ذلك أنه في ظل الحضارة الجاهلية الأخيرة (الرومانية) اعتنقت
أوروبا نصرانية بولس المنسوبة زوراً إلى المسيح عليه السلام حينما أعلن ذلك الامبراطور
قسطنطين سنة (325م)، وانتقلت عاصمة الامبراطورية من
روما إلى
بيزنطة القسطنطينية.
ويشاء الله تعالى أن يلي ذلك مرحلة مفجعة من تاريخ
أوروبا الغربية، وهي المرحلة الممتدة من سنة (410م) -أي: تاريخ سقوط
روما بأيدي البرابرة- إلى سنة (1210م) -أي: تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب
أرسطو في
أوروبا- فكانت ثمانية قرون كاملة من التيه والضلال اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها أو جزء منها "عصور الظلمات" وأفاضوا في الحديث عن الانحطاط الكامل حينئذ في الثقافة والعلم والفن؛ وكل جانب من جوانب الحياة إلا جانباً واحداً شذ عن ذلك وهو الدين، حيث توغلت
النصرانية في الممالك البربرية
الوثنية.
وكان ذلك العصر هو العصر الذهبي لانتشار
النصرانية في
أوروبا كلها، وأسست كنائس وأنظمة رهبانية جديدة
تطيرت
أوروبا بانتقال العاصمة من
روما إلى
القسطنطينية الذي أعقبه الاجتياح البربري الكبير لـ
روما والامبراطورية الغربية، وحدث هذا التناقض الحاد في انهيارٍ كاملٍ حضارياً وعلمياً وانتشارٍ هائلٍ دينياً!!
وهذا ما أدى لأن يجاهر بعض المؤرخين، (ومنهم أكبر المؤرخين لتلك الفترة قاطبة:
إدوارد جيبون) بالقول: ''إن سبب انهيار الامبراطورية الغربية هو تحولها من
الوثنية إلى
النصرانية" وبالطبع لم تقل الشعوب الأوروبية حينئذ مثل هذا، ولكن في (اللاشعور) ارتبطت
الوثنية بالحضارة والقوة، وارتبط الدين بالهزيمة والانحطاط، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة
أوروبا بالدين
أعني: دينها.