المرفقات

  1.  أصول الفرق    
يتحدث المؤلف في هذا الكتاب عن أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية، دون إطناب ولا تعقيد، تسهيلا للمبتدئ من طلاب العلم، وتوضيحا لغير المتخصص. 
وقد تناول فيه أصول الفرق مع بيان أسباب الافتراق وأهم الأصول التي وقع فيها الافتراق، مبينا صفات الفرقة الناجية ومميزاتها، ثم استعرض تلك الفرق وأهم آرائها، ومبينا منهج أهل السنة والجماعة في التعامل معها.
ثم استقرأ المؤلف تاريخ الأديان السماوية )اليهودية والنصرانية( وما وقع فيها من تحريفات وتحولات، وصولا إلى الأديان الوضعية وأهم عقائدها وتطور مراحلها، وانتهاء بالمذاهب الفكرية المعاصرة مستعرضا تاريخها ونشأتها وخطرها على الأمة الإسلامية.
كما احتوى الكتاب على أسئلة تطبيقية بعد كل موضوع، مما جعله مناسبا ليكون منهجا دراسيا. 
  1. حال المسلمين قبل ظهور الفرق وأصول الفرق الإسلامية

    بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم والناس في ضلالة عمياء، وجاهلية جهلاء، يعبدون الأحجار والأشجار، والجن والملائكة، والكواكب والكهان، والملوك والشياطين، والأحبار والرهبان، وقد كان فيهم الحكماء والشعراء، والفلاسفة والعباد والخطباء، فما أغنوا عنهم شيئاً، ولا أخرجوهم من الظلمات إلى النور.
    فلما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بالنور من عند الله، أشرقت شمس الهدى والحق على العالمين، واستضاءت الدنيا كلها، مسلمها وكافرها، فما بقي ممن بلغهم هذا الدين صاحب عقل راجح، وفطرة سليمة، إلا آمن به وأيقن أنه الحق.
    وقد أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بالحق الكامل، والهدى الكامل، وقد بلَّغ النبي صلى الله عليه وسلم ما أوحي إليه من ربه كاملاً غير منقوص، لم يكتم منه حرفاً واحداً، وتلقاه منه أصحابه رضوان الله عليهم وهم أعظم الناس حرصاً على الحق، واتباعاً للهدى، هذا مع ما فضلهم الله به في قرة الفهم وصفاء الذهن.
    ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمانة، وأدى الرسالة، وأكمل الله دينه، توفاه الله إليه، وظل أصحابه من بعده على المحجة البيضاء، والصراط المستقيم، لم يختلفوا أبداً في أصل من أصول الدين، ولم يكن فيهم مبتدع في الدين، لا قدري، ولا خارجي، ولا مؤول، ولا معطل .. ولا غير ذلك، هذا مع أنه وقع بينهم بعض الاختلاف في الفروع والأحكام.
    وهكذا كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن معهم، جماعة واحدة، مجتمعة على الكتاب والسنة، ولهذا سموا (الجماعة).
    وظلت الأمة على هذه الحال حتى حدثت الفتنة في عهد عثمان رضي الله عنه وما بعده، ووقع القتال بين المسلمين، وكان الذين أحدثوا الفتنة وأوجدوا الفرقة صنفين:
    الصنف الأول: حاقد هدّام، يبطن الكفر، ويظهر الإسلام.
    الصنف الثاني: صاحب هوى، اتبع هواه، وخالف ما عليه الجماعة.
    وتبع هذين الصنفين بعض الجهال، وحديثو العهد بالدين، والمخدوعون من العامة، ومن ذلك الحين ظهرت الفرق على اختلاف أنواعها.
    1. أصول الفرق ومنهج أهل السنة والجماعة في معاملتهم

      1- الخوارج هم أول الفرق خروجاً عن السنة والجماعة، وقد ناظرهم الصحابة رضي الله عنهم وأقاموا عليهم الحجة، فتاب بعضهم، ومن لم يتب قاتلوه، وقتلوا منهم الآلاف.
      2- لم تكد تخرج الخوارج حتى ظهرت الشيعة، مع أن مؤسس التشيع الغالي عبد الله بن سبأ اليهودي هو رأس الفتنة، وزعيم الحاقدين الهدامين من قبل.
      وقد حكم عليهم الصحابة -رضوان الله عليهم- بحسب درجاتهم من الغلو، ومنهم من حكموا عليه بالحرق والنفي. .
      3- في أواخر عصر الصحابة -رضي الله عنهم- ظهرت القدرية (المنكرون للقدر).
      وقد أنكر عليهم الصحابة إنكاراً شديداً، وأعلنوا براءتهم منهم، وأمروا الأمة بالبراءة منهم، وعدم السلام عليهم، أو الصلاة على جنائزهم، أو عيادة مرضاهم.
      وقد لقي غيلان الدمشقي -أحد مؤسسي بدعتهم- مصرعه، على يد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، بناءً على فتوى بعض التابعين.
      4- وبعد انقراض عصر الصحابة رضي الله عنهم، ظهرت بدعة إنكار الصفات، على يدي الجعد بن درهم، وتلميذه الجهم بن صفوان الذين ينسبون إليه يقال لهم: الجهمية.
      وهذه البدعة قاومتها الأمة أشد المقاومة، ولقي الجعد والجهم مصرعهما، جزاءً لإلحادهما.
      5- في الوقت نفسه ظهرت المعتزلة على يد واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، اللذين كانا تلميذين في حلقة الحسن البصري، وكانت بدعتهم أول الأمر في الإيمان، ثم زادوا عليها إنكار القدر والصفات. .
      وقد طرد الحسن البصري واصلاً وعمراً من حلقته، واتفق علماء الأمة على نبذ المعتزلة وهجرهم، اتباعاً لما فعله الصحابة -رضوان الله عليهم- بأسلافهم القدرية.
      6- في مقابل الخوارج والمعتزلة، ظهرت المرجئة، وكان منهم الغلاة وهم الجهمية، وقد حكم عليهم أهل السنة والجماعة بالكفر والخروج من الملة.

    2. نتيجة الفُرقة

      أ- وهكذا ظهرت أصول الفرق، وهي: ( الخوارج، الشيعة، المرجئة، القدرية، الجهمية ).
      ولم نذكر المعتزلة؛ لأن مذهبهم مركب من هذه الأصول، ولأن اسم القدرية يطلق -أخص ما يطلق- عليهم.
      وقد تفرع عن هذه الأصول فرق كثيرة، وسوف ندرس أهم هذه الفرق، وبعض ما تفرع عنها بإذن الله.
      ب- تبين لنا أن لـأهل السنة والجماعة موقفاً واضحاً في معاملة أهل البدع، وهذا الموقف هو أصول منهج أهل السنة والجماعة .
      وقد ظلت الأمة ملتزمة بهذا الموقف، وظل أهل البدع بين مقتول ومرذول، إلى زمان المأمون بن هارون الرشيد، الذي تولى الخلافة بين سنتي (198-218)هـ.
      ففي عهده ارتفع شأن البدعة وأهلها، وفتح الباب على مصراعيه للفلسفة وعلم الكلام على النحو الآتي بيانه عند الحديث عن علم الكلام.
    3. حديث الافتراق

      هذا الافتراق في الدين أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وبين لنا -وهو الناصح الأمين- كيف ننجو منه، ومن وعيد أهله.
      فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة. وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: يا رسول الله! من تلك الفرقة الناجية؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي}.
      وفي رواية قال: {هي الجماعة}. .
      ومن هنا كان لزاماً علينا معرفة أسباب الافتراق ومظاهره من جهة، ومعرفة صفات الفرقة الناجية ومميزاتها من جهة أخرى.
  2. أسباب الافتراق ومظاهره

    1. أولاً: الرجوع إلى غير الكتاب والسنة، والتلقي من سواهما

      مصدر الحق الوحيد فيما يتعلق بالعقيدة والدين هو الكتاب والسنة، كما فهمها الصحابة والسلف الصالح، ولهذا كان الرجوع إليهما والفهم الصحيح لهما هو سبيل الحق وطريق النجاة.
      يقول تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))[الأنعام:153].
      ويقول: ((وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ))[النحل:64].
      فالوحي -كتاباً وسنة- هو المصدر المحفوظ المعصوم، الذي لا يضل من تمسك به، ولا يشقى في الدنيا والآخرة.
      وقد ضلت الفرق وتفرقت الأمة عندما اتخذت مصدراً سواه، وتوهمت فيه العصمة والحق:
      أ- فالمتكلمون -كـالمعتزلة والأشعرية- رجعوا إلى الفلسفة، وحكَّموا العقل -بزعمهم- وقالوا: نعرض نصوص الكتاب والسنة المتواترة على البراهين العقلية، فإن وافقتها وإلا وجب تأويل النصوص، وصرف معانيها إلى معانٍ أخرى، وإن كانت هذه المعاني التي صرفوا إليها بعيدة متكلفة لم يُردها الله ورسوله.
      والسنة غير المتواترة لا يحتجون بها في العقيدة أصلاً، مهما كانت صحتها:
      ولهذا انصرف همهم إلى ترجمة كتب الفلسفة والمنطق، ومطالعتها، والاشتغال بها متابعة أو معارضة.
      ب- والصوفية حكَّموا ما يسمونه الكشف، أو الوجد، أو الذوق، وقسموا الدين إلى حقيقة وشريعة، فالشريعة هي ما جاء في الكتاب والسنة، وكلام السلف والفقهاء، ويسمونها: (علم الظاهر)! والحقيقة هي ما يأتي من طريق الإلهامات والرياضات الروحية والمنامات، ويسمون ذلك (العلم الباطن) أو (العلم اللَّدُنِّي).
      ويرمزون للعلم الظاهر بعلم الوَرَق، والعلم الباطن بعلم الخِرَق! ولهذا ورد عن بعض أئمتهم قوله: (تأخذون -يعني: علماء السنة- علمكم ميتاً من ميت، فتقولون: حدثنا فلان عن فلان.. ونحن نأخذ علمنا عن الحي الذي لا يموت، فنقول: (حدثني قلبي عن ربي) !!
      وإيماناً بهذا المصدر، لم يكن الصوفية يرحلون في طلب العلم، أو يهتمون بكتب السنة والفقه، وإنما كانوا يرحلون إلى الخلوات والأديرة، ويقابلون الرهبان من النصارى والبوذيين وغيرهم، فيسألونهم عن دقائق المعرفة والأحوال. كما أنهم اشتغلوا بالأشعار وسماع الأغاني؛ لإثارة الوجدان وتحريك القلب، وأعرضوا عن سماع القرآن وتلاوته.
      ج- والشيعة الباطنية جعلوا المصدر المعصوم هو كلام أئمتهم، ولذلك كان من أصول دينهم: أن الأئمة معصومون عن الخطأ في الفروع والأصول، وليس علماؤهم ومجتهدوهم إلا نواباً عن الإمام، وحجاباً له.
      فأعرضوا عن المصدر الثابت المعلوم -الكتاب والسنة- وتمسكوا بالمصدر الموهوم، بل المعدوم، وهو الإمام الغائب في السرداب، وما أشبهه.
    2. ثانياً: الأخذ ببعض الدين وترك البعض الآخر

      يقول الله تعالى: ((وَمِنْ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))[المائدة:14].
      فالدين شامل كامل، فيه الوعد والوعيد، وفيه الأحكام والآداب، وفيه تحريك العقل والوجدان، وفيه القوة والرحمة.
      فإذا أخذت طائفة بالوعد وتركت الوعيد، وعكست الأخرى فأخذت بالوعيد ونسيت الوعد، فلا بد أن تقع العداوة والبغضاء والفرقة.
      وكذلك: إذا أخذت طائفة بالآداب دون الأحكام، أو بالزهد دون العمل والجهاد. وواقع الفرق يشهد لهذا بوضوح:
      1- فـالخوارج تمسكوا بنصوص الوعيد فقط، حتى نفوا الإيمان عن مرتكب الكبيرة، وأنكروا الشفاعة، وضيقوا رحمة الله الواسعة.
      والمرجئة تمسكوا بنصوص الوعد فقط، فقالوا: إن الإنسان مهما ارتكب من الكبائر دون الشرك فإن إيمانه كامل.
      2- والشيعة أخذوا بفضائل علي رضي الله عنه، وجحدوا فضائل أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم؛ حتى وصل الأمر ببعضهم إلى تأليه علي وتكفير الثلاثة، والخوارج قالوا: إن علياً كافر.
      3- والمتكلمون يقولون: إن الإسلام دين العقل والفهم، وهذا حق، ولكنهم غلوا في تقدير قيمة العقل حتى حكموه في نصوص الوحي، وأنكروا الكرامات، والسحر، وعذاب القبر، والميزان والصراط، وما أشبهها من الغيبيات؛ لأنها تخالف العقل -بزعمهم- على خلاف بينهم في بعض ذلك.
      والصوفية قابلوا المتكلمين بالعكس، فأنكروا قيمة العقل والفكر، وآمنوا بالخيالات والخرافات والأحلام، وسموها مكاشفات وكرامات وحقائق.
      4- والقدرية أخذوا بالنصوص التي تثبت مشيئة العبد وإرادته ومسئوليته عما يفعل -وهذا حق- ولكنهم أنكروا القدر، وما دل عليه من النصوص.
      وقابلتهم الجبرية بالعكس، فأثبتوا القدر، وغلوا في ذلك، حتى جعلوا الإنسان مجبوراً على كل ما يفعل، وأنكروا النصوص التي أخذ بها القدرية .
      5- والممثلة والمشبهة أخذوا من النصوص ما يدل على إثبات الصفات فقط، وتركوا ما يدل على أنها ليست كصفات المخلوقين.
      والمعطلة -نفاة الصفات- قبلوا النصوص الدالة على أن الله لا يماثله شيء من خلقه، وتركوا النصوص الدالة على إثبات الصفات، فأنكروا صفات الله تعالى بحجة التنزيه.
      6- ومثل ذلك من واقع الحياة الإسلامية:
      أن طائفة من العلماء والقضاة توسعوا في متاع الحياة الدنيا، فقابلتهم طائفة من الزهاد والعباد حاربوا الحلال والطيبات.
      وفي مجال العلم اتجهت طائفة إلى النقل وحده، واشتغلوا بجمع المأثور، حتى جمعوا الضعاف والموضوعات والحكايات الباطلة.
      وقابلتهم طائفة فاتجهت إلى الفهم والاستنباط وحده، فجهلوا كثيراً من الصحاح، أو ردُّوها.
      وفي مجال الدعوة؛ قامت طائفة تدعو إلى الجهاد والقوة، وأخرى تدعو إلى الأخلاق والآداب، وثالثة إلى العلم والبحث مع إهمال بقية الجوانب، فوقع التنازع والخلاف.
      هذا، ولو أن المسلمين تمسكوا بالكتاب كله، واقتدوا بما كان عليه الجيل الأول؛ من فهم كامل وتوازن شامل لما وقع هذا الخلاف أو كثير منه، وهذا ما تدعو إليه الطائفة المنصورة الناجية أهل السنة والجماعة.
    3. ثالثاً: كيد أعداء الإسلام

      يقول الله تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ))[البقرة:120].
      ويقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ))[آل عمران:149].
      فأعداء الإسلام يعملون ليلاً ونهاراً من أجل إطفاء نور الله، وتدمير الأمة المصطفاة، كلهم متفقون على ذلك وإن اختلفت أديانهم وآراؤهم.
      وهذا ابتلاء من الله لهذه الأمة من جهة، كما أنه عقوبة وتأديب لها من جهة أخرى.
      والإسلام قد قضى على الأديان الباطلة، وهدم الأنظمة الفاسدة، والحكومات الظالمة، وحارب الشهوات والرغبات الدنيئة، فلا غرابة أن يحقد عليه أصحابها، ويتآمروا على هدمه، ويدسوا فيه العقائد الباطلة، ومن ذلك إيجاد الفرقة بين أهله، وبذر البدع والضلالات فيهم.
      وهكذا نجد شياطين المكر من هؤلاء الحاقدين يؤسسون فرقاً ضالة، أو يدخلون في فرق قائمة، فيزيدونها ضلالاً وغلواً، أو يلقون شبهة وضلالة إلى ضعاف العقول، فتكون أساساً لفرقة:
      1- التشيع الغالي أسسه عبد الله بن سبأ اليهودي.
      2- والاعتزال الغالي أسسه إبراهيم النظام وأبو الهذيل العلاف، وكلاهما في الأصل من المجوس الزنادقة.
      3- والباطنية أسسها عبد الله بن ميمون القداح، وهو يهودي فارسي.
      4- وإنكار الصفات أخذه الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان عن فلاسفة اليهود والصابئة.
      5- وإنكار القدر أخذه معبد الجهني، وغيلان الدمشقي عن بعض فلاسفة النصارى.
      6- والتصوف أول من أسسه وسمى به في الإسلام زنادقة من الهندوس والمجوس، أمثال: عبدك وكليب، ثم انتشر ودخله الغالي والمتوسط.
  3. أهم الأصول التي وقع فيها الافتراق

    1. أولاً: الإيمان

      دلت النصوص من الكتاب والسنة على أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وعلى ذلك أجمع الصحابة والسلف الصالحون أجمعون، وهو مذهب أهل السنة والجماعة .
      وفارق الجماعة فيه طائفتان:
      أ- الخوارج والمعتزلة :
      مذهبهم أن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، وهو فعل جميع الطاعات وترك جميع المحرمات، ومن ترك واجباً أو فعل محرماً، فهو كافر عند الخوارج، وفي منزلة بين الإيمان والكفر عند المعتزلة، وهو مخلد أبداً في النار عند الطرفين.
      ب- المرجئة:
      مذهبهم أن الإيمان شيء واحد، لا يزيد ولا ينقص، وهو التصديق أو المعرفة بالقلب وحده، دون إقرار اللسان وعمل الجوارح، كما يقول الغلاة منهم، أو التصديق بالقلب والإقرار باللسان دون عمل الجوارح، كما يقول بقيتهم.
      وعندهم أن من ترك واجباً أو فعل محرماً، فهو كامل الإيمان ما دام عنده تصديق أو تصديق وإقرار.
      هذا وأهل السنة والجماعة عقيدتهم: أن من ترك واجباً أو فعل محرماً من غير جحود للواجب أو استحلال للمحرم، فإنه ناقص الإيمان، وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
    2. ثانياً: القدر

      دلت النصوص من الكتاب والسنة، على أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وأصل من أصول الدين، وعلى ذلك مذهب أهل السنة والجماعة.
      وفارق الجماعة فيه فرقتان:
      أ‌-            القدرية: نفاة القدر، وعلى ذلك المعتزلة وعامة الشيعة.
      ب- الجبرية: الذين نفوا مشيئة العبد وإرادته -كما سبق- وهم الجهمية، وقريب منهم في ذلك الأشعرية.
    3. ثالثاً: الأسماء والصفات

      معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته هي أشرف أنواع العلوم والمعارف، ولا تطمئن القلوب وتأنس إلا بمعرفة معبودها سبحانه، وكذلك لا تصلح ولا تستقيم على الحق إلا إذا آمنت بأسمائه وصفاته، وحققت ما يقتضيه ذلك الإيمان من يقين وإخلاص، وخوف ورجاء منه وحده سبحانه.
      والسلف الصالح عليهم رضوان الله تعالى آمنوا بكل ما ورد في الكتاب والسنة من أسماء الله وصفاته، وحققوا مقتضياتها، ولوازم الإيمان بها، فكانوا أكثر الناس علماً بالله ومعرفة، كما كانوا أكثر الناس خشية له، وانقياداً لأمره، واتباعاً لشرعه.
      وهم مع إثباتهم لكل أسمائه تعالى وصفاته، يؤمنون إيماناً جازماً بأنه تعالى لا مثل له ولا شبيه، ولا ند ولا شريك: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))[الشورى:11].
      فهم يثبتون الصفات، وينفون التشبيه، ويعتقدون أنه -كما أنه تعالى- لا يماثله شيء من خلقه في ذاته، ولا يماثله شيء في صفاته.
      وكما أن وجوده تعالى لا يشبه وجود المخلوقات، فكذلك سائر الصفات.
      وفارق الجماعة في ذلك فريقان:
      أ- فريق يثبت لله تعالى صفات كصفات المخلوقين، فيقولون: علمه كعلمنا، ويده كيدنا، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وهم يسمون المشبهة وعلى هذا المذهب قدماء الشيعة والروافض.
      ب- فريق ينفي صفات الله تعالى، زاعماً أن إثباتها يلزم منه التشبيه، فيقولون: ليس له وجه ولا يد. ولا قدرة ولا علم، وهؤلاء يسمون (أصحاب التعطيل) أو ( المعطلة ) وهم درجات:
      1- من ينكر الأسماء والصفات جميعاً وهم الجهمية.
      2- من ينكر الصفات ويثبت الأسماء، فيقولون مثلاً: عليم بلا علم، وقدير بلا قدرة، وهم المعتزلة.
      3- من ينكر بعض الصفات ويثبت بعضها، ويثبت الأسماء، وهم الأشعرية، وهم ينكرون العلو والاستواء واليد والغضب والرضا ونحوها.
    4. رابعاً: الإمامة

      من عقيدة السلف الصالح: أن أولى الناس بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم، وأن الأئمة من قريش، لا تخرج الإمامة عنهم كما صحت بذلك السنة، وأن الإمامة منصب شرعي، غرضه إقامة الدين، وسياسة الدنيا به، وطريقتها الشورى واختيار أهل الحل والعقد من العلماء وذوي الشأن.
      وفارق الجماعة في ذلك فرقتان:
      1- الشيعة: ومذهبهم أن أولى الناس بالخلافة هو علي، واختلفوا في خلافة الثلاثة، فقالت الزيدية : هي صحيحة، ولكن علياً أولى منهم.
      وقال بقية الشيعة: خلافتهم باطلة، ويسبونهم ويلعنوهم، والإمامة عند الشيعة، ليست مجرد منصب شرعي، بل هي ركن من أركان الدين، وأصل من أصوله.
      وطريقتها الوراثة والتعيين في ذرية الحسين فقط، لا تخرج عنهم.
      2- الخوارج : وهم يقرون بخلافة الشيخين: -أبي بكر وعمر - ويطعنون في عثمان وعلي، وقد يكفرونهما، ويقولون: الإمامة جائزة في كل الناس قريش وغيرها.
  4. صفات الفرقة الناجية ومميزاتها

    للفرقة الناجية صفات، ترجع جميعاً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: {من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي} . ونتيجة لذلك امتازت عن غيرها من الفرق في جميع العصور بمميزات كثيرة.
    1. أولاً: صفات الفرقة الناجية

      1- اتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يقدمون عليهما شيئاً، لا العقل ولا الرأي، ولا الكشف ولا المذهب، ولا الطريقة ولا قول أحد من البشر، أو حكمه وشرعه، ولهذا يهتمون بكتاب الله حفظاً وتلاوةً وتفسيراً، كما يهتمون بمعرفة الحديث الصحيح، وتمييزه عن الضعيف والموضوع، ويبذلون في ذلك جهوداً عظيمة.
      2- ترك الابتداع في الدين، ومحاربة البدع، واتباع منهج الكتاب والسنة في الرد على الشبهات والضلالات، فلا يردون بدعة ببدعة، ولا يردون بعض الدين من أجل إثبات البعض الآخر.
      3- الدخول في الدين كله، والإيمان بالكتاب كله: فيؤمنون بنصوص الوعد ونصوص الوعيد، كما يؤمنون بنصوص الإثبات ونصوص التنزيه، ويجمعون بين الإيمان بالقدر، وبين إثبات إرادة العبد ومشيئته، كما دلت على ذلك النصوص... وهكذا.
      كما يجمعون بين العلم والعبادة، وبين القوة والرحمة، وبين العمل والزهد، فمنهجهم هو المنهج الوحيد، الذي يتحقق فيه تكامل الإسلام، وشموله وتوازنه.
      4- الحرص على جمع كلمة المسلمين على الحق، وتوحيد صفوفهم على التوحيد والاتباع.
      ولهذا، لم يتميزوا عن الأمة باسم سوى السنة والجماعة، ولا يوالون ولا يعادون على رابطة سوى السنة والجماعة.
      5- إحياء السنة والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، والعمل لإقامة شرعه وحكمه في كل صغيرة وكبيرة، لا تأخذهم في الله لومة لائم.
    2. ثانياً: مميزات الفرقة الناجية

      إن المتتبع لتاريخ الفرق وأحوالها يجد أن الفرقة الناجية تتميز عن غيرها بمميزات واضحة، منها:
      1- الاتفاق وعدم الافتراق: فهم متفقون في أصول العقيدة على الرغم من تباعد الأقطار، واختلاف الأعصار، وما ذلك إلا لأن مصدرهم الذي يتلقون عنه واحد، ومنهجهم في تلقيه واحد. أما غيرهم من الفرق، فإنه لا تكاد تخرج الفرقة حتى تنشق منها فرق مختلفة، يكفر بعضها بعضاً، ولا تزال تنشق باستمرار.
      2- التوسط وعدم الغلو أو التفريط: فهم وسط في (الإيمان) بين الخوارج والمرجئة، ووسط في (الصفات) بين المشبهة والمعطلة، ووسط في (القدر) بين القدرية والجبرية، ووسط في (الصحابة) بين الشيعة والخوارج .
      3- مراعاة حق الله تعالى في الأحكام: فلا ينظرون إلى حق النفس أو الفرقة، ويحكمون من خلاله، بل هم ملتزمون بالإنصاف والقسط للموالين والمعادين سواء، فلا يكفرون إلا من كفره الله ورسوله، ولا يخطئون إلا من خطأه الله ورسوله، ولا يغمطون أحداً حقاً أو فضلاً. وهذا بخلاف غيرهم من الفرق، فهي تطلب حظ النفس، وتحكم بالهوى، وتتعصب للطائفة.
      4- الربانية في الانتماء والانتساب: كما أنها فرقة ربانية في مصدرها ومنهجها، هي كذلك ربانية في انتمائها وانتسابها، فهي لا تنتسب إلى رجل ولا طريقة ولا مذهب (اعتقادي)، وإنما ينتسب أصحابها إلى الإسلام والسنة، فيقال لهم: ( أهل السنة ) و( أهل الحديث أو أهل الأثر ) أو أتباع السلف، ونحو ذلك.
      وهذا بخلاف غيرها من الفرق التي تنتسب إما إلى رجل، وإما إلى رأي محدث، أو طريقة مبتدعة.
  5. رابعاً: الفرق وأهم آرائها

  6. الخوارج

    الخوارج عَلم الفرقة التي تكفر المسلمين، وتستحل دماءهم بمجرد المعاصي، وهي فرق منها الغالي وغيره.
    وكان يطلق عليهم قبل خروجهم عن الجماعة (القُرَّاء) لكثرة تلاوتهم وتعبدهم، ثم سموا خوارج وحرورية -نسبة إلى بلدة بـالعراق، يقال لها حروراء - وهم يسمون أنفسهم الشُراة، أي الذين شروا أنفسهم لله بزعمهم.
    ويتميز الخوارج عن سائر الفرق المخالفة للجماعة بالثورة والاندفاع والتهور، كما يتميزون بالشجاعة والصدق والتعبد، ولكن على ضلالة وجهل.
    وقد ثبت خبرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه بعض صفاتهم، والترغيب البالغ في قتالهم، والتحذير الشديد من بدعتهم.
    1. أهم فرق الخوارج

      الخوارج فرق كثيرة، ولكننا نذكر أهمها بحسب ترتيبهم في الغلو، فأشدها غلواً الأزارقة، ثم النجدات، وأخفها الأباضية.
      1- الأزارقة :
      وهم أتباع نافع بن الأزرق، الذي ظهر أمره في خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنه.
      -وأهم عقائدهم:
      1- تكفير عثمان وعلي رضي الله عنهما.
      2- تكفير مرتكب الكبيرة، وتخليده في النار.
      3- تكفير من خالفهم من المسلمين، بل من لم يهاجر إليهم ولو كان على مذهبهم.
      4- الحكم بأن دار مخالفيهم من المسلمين دار كفر.
      5- إسقاط حد الرجم والقذف.
      2- النجدات:
      وهم أتباع نجدة بن عامر الحنفي، الذي انشق عن نافع، وخفف بعض غلوه.
      -وأهم عقائدهم:
      1- تكفير من خالفهم من المسلمين -ومن ذلك الأزارقة - إلا الجاهل، فإنه معذور عندهم حتى تقام عليه الحجة.
      2- الحكم على دار مخالفيهم بأنها دار نفاق لا دار كفر.
      3- موالاة أصحاب الحدود والجنايات، إذا كانوا على مذهبهم، مع الحكم بتخليدهم في النار.
      4- أن المؤمن -وهو من كان على مذهبهم- لا يكفر بمجرد فعل الكبيرة، كما تقول الأزارقة بل بالإصرار على المعصية كبيرة كانت أم صغيرة.
      3- الأباضية :
      وهم أتباع عبد الله بن أباض التميمي، الذي انشق عن نافع أيضاً، وهم يعظمون أبا الشعثاء جابر بن زيد أحد التابعين، وينسبون مذهبهم إليه.
      والأباضية هي الفرقة الوحيدة من الخوارج، التي استمرت إلى عصرنا الحاضر، ولهذا تأثرت بما حدث من فرق وبدع بعد القرن الأول، وخاصة بـالمعتزلة.
      -وأهم عقائدهم:
      1- إنكار صفات الله تعالى، موافقة لمذهب المعتزلة .
      2- أن القرآن مخلوق.
      3- أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، لا يخرج منها أبداً، هذا مع عدم حكمهم بتكفيره كفراً أكبر.
      4- أن من يثبت رؤية الله تعالى في الآخرة كافر.
      5- التأويل، فهم يؤولون في الصفات، كما يؤولون الصراط والميزان.
  7. ثانياً: الشيعة

    1. ظهور الشيعة

      لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم بايع الصحابة أبا بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة إجماعاً، لم يخالف فيه علي رضي الله عنه ولا غيره. وانعقد مثل ذلك الإجماع على خلافة عمر، ثم عثمان رضي الله عنهما.
      فلما وقعت الفتنة، وقتل عثمان رضي الله عنه، أطلق على من كان يؤيد علياً رضي الله عنه ويقاتل معه اسم الشيعة، ثم تحولت إلى فرقة لها عقائد خاصة.
      ولما خرج زيد بن علي بن الحسين على الخلافة الأموية، وطلب منهم الخروج معه، طلبوا منه البراءة من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: [[كيف أتبرأ منهما وهما وزيرا جدي -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فتركوه، فقال: رفضتموني]] فسموا ( الرافضة ) منذ ذلك الحين، تمييزاً عن الزيدية .
      وقد ظهرت تحت ستار التشيع فرق كثيرة، خرج بعضها عن الإسلام بالكلية.
      - الشيعة في عهد أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
      كانت الشيعة أول ظهورها في عهد علي رضي الله عنه على ثلاثة أصناف:
      1- المفضِّلة : أي الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
      2- السبَّابة : وهم الذين يبالغون في ذلك حتى أنهم يسبون أبا بكر وعمر .
      3- الغلاة : وهم الذين يؤلهونه، أي: يعتقدون أنه إله، أو حل فيه جزء من الإله، كما يعتقد النصارى في عيسى، وهم زنادقة.
      وسموا بذلك؛ لأنهم يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر.
    2. حكم أمير المؤمنين علي في الشيعة

      1- المفضِّلة : كان علي رضي الله عنه ينكر عليهم ويعلن أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر، كما ثبت ذلك عنه في صحيح البخاري .
      وصح عنه أنه قال: [[لا أوتى برجل فضلني على أبي بكر وعمر، إلا جلدته حد المفتري، ثمانين جلدة]].
      2- السبَّابة : كان حكمه فيهم القتل، فقد بلغه ذلك عن بعض شيعته، فطلبهم ليقتلهم، ولكنهم هربوا.
      3- الغلاة الزنادقة : كان حكمه فيهم الحرق بالنار، وقد فعل ذلك كما ثبت في صحيح البخاري .
      ولهذا اعترض ابن عباس على حرقهم، بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التعذيب بالنار، وبيَّن أنهم يقتلون بالسيف.
    3. عبد الله بن سبأ .. وتأسيس التشيع الغالي

      عبد الله بن سبأ رجل يهودي ماكر، أظهر الإسلام ليفسده ويهدمه، وكان هو رأس الفتنة التي ثارت على عثمان رضي الله عنه وأودت بحياته، كما كان هو وأتباعه مثيري الحرب يوم الجمل، بعد الاتفاق على الصلح.
      أظهر عبد الله بن سبأ الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلما أعلن بولس اليهودي الغلو في عيسى عليه السلام ومن ذلك:
      1- ادعى ابن سبأ أن القرآن جزء من تسعة أجزاء، وأنه لم يجمعه كله إلا علي، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اختص علياً وآل بيته بالعلم الباطن.
      وقد نفى علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خصه بشيء من العلم، وأعلن ذلك على المنبر، كما رواه الإمام أحمد، والبخاري في صحيحه .
      واستدعى عبد الله بن سبأ، وقال له: (والله ما أفضى -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- إليَّ بشيء كتمه أحد من الناس، ولقد سمعته يقول: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذاباً، وإنك لأحدهم).
      2- أظهر القول بألوهية علي رضي الله عنه:
      افترى ابن سبأ هذا الكفر، ونشره في أتباعه، فجاءت طائفة منهم إلى باب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقالوا له:
      أنت هو؟ قال: من هو؟ قالوا: أنت الله. فأمهلهم ثلاثة أيام، ثم حرقهم بالنار.
      3- أظهر ابن سبأ سب الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وزعم أن علياً يضمر لهما العداوة، فلما بلغ ذلك علياً، قال: [[ما لي ولهذا الخبيث الأسود؟ معاذ الله أن أضمر لهما إلا الحسن الجميل]] ثم أرسل إلى عبد الله بن سبأ، فأمر بنفيه إلى المدائن، وقال: [[لا يساكنني في بلدة أبداً]] ثم نهض إلى المنبر حتى اجتمع الناس، فأثنى على الشيخين ثناءً عظيماً، وختم خطبته بتهديد الرعية، قائلاً: [[ألا ولا يبلغني عن أحد يفضلني عليهما إلا جلدته حد المفتري]].
      هذا وقد كان علي رضي الله عنه يريد قتل ابن سبأ، ولكنه خشي الفتنة في جيشه؛ لأن أتباع ابن سبأ مندسون في صفوفه، فاكتفى بنفيه وإبعاده إلى المدائن.
    4. انتشار التشيع في بلاد فارس

      الفرس أمة عظيمة، فتح المسلمون بلادهم في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخل طوائف منهم في دين الله أفواجاً، ونبغ منهم قادة وعلماء، كان لهم في الجهاد والعلم قدم راسخ وفضل عظيم، ولكنها مع ذلك كانت بيئة ومنطلقاً لكثير من الفرق الضالة، يهمنا منها الآن ما يتعلق بالتشيع الغالي.
      وهو أنه لما نفى أمير المؤمنين عبد الله بن سبأ إلى المدائن، لم تؤثر هذه العقوبة في إزالة الخبث اليهودي من نفسه، بل وجدها فرصة عظمى لنشر ضلالاته وسمومه في تلك النواحي، ووجد فيها تقبلاً وبيئة خصبة، للأسباب الآتية:
      1- أنها بلاد أعجمية حديثة العهد بالإسلام، لم تتخلص نفوس عامتها من رواسب العقائد السابقة، فهم قابلون لتلقف أية دعوة، والتجسس لها.
      2- أن بعض أبناء الفرس -وخاصة أصحاب المناصب والمال قبل الإسلام- يحملون حقداً شديداً على الإسلام وأهله؛ لأن الإسلام أسقط دولتهم، وهدم حضارتهم، وطمس ديانتهم المجوسية.
      ولما كان مستحيلاً مواجهته بالقوة، لجئوا إلى التآمر والتخطيط السري لهدمه من الداخل.
      ولا ننسى هنا أن نذكر أن اليهود هم طائفة مهمة من الشعوب الفارسية.
      3- أن طبيعة أهلها تقديس الأسر الحاكمة، والغلو في الخضوع لها إلى حد تأليهها، وهي أسر تتوارث الملك، حتى أنه إذا لم يوجد في الأسرة إلا امرأة اختاروها للملك، ولم يختاروا أحداً خارج الأسرة مهما كانت منزلته في الدولة، ومهارته في السياسة والقيادة، كما فعلوا حين ولوا ابنة كسرى مع وجود رستم وأمثاله.
      واعتماداً على هذه الأركان الثلاثة: الجهل والحقد والغلو في التعظيم والتقديس، أسس عبد الله بن سبأ معظم عقائد هذه الفرقة، وإليك البيان:
    5. عبد الله بن سبأ وما أدخله في عقائد الشيعة

      وهذا أثر الأسباب السابقة الذكر في عقيدة التشيع:
      1- نتيجة الجهل بالإسلام مع بقاء الرواسب المجوسية، وجد في عقيدة الشيعة: (الحلول) وهو أن الله يحل في أحدٍ من خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
      وقد افتري ذلك في حق علي وروجه عبد الله بن سبأ، حتى أنه لما بلغه قتل علي، قال: (لو جئتمونا بدماغه في صرة ما صدقنا بموته). وقال: (إن المقتول ليس علياً بل شيطان تصور بصورته، أما علي فإنه صعد إلى السماء، وهو يمشي في السحاب، وأن البرق سوطه والرعد صوته، وسوف يرجع إلى الأرض فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً). كما وجدت شعائر مجوسية، مثل الاحتفال بالنيروز.
      2- نتيجة الحقد المجوسي استطاع ابن سبأ أن يبذر فيمن استجاب له من الفرس، عداوة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم والطعن فيهم، ولا سيما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، الذي فتحت جيوشه بلادهم، وحطمت سلطانهم. وقد اغتاله أحدهم أبو لؤلؤة المجوسي كما هو معلوم.
      فأكمل ابن سبأ ما بدأ به من الفتنة، ومقتل عثمان، وطلحة، والزبير، والكثير من الصحابة. حتى أصبح من أعظم أصول التشيع تكفير الصحابة والجهر بمعاداتهم ولعنهم.
      ومن أعجب العجب أن يدعي أحد الإسلام، ويفخر بما صنع أبو لؤلؤة المجوسي ويعظمه، ويمنحه لقب البطولة والرجولة.
      3- ونتيجة الغلو في تقديس السادة والكبراء، استطاع ابن سبأ أن يروج بينهم بدعة ألوهية علي، وأحقيته وأهل بيته بالخلافة، فبالغت هذه الفرقة في تعظيم الأئمة، حتى رفعوهم عن مرتبة الملائكة والنبيين، بل وصفوهم بصفات الله تعالى، كقولهم: إن جميع ذرات الوجود تخضع لهم، وأنهم معصومون عن السهو والغفلة والخطأ.
      وقياساً على الطريقة الكسروية، جعلوا الخلافة حقاً إلهياً محفوظاً لـعلي وذريته، وجعلوه أحد أركان الدين وأصوله، وقد تعصبوا للحسين وذريته أكثر من بقية آل البيت؛ لأنه تزوج بنت ملكهم كسرى، وجميع الأئمة عندهم من نسلها.
      4- والبصمات اليهودية واضحة في التشيع جداً. فمما أدخله ابن سبأ فيها من عقائد اليهود، وأكمله من بعده:
      أ- التمثيل والتشبيه: وعلى هذا كان قدماؤهم، ثم اتحدوا مع المعتزلة -كما أشرنا- وأصبحوا نفاة معطلة.
      ب- يعتقد اليهود أنه سيخرج في آخر الزمان مسيح يهودي، يحكم العالم بشريعة داود، ويبعث له وزراء من أصحاب موسى ويوشع بن نون، وفي عقيدة الشيعة أن مهديهم المنتظر سوف يحكم بحكم داود، ويبعث معه وزراء من أصحاب موسى ويوشع بن نون.
      ج- يعتقد اليهود جواز البداء على الله تعالى، وهو أن يأمر الله بأمر، ثم يبدو له خطؤه فيأمر بخلافه -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- وهذا جزء من عقيدة الشيعة في الله تعالى.
    6. أهم عقائد الشيعة

      افترقت الشيعة طوائف وفرقاً كثيرة، وأكبر هذه الفرق هي الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، وإليها ينصرف الاسم عند الإطلاق، إذا قيل: (الشيعة) أو (الرافضة).
      وهذه أهم عقائدها:
      1- أن الإمامة (الخلافة) ركن من أركان الدين، ويجب على النبي أن يعين الخليفة من بعده.
      2- أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على تعيين علي إماماً بعده، وقد نزلت عليه بذلك آيات من القرآن، ولكن الصحابة اتفقوا على كتم هذه الآيات والأحاديث، وخالفوها، واغتصب أبو بكر وعمر وعثمان الخلافة، وبذلك كفر الصحابة، وخرجوا من الإسلام، إلا عدداً قليلاً جداً.
      3- أن الأئمة معصومون عن السهو والغفلة، والخطأ والنسيان، ويتلقون العلم من الله مباشرة، ويعلمون ما كان وما سيكون، وتخضع لهم جميع ذرات الوجود، ويعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم. ويجوز دعاؤهم، والاستغاثة بهم، والتسمية بالعبودية لهم.
      4- أن الأئمة اثنا عشر إماماً، أولهم: علي، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، الذي أمه بنت كسرى، ثم تتابع في ذريته إلى الإمام الثاني عشر الموهوم محمد بن الحسن العسكري الذي يعتقدون أنه اختفى في السرداب بـسامرا سنة (261هـ) وسوف يخرج آخر الزمان، ويحكم الناس بحكم داود، ويأمر بإحياء أعداء علي وأهله، وأولهم أبو بكر وعمر، ثم سائر الصحابة والخلفاء، وملوك المسلمين إلى زمن خروجه، فيقتلهم جميعاً.
      5- أن القرآن فيه تحريف ونقص، أحدثهما الصحابة فيه، والمصحف الكامل هو مصحف علي، الذي ورثه الإمام الثاني عشر، ودخل به السرداب، وهو ثلاثة أضعاف هذا القرآن، وليس فيه من قرآن أهل السنة حرف واحد.
      ويسمونه أيضاً: مصحف فاطمة، ويحاول مجتهدوهم تجميعه من خلال الروايات الموضوعة على أئمة أهل البيت.
      ولكنهم يروون عن أئمتهم الوصية بقراءة هذا القرآن، وجواز التعبد والعمل به، إلى أن يظهر الإمام بالقرآن الحقيقي.
      6- اعتقاد أن القرآن مخلوق.
      7- إنكار صفات الله تعالى، وإنكار القدر.
      وبالجملة هم معتزلة في العقيدة، وينفردون بالقول بالبداء.
      8- السنة عندهم:
      لا يعترف الشيعة بكتب السنة المعروفة، مثل: صحيح البخاري وصحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد وكتب السنن الأخرى، وإنما السنة عندهم ما جاء من طريق آل البيت وحدهم، واهتمامهم بما يروى عن أئمتهم المعصومين -في نظرهم- أعظم مما عداه.
      وكما يخالفون أهل السنة في الأصول، يخالفونهم في معظم الأحكام الفقهية.
      ومن ذلك: أن الجهاد والجمعة غير واجبة عندهم، إلا إذا ظهر الإمام الذي في السرداب، وأنه حين يظهر ينشر العلم الخاص -بزعمهم- الذي يسمونه (علم الجفر) وفيه الفقه، والأحكام، والقرآن الكامل.
      وهذا مما يدل على أن الذين أسسوا هذا المذهب كانوا قاصدين تعطيل الشريعة، وتعليقها على شيء لن يوجد أبداً، وهذا من أخبث المكر.
  8. المعتزلة

    سبقت الإشارة إلى أن أول من أسس الاعتزال، هو واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد، اللذان طردهما الحسن البصري من حلقته بمسجد البصرة، وأن أول بدعة المعتزلة كانت في الإيمان، وذلك أنهم قالوا: إن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ولا كافر، ولكنه في منزلة بين المنزلتين.
    وأنهم أيضاً وافقوا معبد الجهني وغيلان في نفي القدر، ثم أضافوا إلى ذلك إنكار صفات الله تعالى، والطعن في الصحابة رضوان الله عليهم.
    1. تطور مذهب المعتزلة

      أصبح مذهب المعتزلة في -نهاية القرن الثاني الهجري- يمثل منهجاً فكرياً مستقلاً، وذلك لسببين:
      1- ترجمة كتب الفلسفة اليونانية، فقد أقبل عليها المعتزلة، واهتموا بدراستها، وأسسوا علم الكلام مستوحى من قواعدها، كما سيأتي.
      2- نبوغ طائفة من المعتزلة تتلمذوا على تلاميذ واصل، وعمرو بن عبيد، وأشهرهم: أبو الهذيل العلاف، وإبراهيم النظام.
      وقد ابتدع كل منهما آراء كفرية خارجة عن إجماع المسلمين، وفي الوقت نفسه كان كل منهما يرد على الآخر ويكفره، وهذا هو حال أهل البدع دائماً، والحق أن من يتتبع حياة الرجلين، يجد فيهما من قبح السيرة، وسوء الاعتقاد، والجرأة على الله، ما يجعله يصدق ما نسبه إليهما المؤرخون، من الإلحاد والزندقة.
      - المعتزلة وفتنة القول بخلق القرآن:
      المعتزلة هم السبب الرئيسي في حدوث الفتنة، وامتحان الأمة بالمحنة الكبرى، لكي تعتقد بقوة الحديد والسجن، أن القرآن -الذي هو كلام الله- مخلوق.
      فقد زينوا ذلك للمأمون، ثم للمعتصم الذي عذب الإمام أحمد وغيره، لكي يوافقهم على هذه الضلالة.
    2. فرق المعتزلة

      تفرقت المعتزلة فرقاً كثيرة، يكفر بعضها بعضاً أو يضلله، ومنذ القرن الثالث اتحد المعتزلة والشيعة، ولا تزال الرافضة والزيدية على عقائد المعتزلة إلى يومنا هذا.
      كما أن لعقائد الاعتزال أثراً كبيراً في مذهب الأشعرية، الذي هو أكثر المذاهب رواجاً في العصور المتأخرة.
      وقد تبين من الدراسات الحديثة المقارنة، أن آراء المعتزلة ما هي إلا صدى للفلسفة اليونانية الوثنية القديمة، كما قال علماء السنة من قبل.
      ولهذا وغيره، قوي الاتجاه إلى مذهب أهل السنة والجماعة، في كثير من البلاد، ولله الحمد.
    3. أهم عقائد المعتزلة: الأصول الخمسة

      للمعتزلة عقائد كثيرة: وأهمها هي الأصول الخمسة، التي تتفق عليها فرقهم، وإن اختلفت في تفصيلاتها أحياناً، وهي:
      1- التوحيد: والمراد به عندهم، نفي الصفات عن الله تعالى، فيقولون: عليم بذاته، سميع بذاته، بصير بذاته، أو عليم بلا علم، سميع بلا سمع، بصير بلا بصر .. وهكذا. وكذلك يريدون به القول: بأن القرآن مخلوق.
      وشبهتهم أننا إذا أثبتنا لله صفات، فقد قلنا بوجود آلهة كثيرة؛ لأن الصفات غير الذات.
      وهذه الشبهة باطلة، فإن صفة الإنسان ليست إنساناً، فكيف تكون صفة الله إلهاً وله المثل الأعلى؟! وإنكار الصفات تكذيب لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
      2- العدل: المراد به عندهم أن الله لا يخلق الشر ولا يريده، ولم يقدر المعاصي على العباد، ولكنهم هم يخلقون أفعالهم، ويفعلون ما لا يريد الله فعله ولم يقدره، وهذه هي فلسفتهم في القدر. وأصل شبهتهم عدم تفريقهم بين نوعي الإرادة:
      أ- الإرادة الكونية: التي هي بمعنى المشيئة، فلا يكون في الكون إلا ما يشاؤه الله ويريد وقوعه، سواء أكان يحبه أم يكرهه.
      ب- والإرادة الشرعية: وهي بمعنى المحبة، فكل ما أمر الله به وشرعه، فإنه يجب فعله، سواءً أطاعه العباد فيه أم عصوه. وطاعتهم أو معصيتهم لا تخرج عن إرادته الكونية الشاملة.
      فإذا قال المعتزلي: هل الله (يريد الكفر)؟ فنحن نجيبه بأن نفصل قائلين:
      أ- إن كنت تقصد بقولك يريد الكفر أنه يشاؤه ويقدره، فالجواب: نعم، فالكفار كما نرى ونعلم كثيرون، ولا يكون في ملك الله إلا ما يشاء، ولا يكون شيء إلا بقدر منه.
      ب- وإن كنت تقصد أنه يحب الكفر ويشرعه ويأمر به، فالجواب: لا. لأنه قال: ((وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ))[الزمر:7] ولأنه أرسل الرسل وأنزل الكتب تحذيراً منه.
      3- الوعد والوعيد: المراد به عند المعتزلة أنه يجب على الله أن يعذب العصاة، ولا يعفو عنهم، ولا يقبل فيهم الشفاعة، ولا يخرجهم من النار أبداً.
      4- المنزلة بين المنزلتين: وهي الاعتقاد بأن مرتكب الكبيرة كالزاني وشارب الخمر والسارق، لا يسمى مؤمناً ولا كافراً، بل هو في منزلة بين الإيمان والكفر.
      5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: والمقصود به وجوب الدعوة إلى ما يعتقدونه من التوحيد والعدل وغيرهما، ووجوب الخروج على أئمة المسلمين، الذين ليسوا على مذهبهم بالسيف، أو من كان على مذهبهم لكنه جار أو فسق.
      ومن أخطر أصول المعتزلة : تحكيم آرائهم وعقولهم، والإعراض عن الكتاب والسنة، وقد بنوا على ذلك عقائد باطلة، مثل: إنكار عذاب القبر، وإنكار الصراط والميزان، وكثير من هذه الأمور الغيبية الثابتة.
      وهم يردون الأحاديث الصحيحة لمجرد مخالفتها لهواهم، ويكذبون الصحابة والتابعين وسائر الرواة، إذا رووا ما لا يتفق ومذهبهم.
      أما ما يخالف آراءهم من الآيات فإنهم يفسرونه بما لا يتفق مع الشرع واللغة، ويؤولونه كما يشاءون.
  9. علم الكلام

    بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى والنور، وأنزل عليه الكتاب والحكمة، فبين للناس طريق الحق والرشاد في الأحكام والاعتقاد، وما كتم صلى الله عليه وسلم شيئاً مما أوحاه الله إليه، ولم يلتحق بالرفيق الأعلى حتى ترك الأمة على المحجة البيضاء، لا يزيغ عنها إلا هالك. فلا شيء من أصول الدين وفروعه، إلا وقد بينه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلمه أصحابه، ونقلوه، ولا ضلالة ولا شبهة إلا وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما يدحضها ويبطلها، عَلِمها من عَلِمها وجهلها من جهلها. وأعظم ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغه أمته، وأعظم ما كان يحرص أصحابه على تعلمه وتعليمه هو معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، وما يجب له على العباد من التوحيد والطاعة، ثم سائر أمور الغيب التي لا يدركها الناس بعقولهم، ولا يبلغونها بعلومهم. ولا سبيل إلى الحق فيها إلا من طريق الوحي. ولكن بعض المنتسبين للإسلام ضلوا السبيل، والتمسوا الحق من غير طريقه، فمنهم من لم يقنعه ما جاء في الكتاب والسنة، ومنهم من أخذ يبحث في غيرهما عما يعتقده في ربه، ومنهم من ابتلي بأهل الفلسفات القديمة والأديان المنقرضة، وأراد أن يجادلهم، ويدافع عن الإسلام، ولكن بغير منهج الكتاب والسنة، فأخذ يجادل بالعقل، ويدافع بالهوى، ويرد بعض الدين، ليدافع عن البعض الآخر، وينكر شيئاً ليثبت شيئاً. كما وجد أصحاب البدع والفرق في هذه الفلسفات وسيلة لدعم بدعهم وآرائهم.
    1. أثر الفلسفة اليونانية في علم الكلام

      كانت الفلسفة اليونانية الوثنية معروفة في الدولة الرومية والأقاليم الخاضعة لها، كـبلاد الشام ومصر، وقد فتح المسلمون هذه البلاد، ودخل أهلها في الإسلام، وبقي لدى بعضهم شيء من رواسبها عن جهل أو قصد.
      والفلسفات اليونانية اتجاهات مختلفة، يجمعها جميعاً القول على الله بغير علم، والخوض فيما لا تبلغه العقول، وقد كان فلاسفة اليونان، أمثال ( أفلاطون وأرسطو ) وثنيين، بعيدين عن هدي الأنبياء.
      وقد لقيت رواسب الفلسفة اليونانية رواجاً عند الجهال المبتدعة، مثل: الجعد بن درهم، أول من أظهر إنكار الصفات، وتلميذه: الجهم بن صفوان، مؤسس الجهمية، وواصل بن عطاء، مؤسس الاعتزال.
      ثم ظهرت المعتزلة، فتوسعوا في نقل الفلسفة اليونانية والمنطق اليوناني، وأعرضوا عن منهج الكتاب والسنة في عرض العقيدة والاستدلال عليها، والدفاع عنها، ووضعوا قواعد ما سمي (علم الكلام).
      ولما كان عصر المأمون أنشأ داراً للترجمة، واستورد كثيراً من كتب الفلسفة واعتنق هو بدعة القول بخلق القرآن، وقرب المعتزلة وغيرهم، فعظمت الفتنة، وانتشر الجدال في الدين.
      ومنذ ذلك الزمن أخذت بدعة الكلام تروج، وتتسرب إلى العلوم الأخرى، حتى أصبح في العصور الأخيرة يسمى علم التوحيد!
      وقد وقف له أهل السنة والجماعة بالمرصاد، وأعظم من نقضه ونسف أصوله وقواعده، شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
      وفي عصرنا الحاضر يتعرض علم الكلام للانهيار نتيجة عاملين مهمين:
      الأول: انهيار الفلسفة التي قام عليها رأي الفلسفة اليونانية، حيث أثبت العلم الحديث بطلان أكثر ما قررته من أمور، وأصبح الغربيون أنفسهم لا يذكرون أفلاطون وأرسطو وأمثالهما، إلا على سبيل التاريخ.
      الثاني: الصحوة الإسلامية المعاصرة التي اتجهت في غالبها وجهة سلفية.
      ومع ذلك لا تزال بعض المؤسسات العلمية التقليدية في العالم الإسلامي مصرة على تدريسه، متمسكة بمنهجه.
    2. غرض عمل الكلام

      يعرّف أصحاب الكلام علم الكلام، بأنه: (علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية على الغير، بإيراد الحجج، ودفع الشبهات). وفي هذا بيان لغرضهم المزعوم، وهو إثبات العقائد والدفاع عنها بالعقل والرأي. ولهذا تعلموا فلسفة اليونان ومنطقهم، واستخدموا أساليبهم في المناظرة والجدل زاعمين أن ذلك هو الأسلوب الصحيح في رد شبهات الملاحدة، وإقناع الجاحدين. والحق أن بعضهم كان غرضه كذلك -بغض النظر عن صحة العمل والأسلوب- ولكن بعضهم كان هو نفسه ملحداً جامداً، لكنه تستر بهذا العلم، لإثارة الشبهات، وزعزعة العقيدة.
    3. حكم الكلام وأهله عند علماء السلف

      حكم الكلام وأهله عند علماء السلف :
      علم الكلام عند السلف علم بدعي، لا يجوز الخوض فيه إلا بغرض إبطاله، وليس لمجرد أنه علم جديد واصطلاح حادث، ولكن لمخالفته الصريحة لمنهج الكتاب والسنة في عرض العقيدة والدفاع عنها -كما سنوضح ذلك.
      ولهذا اتفق أئمة الإسلام، مثل: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وابن المبارك، والبخاري وغيرهم كثير؛ على هجر أهل الكلام ومقاطعتهم وتحذير الناس منهم. كما حكموا على أهل الكلام بحسب درجتهم منه، وهم قسمان:
      1- الجهمية والمتفلسفون الذين ينكرون جميع الأسماء والصفات وكثيراً من العقائد القطعية حكم عليهم السلف بالكفر والخروج من الملة.
      2- سائر المتكلمين دون ذلك حكم عليهم السلف بالضلال والابتداع والخروج عن السنة والصراط المستقيم.
    4. أسباب إنكار السلف على أهل الكلام ومنهجهم

      1- أن العقيدة إنما تثبت بالوحي (الكتاب والسنة) لا بعقول المخلوقين وآرائهم، ودين الإسلام إنما يقوم على الاتباع والاستسلام. فالمسلم يصدق ويوقن بخبر بمجرد أن يثبت لديه أن هذا من عند الله دون حاجة إلى جدل واقتناع عقلي.
      والكافر -غالباً- هو جاحد معاند مهما جودل ورأى من البراهين. ((وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنْ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ))[الحجر:14-15].
      ولهذا لم يكن الجدل هو وسيلة الدعوة -كما يظن المتكلمون- وإنما هو وسيلة لإقامة الحجة على المعاند.
      2- إن الوحي مصدر معلوم معصوم، أما العقول فهي مع جهلها وقصورها عن معرفة حقائق الغيب مختلفة متناقضة، ولهذا لا يكاد الفلاسفة والمتكلمون يتفقون على شيء إلا ما هو متفق عليه بين جميع بني آدم الذين لا يعرفون فلسفة ولا كلاماً.
      وهذا العلاف وصاحبه النظام وهما أول من ألف في علم الكلام وهما من فرقة واحدة كما سبق- يناقض كل منهما الآخر ويكفره.
      ولهذا لما أراد الإمام أحمد أن يرد على جميع الفرق دفعة واحدة وأن يرد الأمة إلى المصدر الصحيح الوحيد ألف ( المسند ) وجمع فيه قرابة أربعين ألف حديث.
      3- أن الكتاب والسنة يشتملان على الحجج والبراهين التي ليس بعدها حجة ولا برهان، وأكثر العقول قوة وكمالاً هي أكثرها فهماً لتلك الحجج والبراهين، واستنباطاً منها، وليس دين الإسلام مجرد أخبار مروية لا برهان فيها يتناقلها الناس على سبيل التقليد كما يظن المتكلمون!
      وقد ناظر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصناف الكفار -من يهود ونصارى ومشركين- بالقرآن والسنة، فقهروهم وأفحموهم، وسار على ذلك علماء أهل السنة في سائر العصور، فأقاموا الحجة وقطعوا الخصم دون استعانة بمصدر آخر غير الكتاب والسنة وأقوال السلف .
    5. أثر علم الكلام على الأمة الإسلامية

      كان لعلم الكلام -وما يزال- آثاره الخطيرة على الأمة الإسلامية، ومن ذلك: 1- إخضاع عالم الغيب لعالم الشهادة: فالمتكلمون يتحدثون عن الله تعالى واليوم الآخر، وسائر الغيبيات مستخدمين المصطلحات والمعايير التي وضعوها للأمور المشاهدة مثل: (الجوهر، العرض، الكمية، الكيفية، الحدوث، التغير). 2- إثارة الشكوك والريب في أمور قطعية يجب الإيمان والتسليم بها بلا اعتراض ولا مناقشة، مثل: قضية إثبات وجود الله تعالى، وكون العالم مخلوقاً. 3- افتعال التعارض بين العقل الصريح والنقل الصحيح، مثل: تكذيب الأحاديث المتفق على صحتها بدعوى مخالفتها للعقل، وأحياناً يذكرون أحاديث موضوعة ويقولون: هذا مما ورد به السمع وإن خالف العقل. 4- تحويل الفائدة الإيمانية إلى قضايا عقلية جافة وجدل فارغ طويل لا أثر له في الإيمان ولا الأخلاق. 5- فتح الباب للملاحدة والحاقدين للطعن في الإسلام، وذلك لأن المتكلمين يزعمون أن الإسلام هو ما قرروه وأثبتوه من القضايا. فإذا رأى الملاحدة ضعفها وخطأها واستطاعوا نقدها توجه هذا الخطأ والنقد إلى الإسلام نفسه- عياذاً بالله. 6- تفريق الأمة وفتح باب الخصومة بين المسلمين في أمور ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تعبد الناس بمعرفتها. فكل طائفة من المتكلمين تكفر الأخرى، بل ربما كفر التلميذ شيخه وكفر الابن أباه.
  10. الصوفية

    كلمة الصوفية مأخوذة من كلمة (سوفيا) ومعناها في اللغتين اليونانية والهندية القديمة (الحكمة)، ومنها اشتقت كلمة (فيلاسوفيا) (فيلسوف) ومعناها (محب الحكمة)، كما أن كلمة (ثير صوفية) معناها الحكمة المتعلقة بالإله، وهي مذهب معروف قديماً وحديثاً.
    والهندوس يطلقون كلمة الصوفية على رهبان البراهمة، وحكمائهم الروحانيين الذين يهيمون في الغابات عراة، باحثين عن الحكمة والمعرفة -بزعمهم- والغاية عندهم الاتحاد بالله والفناء في ذاته، تعالى الله عما يصفون. .
    وفي الإسلام لم يسمع هذا المصطلح -أي: مصطلح الصوفية - إلا في نهاية القرن الثاني للهجرة، وكان يطلق حينئذٍ على أفراد شاذين اعتزلوا الناس منقطعين في رهبانية مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التعبد.
    وكان علماء الجرح والتعديل والمؤلفون الأوائل في الفرق يطلقون عليهم وصف (الزنادقة) وكان بعضهم لا صلة له بالإسلام أصلاً، وإنما هم رهبان غامضون يسيحون في الأرض ويعيشون في المغارات والأودية المقفرة.
    وانتشرت الصوفية في القرنين الثالث والرابع، ولكن زعماءها ظلوا متهمين بالزندقة، وجرت محاكمتهم على ذلك مراراً، وكان ممن حوكم الجنيد، والنوري، وذو النون المصري، ومنهم من قتل كـالحلاج .
    وفي القرن الخامس ظهر أبو حامد الغزالي (المتوفى سنة 505) فكان له أكبر الأثر في نشر الصوفية في العالم الإسلامي وإلباسها بلباس الإسلام.
    والغزالي فقيه ومتكلم ذو سمعة وشهرة، وقد خلط في مؤلفاته بين هذه العلوم وبين ما نقل عن الصوفية قبله كـالمحاسبي، وأبي طالب المكي، وأضاف إليها من آرائه وفلسفته، فانتشر التصوف وقبله الناس.
    1. من أسباب انتشار التصوف

      مما مهد لذلك أن الأمة الإسلامية كانت مرهقة بثورات الباطنية وسيطرة الحكومات الرافضية، وكان علماء السنة يتعرضون للأذى من دول الرفض، ويحاربون الاعتزال والكلام والباطنية على المستوى الثقافي، في حين كانت الصوفية تنهش في الطبقات الدنيا من الناس.
      وواكب ذلك تدفق الحملات الصليبية على الشرق الإسلامي، فتكاثر أهل الباطل ونشطت سائر أحزابه على كل صعيد.
      ومما أسهم في انتشار التصوف من غير قصد انتشار علم الكلام بما فيه من جفاف وتعقيد وتحكيم العقل والرأي والبحث المجرد، فوجد الناس من التصوف بما فيه من ابتعاد عن التعقيد الفلسفي واعتماد على الكشف والأحلام والإلهامات... إلخ، ملجأً ومهرباً من علم الكلام وأهله.
      -هل التصوف خاص بالمسلمين؟
      يتفق الباحثون في الأديان والمذاهب على أن التصوف فلسفة عالمية واتجاه إنساني عام يوجد في جميع الأديان والأوطان، وأنه أشبه شيء بالديانة الهندوسية في غاياته ووسائلة وكثرة طرقه وتناقض معتقداته.
      والاتجاهات الصوفية على اختلاف أسمائها وطرقها ظهرت وما تزال تظهر في أوروبا، والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها.
      أما التصوف المنتسب للإسلام فهو طرق كثيرة وشُعب متباينة، وللتيسير على القارئ نقسمه كالتالي:
    2. أقسام التصوف

      أولاً التصوف الغالي:
      وهو الذي غلا أصحابه حتى خرجوا من الإسلام بالكلية (أو لم يدخلوه أصلاً، وإنما تلبسوا به ليهدموه أو ليسلموا من عقوبة أهله) وهو اتجاهان رئيسيان:
      1- التصوف الفلسفي:
      وهو المبني على فلسفة اليونان والهند وأصحابه أقرب شيء إلى الباطنية، وهم يهتمون بالخوض في المباحث الإلهية والكونية على الطريق الفلسفية، ولهذا نجد كتاباتهم تفيض بالمصطلحات الفلسفية، مثل: (العقل الكلي، النفس الكلية، الأعراض، الجواهر، الصورة والهيولي). .
      وهم يؤمنون بالاتحاد (اتحاد الخالق بالمخلوق) ووحدة الوجود.
      ومن أشهر المنتسبين للإسلام منهم: ابن عربي، وابن الفارض .
      2- التصوف الرهباني:
      نسبة إلى الرهبانية ويطلق عليه التصوف البوذي وهو المبني على الرياضات والخلوات والمجاهدات والخيالات. وأصحابه أقرب شيء إلى البوذية، وهم يهتمون بالخوض في الوساوس والخطرات وقمع النفس مستخدمين السياحة في الأرض والانقطاع في الفلوات، ويكثرون من الأشعار والقصص والذكر بطريق الرقص والتمايل، كما يهتمون بالخوارق والكرامات، ويستخدمون السحر والجن لذلك.
      وعقائد هذا القسم كثيرة، منها: الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ومنها التفويض وهي: (أن الله يفوض تدبير العالم إلى الأقطاب والأولياء).
      ومعظم الطرق الصوفية في العالم الإسلامي تنتمي لهذا الاتجاه على تفاوت فيما بينها مع خلطه ببعض ما عند القسم الأول، فالتصوف -كما سبقت الإشارة- ليس فكرة محددة، ولكنه اتجاه واسع وطرق متناقضة، والصوفي يؤمن بمتناقضات كثيرة في آن واحد.
      ثانياً: التصوف البدعي:
      ينتمي بعض المسلمين قديماً وحديثاً إلى التصوف عن حسن نية، ظناً منهم أنه مجرد اصطلاح يطلق على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المراقبة والمحاسبة، والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، ولكن يندر وجود من ينتسب إلى التصوف مع الخلو من البدع صغيرة أو كبيرة، وأكثرهم تفسد عقائده في الصفات والقدر، ونظرته للدنيا وغيرها، مما كان له أثر واضح في انحطاط الأمة اعتقاداً وعلماً وحضارة كما سيأتي.
      ومما كان صحيح العقيدة والعبادة من المسلمين، فلا يجوز أن ينتسب أو ينسب إلى التصوف ولا إلى غيره، وإنما يكون الانتساب إلى الإسلام والسنة كما أسلفنا.
    3. علاقة التصوف بالفرق

      أكثر الفرق علاقة بـالصوفية هي الشيعة، فالصلة بين التصوف والتشيع عميقة جداً، وقل من شيوخ الصوفية من لا ينتسب إلى أهل البيت، والصوفية تدعى فيهم ما تدعيه الشيعة كالعلم الباطن والتصرف في الكون، ويعبدون أئمتهم كما تفعل الشيعة أيضاً.
      والحقيقة التي أعلنها الباحثون من شرقيين وغربيين قديماً وحديثاً هي: أن التشيع الغالي والتصوف الغالي والباطنية ثلاثة أوجه -أو ثلاثة مظاهر- لشيء واحد له غاية واحدة مشتركة هي تقويض الإسلام من الداخل.
    4. الطريق عند الصوفية وأركانه

      الطريق عند الصوفية رمز للمنهج الذي يسير عليه العابد ليصل إلى معبوده.
      وللصوفي ثلاثة أوصاف بحسب سيره في الطريق:
      1- المريد: وهو الصوفي المبتدئ الذي يتلقى عن الشيخ.
      2- السالك: وهو الذي يقوم بالرياضات والمجاهدات ليصل إلى الغاية.
      3- الغاية: وهي الفناء في الإله المعبود أو الاتحاد به، ولهذا يؤمن غلاة الصوفية بسقوط الأوامر والنواهي والتكاليف عن الواصلين؛ لأن الغرض من الصلاة والزكاة والصوم... إلخ، بزعمهم -هو الوصول إلى الله، فمن وصل فلا حاجة له بها.
      أركان الطريق:
      الأول: الشيخ:
      فلا يستطيع أحد الوصول إلى الله بمفرده أبداً، والشيخ عند الصوفية ليس مجرد واسطة أو وسيلة للتربية كالأب أو المعلم، بل هو واسطة للإيمان والقبول.
      ولهذا فطاعته مطلقة، ويجب أن يكون المريد بين يديه كالميت بين يدي الغاسل، ولا يجوز للمريد أن يعترض على شيخه، مهما فعل من قبيح أو حرام ولو كان هذا الاعتراض في سر المريد، بل يجب أن يسلم له ظاهراً وباطناً.
      وعلى المريد أن يلتزم بما يجلبه الشيخ من أوامر وأذكار وصلوات، وأن يتأسى به ويذيع كراماته ويدافع عنه.
      الثاني: الخلوة:
      المتصوف الحقيقي لا بد له من الخلوة سواءً أكانت في زاوية أو في صحراء أو غابة، وأقل ما تحصل به الخلوة أن يلف على رأسه ووجهه كساءً غليظاً يختفي به عن الناس، ويطيل ترديد الأوراد ويفرغ قلبه من كل شيء.
      وفي الخلوة ينقطع الصوفي عن الناس حتى عن الجمعة والجماعة، ويلتزم بصيام معين وأوراد معينة حتى يكاشف ويفتح عليه.
      الثالث: الفتح والمكاشفة:
      مع دوام الخلوة والذكر يأتي الفتح أو المكاشفة وهو يطلق على أشياء كثيرة، فقد يكون نداء وخطاباً يسمعه، أو صورة يراها أمامه، أو خارقة تجري على يديه ونحو ذلك مما هو بلا شك من إيماءات الشياطين أو أصواتهم وأفعالهم.
      الرابع: الكرامة:
      لكي يكون الصوفي ولياً لا بد له من كرامة كما أنه لا بد لكل نبي من آية (معجزة)، وتدعي الصوفية لأوليائها كرامات كثيرة بعضها كذب واختلاق، وبعضها من آثار الرياضة الطويلة، أو من آثار السحر والاستعانة بالشياطين، أو الاحتيال بحيل خفية.
      فقد يطير الواحد منهم في الهواء أو يمشي على الماء، أو يطعن نفسه ولا يضره شيء، أو يدع الطعام والشراب زمناً طويلاً... إلخ، ويدعي أن هذا كرامة بسبب ولاية له.
      وهذا من أوضح الأدلة على فساد التصوف وانحرافه عن الإسلام، فإن أعلى الأولياء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحصل لهم مثل هذه الأمور.
      وأهل السنة والجماعة يؤمنون بالكرامة الحقيقية، ومع ذلك يؤمنون بأن أعظم كرامة للمؤمن هي تمسكه بالكتاب والسنة، وتجنبه للبدع والفواحش، وجهاده ودعوته إلى الله تعالى، والصبر على الأذى في ذلك.
      أما هذه الخوارق فإن سحرة الفراعنة والهنود واليهود، يفعلون مثلها وأعظم منها، فما لم يكن التمسك بالسنة والاجتهاد في التقوى هو مقياس الولاية فلا فرق بين الولي والساحر والمشعوذ.
    5. أهم العقائد الصوفية

      1- الحلول والاتحاد والفناء كما هي عند الهندوس والبوذين.
      2- أن الحقيقة أو المعرفة لا تؤخذ من نصوص الكتاب والسنة، وإنما تنال بالكشف أو العلم اللدني (الباطن) والإلهام والذوق (أي: أن للوحي عندهم مفهوماً أعم، ولهذا لا ينحصر في الأنبياء، بل هو عام لكل الأولياء).
      3- سقوط التعبدات والتكاليف عمن وصل غاية الطريق وحصل على اليقين بزعمهم.
      4- ادعاء ولاية الله وتفضيل الولي على النبي عند كثير منهم، وتفضيل خاتم الأولياء المزعوم عندهم على خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم، ومن العجيب ظهور كثير ممن يدعي أنه خاتم الأولياء في كل العصور، ومع ذلك نجد الصوفية يوالون الجميع ويقدسونهم.
      5- ادعاء الكرامة والتحدي بها.
      6- الإيمان برجال الغيب وهم الأقطاب والأوتاد والنقباء والنجباء... إلخ.
      ويعتقدون أن الله تعالى أسند إليهم التصرف في الكون وتدبير العالم، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
      ولهذا يدعونهم ويستغيثون بهم ويقيمون لهم الأضرحة والمقامات ليقصدها الناس للتبرك والدعاء.
      7- التعبد بالبدع والضلالات: فهم يتخذون الخلوات ويعينون من عند أنفسهم أحزاباً وأوراداً تردد آلاف المرات في أوقات مخصوصة، ويتخذون الرقص والغناء وسيلة للترقيق والتزكية والتقرب.
      8- الغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما تغلو الشيعة في علي، وكما يغلو البوذيون في بوذا، والنصارى في عيسى.
      ومن ذلك: زعمهم أنه أول المخلوقات، وأن الله تعالى خلقه من نوره -تعالى الله عما يصفون- وأنه يعلم الغيب كله، وأن بيده مقاليد السماوات والأرض، وابتداع صلوات معينة يصلون بها عليه وفيها إطراء وغلو.
      ومن ذلك: دعاؤهم إياه واستغاثتهم به من دون الله. وقد نقلوا ذلك للأقطاب وسائر رجال الغيب.
    6. أثر التصوف في الأمة الإسلامية

      للتصوف آثاره العظيمة في عقيدة الأمة الإسلامية وحياتها عامة ومن أهم هذه الآثار:
      1- إفساد توحيد العبادة بما أدخل الصوفية من الشرك وعبادة الموتى، وقد نقل الشيعة والصوفية ذلك من البوذية إلى الإسلام، وانتشرت في أيام حكم العبيديين (في مصر والمغرب ) ودول الرفض في المشرق.
      2- إفساد توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات بعقائد الحلول والاتحاد وتمثيل الله بخلقه، ومن ذلك: ما اشتهر عن كبارهم من شطحات مثل: (أنا الحق) و(سبحاني سبحاني ما أعظم شاني) و(ما في الجبة إلا الله).
      وما اشتهر عنهم من عشق الصور الجميلة زاعمين أن الله حل فيها، أو أنها مظاهر لجمال الله، تعالى الله عما يصفون.
      3- تمزيق الأمة الإسلامية وبعثرة انتمائها، فـالصوفية طرق كثيرة متناقضة ينتسب إليها كثير من المسلمين، مثل: القادرية، الرفاعية، التيجانية، الشاذلية، النقشبندية، الميرغنية، الأحمدية -نسبة لـأحمد البدوي -ولكل طريقة أحزاب وأوراد وتعبدات وصلوات نبوية خاصة، وكل منها يدعي أنه وحده على الحق والصواب. بل كل طريقة تنقسم إلى فرق وطرق كثيرة.
      4- ترك الجهاد: بل ترك الأعمال عامة: فـللصوفية أثر عظيم في هذا، ومن الثابت تاريخياً تعاون بعض مشايخ الصوفية مع التتار حين دخول بغداد، ومع المستعمرين الأوروبيين في العصر الحديث.
      5- انحطاط الحياة العلمية: ينحصر اهتمام الصوفية في الرياضات والخلوات، والأوراد والحضرات، وقد كان لهذا أثره في الانصراف عن العلم، فضلاً عن احتقار الصوفية للعلم، حيث يسمونه العلم الظاهر أو علم الورق أو علم الرسوم.
      كما أن الصوفية باهتمامها بالكشف والإلهام ونحوه أسهمت في إضعاف التفكير والاجتهاد وعمل العقل عامة.
      6- انحطاط الحضارة الإسلامية: إضافة لما في الفقرة السابقة، كان للصوفية أثر بالغ في تقهقر الحضارة بحرصها على الفقر والتسول، وميلها إلى اتخاذ وسائل وهمية، مثل ما يسمى: بالحجُب والتعاويذ والحصون التي يعتقدون فيها جلب النفع أو دفع الضرر.
      7- تغيير المفهوم الحقيقي لبعض العقائد والمصطلحات الشرعية، مثل: التوكل والزهد والقدر حين حولوها إلى تواكل وتسول وجبر.
  11. الباطنية

    الباطنية : هي أخطر الفرق في تاريخ الإسلام وأخبثها، وليست الباطنية من الفرق الإسلامية، بل هي خارجة عن الملة باتفاق المسلمين، وهي فرق كثيرة سنورد تفصيلاً لأهمها.
    1. تسمية الباطنية

      -لِمَ سُموا بـالباطنية ؟
      سموا ( الباطنية ) لأن أصل مذهبهم أن نصوص الكتاب والسنة لها ظاهر وباطن: فالظاهر هو ما يعرفه الناس ويعلمه العلماء، والباطن هو -بزعمهم- العلم الحقيقي الذي لا يعرفه إلا الأئمة المستورون من آل البيت، ويعلمونه للناس مباشرة أو بواسطة النواب والحجاب.
    2. أصل الباطنية وغايتها

      أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وانتشر الإسلام في بلاد كثيرة، قاضياً بذلك على عقائدها وممالكها وسلطانها، ولذلك رأى بقايا تلك الديانات المنسوخة والممالك المسحوقة -ولا سيما المجوس واليهود- أنه لا بد من التعاون والتخطيط لهدم الإسلام والانتقام منه.
      فابتدأوا بتدبير مؤامرة اغتيال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم أحدثوا الفتنة التي تزعمها عبد الله بن سبأ في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما كما سبق.
      ولكنهم وجدوا أن الإسلام أقوى من كل المؤامرات، فقرروا تأسيس مذهب أعظم تأثيراً وأشد هدماً من التشيع -وإن كان منطلقاً من أصول التشيع ومتستراً به- فأسسوا مذهب الباطنية ويغلب عليهم تسميتهم بـالإسماعيلية، نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق الذي يزعم أئمتهم الانتساب إليه عقيدة ونسباً.
      وقد اشترك في وضع أصول هذا المذهب جماعة من المجوس واليهود والزنادقة معتمدين أساساً على الفلسفة اليونانية مع خليط من الأقطار المجوسية والصابئة .
      وقد وضعوا في أوائل القرن الرابع أول كتاب في أصول مذهبهم وهو ( رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا ).
      وقد نجح الباطنيون في إقامة دول باطنية كان لها الأثر الكبير في تمزيق الأمة الإسلامية وتهيئتها للاحتلال الصليبي والمغولي، فضلاً عن فساد عقائد الملايين من عامة المسلمين.
    3. أهم الدول الباطنية

      1- الدولة العبيدية (الفاطمية):
      وهي دولة باطنية ملحدة أسسها رجل يهودي يدعى عبد الله بن ميمون القداح، زاعماً أنه من نسل فاطمة رضي الله عنها، وقد حكموا مصر وغيرها قرابة قرنين من الزمان، ومن آثارهم:
      إدخال الشرك وعبادة الموتى إلى الأمة الإسلامية، كما أن الصليبيين دخلوا بلاد الإسلام، واحتلوا القدس بخذلانهم وتواطئهم، وقد قضى عليهم صلاح الدين الأيوبي رحمه الله أولاً، ثم ثنى بالصليبيين.
      2- دولة القرامطة:
      كانت دولتهم في شرق دولة العبيديين، أي: في بلاد الشام وجنوب العراق وشرق الجزيرة العربية، وفي سنة (317)هـ دخلوا مكة يوم التروية (8 ذي الحجة) فقتلوا الحجاج والمصلين، وقلعوا الحجر الأسود وحملوه معهم إلى الأحساء، حيث بقي عندهم اثنتين وعشرين سنة ونهبوا الكعبة المشرفة ومكة كلها.
      3- الحشاشون:
      وهم طائفة من الإسماعيلية من بقايا الدولة العبيدية أسسوا دولة في إيران أقضت مضجع الأمة الإسلامية بالحروب والسلب والاغتيال، فقد فتكوا بعدد من زعماء الإسلام السياسيين والعلميين، وممن حاولوا اغتياله ( صلاح الدين الأيوبي ).
      وقد ظهرت دولتهم في أوائل القرن السادس واستمرت إلى أن قضى عليها التتار.
      أما دعوتهم فلا تزال قائمة، وهم المعروفون باسم ( الآغاخانية ) نسبة إلى لقب زعيمهم ( آغاخان ).
    4. عقائد الباطنية وفرقها

      للباطنية أصول مشتركة تلتقي فيها جميع فرقها، وكما أن لفرقها أصولاً مشتركة لكنها تختلف في تفسيرها أو بعض تفصيلها.
      وهناك فرق باطنية تنفرد بعقائد مميزة، ولهذا رأينا أن نذكر عقائد ( الإسماعيلية )، التي تمثل القرامطة والعبيديين والإسماعيلية ( الآغاخانية ) والإسماعيلية البهرة، ونفصل الدروز والنصيرية عنها.
      الإسماعيلية :
      الإسماعيلية هم بقية الدولة العبيدية الباطنية، وينتسبون إلى ( إسماعيل بن جعفر الصادق ) الذي مات صغيراً لم ينجب، ولكن رجلاً يهودياً زنديقاً يدعى ( ميمون القداح ) ادعى أن إسماعيل لم يمت ولكنه اختفى وهو إمام الزمان.
      ثم ادعى أنه ولد لإسماعيل ولد هو ( محمد بن إسماعيل ) وظهر ( ميمون القداح ) للشيعة على أنه هو محمد بن إسماعيل بن جعفر .
      وأظهر ابنه ( عبد الله بن ميمون القداح ) على أنه ابن لـمحمد بن إسماعيل، وعبد الله هذا هو الأب الحقيقي للعبيديين، فهم من ذرية اليهود، لا من ذرية فاطمة رضي الله عنها.
      وظل الإسماعيليون متفقين على إمامة العبيديين، حتى توفي خليفتهم ( المستنصر بالله ) سنة (487)هـ حيث انقسموا فرقتين:
      1- فرقة تقول: إن الإمامة انتقلت إلى ابنه ( المستعلي ) وهي التي يطلق عليها اسم ( البهرة ) وهم يعيشون في جنوب الهند وكينيا واليمن، وزعيمهم يسمى سلطان البهرة، كما يطلق عليهم (السيفيون).
      2- فرقة تقول: إن الإمام هو ( نزار بن المستنصر )، وهم المعروفون اليوم ( بـالآغاخانية ) ويعيشون في الباكستان والهند وبلاد الشام، وهم أكثر عدداً.
      والشيء الملفت للنظر هو صلة الإسماعيليين الواضحة بالإنجليز، فهم مشهورون بولائهم لهم.
      والآغاخان الحالي أمه إنجليزية، وزوجته إنجليزية، ويعيش في باريس.
      -أهم عقائد الإسماعيلية :
      1- أن لكل ظاهر من النصوص باطناً، لا يعلمه إلا الأئمة.
      2- إنكار صفات الله تعالى، حتى أن من عقيدتهم أنه لا يقال: الله موجود أو غير موجود، فلا يوصف بشيء مطلقاً.
      3- أن محمد بن إسماعيل بن جعفر ناسخ لشريعة الإسلام.
      4- أن القرآن والوحي عامة فيض يفيض من العقل الكلي على كل شخص لديه استعداد لتقبله.
      5- تأويل العقيدة والشريعة تأويلاً غريباً، يعتمد على أن الحروف رموز لأعداد معينة، ثم يفسرون الأعداد كما يشاءون.
      6- إنكار القيامة والمعاد، والإيمان بالتناسخ.
      7- الاعتقاد بأن الكواكب السبعة لها تأثير في تدبير الكون، وجريان الأحداث.
      8- الإباحية، والشيوعية الجنسية والمالية، والإمام هو الذي يحكم في كل ذلك.
      هذا، ومما يجدر التنبيه إليه أن للإسماعيلية مراتب ودرجات، وطقوساً ورموزاً، تشبه ما للماسونية من ذلك مشابهة عجيبة.
  12. النصيرية

    النصيرية طائفة من الشيعة الغلاة، تتفق مع الباطنية الإسماعيلية في الأصول، وتتميز باعتقادها أن الإله رب العالمين، خالق السماوات والأرض هو ( علي بن أبي طالب ) نعوذ بالله من الكفر، وهي أكثر الفرق غلواً، وأشدها كفراً.
    1. أصل انشقاق النصيرية عن الشيعة

      تعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن ( الحسن العسكري ) هو الإمام الحادي عشر من أئمتهم، وكانوا ينتظرون ابنه ليكون الإمام الثاني عشر، طبقاً للنظام الوراثي المنقول عن الأسرة -كما سبق- ولكن الحسن مات ولم يخلف عقباً، فوقع أقطاب التشيع في حيرة من أمرهم، وأخيراً قرروا اختلاق فكرة الإمام الغائب، زاعمين أن الإمام الثاني عشر هو (محمد بن الحسن العسكري )، ولكنه دخل السرداب في سامراء، وسيخرج آخر الزمن، وهو المهدي المنتظر، وزعموا أنهم نوابه وحجابه في فترة غيابه، ولكن رجلاً مجوسياً إباحياً، يدعى ( محمد بن نصير ) خالفهم في ذلك، وادعى أنه وحده الباب للحسن العسكري، وللمهدي المزعوم، ورفض الآخرون دعواه، فانشق عنهم، وأسس ديناً مستقلاً هو ( النصيرية )، وعاصر ذلك نشأة المؤامرة الباطنية السابق ذكرها، فأصبح النصيريون جزءاً منها.
      وكان النصيريون يسمون في عهد الدولة العثمانية: العلي إلهية، أي: (المؤلهون لـعلي ) ولكن الفرنسيين سموهم ( العلوية )، وهم معروفون بولائهم للفرنسيين، كما أن الدروز معروفون بولائهم للإنجليز، أما ولاء الطائفتين كلتيهما لليهود فلا يخفى على أحد.
    2. أهم عقائد النصيرية

      تتكون العقيدة النصيرية من خليط عجيب لعقائد مختلفة، أهمها:
      الشيعة، المجوسية، النصرانية، مع اشتراكها في مجمل الأصول الباطنية، وهذه أهم عقائدها:
      1- ألوهية علي بن أبي طالب، والإيمان بثلاثة أقانيم (علي، محمد، سلمان الفارسي ).
      2- تأويل شرائع الإسلام تأويلاً خاصاً، فالصلوات الخمس هي: (علي، فاطم ، الحسن، الحسين، محسن ) والصوم ذكر أسماء ثلاثين رجلاً من أئمتهم، ويؤولون إبليس بأنه ( عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
      3- إنكار القيامة والمعاد والإيمان بالتناسخ.
      4- استحلال المحرمات كالخمر والزنا واللواط.
      5- الاحتفال بالأعياد المجوسية والنصرانية، مثل عيد الفيروز، وعيد الميلاد.
      6- السرية المطلقة، والتكتم الشديد على عقائدهم، وترقية أتباعهم، وفق نظام غريب، وطقوس خاصة، تشبه
  13. الدروز

    الدروز إحدى الفرق الباطنية، وتتميز عن سائر الفرق باعتقاد ألوهية الحاكم العبيدي (أي: الخليفة الحاكم بأمر الله، أحد خلفاء ما يسمى الدول الفاطمية).
    واعتقاد أنه هو الله، نزل في صورة البشر (تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً). وهي بذلك ترديد لما قاله مؤسس التشيع ( عبد الله بن سبأ ) في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    1. أهم عقائد الدروز

      1- الكفر بجميع الأديان والملل، وتكفير أهلها، سواء في ذلك الإسلام واليهودية والنصرانية، ويسمون الإسلام (الشريعة الإبليسية) ويعتقدون أن الحاكم سيظهر مع آخر الزمان، فيهدم الكعبة، ويقتل المسلمين، ويفرض الجزية عليهم، ويفعل مثل ذلك بجميع الأديان.
      2- إنكار اليوم الآخر، والإيمان بما يسمونه (التقمص) وهو صورة من صور التناسخ الهندوسي.
      3- إنكار النبوة، وتكذيب الأنبياء جميعاً، وخاصةً رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، فكتبهم المقدسة تصفه -حاشاه من كل سوء- بالأوصاف القبيحة، وتسبه سباً قبيحاً.
      4- التأويل الباطني، فالصلاة والصوم، والزكاة والحج، وسائر العبادات، لها عندهم تأويلها الخاص، الذي لا صلة له بالحقيقة، بأي شيء منها.
      5- يؤمن الدروز بأن دينهم مغلق كـاليهودية -أي: لا يدخل فيه أحد من خارجهم- كما يؤمنون بالتقية الشيعية، والإباحية الباطنية.
      هذا، ويعيش الدروز في بلاد الشام، وخاصة لبنان، ومن أبرز زعمائهم في التاريخ ( فخر الدين المغني الثاني ) و ( بشير الشهابي ) و( سلطان الأطرش ) و( كمال جنبلاط ).
  14. الأديان

  15. مقدمة عن الأديان ودين الفطرة

    خلق الله تعالى الإنسان مفطوراً على التوحيد والإسلام، فكل إنسان في قديم الزمان أو حديثه، في أي بلد وجد وفي أي مكان، هو مولود على ملة الإسلام، وإنما يقع له الانحراف بعامل خارجي، حيث يربيه والداه أو مجتمعه، على ما يعتقدون من الأديان الباطلة.
    يقول الله تعالى: ((فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ))[الروم:30] ويقول: ((وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ))[الأعراف:172-173]
    ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {ما من مولود إلا يولد على هذه الملة فأبواه يهوّدانه أو ينصرَّانه أو يمجسَّانه}. أي: يجعلانه يهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً.
    والتوحيد والإسلام هو دين البشرية الأصلي، فقد كان أول البشر، آدم عليه السلام مسلماً موحداً؛ لأنه كان نبياً، وظلت ذريته على التوحيد أجيالاً عديدة، حتى ظهر فيهم الشرك بسبب تعظيم الموتى الصالحين، فعبدوا وَدّاً وسُوَاعاً ويَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً.
    وهذه المعبودات في الأصل هي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عظمهم قومهم وقدَّسوهم، وكان من تعظيمهم لهم أنهم صوروا صورهم ليتذكروا بها عبادة الله، وأخيراً عبدوا تلك الصور نفسها، وأخذوا يدعونهم من دون الله تعالى.
    وبعث الله تعالى أول الرسل نوحاً ليدعوهم إلى الإسلام، فأسلم معه بعضهم وأغرق الله المشركين كما هو معلوم من سورة نوح وغيرها.
    قال تعالى على لسان نوح: ((وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ))[يونس:72] وهكذا كل نبي جاء بعده، وإنما جاء يدعو قومه إلى التوحيد والإسلام، قال تعالى: ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ))[الأنبياء:25]
    وذكر الله تعالى أن كل نبي قال لقومه: ((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ))[الأعراف:59].
    ومن أعظم هؤلاء الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن الذي قال عنه الله تعالى: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ))[آل عمران:67]وهو أبو بقية الأنبياء الذين جاءوا من بعده.
    وكذلك نبي الله موسى كان مسلماً ودعا قومه إلى الإسلام، ولهذا قال فرعون لما أدركه الغرق: ((قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ))[يونس:90] وكذلك عيسى كما قال تعالى: ((وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ))[المائدة:111] والحواريون هم أصحاب عيسى.
    فكل نبي دعا قومه إلى الإسلام، والإسلام هو دين الله الذي لا يقبل سواه، قال تعالى: ((إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ))[آل عمران:19]
    وقال: ((وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ))[آل عمران:85].
    وقال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار}.
    وقد أكرم الله تعالى أمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن سماها باسم الإسلام: ((هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ))[الحج:78] لأن رسالته هي الرسالة العامة للبشرية كلها، ولأن أمته أعظم الأمم تحقيقاً لمعنى الإسلام وكمال الاستسلام.
    -ومما تقدم نستنتج:
    1- أن الإسلام هو دين الفطرة الذي يولد عليه كل مولود على ظهر الأرض، ولكن التربية الضالة تجعله يدين بأي دين آخر.
    2- أن الإسلام هو دين البشرية الأصلي وأن كل الأنبياء كانوا مسلمين داعين إلى الإسلام والتوحيد.
    3- أن اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والهندوسية وكل الأديان سوى الإسلام ليست هي دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، ولا يقبل الله منها شيئاً، ومصير كل من دان بها هو الخلود في النار وبئس القرار.
    4- أن الأديان الأخرى سوى الإسلام -إنما هي من صنع وابتداع الأحبار والرهبان والكهان ورجال الدين والفلاسفة.. الذين أسسوا أدياناً من عند أنفسهم، أو حرفوا دين الله وزادوا فيه ونقصوا حتى ضاعت الحقيقة في ركام الأباطيل.
  16. اليهودية

    اليهودية هي دين بني إسرائيل الذي بعث الله تعالى بها نبيه موسى وأنزل عليه التوراة.
    وقد دعاهم موسى وربَّاهم على التوحيد والإسلام، ولكنهم انحرفوا عن ذلك وحرفوا كتاب ربهم فأصبح دينهم يسمى اليهودية .
    فتعريف اليهودية إذن هو: (الدين المحرف الذي دان به بنو إسرائيل بعد خروجهم عن الإسلام الذي جاء به نبيهم موسى عليه السلام).
    1. اليهودية في عهد موسى عليه السلام

      كان من قوم موسى عليه السلام أمة مؤمنة، ولكن كثيراً من بني إسرائيل ظهرت انحرافاتهم والتواءاتهم النفسية في عهده عليه السلام، ومن ذلك:
      1- أنجاهم الله تعالى من العبودية لفرعون وقومه، وجعل لهم في البحر طريقاً، ثم أطبقه على عدوهم، ومع ذلك لم يقدروا نعمة الله عليهم بالتوحيد والحرية، بل سرعان ما طلبوا العودة إلى الشرك حين رأوا قوماً مشركين، قال تعالى: ((وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ))[الأعراف:138].
      2- قالوا لنبيهم موسى عليه السلام: ((لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ))[البقرة:55] فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون.
      3- أمرهم الله على لسان نبيهم موسى عليه السلام أن يجاهدوا في سبيل الله، ويدخلوا الأرض المقدسة، فرفضوا أمر الله وقالوا: ((فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ))[المائدة:24].
      4- أنزل الله عليهم المن والسلوى وهما من ألذ الطعام وأطيبه، ولكنهم طلبوا من موسى أن يدعو ربه يخرج لهم مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها.
      5- ذهب موسى ليتلقى التوراة من ربه، وغاب عنهم أربعين ليلة فقط، وعاد فوجدهم يعبدون العجل الذهبي، ويقولون: هذا إلهنا وإله موسى، وعصوا هارون واتبعوا السامري صاحب العجل.
      وبعد وفاة موسى عليه السلام تعاقبت عليهم الأنبياء لتردهم إلى الطريق القديم وتقيم فيهم حكم التوراة ولكنهم كفروا بهم، بل وصل بهم العناد إلى بعض أنبيائهم، قال تعالى: ((أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ))[البقرة:87]
      وامتدت أيديهم إلى كتاب الله، فحرفوه حتى أدخلوا فيه الشرك والكفر.
    2. التوراة

      التوراة اسم الكتاب الذي أنزله الله تعالى على نبيه موسى، وهو كسائر الكتب المنزلة، يحتوي على التوحيد والأحكام والأخلاق التي تقوم عليها حياة الناس، وتترتب سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة على اتباعها والالتزام بها.
      ولكن اليهود غيروا التوراة ومعانيها، وحرفوا في التوحيد والإيمان كما حرفوا في الشرائع والأحكام، وأدخلوا فيها تاريخهم وأخبارهم في عصور طويلة حتى أصبحت التوراة الموجودة اليوم عبارة عن سرد تاريخي لأحوال بني إسرائيل وحروبهم وملوكهم، فيه كثير من التعطيل والسآمة والتحريف والتهويل.
      ومن نماذج ما غيروا وحرفوا في التوراة:
      1- تحريف اللفظ، وهو تغيير ما أنزل الله أو الزيادة فيه أو النقص منه.
      يقول الله تعالى عن أحبارهم: ((فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً...))[البقرة:79]
      2- تحريف المعنى، وهو صرف الكلام عن المعنى المراد إلى معنى آخر غير مراد، يقول تعالى: ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ))[النساء:46] ويقول: ((يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ))[المائدة:41]
      ومن ذلك: أنهم جعلوا ما في التوراة من تحريم السرقة والربا والزنا والغش خاصاً باليهود فيما بينهم، أما غيرهم فكل ذلك حلال لليهود أن يفعلوه معهم.
      3- إظهار بعض وإخفاء بعض، يقول الله تعالى: ((قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ...))[الأنعام:91]
      ومما كتموه وأخفوه علامات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والآيات الآمرة بتصديقه والإيمان به.
    3. بعض التحريفات في التوحيد والعقيدة

      أولاً: التمثيل والتشبيه:
      يقول الله تعالى: ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ))[الشورى:11].
      وقد اتفقت الكتب المنزلة، والعقول السليمة، والفطر القويمة على أن الله تعالى لا يماثله ولا يشبهه شيء في مخلوقاته.
      ولكن اليهود ملئوا توراتهم المحرفة بنماذج كثيرة من هذا الكفر، نذكر موجزاً لبعضها:
      1- كتبوا أن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع.
      2- كتبوا فيها أن الله تعالى لما خلق الإنسان ورأى شره قد كثر في الأرض؛ حزن على أنه خلقه وتأسف في قلبه.
      وهذا هو البداء، وفيه تشبيه وتجهيل لله تعالى.
      3- ذكروا أن الرب تعالى نزل إلى الأرض وصارع يعقوب من المساء إلى الفجر، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
      ثانياً: تدنيس الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم:
      لم تتورع النفسية اليهودية الدنسة عن نسبة الدنس والفحش إلى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهم يهدفون من ذلك إلى تبرير ما يرتكبونه من الفواحش والموبقات، وفي التوراة المحرفة من ذلك الشيء الكثير، ومنه:
      1-            أن نوحاً شرب الخمر، ولما سكر تعرى من ثيابه.
      2-            أن بنتي لوط سقتا أباهما خمراً واضطجعتا معه وحبلتا منه.
      3-            أن داود نظر من سطح بيته فرأى امرأة جميلة، فأخذها وزنى بها وحبلت منه، وبعث بزوجها إلى الحرب ليموت، ولما مات تزوجها داود، ثم تاب وندم ولكنه احتفظ بالمرأة وحملت منه بسليمان.
      4-            أن سليمان مال إلى نسائه المشركات، وصنع هياكل لأصنامهن لكي يعبدن ويتقرب إليها بالذبح فيها.
      ثالثاً: مسح اليهود كل حديث عن الآخرة والبعث والحساب من التوراة:
    4. نص من التوراة المحرفة

      موضوع النص: وفاة موسى وما قاله لبني إسرائيل في ذلك اليوم.
      تقول التوراة المحرفة: (وكلم الرب موسى في نفس ذلك اليوم قائلاً: اصعد إلى جبل عباريم هذا جبل نبو الذي في أرض موآب الذي قباله أريحا، وانظر أرض كنعان التي أنا أعطيها لبني إسرائيل ملكاً، ومت في الجبل الذي تصعد إليه، وانضم إلى قومك كما مات هارون أخوك في جبل هور وضُم إلى قومه).
      ثم يقول النص: (فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم، وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات، ولم تكل عينه، ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل موسى ثلاثين يوماً، ولم يقم بعد نبي في بني إسرائيل مثل موسى. .
      فكل عاقل يعلم أن هذا الكلام لا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالى على موسى، وإنما هو كلام مؤرخ كتبه بعد موت موسى بزمن طويل.
    5. التلمود

      التلمود هو كتاب اليهود الخطير الذي يستمدون منه تعاليمهم وأخلاقهم، وهو المصدر الأساس للفكرة الصهيونية الحديثة، وقد كتبه أحبارهم وحكماؤهم (حاخاماتهم) في عصور متعاقبة، وبعض تعاليمه أسرار ورموز لا يطلع عليها ولا يستطيع تفسيرها إلا هم. والتلمود مملوء بالافتراء على الله، وتغيير دينه وتحريف شريعته، ونحن نقتصر على ذكر فكرة أساسية فيه، هي العلاقة بين اليهود وغيرهم من الناس، وإليك هذه المقارنة. ------------------------------------------ === اليهود: 1- مخلوقون من عنصر الله. 2- هم شعب الله المختار. 3- زواجهم هو الزواج الشرعي الوحيد. 4- الزنا باليهودية حرام على اليهودي. 5- لا يجوز اغتصاب اليهودي لليهودية. 6- يحرم أخذ أموالهم بالباطل. 7- الربا بينهم حرام إلا إذا كان غير فاحش. 8- يحرم على اليهودي قتل اليهودي. 9- يجب الوفاء لهم بالعهود والمواثيق. 10- ذبيحتهم حلال. ------------------------------------------ === الأميون (غير اليهود): 1- مخلوقون من نطفة حيوانية وأرواحهم من الشيطان. 2- هم الحمير الذي خلقهم الله لخدمة الشعب المختار. 3- لا شريعة لزواجهم ولهذا لا يمتون بأية صلة إنسانية إلى آبائهم وأمهاتهم. 4- النساء غير اليهوديات كلهن مومسات، وزنا اليهودي بهن لا تستدعي أي شعور بالذنب. 5- يجوز لليهودي اغتصاب غير اليهودية بشرط أن يزيد عمرها على ثلاث سنوات ولو بيوم واحد. 6- الاستيلاء على ما يمكن الاستيلاء عليه من أموالهم حق لليهودي، بل هو مطلوب ديناً. 7- ربا اليهودي حلال معهم مهما كان فاحشاً. 8- اليهودي الذي يقتل أمياً إنما يقدم قرباناً للرب. 9- اليهودي في حل من كل عهد أو يمين أو ميثاق مع غير يهودي. 10- ذبيحتهم ميتة وناقلة للأوبئة مهما كانت ذكاتها.
  17. النصرانية

    1. رسالة المسيح بالتوحيد

      سبق القول أن الرسل قد جاءوا جميعاً بالتوحيد، ومنهم المسيح عيسى بن مريم الذي بعثه الله إلى بني إسرائيل وأراد أن تكون رسالته حلقة وصل بين الرسالتين العظيمتين:
      1- رسالة موسى عليه السلام حيث بعث المسيح في بني إسرائيل خاصة، وجعله مصدقاً للتوراة ومجدداً لشريعته.
      2- رسالة محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث رحمةً للعالمين، حيث بشر به المسيح باسمه وصفته، قال الله تعالى: ((وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ))[الصف:6].
      وقد أرسل الله تعالى نبيه عيسى إلى بني إسرائيل بآيات بينات وبراهين باهرات، وأنزل إليه الإنجيل ليحكم بينهم بما أنزل الله فيه، وهكذا كان أتباع المسيح جزءاً من الأمة اليهودية التي كانت أحدث الأمم الخاضعة للحكم الرومي.
    2. اضطهاد أتباع المسيح

      كفر اليهود برسالة عيسى أشد الكفر، واتهموه بأشنع التهم، وسعوا في القضاء عليه وعلى من اتبعه منهم، ودبروا مكيدة لدى الحاكم الروماني أقنعته بالقبض على المسيح بغرض قتله وصلبه، ولكن الله تعالى نجاه منهم ورفعه إليه، وألقى شبهه على الجاسوس المنافق فصلبه الحاكم، قال تعالى عن المسيح: ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ.. ا لآية))[النساء:157].
      واستمرت الحكومة الرومانية بتحريض اليهود ومعاونتهم في تعذيب أتباع المسيح وتقتيلهم ثلاثة قرون تقريباً، ونتج عن ذلك نتائج وأحداث كبرى في تاريخ النصرانية، أهمها:
      1- ضياع الإنجيل الذي أنزله الله وتفرق المؤمنين به، وهذا ما جعل كثيراً منهم يكتب ما بلغه وسمعه عن المسيح سراً ودون تحقيق أو تدقيق، وهذه الكتابات سميت أناجيل.
      2- ظهور دعوات وأفكار غريبة انتسبت إلى عيسى كذباً وزوراً، ولم يكن في أمكان أتباعه وهم في هذه الحالة القاسية أن يقاوموها ويبينوا زيفها.
      وأهم هذه الدعوات في تلك المرحلة دعوة: ( شاءول ) الملقب ( بولس ).
      - بولس :
      يكاد الباحثون والمؤرخون المعاصرون من النصارى وغيرهم يجمعون على أن بولس هو المؤسس الحقيقي للدين النصراني المعروف اليوم.
      ولا خلاف في أنه كان أول أمره من أشد اليهود عداوة للمؤمنين بالمسيح وتنكيلاً بهم، كما هو مسطر عنه في الرسائل المقدسة نفسها، وأنه تحول إلى المسيحية فجأة واعتنقها، وأصبح أعظم الرسل كما يسمونه.
      وكان تحوله في الحقيقة مكيدة يهودية بعيدة النظر، فقد أخذ يهدم المسيحية من داخلها وينسخ منها ما شاء، ويضيف إليها ما شاء، مع أنه لم يلق المسيح ولم يره، وإنما ادعى أن المسيح يوحي إليه، فصدقه أكثر النصارى وسموه ( بولس الرسول ) وأصبحت رسائله فيما بعد من كتبهم المقدسة، والواقع أن بولس كان يؤمن بالمذهب الذي أسسه الفيلسوف اليهودي ( أفلوطين ) هو المذهب المعروف ( بـالأفلاطونية الحديثة ) وقد اقتبسه أفلوطين من الفلسفتين: الهندوسية واليونانية.
    3. خلاصة عقائد النصارى

      1- الخطيئة والخلاص:
      تزعم النصرانية المحرفة أن آدم لما وقع في خطيئة الأكل من الشجرة احتاج الجنس البشري إلى التكفير وإلى مخلص ينقذهم منها، وأن الله رحم بني آدم فنزل ابنه الوحيد -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- لكي يصلب ويقتل تكفيراً عن تلك الخطيئة، ومن هنا وجب على كل البشر الإيمان بالمسيح ابناً لله ومخلصاً للبشر، ومكفراً عن خطيئتهم، ولهذا يقدس النصارى الصليب، ويجعلونه شعارهم الدائم.
      2- التثليث:
      يتفق النصارى جميعا ً على أن الله ثلاثة، ويسمونها (ثلاثة أقانيم) وهي : الأب، والابن، وروح القدس، ثم يقولون: إن الثلاثة واحد.
      ولكنهم يختلفون في معنى الأقنوم، وفي طبيعة كل أقنوم وخصائصه اختلافاً كبيراً، وما يزالون على مدار ألفي سنة يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً بسبب ذلك.
      ويشهد التاريخ الأوروبي أن ضحايا هذه الاختلافات فيما بينهم تفوق من قتل منهم على أيدي المسلمين واليهود والمجوس أضعافاً كثيرة.
      والعجيب أن من أسباب هذا الاختلاف عدم تصور حقيقة التثليث، حتى اعتقد بعض علمائهم أنه لا يمكن معرفته إلا يوم القيامة عندما تتجلى الحقائق.
      3- التوسط والتحليل والتحريم:
      تؤمن المسيحية المحرفة بالتوسط بين الله والخلق في العبادة، وهذا التوسط هو مهمة رجال الدين، فعن طريقهم يتم دخول الإنسان في الدين واعترافه بالذنب، وتقديم صلاته وقرابينه، وقد أدى هذا إلى أن يتحول رجال الدين إلى طواغيت يستعبدون الناس ويحللون لهم ويحرمون من دون الله، كما قال الله تعالى: ((اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ...))[التوبة:31].
      وقد فسر الرسول صلى الله عليه وسلم عبادتهم بأنها طاعتهم في التحليل والتحريم، كما في حديث عدي بن حاتم، وما يزال النصارى إلى اليوم إذا رأوا أن المصلحة تقتضي تحريم شيء أو تحليله، يطلبون ذلك من (البابا) ورجال الدين، فتصدر القرارات التي قد تخالف نصوص الإنجيل.
      وقد أدى هذا المبدأ إلى نتائج سيئة؛ منها: إصدار صكوك الغفران، واحتكار رجال الدين للعلم والقراءة والكتابة قروناً طويلة.
      4- الإيمان بالكتب المقدسة عندهم (العهد القديم والعهد الجديد) وهي الرسائل والأناجيل التي نتحدث عنها.
    4. كتب النصارى المقدسة

      يشمل الكتاب المقدس عند النصارى قسمين:
      1- العهد القديم: وهو التوراة والأسفار الزائدة عليها، وقد سبق الحديث عنها.
      2- العهد الجديد: ويشمل الأناجيل الأربعة والرسائل التي كتب أكثرها بولس وتلاميذه.
      - الأناجيل الأربعة:
      يوجد لدى النصارى أكثر من سبعين إنجيلاً، ولكن الأناجيل المعترف بها عند معظمهم أربعة:
      1- إنجيل لوقا : وهو تلميذ بولس ورفيقه، كتبه باليونانية.
      2- إنجيل متى : كتب باللغة العربية ولم يعرف إلا باليونانية والمترجم مجهول.
      3- إنجيل مرقص: كتبه باليونانية واختلفوا في الكاتب الحقيقي.
      4- إنجيل يوحنا : وقد اختلفوا في كاتبه، واتفقوا على أنه كتبه ليثبت ألوهية المسيح، وهو آخر الأناجيل.
      وقد كتبت هذه الأناجيل بعد عيسى بزمن طويل، وتنوقلت بالترجمة من لغة إلى لغة، ولم يسمع عنها شيء إلا في أوائل القرن الثاني الميلادي.
      وفي سنة (325م) تم اختيارها من بين أناجيل كثيرة وحكم على ما عداها بالحرق والإعدام.
      ويدعي النصارى أنها موحاة من عند الله، ولكن من يطلع عليها لا يشك في أنها ليست كذلك، فهي متناقضة ومتغايرة في أمور كثيرة، وكل منها يعبر عما يعتقده مؤلفه، أو ما بلغه من سيرته وأخباره، والتي لا يعلم أهي منقولة عن الثقات أم عن الوضاعين؟
      ويوجد كتاب سيرة للمسيح يسمى (إنجيل برنابا) يختلف عن الأناجيل جميعها، وهو أقرب شيء إلى ما جاء في القرآن والسنة عن المسيح، وفيه تصريح ببشارة عيسى بمحمد صلى الله عليه وسلم.
      ولكن التعصب الأعمى يجعل رجال الدين النصراني يكفرون بهذا الإنجيل، وينكرون صحته بدون أي دليل علمي.
  18. الهندوسية

    اشتهرت الهند منذ القدم بكثرة الأديان فيها، وهذه الأديان يطلق عليها في جملتها ( الهندوسية ) وقد يطلق على بعضها.
    والهندوسية مجموعة من العقائد والأفكار والتقاليد مرت بمراحل تاريخية كثيرة، وتفرعت منها ديانات مستقلة انتشرت في بلاد أخرى.
    1. الإله عند الهندوس

      يتركب الإله عند الهندوس من ثلاثة أقانيم (عناصر):
      1- براهما: ومعناها الخالق.
      2- فشنر: ومعناها الحافظ.
      3- سيفا: ومعناها المهلك.
      ومع أنهم يقولون: إن هذه الثلاثة واحد، فهم يعتقدون أن براهما هو الإله، ومنه اشتق اسم الدين ( البرهمية ).
    2. العبادة عند الهندوس وكتبهم

      العبادة عند الهندوس على قسمين:
      1- عبادة البراهمة ويسمون الحكماء والصوفية: وهم يتعبدون بتعذيب النفس والتجرد من الدنيا الذي يهدف في النهاية إلى الاتحاد بالإله (براهما) أي: تصبح نفوسهم جزءاً من ذاته.
      وهم يقطعون أعمارهم في الصوم وقراءة الكتب المقدسة، وقد يعيشون في الغابات عراة ويمارسون أنواعاً من الرياضات البدنية الشاقة (ومنها اليوغا) ولا يتزوجون ولا يملكون شيئاً من الدنيا.
      وهم يتعلمون السحر والشعوذة ليتوصلوا بها إلى إثبات الخوارق والكرامات التي يزعمون أن (براهما) أعطاهم إياها.
      وهؤلاء يتلقون طرائق العبادة من طريق التوارث، فكل كاهن يربي مجموعة من المريدين على طريقته، ولا يحق للمريد مخالفة المربي أو الاعتراض عليه في شيء.
      2- عبادة العامة: وهم يعبدون كل شيء من شجر وحجر ودواب، حتى أن منهم من يسجد للسائح الأجنبي أو سيارته، ومنهم من يسجد للعنكبوت والذرة، وكل ما نال إعجابه سجد له وعبده، وتزعم كتب الهندوس المقدسة أن الإله الخالق هو الذي أمر بنحت الأصنام وعبادتها، وقال: إنها تذكرهم بعبادته.
      -العبادة المشتركة:
      المعبود المشترك الذي يتفق الخاصة والعامة على عبادته هو (البقرة).
      فالهندوس يقدسون البقرة تقديساً عظيماً، حتى فضلاتها، وقد صرح الرئيس الهندي السابق ( غاندي ) الذي كان يعتبر زعيماً للعالم الثالث ودول عدم الانحياز قائلاً: (إني أعبد البقرة وسأدافع عن عبادتها أمام العالم...).
      -كتاب الهندوس المقدس:
      كتاب الهندوس المقدس يسمى ( الويدا ) أو ( الفيدا )، وهو عبارة عن أناشيد وابتهالات وتضرعات منها ما يرتله رجال الدين، ومنها ما يرتله الشعب، كما أنه يشتمل على السحر والتعاويذ التي يتعلمها الكهان لاستخراج الكرامات، وجلب النفع ودفع الضرر.
    3. أهم عقائد الهندوس

      1- تناسخ الأرواح: ومعناه انتقال الأرواح في دورات متعاقبة من جسم إلى جسم، حيث يعتقد الهندوس أن الإنسان إذا مات فإن روحه تنتقل إلى جسد آخر، قد يكون جسد حيوان -مثلاً- وهناك تسعد أو تشقى حسب عمله السابق، ولكنه في الدورة الثانية لا يشعر بشيء مما حدث له في الدورة السابقة، وتستمر الدورات حتى تتصفى الروح وتصبح أهلاً للاتحاد بالبراهما.
      2- الاتحاد بالبراهما: يعتقد الهندوس أن أعظم غاية هي تصفية الروح وتطهيرها من أدران الجسد حتى تتحد بالبراهما وتصبح جزءاً منه.
      ولهذا فالحكماء ( الصوفية ) يجتهدون في تعذيب أنفسهم وتزكيتها للوصول إلى هذه الغاية خلال دورة واحدة فقط.
      3- إنكار الوحي: لا يؤمن الهندوس بالوحي المعروف، وإنما يؤمنون بالإلهام والكشف، ويعتقدون أن أي إنسان ينعزل في الغابات ويجوع نفسه ويعذبها، سوف يٌلقى إليه العلم الباطن وتكشف له الحقائق الأبدية.
      4- تحريم أكل الحيوان: وهو جزء من الرهبانية وتعذيب النفس، ويزعمون أن الإنسان لكي يصبح روحانياً لا يأكل شيئاً ذا روح.
      كما تحرم شريعتهم على البرهمي إذا كبر أن يعيش مع الناس، وتفرض عليه أن يعيش في الغابة ولا يأكل إلا مما يسقط من الثمار فقط، ولا يقص شعره وظفره حتى يموت.
      ومن أهم الشعائر الهندوسية : إحراق جثث الموتى.
    4. طبقات المجتمع الهندوسي

      تنص الشريعة الهندوسية على تقسيم الناس إلى أربع طبقات متمايزة لكل طبقة خصائصها وواجباتها.
      -سبب هذا التقسيم:
      يعتقد الهندوس أن الإله (براهما) خلق الناس من نفسه، فمنهم من خلقهم من ذراعه، ومنهم من خلقهم من فخذه، ومنهم من خلقه من رجله، وعلى هذا كانت الطبقات الأربع الأبدية، وهي على الترتيب:
      1- البراهمة : خلقهم من فمه، وهم رجال الدين والكهنة، وهي أعلى الطبقات.
      2- الكاشتريا: وهم الملوك والقضاة والجنود، خلقهم من ذراعه.
      3- ويشيا: وهم التجار والفلاحون وأصحاب المهن، خلقهم من فخذه.
      4- شودرا: وهم الطبقة المنبوذة التي خلقت لخدمة سائر الطبقات، ويعتقدون أن براهما خلقهم من قدمه.
  19. البوذية

    1. تعريف البوذية ومؤسسها

      البوذية فرع من العقائد الهندوسية، وبوذا في الأصل لقب ديني هندوسي، معناه: العارف أو القطب، ثم أطلق على مؤسس البوذية وأصبح علماً عليه.
      - بوذا:
      ولد بوذا في أسرة مترفة، ولكنه هجر حياتها والتحق بالرهبان البراهمة، وعاش معهم، فلم يجد عندهم الحقيقة التي يبحث عنها، وهي (سر وجود الإنسان والكون) فقرر ترك طريقتهم والسير في طريق الحقيقة بنفسه، فتجرد من ثيابه وهام في الغابات، وأخذ يتفنن في تعذيب جسده، واستمر على ذلك سنوات لكنه لم يصل إلى شيء.
      وأخيراً قرر أن يعود إلى الحياة العادية، وفي طريق العودة جلس تحت شجرة، وهناك -كما يقول- هبطت عليه الحقيقة، واقتنع أنه أصبح -بوذا - أي: عارفاً أو قطباً- وأصابته حالة استغراق وتأمل طويلة، لم يأكل خلالها ولم يشرب، ثم انطلق يدعو الناس إلى ما وقع في نفسه من أفكار وتأملات.
    2. أهم العقائد البوذية

      تتنفق البوذية والهندوسية في كثير من الأصول والفلسفات مثل عقيدة التناسخ والاتحاد بالإله ، وتختلف البوذية عن الهندوسية في أمور.... أهمها:
      1- إنكار وجود براهما -الإله عند الهندوس- وإنكار تقديم القرابين له.
      2- إنكار نظام الطبقات الهندوسي.
      3- اتخاذ طريقة جديدة للزهد والتخلي عن الدنيا.
    3. تطور البوذية

      قدس البوذيون بوذا تقديساً عظيماً، وكتبوا كثيراً عن سيرته وأعماله وأفكاره، ودخل في البوذية شعوب وأجناس شتى، ونتج عن ذلك انقسام البوذية إلى قسمين:
      1- البوذية القديمة:
      وتسمى الجنوبية، لانتشارها في بورما وتايلاند وسيلان، وهي في الحقيقة تؤله بوذا وتعبده، وزعيمها هو ( اللاما ) ومقره بلاد التبت، ويعتقد أتباعه أن الإله يحل فيه، وتتميز بالرهبانية الشديدة.
      2- البوذية الجديدة:
      وتسمى الشمالية، لانتشارها في اليابان وكوريا والصين .
      وتتميز بالفلسفة والتعمق وتعدد الآلهة، ففي الصين يعتقدون أن الآلهة ثلاثة وثلاثون، واليابانيون يعتقدون أن إمبراطورهم من نسل الآلهة.

  20. السيخ

    1. نشأة السيخية ومؤسسها

      السيخية دين هندوسي ظهر في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد رجل يدعى ( نانك ) أصله من طبقة الكاشتريا، قضى صدراً من حياته في التأمل والتفكر، ورفضت فطرته عبادة الأصنام والتماثيل التي تكثر عند الهندوس، كما رفضت نظام الطبقات المقيت، فأخذ يسيح في الأرض باحثاً عن الحقيقة، وأراد أن يتعلم الإسلام، ولكن المسلمين في بلاده ( البنجاب ) كانوا يعبدون الأولياء ويقدسون الأضرحة كما يفعل الهندوس بالأصنام، فلم يجد ( نانك ) فرقاً كبيراً بين الطائفتين، ولم يوفق لمقابلة من يعلمه الإسلام الصحيح.
      ثم إنه لقي صوفياً من أصحاب وحدة الوجود يدعي ( سيد حسين درويش ) فتعلم منه أن الأديان كلها حق؛ لأن الأصنام ما هي إلا مظاهر وتجليات للحق، ومن عبدها فإنما يعبد الله في الحقيقة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
      فأعجب ذلك الضال الحائر بهذه العقيدة وآمن بها وأخذ يدعو إلى دين جديد، لا هو الهندوسية ولا الإسلام، وزار معابد الهندوس وأضرحة الأولياء، وناظر الكهنة والشيوخ داعياً إلى عقيدته، ويقال: إنه حج إلى مكة وزار العراق أيضاً.
      وكان ( نانك ) وخلفاؤه من بعده صوفيين، ومن هنا أطلق عليهم اسم (السيخ) ومعنى كلمة السيخ (السيد) أو (الفارق) وظل السيخ على طريقة صوفية إلى أن جاء أحد أحفاد ( نانك ) في القرن الحادي عشر الهجري، فحولهم إلى جماعة حربية منظمة، وغير الاسم من سيخ إلى (سنغ) (وكلمة سنغ معناها: أسد) ولكن اسمه من قديم بقي هو الأشهر، ومنذ ذلك الحين أصبح السيخ أمة شديدة البأس حربية الطبع، وعاشوا في حروب مستمرة مع جيرانهم من الهندوس والمسلمين.
      ولما احتل الإنجليز الهند دخل السيخ في طاعتهم، وظلوا مخلصين في الولاء لهم، وسخرهم الإنجليز لحرب الهندوس والمسلمين.
      ولما قسمت الهند إلى دولتي: الهند وباكستان كان السيخ من ضمن المناطق الهندية لا سيما عاصمتهم المقدسة ذات المعبد الذهبي، وبذلك كانوا وما يزالون من أكبر أسباب الاضطراب والشغب في الهند، كما أنهم يشابهون اليهود في شدة عداوتهم للإسلام.
    2. عقائد السيخ

      إضافة إلى ما شرعه ( نانك ) أحدث خلفاؤه عقائد وعبادات، منها ما هو شبيه بـالهندوسية ومنها ما هو قريب الشبه بالإسلام، وجعلوا السيخ أمة متميزة حتى في الشعار واللباس، وهذه هي أهم عقائد السيخ:
      1- الإيمان بعبادة رب واحد خالق وإنكار عبادة الأصنام.
      2- الإيمان بأن إمامهم (ويسمونه الكورو) يتوسط بين الرب والخلق.
      3- الإيمان بالكتاب المقدس عندهم المسمى ( كرانته ).
      4- الإيمان بالتناسخ كما هو عند الهندوس.
      5- الحج إلى المعبد الذهبي (أمرتسار) والاستحمام في حوضه الذي يعتقدون فيه مثلما يعتقد الهندوس في نهر ( الكانج ).
  21. القومية والوطنية

    القومية في اللغة مصدر صناعي من القوم، والوطنية مصدر صناعي من الوطن، وهما في الاصطلاح مذهب فكري يؤمن بأن رابطة الولاء والتجمع هي القوم أو الوطن.
    1. تاريخ الوطنية ونشأتها

      التفاخر بالأنساب والأعراف من شأن الجاهليات قديمها وحديثها، وقد أبطل الإسلام ذلك في جملة ما أبطل من دعاوى الجاهلية وشعاراتها، ولكن الحاقدين من المجوس أثاروا في العصر العباسي دعوة قومية فارسية تحتقر الجنس العربي وتغالي في تعظيم الجنس الفارسي، وقد أطلق على هذه الحركة اسم ( الشعوبية ).
      والواقع أنه لم يكن لهذه الحركة نظرية فكرية مستقلة، وإنما كانت جزءاً من المؤامرة الحاقدة على الإسلام.
      أما المفهوم الحديث القومية فقد ولد في أوروبا في القرن الماضي، وذلك بعد أن ضعفت رابطة الدين النصراني، وتفككت الإمبراطوريات الأوروبية الكبرى التي كانت تضم أقواماً وأوطاناً كثيرة، وقد ساعد على تنمية الفكرة القومية أمور سيأتي ذكرها:
      -أسباب ظهور الفكرة القومية:
      1- الثورة الفرنسية وما أسفرت عنه من ولادة أول دولة لا دينية في التاريخ الحديث وتأسيس قاعدة الولاء للوطن لا الدين.
      2- بعث الآداب القديمة، ودراسة تاريخ الحضارات المنقرضة وإحياء آثارها، مما جعل كل أمة أو وطن تفتخر بماضيها وتفتعل الأمجاد له.
      3- صراع الدول الأوروبية داخل القارة وصراعها على احتلال القارات الأخرى.
      هذا وقد بلغت القومية ذروة قوتها في فترة ما بين الحربين العالميتين، حيث ظهر الزعماء القوميين الكبار أمثال: ( هتلر ) و ( موسوليني ) في أوروبا و ( غاندي ) و( كمال أتاتورك ) في الشرق.
      ولكنها خمدت في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية حيث رأت الدول الأوروبية ضرورة الترابط المشترك، وأسست الأحلاف العسكرية والاقتصادية الكبرى، مثل: حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) و(السوق الأوروبية المشتركة ). أما في البلاد العربية فلها تاريخ آخر.
    2. القومية والوطنية في العالم الإسلامي

      الوطنية: أول ما ظهرت الوطنية بمفهومها المعاصر في مصر بعد الحملة الفرنسية، وكان هدفها فصل مصر عن العالم الإسلامي والخلافة العثمانية، نظراً لما لـمصر من مكانة وزعامة حضارية وعلمية في العالم الإسلامي.
      وقد بذل المستشرقون وأشباههم جهوداً كبرى لإحياء (الفرعونية) في مصر من خلال التنقيب عن الآثار وبعث الأمجاد الفرعونية، وقد فعلوا مثل ذلك في جميع بلدان العالم الإسلامي.
      وقد نجحت الفكرة الوطنية في مصر نجاحاً ظاهراً، وآمن بها الزعماء السياسيون، مثل ( سعد زغلول ) صاحب شعار (الدين لله والوطن للجميع) و ( مصطفى كامل ) صاحب شعار (لو لم أكن مصرياً لتمنيت أن أكون مصرياً).
      وظهر ذلك لدى المفكرين والصحفيين والشعراء، حتى أن أحمد شوقي وهو المعروف بتأييده للخلافة والرابطة الإسلامية كان وطنياً أيضاً، ومن شعره:
      أنا مصري بناني من بنى            هرم الدهر الذي أعيا الفنا
      وانكشفت الأهداف المتسترة وراء هذه الفكرة، حين أعلن دعاتها أمثال الدكتور ( طه حسين ) أن مصر قطعة من الغرب لا صلة لها بالشرق من قريب ولا بعيد، وأن الفتح الإسلامي لـمصر ما هو إلا غزو عربي عسكري.
      وطالب بعضهم بإلغاء الحروف العربية وإحلال الحروف اللاتينية محلها، واستخدام اللهجة العامية المصرية لغة بديلة عن الفصحى.
      وقد ضعفت فكرة الوطنية المصرية لأسباب أهمها: تحول مصر بعد الانقلاب العسكري إلى فكرة القومية العربية -التي هي أعم من الوطنية والدعوى الاشتراكية العالمية - التي تتعارض بطبيعتها مع الوطنية.
      إلا أن الوطنية لا تزال فكرة رائجة في بلدان العالم الإسلامي، وهي أحد العوائق دون وحدة الأمة الإسلامية.
    3. نشأة القومية وفشلها

      أنشئت القومية في العالم الإسلامي لغرض تواطأت عليه الصهيونية العالمية والدول الصليبية جميعاً، وهو تمزيق دولة الخلافة العثمانية، وتفكيك رابطة العقيدة الإسلامية تمهيداً لإقامة دولة يهودية وحكومات نصرانية، أو موالين للغرب في الدول العربية.
      والثابت تاريخياً أن أول من دعا إلى القومية هم اليهود في تركيا، والنصارى في العالم العربي، ثم انضم إليها أبناء الطوائف الحاقدة، كـالنصيرية، والدروز، والرافضة وبعض المتفرنجين أو المخدوعين من أهل السنة.
      وقد ابتدأت الدعوة إلى القومية بتأسيس جمعيات سرية لم تكن في حقيقتها إلا فروعاً للجمعيات الماسونية، وقد قامت هذه الجمعيات تنادي بـالقومية التركية في تركيا، وبـالقومية العربية في الدول العربية في وقت واحد، مع أن كثيراً من دعاتها ليسوا من أصل تركي ولا عربي.
      واستطاع القوميون الأتراك بقيادة ( كمال أتاتورك ) الذي لم يكن هو في الأصل تركياً أن يلغوا الخلافة العثمانية، ويبطلوا ما تبقى من أحكام الشريعة الإسلامية، كما ألغوا الحروف العربية حتى أنهم أبطلوا الأذان باللغة العربية وجعلوه بالتركية، واستعاضوا عن نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأبطاله العظام بزعماء الوثنية أمثال ( جنكيز خان ) وحفيده ( هولاكو ) الذي دمر بغداد .
      وهذا ما حفز دعاة العربية إلى مزيد من التعصب وإثارة الرأي العام للقومية العربية، وقد أثبتت الوثائق التاريخية المنشورة أن كل دعاة القومية من زعماء ومفكرين كانوا على صلة بالدول الاستعمارية لا سيما انجلترا التي خططت لإنشاء جامعة الدول العربية.
      ولما لم يكن للقومية عقيدة أو فكرة محددة فقد اندمجت مع تيار الاشتراكية الذي طغى على العالم الإسلامي، منذ قيام الدولة اليهودية بواسطة الانقلابات العسكرية والأحزاب اليسارية.
      وأكبر الأحزاب القومية في العالم العربي هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه ( ميشيل عفلق ) النصراني.
      وبهزيمة صفر (1387هـ) (حزيران 1967م) انكشف زيف القومية العربية وأخذت في الانحطاط حتى يصح أن يقال: إنها الآن في حالة احتضار.
      فقد تخلت مصر عن فكرة القومية العربية بعد تزعمها لها وعادت إلى الوطنية، كما أخفقت مشروعات الوحدة التي قامت بين بعض الدول العربية، وضعف دور الجامعة العربية حتى كاد يتلاشى، وانتقلت الدول العربية من فكرة الوحدة والاندماج إلى فكرة التعاون أو التكامل الإقليمي.
    4. خطر القومية العربية على الإسلام

      يقول العلامة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
      (اعلم أن هذه الدعوة -أعني الدعوة إلى القومية العربية- أحدثها الغربيون من النصارى لمحاربة الإسلام والقضاء عليه في داره بزخرف من القول، وأنواع من الخيال، وأساليب من الخداع، فاعتنقها كثير من أعداء الإسلام، واغتر بها كثير من الأغمار ومن قلدهم من الجهال، وفرح بذلك أرباب الإلحاد وخصوم الإسلام في كل مكان.
      ومن المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الدعوة إلى القومية العربية أو غيرها من القوميات دعوة باطلة، وخطأ عظيم، ومنكر ظاهر، وجاهلية نكراء، وكيد سافر للإسلام وأهله، وذلك لوجوه:
      الأول: أن الدعوة إلى القومية العربية تفرق بين المسلمين، وتفصل بين المسلم العجمي وأخيه العربي، وتفرق بين العرب أنفسهم لأنهم ليسوا كلهم يرتضونها.
      الوجه الثاني: أن الإسلام نهى عن دعوى الجاهلية وحذر منها، وأبدى في ذلك وأعاد في نصوص كثيرة، بل قد جاءت النصوص تنهى عن جميع أخلاق الجاهلية وأعمالهم إلا ما أقره الإسلام من ذلك، ولا ريب أن الدعوة إلى القومية العربية من أمر الجاهلية؛ لأنها دعوة إلى غير الإسلام ومناصرة لغير الحق.
      الوجه الثالث: أن الدعوة إلى القومية العربية سُلِّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين، واتخاذهم بطانة، والانتصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم، ومعلوم ما في هذا من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجود بغض الكافرين من العرب وغيرهم، ومعاداتهم وتحريم موالاتهم واتخاذهم بطانة.
      والنصوص في هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ))[المائدة:51-52].
      سبحان الله! ما أصدق قوله وما أوضح بيانه، هؤلاء القوميون يدعون إلى التكتل حول القومية العربية مسلمها وكافرها (( يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ))[المائدة:52]، نخشى أن يعود الاستعمار إلى بلادنا، نخشى أن تسلب ثرواتنا بأيدي أعدائنا، فيوالون القومية العربية، ويقولون: إن نظامها لا يفرق بين عربي وعربي، وإن تفرقت أديانهم، فهل هذا إلا مصادمة لكتاب الله؟ ومخالفة لشرع الله؟ وتعدِّ لحدود الله؟ وموالاة ومعاداة وحب وبغض على غير دين الله؟
      الوجه الرابع: أن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن؛ لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن، فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن؛ حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك، وهذا هو الفساد العظيم، والكفر المستبين، والردة السافرة، كما قال تعالى: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً))[النساء:65].. وقال تعالى: ((أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ))[المائدة:50].. وقال تعالى: ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ))[المائدة:44] ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ))[المائدة:45] ((وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ))[المائدة:47]
      وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات. يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، حتى تؤمن بالله وحده، وتحكم بشريعته، كما قال عز وجل: ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ))[الممتحنة:4].

  22. الإلحاد

    الإلحاد -بمعنى إنكار الخالق- مرض في القلب وعمى في البصيرة، وانتكاسة في العقل وشذوذ في الفطرة، ولهذا لا يصاب به إنسان سوي فضلاً عن أمة سوية.
    ولم يكن الإلحاد ظاهرة عامة في أي عصر من العصور، ولم تعتقد أمة من الأمم السابقة قط وإنما كان الملحدون أفراداً شاذين.
    فالأمم في العصور الغابرة كان كفرها محصوراً في أمرين:
    1-            الشرك بالله تعالى وعبادة غيره معه، كالأحجار والكهان والملوك وغيرها.
    2-            الجهل بالله تعالى وبما يليق به وما لا يليق به من الصفات، كالاعتقاد بأنه له ابن أو صاحبة، أو لا يرى ولا يسمع كل شيء، أو أنه مثل المخلوقات، أو يحل في شيء منها.
    كل هذا مع الإقرار بوجود رب خالق رازق يدبر الأمر: ((قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ))[يونس:31].
    أما الاعتقاد بأنه لا إله لهذا الكون مطلقاً فهو من الضلالات الشاذة التي لم تعلنها أمة من البشر إلا المجتمعات الأوروبية في العصر الحديث، وليس كل أفرادها كذلك.
    1. أسباب ظهور الإلحاد

      للإلحاد في العالم الغربي أسباب محلية خاصة، وإنما انتقلت إلى المجتمعات الأخرى عن طريق الغزو الفكري والتقليد لما يحسبونه علماً وحضارة.
      وهذه الأسباب مترابطة متضافرة وأهمها:
      1- أن أوروبا لم تعتقد الإيمان الصحيح والدين الحق، بل تقلبت من جاهلية إلى جاهلية.
      أ‌- فمن عبادة الأوثان والآلهة المتعددة عند اليونان والرومان في عصرها القديم.
      ب- إلى النصرانية المحرفة في عصورها الوسطى.
      ج- إلى الضياع والإلحاد والجاهلية المعاصرة.
      وعليه فالدين الذي ألحدت عنه أوروبا ليس هو دين الله، وإنما هو النصرانية التي وضعها بولس ومن بعده وهي دين مملوء بالخرافات التي لا يقبلها العقل السليم والفطرة القويمة، وأعظم هذه الخرافات ما يتصل بالله تعالى كالتثليث وألوهية المسيح مع اعتقاد ولادته وصلبه، وكذلك خرافة الخطيئة والخلاص والأسرار المقدسة، هذا عدا ما حوته الأناجيل من تناقض وأخطاء علمية وتاريخية واضحة.
      ومع ذلك فقد كان مفروضاً على النصراني أن يؤمن بهذه الخرافات بلا اعتراض ولا تفكير، حيث إن شعار النصرانية الدائم (آمن أولاً ثم فكر ثانياً) هذا في العقيدة.
      وفي العبادة نجد أن النصرانية فرضت على أوروبا وغيرها (الرهبانية) وهي سلوك منافٍ للفطرة البشرية، فالخروج من هذا الدين -في حد ذاته- أمر يوجبه التفكير السليم بلا ريب، ولكن القضية هي أن البديل ليس الإلحاد، وإنما هو الإيمان بالدين الصحيح (الإسلام).
      2- طغيان رجال الكنيسة: .
      فقد جعلوا أنفسهم أرباباً للنصارى يشرعون لهم ما يشاءون ويفرضون عليهم الضرائب، ويتحكمون في عقولهم وإيمانهم بتوسطهم بينهم وبين الله، وفرض الاعتراف أمامهم بالخطايا وطلب المغفرة بواسطتهم، وغير ذلك مما يزخر به التاريخ الأوروبي.
      3- الكشوف العلمية:
      ما كان العلم يوماً من الأيام عدواً للدين ولكن الحق عدو للخرافة.
      ومنذ أن اتجهت أوروبا للكشف والبحث العلمي، كانت معركة كبرى بين علماء الفلك والطبيعة، وبين رجال الكنيسة الذين تصدوا لهم بالحرب الشعواء، لأمرين:
      أ - أن المنهج العلمي منقول عن المسلمين.
      ب- أنه يصادم ما أدخلوه في الكتب المقدسة، من معلومات باطلة عن الكون والتاريخ.
      وهكذا تعرض رواد الكشوف العلمية للاضطهاد الذي وصل إلى إحراق بعضهم بالنار.
      وكلما تقدم الزمن ثبتت صحة الحقائق العلمية، وبطلان الخرافات الكنيسية، ولكن بعض أنصار العلم اشتطوا فهاجموا الدين كله من حيث هو دين، ولم يعتنقوا -أو يحترموا- دين الله الخالد الكامل (الإسلام).
      وهكذا أوهموا الناس أن كل حقيقة تكتشف إنما هي نصر جديد للإلحاد على الدين.
      4- اليهود:
      العداوة بين اليهود والنصارى مزمنة، وكانت الكنيسة أيام سيطرتها تضطهد اليهود، بسبب فسادهم وإفسادهم، فلما كانت المعركة على الكنيسة، وجدها اليهود فرصة للانتقام منها، فوقفوا مع خصومها الملحدين. هذا من جهة، ومن جهة أخرى يخطط اليهود لإقامة ما يسمونه (مملكة داود) على أنقاض الأديان والحكومات العالمية، ولهذا كان ضرورياً في خطتهم إفساد الأميين (غير اليهود) وإبعادهم عن الدين والأخلاق، ونشر الانحلال والإلحاد بينهم.
      ولهذا كان أغلب زعماء المذاهب الإلحادية الهدامة يهوداً، كما أن اليهود يستخدمون المال والدعاية لنشر الإلحاد والفساد في العالم أجمع.
      وللإلحاد مذاهب ونظريات كثيرة، أهمها: الشيوعية في الشرق، والوجودية في الغرب، هذا عدا أن هناك ملايين من الناس في أمريكا وأوروبا، لا يتبعون مذهباً معيناً، لكنهم لا يفكرون بمسألة الدين في قليل ولا كثير، فهم كما قال الله تعالى: ((بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِينَ))[النمل:66].
  23. الشيوعية

    الشيوعية هي المذهب الإلحادي الذي أسسه ( كارل ماركس ) ومساعده ( فريد ريك انجلز ) ويقوم على إنكار وجود الله، وتكذيب الأنبياء كافة، والكفر بالأديان جميعاً.
    1. أسباب نشأة الشيوعية وانتشارها

      1- انتشار الإلحاد بعد انتصار العلم الحديث في معركته مع خرافات الكنيسة.
      2- الظلم الفظيع الذي نزل بالطبقة العاملة، عقب التحول الاجتماعي الكبير المسمى (الثورة الصناعية).
      3- التخطيط اليهودي، فمؤسس الشيوعية ( ماركس ) يهودي، وكثير من زعماء الدول الشيوعية ورؤساء الأحزاب الشيوعية في العالم يهود.
      وهكذا فكل مجتمع يشيع فيه الانحلال، ويبرز فيه التفاوت الطبقي فهو أرض خصبة للأخطار الشيوعية الهدامة.
    2. الأصول التي استمدت منها الشيوعية

      1- الفلسفة الجدلية (الديالكتيك):
      وهي فلسفة ألمانية مثالية (خيالية) تقول: إن كل شيء يحمل نقيضه معه، ويتولد من جدل النقيضين قوة ثالثة، وهذه القوة الثالثة تحمل أيضاً نقيضها وهكذا، ولكن كارل ماركس طبقها على الحياة الواقعية، فقرر مثلاً:
      أن الرأسمالية (قوة) وهي تحمل نقيضها: الطبقة العاملة، ومن الصراع بينهما تتولد القوة الثالثة: الشيوعية .
      2- النظريات الاشتراكية :
      ظهرت في أوروبا نظريات إصلاحية سميت ( اشتراكية ) وكانت رد فعل للظلم الذي يعاني منه الفلاحون والعمال.
      وقد ركب ماركس الموجة، وأفاد من هذه النظريات، ولكنه جعل نظريته تخالفها في أمرين أساسين:
      أ- أن اشتراكيته ملحدة، لا تؤمن بالدين والأخلاق المعروفة.
      ب- أن اشتراكيته -حسب زعمه- الاشتراكية الوحيدة التي تقوم على القوانين العلمية لحركة التاريخ، بخلاف النظريات الأخرى التي هي مجرد دعوات إصلاحية خيالية، ولهذا سمى ماركس الشيوعية ( الاشتراكية العالمية ).
      3- نظرية (داروين):
      وهي في الحقيقة (فرضية) لم تصل بعد إلى أن تكون (نظرية) فضلاً عن أن تكون حقيقة، هذه الفرضية تفترض أن الحياة تطورت من الكائن ذي الخلية الواحدة، إلى الإنسان، مروراً بحلقات موجودة أو مفقودة في سلسلة التطور الموهومة، وأن هذا التطور حدث دون افتراض قوة خارجية أوجدته -أي: إنكار الخالق-. وقد استخدمها ماركس، وأنجز أهم ركنين قامت عليها النظرية الشيوعية، وهما:
      أ- حيوانية الإنسان وماديته.
      ب- الحتمية (الجبرية ).
      فكما تقرر الفرضية أن تطور الحياة حتم لا إرادة للأحياء فيه، قررت الشيوعية كذلك أن حركة التاريخ (الانتقال من مرحلة إلى مرحلة كما سيأتي) حتمية لا إرادة للبشر فيها.
    3. أهم مبادئ الشيوعية

      1- لا إله والحياة مادة:
      ومضمونه إنكار وجود الله وتكذيب الأنبياء جميعاً، والكفر بكل العقائد الدينية والأخلاق المستمدة منها، وإخضاع الحياة الإنسانية لقوانين الاجتماع الحيواني، وقوانين المادة الصماء.
      2- التفسير المادي للتاريخ:
      تعتقد الشيوعية -بناء على حيوانية الإنسان- أن البحث عن الطعام هو دافع الإنسان الوحيد لكل عمل وفكرة، وأن أديان الناس وأخلاقهم ما هي إلا انعكاس لوضعهم الاقتصادي. وقسمت تاريخ الإنسانية إلى خمس مراحل حتمية:
      1- مرحلة الشيوعية الأولى.
      2- مرحلة الرق.
      3- مرحلة الإقطاع.
      4- مرحلة الرأسمالية .
      5- مرحلة الشيوعية الماركسية، التي سوف تسود العالم كله حتماً كما يزعمون.
      3- أن الواقع هو الذي ينشئ الفكرة وليس العكس:
      وتطبيق ذلك: أن كل مرحلة من المراحل الخمس تنشئ عند الناس عقائد وأفكاراً هي انعكاس ونتيجة لذلك الوضع الاقتصادي وتلك المرحلة، وهذا -كما تزعم- أمر حتمي لا مفر منه ولا نقاش فيه.
      فمثلاً: مرحلة الإقطاع لها دينها الحتمي وأخلاقها الحتمية، كالإيمان بالدين، والمحافظة على العرض وترابط الأسرة. فإذا انتقلت البشرية إلى الرأسمالية وهو أمر حتمي، فمن المحتم أن تكون ملحدة، وأن تكون المرأة عاملة، والأسرة مفككة، كما أن الاستهانة بالعرض هي الخلق الصحيح في هذه المرحلة.
      وتطبيقاً لذلك تقرر الشيوعية : أنه من المستحيل أن يوجد مجتمع زراعي بلا دين، ومن المستحيل أن يوجد مجتمع صناعي متدين.
      فإذا انتقلت البشرية مستقبلاً إلى الشيوعية -وهذا عند الشيوعيين حتم لا شك فيه- فإنه سيختفي حتماً وجود الدولة، وتختفي تماماً الملكية الفردية، والأسرة، والدين.
      وهكذا قرر ماركس، ولكن الواقع أثبت بطلان هذه الحتمية، فإن الثورة الشيوعية قامت في روسيا والصين وهما دولتان زراعيتان لم تمرا بالمرحلة الرأسمالية أبداً. وبريطانيا التي تنبأ ماركس أنها أول دولة ستقوم فيها الشيوعية نظراً لأنها أول دولة اكتملت فيها الرأسمالية، ما تزال حتى اليوم دولة رأسمالية.
      هذا فضلاً عن أن العالم -غير أوروبا - لا تنطبق عليه هذه المرحلة والحتميات، فـاليابان -مثلاً- تفوقت صناعياً على كثير من الدول الأوروبية، الرأسمالية منها والشيوعية، ومع ذلك فهي أكثر محافظة على دينها وتقاليدها وعاداتها من كثير من الدول الشرقية الزراعية، فضلاً عن الدول الصناعية.
      وألبانيا هي أكثر الدول الأوروبية تخلفاً في كل مجال، ومع ذلك فهي أكثرها تمسكاً بالحرفية الماركسية.
      وفي العالم الإسلامي بواكير صحوة إسلامية، تثبت أن بالإمكان بلوغ أعلى مستوى من التقدم الصناعي مع التمسك التام بالإسلام، وهذا من الواجب الذي لا بد للأمة الإسلامية أن تقوم به؛ لأن دينها نفسه يأمرها به.
  24. الوجودية

    الوجودية هي إحدى مظاهر القلق والضياع الذي يعانيه المجتمع الأوروبي المتمرد على الله تعالى، وهي ما تزال أكثر الفلسفات الإلحادية شهرة في العالم الغربي، على الرغم من التقدم النسبي الذي حققته الفلسفة الهدامة الجديدة، المسماة (البنائية ) أو (البنوية).
    -لماذا سميت الوجودية ؟
    الوجودية مشتقة من الوجود؛ لأن ملخص فلسفتها (أن الوجود يسبق الماهية) ومقتضى ذلك ومضمونه: أن الإنسان لا يوجد، لكي يتبع مشرعاً أو منهجاً موضوعاً له من قبل، بل وجوده نفسه هو الذي يحدد المنهج الذي يسير عليه، والسلوك الذي يتخلق به، وكل فرد حر في الاختيار والتحديد.
    ولهذا، فـالوجودية تمثل ثورة على كل الأديان والقيم والأنظمة، فهي:
    1- ثورة على النصرانية :
    لأن النصرانية ترسم للإنسان طريقه في الحياة مقدماً، من خلال انتمائه للعقيدة النصرانية، وتبعيته لرجال الدين، وإيمانه بما لا يتفق مع إرادته وعقله.
    2- وثورة على المذاهب الجماعية:
    لأنها تهتم بالجماعة، وتلغي قيمة الفرد، وتصهر الناس كلهم -على اختلاف ميزاتهم- في قالب واحد مصنوع مقدماً، والشيوعية أبرز نموذج لذلك.
    3- وثورة على المذاهب العقلية عامة:
    لأنها تغفل عن حقيقة الإنسان في نظر الوجودية وهي (الأنا الباطن) ولأن العقل هو الذي يحدد القيم الثابتة والأحكام المطلقة التي ترفضها الوجودية جميعها، ولهذا كانت كتابات الوجوديين في الغالب أدبية عاطفية، وليست فلسفية عقلية.
    الوجودية هي إحدى مظاهر القلق والضياع الذي يعانيه المجتمع الأوروبي المتمرد على الله تعالى، وهي ما تزال أكثر الفلسفات الإلحادية شهرة في العالم الغربي، على الرغم من التقدم النسبي الذي حققته الفلسفة الهدامة الجديدة، المسماة (البنائية ) أو (البنوية ).
    -لماذا سميت الوجودية ؟
    الوجودية مشتقة من الوجود؛ لأن ملخص فلسفتها (أن الوجود يسبق الماهية) ومقتضى ذلك ومضمونه: أن الإنسان لا يوجد، لكي يتبع مشرعاً أو منهجاً موضوعاً له من قبل، بل وجوده نفسه هو الذي يحدد المنهج الذي يسير عليه، والسلوك الذي يتخلق به، وكل فرد حر في الاختيار والتحديد.
    ولهذا، فـالوجودية تمثل ثورة على كل الأديان والقيم والأنظمة، فهي:
    1- ثورة على النصرانية :
    لأن النصرانية ترسم للإنسان طريقه في الحياة مقدماً، من خلال انتمائه للعقيدة النصرانية، وتبعيته لرجال الدين، وإيمانه بما لا يتفق مع إرادته وعقله.
    2- وثورة على المذاهب الجماعية:
    لأنها تهتم بالجماعة، وتلغي قيمة الفرد، وتصهر الناس كلهم -على اختلاف ميزاتهم- في قالب واحد مصنوع مقدماً، والشيوعية أبرز نموذج لذلك.
    3- وثورة على المذاهب العقلية عامة:
    لأنها تغفل عن حقيقة الإنسان في نظر الوجودية وهي (الأنا الباطن) ولأن العقل هو الذي يحدد القيم الثابتة والأحكام المطلقة التي ترفضها الوجودية جميعها، ولهذا كانت كتابات الوجوديين في الغالب أدبية عاطفية، وليست فلسفية عقلية.
    1. أقسام الوجودية

      الوجودية قسمان:
      1- الوجودية الصوفية : ويسمونها ( الوجودية المؤمنة ) وأشهر زعمائها ( كارل ياسبرز ) المتوفى سنة (1969)م.
      2- الوجودية الإباحية : ويسمونها ( الوجودية الملحدة ) وهي المقصودة إذا قيل: الوجودية بإطلاق.
      فأما الوجودية الصوفية فهي مثال المعاناة القاسية، الناتجة عن عدم الثقة في العقيدة النصرانية، مع إلحاح الفطرة على ضرورة الإيمان، دون أن تهتدي للإيمان الصحيح، فأصحابها لا ينكرون وجود الله، ولكنهم غير مقتنعين بإله الكنيسة، فراحوا يتخبطون في متاهات التصوف الهندوسي وغيره.
      وأما الوجودية الإباحية، فأصلها الفيلسوف اليهودي الألماني ( نيتشه ) المتوفى سنة (1900م) وقد كان بحكم يهوديته عدواً للنصرانية، فأعلن بجرأة أن (الرب قد مات) وحل محله الإنسان الأعلى ( سوبرمان ) الذي يمثله مجموعة مختارة من الأفذاذ، يجب أن يخضع لهم سائر الناس.
      وأعلن أن النصرانية هي أغلال وقيود، تقضي على إنسانية الإنسان وحريته، وتجعله عبداً ذليلاً لمجموعة رجال الكنيسة.
      ورأس الوجودية الإباحية في القرن العشرين هو ( سارتر ) المتوفى سنة (1980م)، وهو يهودي فرنسي، نشأ أول أمره اشتراكياً، ثم أحيا مذهب سلفه ( نيتشه ) فدعا للوجودية، ولكنه لم يستخدم العقل والفلسفة، وإنما استخدم الأدب، حيث العاطفة والحلم والأسطورة، وبذلك أتاح لفكرته رواجاً أكبر، وتجنب بها ميدان العقل، ليقيها من النقد الفلسفي الذي لا تستطيع أن تصمد أمامه.
    2. خطر الوجودية على العالم الإسلامي

      انتشرت الوجودية في العالم الإسلامي، وآمن بها بعض الشباب المثقف بالثقافة الغربية، وقد مهد لها انتشار وسائل الغزو الفكري، وضعف التربية الإسلامية والوعي الإسلامي، وكذلك التمرد وحب الظهور والمخالفة لدى الشباب.
      والوجوديون في العالم الإسلامي ينفذون من ثغرة لا يفطن لها الناس كثيراً، وهي الأدب: (الرواية، الشعر، المسرح، النقد) وهذا يفسر لنا تحول كثير من أصحاب الفكر الشيوعي وما أشبهه إلى الكتابات الأدبية.
      فالواقع أن الشيوعيين لم يتخلوا عن مذهبهم، ولكنهم اتجهوا إلى ما اتجه إليه ( سارتر ) نفسه، من المصالحة بينه وبين الشيوعية في آخر حياته، ووجد أن شعاراتهم الثورية قد كسدت، وأن المجتمعات الإسلامية لا ترضى بأية فكرة إلحادية صريحة، فلجئوا إلى التستر بالأعمال الأدبية.
      كما أنه قد تمخض عن تلاقح الماركسية والوجودية وبعض المذاهب الأخرى ظهور فلسفة إلحادية جديدة، تسمى ( البنائية ) أو ( البنوية ) يتزعمها ( كلودليفي شتراس ) وهي لا تختلف عن الوجودية في جوهرها وحقيقتها، ولكنها تدعي أنها أكثر منها شمولاً، وأعمق تحليلاً، ويزعم أنصارها أنها (فلسفة المستقبل) وأنها سوف تقضي على كل المبادئ والقيم والأحكام، وتؤسس محلها مبادئ وقيماً وأحكاماً جديدة -أي: نظرة جديدة للكون والإنسان والدين- ولهذا تسمى في الغرب ( العصرية ) وقد ترجمت إلى ( الحداثة ) وهو مصطلح خادع، وقع في شباكه كثيرون، دون علم بما يحويه من مضمون.
      فإن التحديث الذي يدعون إليه، ليس مقصوراً على اللغة والأدب -على ما في هذا من خطورة وهدم- ولكنه فلسفة ونظرة إلى الحياة والأخلاق والدين وكل شيء، وتغيير شامل للمفاهيم والأوضاع والأعراف، وثورة على كل سلطة حسية أو معنوية.
      وإن نظرة عجلى على أسماء رواد هذا الاتجاه وعقائدهم، لتكشف عن أن وراءه خطة ذكية وأصابع خفية، وأن لهم غاية لا تخفى على أحد. وهؤلاء هم أشهر الرواد:
      أدونيس : نصيري، بدر شاكر السياب : كان شيوعياً، ثم عاد قانطاً لا يؤمن بشيء.
      محمود درويش : نصراني شيوعي، سميح القاسم : درزي شيوعي، نزار قباني : وجودي إباحي، عبد الوهاب البياتي : شيوعي.
      وأن الذي يستدعي الانتباه حقاً، هو الترابط المتين بين أصحاب هذا الاتجاه في كل مكان، وكل مطلع على الحركة الأدبية المعاصرة في العالم الإسلامي يرى ذلك بوضوح.