لا يفرقه عن تاريخ بقية الأمم إلا غلظ كفرهم وزيادته مقارنةً بكثرة أنبيائهم، وتتابع إمهال الله لهم، ونعمه عليهم لعلهم يرجعون.
وما مرحلة القضاة -الذين هم رؤساء عشائر- إلا نموذج جلي لهذا، وقد ابتدأت هذه المرحلة من بعد يوشع غلام موسى عليه السلام حتى داود عليه السلام، وفي كل مرة ينقضون عهد الله، ويعبدون بعلاً وعشتروت وتموز وغيرها من الأرجاس، ويذبحون لها أبناءهم، فينذرهم الله ويُرسل لهم نبياً، فيتوب منهم من شاء الله، ثم سرعان ما يعودون لشركهم ورجسهم، فيسلط الله عليهم أمةً ممن حولهم تذيقهم سوء العذاب، وهكذا مرات ومرات!!
وهذا ما عبَّر عنه سفر الملوك الثاني بقوله: ''وكان الرب قد أشهد على بني إسرائيل وهوذا على ألسنة جميع الأنبياء وكل راءٍ قائلاً: توبوا عن طرقكم السيئة، واحفظوا وصاياي وفرائضي على حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباءكم، والتي بلغتكم إياها على يدي عبيدي الأنبياء، فلم يسمعوا وصلبوا رقابهم مثل رقاب آبائهم الذي لم يؤمنوا بالرب إلههم، ونبذوا فرائضه وعهده الذي قطعه مع آبائهم، والشهادة التي أشهدها عليهم، وساروا وراء الباطل، وساروا باطلاً وراء الأمم التي حولهم مما أمر الرب ألاَّ يفعلوا مثلها، وتركوا جميع وصايا الرب إلههم، وصنعوا لهم عجلين (صنمين) من المسبوكات، وأقاموا وتداً مقدساً وسجدوا لجميع قوات السماء (يعني: الكواكب) وعبدوا البعل، وأمَروا بنيهم وبناتهم بالنار، وتعاطوا العرافة والفراسة (الكهانة)..، فنبذ الرب جميع ذرية إسرائيل وأذلهم وأسلمهم إلى أيدي الناهبين حتى رذلهم من وجهه''.
والبقية الباقية إنما تبقى للابتلاء والامتحان، فإن وفَّت وفَّى الله معها، وإن نقضت عاقبها الله، وليس بقاؤها لأنها طاهرة أمينة طهارة وأمانة أبديتين، بل إن هذه البقية تبقى لتكون عبرة للأمم كلها وإمهالاً منه لها لكي تتوب.
يقول سِفر حزقيال بعد أن أمره الله أن يتنبأ عليهم بدمارٍ هائلٍ وقتلٍ وتخريبٍ وتطهيرٍ للأرض من أرجاسهم: ''لكن أبقي بقية ليكون لكم مفلتون من السيف بين الأمم، إذ تُذَرُّون في البلدان فيذكرني مفلتوكم بين الأمم التي يسبون إليها، إذ أسحق قلوبهم الزانية التي حادت عني وعيونهم التي زنت في السير وراء قذارات''.
ويصرح أرمياء بأكثر من هذا، فهو بعد أن يخبر عما ينالهم من دمار وتنكيل، حتى أن جثثهم تطرح في المدن فتأكلها طيور السماء وبهائم الأرض؛ بل حتى إن عظام ملوكهم ورؤسائهم تُنبش وتُنثر وتكون زبلاً على وجه الأرض يقول: ''ويُفضَّل الموت على الحياة عند جميع البقية الباقين من هذه العشيرة الشريرة الباقين في جميع الأماكن التي طردتهم إليها''.
أما التائبون العائدون إلى الله فهم قليلٌ، وهم الذين يسلمون فيكونون البقية المقدسة التي سيأتي الحديث عنها في آخر هذا الفصل، ويكون هذا بعد أن تفقد الصهيونية القوة التي تسندها فتسقط كل عروشها وتخسر كل دعاواها.
يقول أشعياء بعد ذكر الحريق الهائل الذي يسلطه الله عليهم: ''وفي ذلك اليوم لا تعود بقية إسرائيل والناجون من بيت يعقوب يعتمدون على من ضربهم، وإنما يعتمدون على الرب قدوس إسرائيل حقاً والبقية ترجع -بقية يعقوب- إلى الله الجبار، إنه وإن كان شعبك يا إسرائيل كرمل البحر إنما ترجع بقية منه''.
وهذا يبين بلا أدنى شك أن اليهود ليسوا أبناء الله وأحباؤه؛ بل هم بشر ممن خلق!! وهو ما يُصرح به سفر عاموس: ''ألستم لي كبني الكوشيين "شعب النوبة" يا بني إسرائيل يقول الرب: ألم أُصعد إسرائيل من أرض مصر، والفلسطينيين من كفتور وآرام من قير.
ها إن عيني السيد الرب على المملكة الخاطئة سأبيدها عن وجه الأرض إلا أني لا أبيد بيت يعقوب إبادة، يقول الرب: فإني هأنذا آمر وأهز بيت إسرائيل في جميع الأمم هز الغربال فلا تسقط حصاة على الأرض، وبالسيف يموت جميع خاطئي شعبي القائلين: إن الشر لا يقترب منا ولا يدركنا'' (9: 7- 10)
وقد عرفنا أن المملكة الخاطئة هي رجسة الخراب، فسيدمرها إلا من أسلم أو هرب، أما بقية اليهود في العالم فيهزهم هزَّاً، ويغربلهم غربلة!!
الثاني: لا حق لها في وراثة إبراهيم عليه السلام:
يقول حزقيال في سفره: ''وكانت إليَّ كلمة الرب قائلاً: يا ابن الإنسان إن سكان تلك الأخربة في أرض إسرائيل يتكلمون قائلين: كان إبراهيم وحده وورث الأرض، ونحن كثيرون، فقد أعطينا الأرض ميراثاً، لذلك قل لهم: هكذا قال السيد الرب: إنكم تأكلون بدم، وترفعون عيونكم إلى قذاراتكم وتسفكون الدم أفترثون الأرض؟ إنكم اعتمدتم على سيوفكم وصنعتم القبيحة (وفي الترجمة الأخرى: وفعلتم الرجس) ونجستم كلّ رجلٍ امرأةَ قريبه أفترثون الأرض؟''.
إنه خطاب لشعب "رجسة الخراب"، وإلا فقد جاءت هذه النبوءة زمن النفي، وليس لليهود قوة ولا سلطان، ودماؤهم مسفوكة، أما الأرجاس المعاصرون فكل ما قيل هنا صادقٌ عليهم.
ولهذا يقول بعد ذلك مباشرة: ''هكذا تقول لهم: حي أنا، إن الذين في الأخربة يسقطون بالسيف، والذي على وجه الحقول أجعله مأكلاً للوحوش، والذين في الحصون والمغاور يموتون بالطاعون، وأجعل الأرض خربة ومقفرة، وأزيل كبرياء عزتها فتصير جبال إسرائيل مقفرة لا عابر فيها، فيعلمون أني أنا الرب حين أجعل الأرض خربة مقفرة بسبب جميع قبائحهم التي فعلوها).
وفي الترجمة الأخرى (على كل رجاستهم التي فعلوها''.
بل إنه ينفي نسبهم إلى إبراهيم عليه السلام، وهو عماد دعوى الميراث المزعوم، يقول: ''يا ابن الإنسان: أخبر أورشليم بقبائحها، - وفي الترجمة الأخرى: عرّف أورشليم برجاستها - وقل: هكذا قال السيد الرب لـأورشليم: أصلك ومولدك من أرض الكنعانيين وأبوك أموري وأمك حثية''.
وبعد أن يفيض في نجاستها وزناها وفجورها جداً يعود فيقول: ''إنما أنت ابنةٌ أمِّك التي عافت رَجُلَها وبنيها، وأنت أخت أخواتك اللاتي عفن رجالهن وبنيهن إن أُمّكن حثية وأبوكن أموري، فأختك الكبرى هي السامرة مع توابعها الساكنة عن يسارك، وأختك الصغرى الساكنة عن يمينك هي سدوم وتوابعها، وأنت لم تقتصري على القليل في سيرك في طريقهن وصنعت مثل قبائحهن (في الأخرى: رجاستهن)، بل زدت عليهن فساداً في كل سلوك، حي أنا، يقول السيد الرب: إن سدوم أختك لم تصنع هي وتوابعها مثلما صنعت أنت وتوابعك''.
وسواء كان هذا من قبيل "إنه ليس من أهلك"، ومن قبيل قول المسيح عليه السلام لهم: ''أنتم من أبٍ هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا''.
أو أنه حقيقة قد انقطعت صلتهم بإبراهيم عليه السلام.
والذي لا جدال فيه أن اليهود اليوم هم خليطٌ غريبٌ من حثالات شعوب كثيرة، إلا أن أغلبهم من الأصل الخزري، وربما كان في قوله (حِثِّيَّة) إشارة لهذا، فالحثيون شعب مجهول، كان يسكن في جهة الشمال بالنسبة للأرض المقدسة -في تركية اليوم-، فلا يبعد أن يكون الموطن الأصلي للخزر، أو أن المقصود الإشارة إلى تلك الجهة التي سيكون منها معظم اليهود؛ لا سيما عند قيام رجسة الخراب "دولة إسرائيل".
لقد عجزت كل الحيل الصهيونية عن إثبات النسب السامي لليهود، ولم يستطع أحدٌ ممن يوثق بعلمه من دارسي السلالات البشرية أن يشهد لهم بهذا!!
كيف وهم من الفلاشا إلى المغاربة، ومن الفرس إلى الأسبان، ومن البولنديين إلى جنوب إفريقيا؟!!
ومن هنا كان سفر هوشع يقطع كل صلة لهؤلاء بالله ورسله، حين رمز لهم بامرأة زانية تلد ولداً فيأمره الرب أن يسميه (يزراعيل)، وهو الوادي الذي ستقع فيه معركة مجدو أو هرمجدون، ثم تلد بنتاً فيأمره أن يسميها (غير مرحومة)، ثم تلد ولداً فيقول الرب: سمه (لا شعبي) أو (ليس شعبي)، وهذا الرمز الأخير هو الذي يستخدمه الكاثوليك ومن وافقهم في تسمية اليهود!!
فنسبهم باطل، وأمهم غير مرحومة، وذريتهم ليست شعب الله!!
الثالث: أن الله سيعيدها إلى الأرض المقدسة للمحاكمة والعقوبة لا للصلح والمثوبة.
يقول حزقيال: ''يقول السيد الرب: إني بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضب مصبوب أملك عليكم وأخرجكم من بين الشعوب وأجمعكم من الأراضي التي شُتِّتم فيها بيد قوية وذراعٍ مبسوطة وغضبٍ مصبوب، وآتي إلى برية الشعوب وأحاكمكم هناك وجهاً لوجه كما حاكمت آباءكم في برية مصر'' (20: 33-36).
وهذا إحالة إلى ما عاقبهم الله به من التيه أربعين سنة، وما حل بهم هناك من العقوبات المتتابعة.
ويوضحه ما في سفر صفنيا: تكدّسي تكدّسي - في الترجمة الأخرى: تجمّعي تجمّعي - أيتها الأمة التي لا حياء لها قبل أن تطردوا كالعصافة العابرة في يوم واحد، قبل أن يحل بكم اضطرام غضب الرب، قبل أن يحل بكم يوم غضب الرب!''.
ثم يتوجه بالخطاب إلى المظلومين المستضعفين في أرض فلسطين: ''التمسوا الرب يا جميع وضعاء -في الترجمة الأخرى: يا بائسي- الرب الذين نفذوا حكمه، التمسوا البر، التمسوا الضعة، فعسى أن تستتروا في يوم غضب الرب'' (2: 1-3).
وهكذا فاجتماعها إنما هو لحلول غضب الرب عليها، وحينئذٍ تطرد وتذاد عن الأرض المقدسة كما تكون العصافة في البيدر، تذهب بها الرياح كل مكان، وينجو المستضعفون المتمسكون بحبل الله وتقواه.
لكن الطرد لا يعني أنهم يستطيعون الفرار؛ بل يلوذ بعضهم به عائدين إلى مواطنهم الأولى أو غيرها، أما الأكثرون فمصيرهم كما في حزقيال: ''من حيث إنكم صرتم زغلاً؛ فلذلك هأنذا أجمعكم في وسط أورشليم جمع فضة ونحاس وحديد ورصاص وقصدير، إلى وسط كور - (كير) (في الكاثوليكية: الأتون) - لنفخ النار عليها لسبكها، كذلك أجمعكم بغضبي وسخطي وأطرحكم وأسبككم فأجمعكم فأنفخ عليكم في نار غضبي، فتسبكون في وسطها كما تسبك الفضة في وسط الكور، كذلك تسبكون في وسطها، فتعلمون أني أنا الرب سكب سخطي عليكم''.
...وهذا ما سيكون في يوم الغضب الآتي ذكره قريباً.
وهنا يأتي السؤال:
ما مصير البقية من بني إسرائيل التي تبقى في الأرض بعد يوم الغضب؟
ما مصير الشعب الصهيوني بعد يوم الغضب؟
تحدد الأسفار مصير شعب إسرائيل حين حلول يوم الغضب على النحو التالي:
أشعياء يخبر عن أنهم يفنون ويعاقبون إلا قليلاً منهم: ''ها إن الرب يخرب الأرض ويدمرها، ويقلب وجهها، ويبدد سكانها، فيكون الكاهن كالشعب والسيد كالعبد والسيدة كخادمتها... تدنست الأرض تحت سكانها؛ لأنهم تعدوا الشرائع ونقضوا الحكم، ونكثوا العهد الأبدي، فلذلك أكلت اللعنةُ الأرض، وعوقب الساكنون فيها، ولذلك احترق سكان الأرض فبقي نفرٌ قليل''.
وفي زكريا تفصيل أكثر إذ يجعلهم أثلاثاً: ''ثلثين منهما يُقطعان ويموتان، والثلث يبقى فيها، وأُدخل الثلث -الباقي- في النار وأمحّصهم كمحص الفضة وأمتحنهم امتحان الذهب''.
أما في حزقيال فهم كما قال: ''أحرق ثلثاً بالنار... وخذ ثلثاً واضرب عليهم بالسيف... وذرّ ثلثاً للريح''.
ثم يقول: ''وخذ من ذلك - (أي الثلث المشرد) - عدداً قليلاً وصرّه في ذيلك وخذ منه أيضاً وألقه في وسط النار وأحرقه بالنار، من هناك تخرج نار على كل بيت إسرائيل''.
ويقول صفنيا: وأبقي في وسطك -(يعني: إسرائيل)- شعباً وضيعاً فقيراً، فتعتصم باسم الرب بقية إسرائيل لا يرتكبون الظلم، ولا ينطقون بالكذب، ولا يوجد في أفواههم لسان مكر؛ لأنهم سيرعون ويربضون ولا أحد يفزعهم''.
هذه البقية المؤمنة يصفها أشعياء: ''تصير المدن خراباً بغير ساكن، والبيوت بغير إنسان... وإن بقي فيها العشر من بعد فإنها تعود وتصير إلى الدمار، ولكن كالبطمة والبلوطة التي بعد قطع أغصانها يبقى جذع؛ فيكون جذعها زرعاً مقدساً''.
لا خلاف بيننا وبين الأصوليين في أن سكان إسرائيل اليوم من اليهود كفار، ليس بينهم معتصم بالله ولا مقدَّس، ولكن الأصوليين يقولون: إنه وفقاً لهذه النبوءات سوف يؤمن اليهود بالمسيح عند نزوله، فتكون تلك البقية المقدسة.
أما نحن فنقول:
حين يسترد المسلمون القدس بإذن الله، ويدمرون الرجس، تتحقق هذه النبوءات، فمن اليهود من يُقتل، ومنهم من يفر ويتشتت في الأرض، ومنهم من يبقى فيدخل في عهدنا وذمتنا ويرعى ولا يفزعه أحد، ومنهم من يسلم وجهه لله ويهتدي وهو البقية المقدسة.
ومن البقية التي تفر، ومن اليهود الذين لم يأتوا إلى فلسطين أصلاً تكون البقية الأخيرة التي تتبع الدجال في آخر الزمان، وحين ينزل عيسى عليه السلام لا يكون هناك ثلاثة أثلاث، بل نصفان: نصفٌ يُقتل ضمن المقتولين من جيش الدجال، ونصفٌ يُسْلِم مع عيسى عليه السلام؛ لأنه - كما ثبت عندنا بالخبر الصادق - يضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.